رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مريم العذراء هي العليقة التي لا سند لها غير الله وحده بقلم:المتنيح الأنبا غريغوريوس إن في حياة العذراء الطاهرة مريم أمورا كثيرة تستثير التأمل,ويبدو فيها واضحا تدبير الله وحكمته.فمريم العذراء,وهي التي اتخذ منها المسيح جسده,وقد صاغه من دمها ليكون للاهوته ستارا وحجابا,فهي ذات مهمة في تدبير الخلاص,ففي كل خطوة من خطوات حياتها ما يقتضي أن نستخلص منه العبرة والعظة,ومانتعلم منه الهدف والحكمة. إن مريم العذراء جاء الحبل بها وميلادها متأخرا سنوات عن زواج أبويها يواقيم وحنة.لقد ظل الاثنان عقيمين فترة طويلة.وفي الوقت الذي رآه الرب مناسبا لميلادها,جاء الملاك جبرائيل ليبشر أبويها يواقيم وحنة بالحبل بها,ويعلنهما عن دورها الذي عينه الرب لها في تدبير الخلاص الذي وعد به آدم وذريته,ونزل من السماء لتحقيقه(لما تم الزمان)(غلاطية4:4). لكن هناك أمرا يستوقف النظر,هو أن العذراء مريم نذيرة للرب من بطن أمها والنذر جاء من منطوق فم أمها,وكان برغبتها ومطلق حريتها,ولم تكن في ذلك مقهورة أو مجرة(فصلت إلي الرب وبكت وبكاء,ونذرت نذرا وقالت:يارب الجنود,إن أنت نظرت نظرا إلي مذلة أمتك,وذكرتني,ولم تنس أمتك,بل رزقت أمتك زرع بشر,فإنني أعطيه للرب كل أيام حياته). ولما ظهر لها الملاك جبرائيل بنور سماوي,فيما هي تصلي,وقال لهاياحنة إن الله سمع لدعائك وصلواتك.وها أنت ستحبلين وتلدين ابنة مباركة,وسيكون لها الطوبي في جميع الأجيال,وفي كل أقطار المسكونة,ومنها يولد الخلاص من أسر إبليس,لآدم وذريته.أجابت حنة الملاك جبرائيل وقالتحي هو الرب.لو أنني رزقت بمولودة كما قلت لي,سوف أقدمها قربانا للرب الإله,لتخدمه كل أيام حياتها في هيكله المقدس.....). وحبلت حنة كقول الملاك,ثم بعد تسعة أشهر وضعت الطفلة المباركة وسمتها(مريم). وبرت حنة بوعدها,ووفت بنذرها,فما إن بلغت مريم العذراء تمام الثالثة من عمرها-وهي مدة الرضاعة القانونية كما جاء علي فم إحدي الأمهات تخاطب ابنها,علي ما ورد في الكتاب المقدس:يا بني ارحمني أنا التي حملتك في جوفها تسعة أشهر وأرضعتك ثلاث سنين(2المكابيين7:27)-حتي حملتها حنة إلي الهيكل لتكون خادمة للرب في بيته,وقد أقامت مريم في رواق النذيرين من الأطفال...وكانت أمها حنة تزوها من وقت إلي آخر تحمل إليها هداياها من طعام ولباس إلي أن بلغت العذراء مريم الثامنة من عمرها فتوفيت أمها,وكان أبوها يواقيم قد توفي قبل أمها بسنتين,أي عندما كانت العذراء مريم في السادسة من عمرها.وبهذا أمست العذراء في الهيكل يتيمة من الأبوين في الثامنة من عمرها.وظلت هناك في بيت الرب إلي أن بلغت الثانية عشرة من عمرها,وهي سن البلوغ للفتاة,والتي ينبغي فيه للفتاة أن تغادر الهيكل(لا تلامس شيئا من الأقداس,ولا تدخل القدس)(سفر اللاويين12:4)(اللاويين15:19, 20). وهنا نقف لنتأمل دقة الموقف وصعوبة القرار بالنسبة لمصير مريم العذراء,هذه الصبية الصغيرة وفي هذه السن,سن الثانية عشرة من عمرها.إلي أين تذهب هذه الصبية عند خروجها من الهيكل؟إنها يتيمة من الأب ومن الأم وليس لها بيت تذهب إليه,ولا أحد ترجع إليه كما يمكن لفتاة في مثل سنها.....؟ ولقد وقع الكهنة في حيرة من أمرها,إلي أين تذهب,وإلي من يسلمونها ليتولي أمرها...ولابد أن تكون هي نفسها قد وقعت في أزمة نفسية...لقد صارت منفردة,وليس لها أهل يأخذونها عندهم,وليس لها بيت تعود إليه... ولقد قال بعض الآباء إن ملاكا من السماء أوعز إلي(زكريا)في حلم أو رؤيا أن يجمع عصي رجال المدينة التي تنتسب إليها مريم,وأعني بها بيت لحم.وكان من عادة كل رجل أن يحمل في يده عصا يحمي بها نفسه من الكلاب والحيوانات وممن يعترضه من الأعداء وقطاع الطرق.فجمع زكريا الكاهن عصي الشيوخ والشباب من قرية بيت لحم ووضعها حسب أمر الملاك في الهيكل,وحدث في اليوم التالي أن العصا المكتوب عليها اسم يوسف النجار,أفرخت كما أفرخت عصا هرون من قبل(فأخرجت براعم وأزهرت وأنضجت لوزا)(سفر العدد17:8),(العبرانيين9:4)ولهذا السبب دعيت(مريم)في طقوس الكنيسة(عصا هرون).وزاد علي ذلك أن حمامة بيضاء جميلة جاءت واستقرت علي رأس يوسف,فكانت هذه أيضا علامة أخري علي أن مشيئة الله قد اقتضت أن يكون يوسف هو الرجل الذي كان عليه أن يتسلم مريم لتكون في كنفه وتحت حماه ومسئوليته.وكان يوسف في ذلك الوقت فوق التسعين من عمره,لأنه كما يروي السنكسار إن يوسف قد مات عندما بلغ111سنة,وكان للرب يسوع في الجسد16سنة(السنكسار تحت يوم26من أبيب),وإذن فقد كان يوسف يوم ميلاد المسيح,أو بالأحري يوم تجسده,ابن 95سنة.وعلي ذلك يكون سن يوسف عندما أخذ مريم إلي بيته نحو94 أو 93 سنة. وحرصا علي سمعة العذراء مريم رأي الكهنة وجوب عقد زواج رسمي بين يوسف ومريم. وكان في ذلك الإجراء عين الحكمة,لأنه إن حبلت العذراء.وهي في بيت يوسف دون أن يكون بينها وبين يوسف عقد زواج رسمي,أجاز ليوسف أن يجمع علي مريم الشيوخ ويرجمونها بالأحجار(سفر التثنية22:20, 21)ولكن يوسف كما يروي الإنجيل:إذ كان يوسف رجلها بارا,ولم يشأ أن يشهر أمرها,أراد أن يخلي سبيلها سرا.ولكنه فيما كان يفكر في ذلك,إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا:يا يوسف بن داود,لا تخف أن تستبقي مريم امرأتك لأن الذي سيولد منها إنما هو من روح القدس(متي1:19, 20). وهنا نتأمل ونتساءل:لماذا كان لمريم العذراء وهي التي سيتخذ الرب منها جسده,هذه الطفولة البائسة التي عانت فيها ظروفا قاسية أليمة,روحيا ونفسيا وبدنيا؟إنها كطفلة لم تعش طفولة زمانها...فهي لم تعش مع أمها غير مدة الرضاعة وهي سنوات ثلاث,بعدها ذهبت بها أمها إلي الهيكل وعاشت بعيدة عن أمها,محرومة من دفء عاطفتها,وليس أقسي علي الطفل من حرمانه من حضن أمه.فحضن الأم للطفل هو غذاؤه الروحي والنفسي والجسدي.إن حضن الأم للطفل هو غذاء ودواء. ثم أن مريم ببقائها في الهيكل حرمت من العودة إلي أمها نهائيا,ففي سن الثامنة صارت يتيمة من أبويها.وظلت في الهيكل حتي بلغت الثانية عشرة من عمرها.فلم تنعم بحضن أمها غير سنوات الرضاعة,ولم تعد إلي أمها بعد ذلك بسبب وفاة أبويها...ولما تزوجت,أخذها رجل عجوز يزيد علي التسعين من عمره بينما كانت هي صبية في الثانية عشرة,وكأنها بالنسبة له ابنة أو حفيدة,وهو جدها. هذه الملابسات البائسة التي عاشها مريم في طفولتها,ولازمتها كل حياتها إلي يوم وفاتها جعلتها حقا شبيهة بالعليقة التي رآها موسي في البرية عندما كان يرعي غنم يثرون حميه كاهن مديان...(فنظر وإذا عليقة تتوقد بالنار وهي لا تحترق.فقال موسي أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم:لماذا لا تحترق العليقة؟ورأي الرب أنه قد مال لينظر,فناداه الله من وسط العليقة.وقال:موسي,موسي.قال:ها أنذا.فقال: لا تقترب إلي ههنا.اخلع نعليك من رجليك,فإن الموضع الذي أنت قائم فيه أرض مقدسة.ثم قال:أنا إله أبيك,إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.فستر موسي وجهه لأنه خاف أن ينظر إلي الله.فقال الرب إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم....إني علمت أوجاعهم.فنزلت لأنقذهم)(سفر الخروج3:1-8). أما العليقة فهي شجرة صغيرة,أو قل هي شجيرة أغصانها رخوة,ولا قدرة لها علي أن تنتصب بذاتها,فتتعلق علي ما يجاورها... ولهذا رأت الكنيسة في مريم العذراء أنها أيضا كالعليقة لأنه لم يكن لها أب أو أم أو أحد تستند إليه أو تعتمد عليه,فكانت شبيهة بالعليقة التي رآها موسي النبي في البرية...والعليقة تتوقد بالنار وهي لا تحترق,وهكذا مريم العذراء حل فيها الله الكلمة ولم تحترق مع أن الله(إلهنا نار آكلة)(العبرابيين12:29)(من منا يسكن في نار آكلة.من منا يسكن في وقائد أبدية)(إشعياء33:14). ثم إن الله من فوق العليقة قال لموسي:إني قد رأيت مذلة شعبي...وسمعت صراخهم...إني علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم...وكان هذا القول الإلهي لموسي إرهاصا ومقدمة وإعلانا للنزول الأعظم بالتجسد الإلهي(قد رأيت مذلة شعبي...فنزلت لأنقذهم)وها هو النشيد الكنسي عن القديسة مريم العذراء. العليقة التي رآها موسي النبي في البرية والنيران تشتعل فيها ولم تمسسها بأذية مثال أم النور طوباها حملت جمر اللاهوتية تسعة أشهر في أحشاها وهي عذراء ببكورية |
|