رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاكتشاف المبكر للإدمان مؤشرات تساعدنا على اكتشاف الحالة مبكرًا هل عدم اكتشاف الحالة مبكرًا يعني الاستسلام لليأس؟ في مؤتمر الإدمان بالفيوم خلال الفترة 26، 27/11/2001 حكى لي أحد خدام الوجه القبلي عن ابن أخيه الذي بدأ طريق التعاطي، ولكن الاكتشاف المبكر للحالة وضع لها حلًا سريعًا بدون أي مجهود يذكر، فالابن يتيم الأم منذ كان عمره أربع سنوات، وتزوج أبوه ثانية ولم ينجب أولادًا من الزوجة الثانية، وكان له من الزوجة الأولى هذا الولد مع أخت له.. تربى الولد في حضن جدته أم أبيه، كما نشأ في الكنيسة كشماس محبوب من أب اعترافه. وفي سن الخامسة عشر دخل إلى المدرسة الثانوية الزراعية، وبدأ يتعرف على شلة منحرفة تدخن السجائر، وتجلس في المقاهي، ويلعبون الطاولة والذي يخسر يتحمل قيمة المشروبات، ولم يعد الابن يكفيه المصروف الذي يأخذه من أبيه، فبدأ يمد يده ويسرق من جدته التي كانت تعطف عليه كثيرًا، وأيضًا من غيرها. وفي ليلة حضر إلى المنزل متأخرًا وهو في منتهى التعب والإرهاق وكلامه متلعثم وعيناه زائغتان، ويبدو أن شخصًا آخر قد أوصله إلى المنزل وانصرف سريعًا.. ألقى بنفسه على السرير وهو يعاني من ضيق في التنفس ويشعر أن جسده يشتعل بالحرارة، ورغم إن الوقت كان شتاءًا فقد خلع كل ملابسه ماعدا ما يستر عورته.. استيقظ كل من في المنزل المكوَّن من أربعة شقق وجميعه أقرباء، وظنوا أن نهاية هذا الابن قد جاءت، وما أصعب منظر شقيقته التي أخذت تبكي بحرقة وتنتحب وتضرب رأسها في الباب وهي تصرخ لله لكيما ينقذ أخاها.. فتش هذا الخادم في ملابس ابن أخيه فوجد شريط برشام أبو صليبه وبه قرصين فقط. إذًا هذا الابن قد تناول بمفرده أو مع آخرين ثمانية أقراص، ولم تشأ هذه العائلة التي عُرِفت في البلد بالالتزام والتقوى أن تظهر بهذه الصورة المخلة، لذلك حفظوا الأمر بينهم وتركوا الابن يواجه قدره المحتوم.. نام الابن إلى وقت متأخر من اليوم التالي، واستيقظ وهو يترنح، وعندما سأله عمه عما حدث بالأمس أخذ يلف ويدور ويراوغ، إلى أن كشف له عمه عن البرشام الذي وجده في ملابسه، وعلى حد تعبير هذا الخادم إن هذا الابن بكى وضحك في لحظة واحدة.. بكى لما بدر منه وضحك لأن الله نجاه من الموت، واعترف بكل ما كان.. تقابل العم مع أصدقاء الابن وانتهرهم وهددهم بإبلاغ الشرطة إذا لم يبتعدوا عن ابن أخيه، فابتعدوا عنه، وعاد الابن إلى أحضان الكنيسة وإلى أب اعترافه الذي يحبه كثيرًا ويدافع عنه، وقد نجاه الله من الإدمان، وبسبب الاكتشاف المبكر أمكن وضع حد سريع لهذه الحالة. فكلما كانت عملية الاكتشاف مبكرًا كلما كانت أسهل في العلاج وأسرع، فالحالات الحديثة أسهل في العلاج والشفاء عشر مرات من الحالات المزمنة، ويقع عبء الاكتشاف المبكر على الأسرة، فلو كانت الأسرة مترابطة كما رأينا في القصة السابقة لسهل جدًا كشف الحالة، ولكن لو كانت الأسرة منشغلة ومفكَّكة، فالأب يعمل طوال اليوم ولا يعود إلى البيت إلاَّ في وقت متأخر، وقد تحول البيت بالنسبة له إلى فندق، والأم أُنهِكت قواها بين عملها الوظيفي وأعمال البيت، والأولاد كلٍ مع نفسه، فإنه يصعب اكتشاف الحالة مبكرًا. وهناك مؤشرات تساعدنا على اكتشاف الحالة مبكرًا، ومن هذه المؤشرات ما يلي: 1- زيادة الانفعالات العصبية والعدوانية، فلم يعد المدمن يحتمل أي موقف لا يتوافق مع مزاجه، ولا يقبل من يخالفه الرأي بعد أن صار شديد الحساسية، ولذلك فإن أي خلاف بسيط يستثيره ويكشف العدوانية التي بداخله تجاه الأسرة والمجتمع. 2- التوقف عن الأنشطة الرياضية والثقافية التي كان يزاولها الإنسان قبل دخوله في الإدمان، وإهمال الهوايات المفضلة. 3- ميل الإنسان إلى الانعزالية والانطوائية والانسحاب من الجو الأسري الذي كان مندمجًا فيه من قبل، والبعد عن المناسبات الأسرية مثل أعياد الميلاد والأعياد الدينية التي تجتمع فيها الأسرة وربما العائلة معًا، لدرجة إن الأب الذي دخل في الإدمان ينسى عيد ميلاد ابنه الوحيد، فالمدمن هو الإنسان الموجود والغير موجود في الأسرة، لأنه أصبح يعيش في عالم غريب، والمادة المخدرة تنجح وبسهولة في خلع المدمن من أسرته وأصدقائه الملتزمين، وأيضًا تنجح المادة المخدرة في ربط المدمن بأصدقاء جدد، فتتغير لغته إلى لغتهم، وعاداته الحسنة إلى عاداتهم الرديئة. 4- الكآبة لأن المدمن ينزوي بعيدًا يجتر همومه، ويعيش في أسر شيطاني لا يستطيع منه فكاكًا إلاَّ بمساعدة الآخرين. 5- إهمال المظهر العام، فلا يهتم المدمن أبدًا بأناقته في الملبس ولا بمظهره أمام الآخرين. 6- لا يهتم المدمن بطعامه، فيفقد نضارته وينقص وزنه، ويتعرض للتدهور الصحي والعقلي والعملي، ويفقد الشهية ويصاب بالهزال فيقول أحد المدمنين " عمومًا اللي بيشرب برشام لا يأكل، وفي أوقات يقعد بالثلاث أيام لا يأكل. البرشام بيسد النفس" (1)،ويصاب المدمن باصفرار وشحوب الوجه، وزيادة احمرار العينين الذي يحاول إخفاءه باستخدام القطرة أو لبس النظارة الشمسية. كما يصاب المدمن بالصداع، واضطراب الحواس، والإمساك أو الإسهال المزمن، والخمول الذهني الذي يظهر أثناء الحديث، إذ يجد صعوبة بالغة في متابعة الحديث منطقيًا ولاسيما خلال فترات تأثير المخدر، وهبوط مستوى الأداء في العمل، فإذا كان طالبًا يتعرض للتأخر الدراسي، وإذا كان عاملًا أو موظفًا يهمل عمله، ويعرض نفسه للجزاءات أو الفصل. 7- اختلال نظام النوم واليقظة، فبعد أن كان الإنسان يعيش حياته طبيعيًا يقضي يومه في العمل وليله في الراحة، فإنه بعد الإدمان تنقلب حياته رأسًا على عقب، فيمسى ليله نهارًا، ونهاره ليلًا، ويشكو دائمًا من الغثيان وعدم الاتزان والرعشة، فيقول أحد المدمنين " أنا ممكن أنام طول النهار، وممكن أقعد للصبح مش عارف أنام، وممكن أفضل يومين من غير نوم، وأنام ساعتين وأصحى يومين. أنا امبارح نايم الساعة الرابعة صباحًا، وصحيت الساعة الواحدة ظهرًا. أنا بشعر بالقلق والأرق والخوف وأحلم بكوابيس" (2) ويقول أحد تجار المخدرات " النوم ده بالذات عندي مشكلة، لأني مش بنام زي الناس، أنا بنام وعيني مفتحة، وإن حصل ونمت أقلق وأصحى، زي ما أكون بخاف من النوم" (3) ويقول مدمن ثالث "أنا ممكن أقعد 3 أيام من غير نوم، وأنام ساعة وأقعد 3 أيام أخرى من غير نوم" (4). 8- الكذب والخداع والمراوغة، فالمدمن لا يريد أن يقر ويعترف بإدمانه. إنما يريده أن يكون سرًا بينه وبين نفسه لا يعرف به أحد، وذلك حفاظًا على ماء وجهه فيظل يخادع ويراوغ في محاولة لإخفاء سلوكه السيئ والمشين، والفيصل هنا في الحكم على الشخص إذا كان مدمنًا أو لا هو التحليل المعملي، ويكفي تحليل البول، وهو عملية بسيطة وسهلة وسريعة ومتوفرة في جميع المحافظات. 9- زيادة الصرف المالي بطريقة غير مألوفة، ما يجعله يلجأ لسرقة الأموال أو الأشياء الثمينة، وإلصاق التهمة بإنسان آخر برئ، ولذلك عندما تفقد الأسرة بعض الأموال أو الأشياء الثمينة يجب أن تدقق وتسأل حتى تعرف الحقيقة. 10- العثور على بقايا مواد مخدرة مثل زجاجات الخمر أو العقاقير الفارغة، أو لفافات السلوفان، أو السرنجات.. إلخ. أو وجود آثار الحقن في الذراع فوق مسرى الأوردة أو في ظهر اليد، وإن كان البعض يحاول أن يخفيها بالوشم، وقد تنقلب آثار هذه الحقن إلى خراريج وقروح. كما قد يُصاب الحاجز الأنفي بتقرح نتيجة شم هذه المواد. وعند اكتشاف الأسرة الحقيقة المرة يجب أن تستقبل الأمر بهدوء بدون تهويل ولا انزعاج ولا شعور بالخوف والقلق، وكأن نهاية العالم قد اقتربت. بل عليها أن تتصرف بحكمة بعيدًا عن التقريع والتجريح والإهانات واللوم والتعدي على المدمن بالسب والضرب، لأن كل هذه الأمور تزيد المشكلة تعقيدًا. ويتبقى السؤال الأخير: هل عدم اكتشاف الحالة مبكرًا يعني الاستسلام لليأس؟كلا، وأذكر هنا قصة حكتها لي إحدى الطبيبات المتخصصات في مجال مكافحة وعلاج الإدمان عن شاب نشأ مدللًا جدًا، وله أربعة أخوة أكبر منه، وجميعهم ناجحون في أعمالهم، وكل منهم له خدمته القوية في الكنيسة. أما هذا الابن فقد أمضى تسع سنوات في كلية التجارة، فأمضى سنتان في الصف الأول وثلاث سنين بالصف الثاني، ومثلهم في الصف الثالث، والسنة التاسعة كانت تمثل السنة الأولى في البكالوريوس، وكان السبب الرئيسي للسقوط هو الثقة التي أولتها الأسرة لهذا الشاب، ولسان حالهم يقول "يعني هو حيطلع وحش لمين؟ " ولذلك لم يجد أي نوع من الرقابة سواء من والده الذي بلغ سن التقاعد القانوني، أو والدته ربة البيت، أو إخوته المنهمكين في أعمالهم وخدمتهم. وعندما تنبهت الأسرة وأخذت تبحث عن سبب السقوط المتكرر في الدراسة اكتشفت الحقيقة المرة إن أبنهم يدمن الأقراص والبانجو منذ تسع سنوات مع أصدقاء السوء.. بدأ طريق العلاج واليأس يخيم عليه، فرؤيته لنفسه كانت سلبية، ووضع في نفسه أنه لا يمكن أن يعود إلى حياته الطبيعية بعد سنين هذا عددها. إنما كان ينتظر السجن أو الموت من تناول جرعة زائدة، وبفضل تشجيع هذه الطبيبة الفاضلة أمضى هذا الشاب فترة الانسحاب، وذهبت به إلى بيت التأهيل بعيدًا عن أصدقاء السوء، وعادت إليه الثقة بنفسه، وأكمل دراسته وتقدم للامتحان وحصل على البكالوريوس، وعاد إلى حياته الأولى، فلا يجب أن نفقد الأمل أبدًا حتى لو فقد المدمن ثقته بنفسه. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
من أركان الحوار الأساسية الاكتشاف |
كريستوفر كولومبوس وعصر الاكتشاف |
الاكتشاف الحقيقي المثير |
الاكتشاف المبكر وتوفير أفضل علاجات سرطان الثدي بوابة الوصول لأعلى نسب الشفاء |
الاكتشاف المبكر للاعاقة السمعية |