|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ" [2]. يبدأ السفر بمحاكمة عظمى طرفاها الله والإنسان، تُستدعى فيها الطبيعة الجامدة -السماء والأرض- لتشهد هذه المحاكمة. ربما استدعى إشعياء النبي الطبيعة كما سبق ففعل موسى النبي: "أنصتي أيتها السموات فأتكلم، وتسمع الأرض أقوال فمي" (تث 32: 1). كأن إشعياء يؤكد لشعبه أن ما ينطق به إنما هو امتداد لكلمات موسى النبي الذي يعتز به كل يهودي. ولعله أراد أن يؤكد مدى قساوة قلب الإنسان وعمى بصيرته لذا يستدعى الطبيعة الجامدة للشهادة ضده، الأمر الذي أوضحه معاصرة ميخا النبي: "اسمعي خصومة الرب أيتها الجبال ويا أُسس الأرض الدائمة، فإن للرب خصومة مع شعبه" (مي 6: 2). ربما تمَّ هذا الاستدعاء من ملاك من قبل الرب للشهادة على الإنسان في قساوة قلبه. ولعل الرب نفسه هو الذي حقق هذا الاستدعاء، إذ لم يستدع هيكله المقدس ولا شريعته لتشهد عليهم بل طلب الطبيعة الجامدة التي حققت مقاصد الله وتممّت رسالتها بالخضوع له، أما الإنسان ففسد تمامًا بسبب عصيانه. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يليق الآن استدعاء السماء (للشهادة) إذ لا يوجد إنسان يسمع ويشهد لهذه الأمور]. يرى القديس إكليمنضس السكندريأن الله يستدعي الغنوسيين، أي المؤمنين أصحاب المعرفة الإلهية السماوية (السماء) كما يستدعي من انشغلت قلوبهم بالزمنيات والأرضيات. "ربيت بنين ونشأتهم، أما هم فعصوا عليَّ" [2]. الله لا يحمل مشاعر إنسانية لكنه ليس كائنًا جامدًا، إنما هو "الحب" عينه، فريد في حبه لخليقته السماوية والأرضية، خاصة حبه نحو الإنسان. لهذا إذ يتحدث معنا نحن البشر يُحثنا بلغتنا البشرية معبرًا عن حبه كما بمشاعر إنسانية حتى يمكننا التلامس معه واختبار الاتحاد والشركة معه. الله يعلم أنه ليس شيء يمكن أن يحزن الإنسان ويفقده طعم الحياة مثل شعوره بأنه قد فشل في تربية أولاده، خاصة إن قاموا ضده يعلنون العصيان عليه. مع الفارق الشاسع، يكشف الله عن مشاعره نحو الإنسان الساقط: أنه ابن محبوب، يقدم له أبوه السماوي كل إمكانيات الحياة الفائقة، لكنه يُقابل الحب بالعصيان. لقد دَعَى شعبه "الابن البكر" (خر 4: 22)، وهكذا يدعونا أولادًا له، إذ لم نأخذ روح العبودية بل روح التبني الذي به نصرخ أيها الآب أبانا (رو 8: 15). يتوقع الله فينا أن نحمل روح النبوة المتجاوبة مع أبوة الله الفريدة الحانية التي كلفته الكثير، مقدمًا ابنه الوحيد الجنس ذبيحة ليقتنينا له أبناء في مياه المعمودية. يقول القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات: [كراعٍ صالح سعيت في طلب الضال، كأب حقيقي تعبت معي أنا الذي سقط]. يُحدثنا القديس كبريانوسعن التزامنا كأولاد لله نحو أبيهم، قائلًا: [إن كنا أولادًا لله، إن كنا بالفعل قد بدأنا أن نكون هياكله، إن كنا نتقبل روحه القدوس، يلزمنا أن نحيا بالقداسة والروحانية]. يُعاتب الله أولاده من أجل عصيانهم، فإن عصيان البنين أمرّ من عصيان الأجراء والعبيد، جراحات الأحباء خاصة البنين أقسى من تلك التي يُسببها الأعداء. يرى القديس إيريناؤس أن الله خلق الإنسان كابن له يمتثل به، ويتممٍ إرادته الإلهية من نحوه، لكنه إذ يمجد الله ويقبل مشورة عدو الخير يصير ابنًا لإبليس. لهذا دعى السيد المسيح مقاوميه "أبناء إبليس" (يو 8: 44)، ونفى عنهم انتسابهم الروحي لإبراهيم (يو 8: 39). * بحسب الطبيعة -حسب الخِلْقَة- يُقال إننا أبناء الله، إذ نحن جميعًا خليقته. أما من جهة الطاعة والتعليم فلسنا جميعًا أبناء الله، إنما الذين يؤمنون به ويتممون إرادته وحدهم (أبناء). أما الذين لا يؤمنون ولا يطيعون إرادته فهم أبناء الشيطان وملائكته، لأنهم يفعلون أعمال الشيطان. القديس إيريناؤس البابا أثناسيوس الرسولي |
|