|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لك التسبيح أيها المخلص يقف شعب الله كما كل عضو منهم في دهشة أمام حب الله الفائق، الذي يقبلنا شعبه الخاص، ويقيمنا أعضاء في كنيسته ننعم بفيض خيراته، إذ يجعلها مخزن كنوز نعمه العجيبة. في ليتورجية عيد تجديد كنيسة القيامة في أورشليم وفي عيد الصليب ومزمور إنجيل أحد الشعانين، ترنم الكنيسة بالعددين 1، 2 من هذا المزمور للأسباب التالية: أ. الكنيسة هي جماعة التسبيح والفرح الداخلي؛ وصليب السيد المسيح هو مصدر الفرح والينبوع الذي يفيض علينا بروح التسبيح لله محب البشر. ب. أبواب كنيسة العهد الجديد مفتوحة لكل إنسان، أيًا كانت جنسيته، ومهما كانت خطاياه، فهي تدعو الجميع للتمتع بالصليب، حيث بذل كلمة الله المتجسد نفسه من أجل العالم كله. ج. جاءت كلمة "الصلاة" في العبرية هنا تعني أيضًا "النذر"، فإذ أعلن الله محبته العملية للبشرية، يتقبل بمسرة نذر المؤمنين بالتجاوب بالحب مقابل الحب. لَكَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ يَا اللهُ فِي صِهْيَوْنَ، وَلَكَ يُوفَى النَّذْرُ [1]. جاءت كلمة "التسبيح" هنا في الأصل تعني الوقوف في دهشة وصمت رهيب، حيث يتأمل الشعب كما المؤمن عطايا الله التي تفوق الفكر. وإذ يندهش المؤمن من عطايا الله، يقف في صمت ينتظر أن يتعرَّف على إرادة سيده الذي أفاض عليه بالعطايا. في شيء من الإطالة تحدث القديس أغسطينوس في تفسيره لهذا المزمور، بأنه يخص الشعب الذي نُقل إلى بابل أسيرًا، وينتظر تحقيق وعود الله كما جاء في إرميا بالعودة بعد 70 سنة من السبي (إر 25: 11؛ 29: 10). أمام الإنسان أحد اختيارين: إما أن يسكن في أورشليم التي تعني رؤية السلام أو في بابل ومعناها ارتباك. يقول القديس أغسطينوس: [محبتان تقيمان هاتين المدينتين، محبة الله تقيم أورشليم، ومحبة العالم تقيم بابل... الآن لنسمع يا إخوة، ونُسَبِّح، ونشتاق إلى تلك المدينة التي نحن مواطنون فيها]. * وطننا هو صهيون. أورشليم هي بعينها صهيون؛ يليق بنا أن نعرف تفسير هذا الاسم. فكما أن "أورشليم" تُفسَّر برؤية السلام، هكذا تُفسَّر "صهيون" بالمشهد أو رؤية beholding، أي رؤيا vision أو تأمل contemplation. لقد وُعدنا برؤية عظيمة يصعب تفسيرها، هذه المدينة يبنيها الله نفسه. جميلة ورائعة هي المدينة، فكم يكون الذي يبنيها أبرع جمالًا؟ "لك ينبغي التسبيح يا الله" [1] ولكن أين؟ "في صهيون". أما في بابل فلا يليق ذلك. فعندما يبدأ الإنسان يتجدد فعلًا بالقلب في أورشليم يرنم مع الرسول، قائلًا: "فإن سيرتنا (محادثتنا) هي في السماوات" (في 3: 20). يقول: "لأننا وإن كنا نسلك في الجسد لسنا حسب الجسد نُحَارَب" (2 كو 10: 3). بالفعل نحن نشتاق إلى هناك، بالفعل نترجى تلك البلد (السماء)، بكونها مرساة نذهب إليها، لئلا نصاب بالغرق في أمواج هذا البحر. بنفس الطريقة نقول بحقٍ إنها (السفينة) ترسي على الأرض، فإنها لا تزال تتموج، إما إذا بلغت الأرض تصير في أمان من متاعب الرياح والعواصف. لهذا فإنه في مواجهة تجارب هذه الرحلة، يقوم أساس رجائنا على مدينة أورشليم هذه، فلا نتحطم على صخور! من له هذا الرجاء فليغني ويقول: "لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون" [1]. القديس أغسطينوس ماذا يعني الوفاء بالنذر هنا سوى تقديم ذبيحة التسبيح والشكر مع الطاعة بفرح لوصية الله المحبوبة! * "ولك يوفى النذر" [1]، في أورشليم. فإننا سنكون هناك كاملين، أي نكون في قيامة الصديقين كاملين. هناك يوفى كل نذرنا، ليس من جهة النفس وحدها، بل والجسد أيضًا، لا يعود بعد قابلًا للفساد، لأنه لا يعود بعد ليكون في بابل، بل يصير الآن جسدًا سماويًا ويتغير... سيغلب السلام، وستنتهي الحرب. وعندما يغلب السلام، فستغلب تلك المدينة التي تُدعى رؤية السلام (أورشليم). لا يعود يوجد بعد كفاح مع الموت. الآن يا لخطورة الموت الذي نكافحه! القديس أغسطينوس يكشف هذا القول عن شوق بعض المسبيين إلى العودة إلى وطنهم، حتى يقدموا التسبيح لله في صهيون، ويوفوا النذور في أورشليم، في هيكل الرب. يرى القديس أثناسيوس أن هذا القول كان من قبل الذين آمنوا من الأمم، قائلين: كنا قبلًا نقدم التسابيح للحجارة والأخشاب والشياطين، لكن الآن تحققنا بالإيمان أنه لك وحدك يا الله ينبغي التسبيح في كنيستك الشريفة. إن لم يرتفع قلب المؤمن إلى صهيون السماوية، ويختبر عربون الحياة في أورشليم، لا يقدر أن يقدم تسبيح لله، وأن يوفي نذور الشكر له. يَا سَامِعَ الصَّلاَة،ِ إِلَيْكَ يَأْتِي كُلُّ بَشَر (جسد)ٍ [2]. كثيرًا ما يستخدم الكتاب المقدس كلمة "جسد" أو كلمة "نفس" ليقصد بها الإنسان ككل. فعندما يُقال "الكلمة صار جسدًا" يعني تأنس، صار إنسانًا له جسده ونفسه وعقله، شابهنا في كل شيء ماعدا الخطية. وعندما قيل عن يوسف "في الحديد دخلت نفسه" (مز 105: 18)، يقصد الإنسان كله حيث يُسجن الجسد وتئن النفس من الضيق. ويرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن كل خاطئ هو بشر، إذ يأتي إلى الله، ويتمتع بالشركة معه يصير أشبه بالروح. * لا يحتاج ذوو المعرفة أن نخبرهم أن في الكتاب المقدس كله يُسمَّى المسيح "الإنسان" و"ابن الإنسان" ومع ذلك، فإذا أصروا على النص "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا" (يو 1: 14) وجعلوا هذا سببًا لإلغاء أنبل سمة للإنسان (العقل) بحيث يستطيعون أن يلصقوا الله بالجسد، فقد حان الوقت لأخبرهم أن الله لابد أنه إله الأجساد فقط وليس إله النفوس أيضًا بسبب النصوص الكتابية التالية: "إذ أعطيته سلطانًا على كل جسد" (يو 17: 2)، "إليك يأتي كل جسدٍ" (مز 65: 2)، و"ليبارك كل جسدٍ اسمه القدوس" (مز 145: 21)، ويقصد بكل جسدٍ كل إنسان. ولابد أن آباءنا قد ذهبوا إلى مصر في شكل غير جسدي وغير مرئي، وأن نفس يوسف فقط هي التي وضعها فرعون في السجن والقيود، حيث إننا نقرأ أن الذين اُستدعوا إلى مصر كانوا "خمسة وسبعين نفسًا" (أع 7: 14) وأيضًا "في الحديد دخلت نفسه" (مز 105: 18) بينما النفس لا يمكن أن تُكبَّل بالأغلال. إن من يقولون هذا الكلام، ويتمسكون بالحرف، يجهلون أن الكلمات يمكن استخدامها كصور بلاغية بحيث يدل الجزء على الكل (النفس على النفس والجسد والعقل على سبيل المثال). نقرأ "فراخ الغربان" في (مز 147: 9) وهي تعني جنس الطيور كله، و"الثريا" (أي 38: 33 وما يليها)، ونجم المساء والدب القطبي مذكورة أيضًا، ويقصد بها كل النجوم وترتيبها . القديس غريغوريوس النزينزي * أيضًا "يبصر كل جسد flesh خلاص الله" ،(لو 3: 6 "يبصر كل بشر")، "إليك يأتي كل جسد" (مز 65: 2) ماذا تعني كلمة "كل جسد flesh " إلا "كل بشر"؟ وأيضًا "لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسدٍ لا يتبرر" (رو 3: 20) ماذا تعني إلا "كل إنسان لا يتبرر"؟ وهذا كشفه الرسول نفسه بصورة أوضح في موضع آخر إذ يقول: "ألستم جسديين، وتسلكون بحسب البشر؟" (1 كو 3: 3) فعندما دعاهم جسديين لم يقل: "وتسلكون حسب الجسد"، بل "حسب البشر" لأنه بالحق لو كان من يسلك "حسب الجسد" يستحق اللوم، ومن يسلك "حسب البشر" يستحق المديح، لما قال لهم موبخًا "وتسلكون حسب البشر". أنصت يا إنسان. لا تسلك حسب البشر، بل حسب (الله) الذي خلقك . القديس أغسطينوس * كيف نفهم: "إليك يأتي كل جسد"؟ يُقصد بكل جسد "كل نوع من الجسد". هل يأتي أناس فقراء، ولا يأتي أغنياء؟ هل يأتي وضيعون، ولا يأتي عظماء؟ هل يأتي أميون، ولا يأتي متعلمون؟ هل يأتي رجال، ولا تأتي نساء؟ هل يأتي سادة، ولا يأتي عبيد؟ هل يأتي شيوخ، ولا يأتي صغار؟ أو يأتي صغار، ولا يأتي شباب؟ أو يأتي شباب، ولا يأتي صبيان؟ أو يأتي صبيان، ولا يأتي أطفال؟ في اختصار هل يأتي يهود ولا يأتي يونانيون؟ أو يأتي يونانيون ولا يأتي رومانيون؟ أو يأتي رومانيون ولا يأتي برابرة. كيف تأتي أعداد من كل الأمم إليه، ذاك الذي قيل عنه: "إليك يأتي كل بشرٍ"؟ القديس أغسطينوس يرى الأب غريغوريوس الكبير في هذه العبارة نبوة عن قبول كل الأمم للإيمان، حيث تصير الأرض وملؤها للرب ومسيحه. تبقى الكنيسة تصلي من أجل كل البشر لا للتكتل، وإنما للتمتع بالشركة مع الله. هذه الصلاة مقبولة لدى الله، يسمع لها ويستجيب. * ستمتلئ هذه الشبكة تمامًا عندما تكشف كل عدد الجنس البشري في نهاية الزمن. سيحضرها الصياد ويجلس على الشاطئ، لأنه كما أن البحر يشير إلى الزمن الحاضر، فإن الشاطئ يشير إلى نهايته. البابا غريغوريوس (الكبير) أخيرًا، يمكننا أن نلمس من هذه العبارة أن رجال الله كانوا بروح النبوة يترقبون بشغف ويُصلُّون دومًا لأجل تمتع كل البشرية بالشركة مع الله. كان يصعب على اليهودي العادي أن يصرخ إلى الله لكي يأتي كل بشرٍ إليه، لكن رجال الله كانوا يجدون مسرتهم في تحقيق الوعود الإلهية بخلاص العالم كله. آثَامٌ قَدْ قَوِيَتْ عَلَيَّ. مَعَاصِينَا أَنْتَ تُكَفِّرُ عَنْهَا [3]. يترجمها البعض: "كلمات الخطاة تسحقنا". فغير المؤمنين لن يكفوا عن مقاومة الحق الإلهي واضطهاد المؤمنين بوسيلة أو أخرى. لكن إن كان الذين بلا ناموس يستخدمون كل وسيلة ليقضوا على المؤمنين، ويفسدون إيمانهم، إذ يتقدم المؤمنون إلى الله فيغفر لهم ما سقطوا فيه بسبب الأشرار. جاءت الترجمة السبعينية: "كلمات العصاة قد قويت عليَّ" وجاءت في نص القديس أغسطينوس "حوارت الظالمين قويت عليَّ". هنا يقف القديس أغسطينوس في مرارة من جهة الذين ينشأون في مناطق وثنية أو في بيئات شريرة، فيتربى الأطفال على الشر، لكن الله لا يتركهم في الفساد. إنه يفتح لنا باب الخلاص ويعلن لهم نفسه كغافرٍ للخطايا. يقول القديس أغسطينوس: [الإنسان أينما وُلد، يتعلم من تلك البلد أو المنطقة أو المدينة اللغة والأخلاقيات وطريقة الحياة في ذلك الموضع. ماذا يفعل صبي يُولد بين وثنيين لكي يتجنب عبادة حجر، مادام والديه يوحون إليه بهذه العبادة؟ يتعلم منهما أول الكلمات التي يسمعها منهما، بل ويتعلم الخطأ مع اللبن الذي يرضعه... لذلك فإن الأمم التي تحولت إلى المسيح بعد ذلك، وقد حملوا في قلوبهم اللاتقوى التي لوالديهم، يقولون الآن ما قاله إرميا نفسه: "إنما ورث آباؤنا كذبًا وأباطيل، وما لا منفعة فيه" (إر 16: 19). عندما أقول إنهم الآن يقولون هذا، فإنهم يجحدون أفكار آبائهم الأشرار وتجديفاتهم.] "مَعَاصِينَا أَنْتَ تُكَفِّرُ عَنْهَا". لا يبرر المؤمن خطاياه وسقوطه بمقاومة إبليس وقواته ضده، إنما يعترف بخطاياه أمام الله، واثقًا أنه غافر الخطايا والمعاصي. وكما يقول ميخا النبي: "من هو إله مثلك غافر الإثم، وصافح عن الذنب لبقية ميراثه" (مي 7: 18). ليس من طريق للخلاص إلا الركوض إلى الله، والالتصاق به، والاعتراف بالخطايا والآثام من كل القلب. وقد تحقق هذا الخلاص بعمل السيد المسيح الكفاري على الصليب. * "معاصينا أنت تكفر عنها". أنت هو الكاهن، وأنت هو الذبيحة. أنت مقدم (الذبيحة)، وأنت هو التقدمة. القديس أغسطينوس طُوبَى لِلَّذِي تَخْتَارُهُ وَتُقَرِّبُهُ لِيَسْكُنَ فِي دِيَارِكَ. لَنَشْبَعَنَّ مِنْ خَيْرِ بَيْتِكَ قُدْسِ هَيْكَلِكَ [4]. إن كان العدو يريد أن يسلبنا كل شيءٍ، فإننا إذ ندخل بيت الرب، تنفتح أمامنا أبواب السماء، ونرى الهيكل الأبدي، وننعم بالخيرات السماوية. بالدخول في بيت الرب، نختبر الحياة السماوية المطوَّبة، وندرك أن دخولنا ليس عن فضلٍ منا، وإنما خلال حب الله الذي اختارنا وقرَّبنا إليه، وجعلنا أهل بيته. تُقدَّم الطوبى لا للشعب ككلٍ فقط، بكونه جسد المسيح، وإنما لكل مؤمنٍ حقيقي أيضًا، بكونه عضوًا في هذا الجسد المطوَّب. "طُوبَى لِلَّذِي تَخْتَارُهُ". يرى القديس أغسطينوس أن كلمة الله إذ تجسد لأجلنا اختاره الآب، لكي نتمتع نحن أعضاءه المتحدين معًا فيه دون انشقاق بهذا المركز. باتحادنا فيه نتمتع باختياره كاختيار لنا. "إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 4: 13). * الذي تقرَّب إليه؛ وهو ليس بدوننا، نحن أعضاؤه تحت رأسٍ واحدٍ يحكمنا، وبروحٍ واحدٍ نحيا جميعنا، وأبوة واحدة كلنا نشتاق إليها... فماذا يعطينا؟ "يسكن في ديارك"، أي في أورشليم، الذين يسبحون لكي يبدأوا في الخروج من بابل. "ليسكن في ديارك. لنشبعن من خير بيتك". ما هي خيرات بيت الله؟ ليتنا يا إخوة نضع أمامنا بعضًا من غنى البيت. يا لكثرة الخيرات التي تملأ البيت. يا لفيض الأثاثات التي يُجهز بها، وضخامة عدد الأواني الذهبية والفضية أيضًا. كم من خيول وحيوانات، وباختصار يا لكثرة ما يبهجنا به البيت من لوحات ومرمر وأسقف وأعمدة ودواليب وحجرات... مثل هذه بالحقيقة أمور مطلوبة، لكنها لا تزال موضوع ارتباك بابل. لتقطع كل هذه المشتهيات يا مواطن أورشليم، اقطعها، إن أردت أن ترجع، لا تدع السبي يبهجك. لكن ألست بالفعل أردت أن تخرج منه؟ لا تنظر إلى الوراء، لا تتلكأ في الطريق. هناك (في بيت الله) لا يوجد أعداء يزكونك في السبي والرحيل. ليس بعد من يقفون ضدك بأحاديث الأشرار. فإن بيت الله يشتاق إليك. لا تشتهِ مثل هذه الأمور التي اعتدت أن تطلبها سواء في بيتك أو في بيت قريبك أو في بيت نصيرك. القديس أغسطينوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 65| لك التسبيح أيها المعتني بنا |
مزمور 65| لك التسبيح أيها الخالق |
مزمور 56 - التسبيح لله وسط الكون |
مزمور 52 - التسبيح لله |
مزمور 34 - أسباب التسبيح |