رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التسمية والمفاهيم الصحيحة للخطايا وبهذه التسمية وهذه التغطية، تهتز المبادئ والقيم عندهم. عن الخطية المكشوفة والمعروفة، من السهل مقاومتها وتجنبها. وهي تتعب الضمير السليم، حتى أنه إن وقع فيها الإنسان، من السهل أن يتركها.. لذلك فإن الشيطان -الحكيم في الشر- يعمل على تغيير القيم من جذورها.. وبتسمية الخطية بغير اسمها، يدخل مع البشر في حرب مسميات. وتزداد خديعة الشيطان، إن استطاع أن يجعل من هذه التسمية مفهوما شائعا بين الناس، وهذا اخطر، إذ ينتشر بين الكثيرين يرددونه بلا وعى. وهذه التسميات هي خديعة مقصوده من جهة الشيطان أو دعاة الشر. أما من جهة العامة، فقد تكون الخطية هنا جهلا منهم يحتاج إلى توعية روحية، أو يكون انقيادا غير حكيم، وانسياقا بغير عمق، يحتاج إلى قوة في الشخصية، سواء في الفكر أو في التصرف، حتى لا تشدها الدوامة، وحتى لا تسير مع التيار أينما اتجه. وهكذا فغنه نتيجة لخداع الشياطين وأتباعهم من محاربي الفضيلة.. نجد أن قيما كثيرا، تحتاج إلى توضيح مفهومها. أي أننا ندخل مع هؤلاء في حرب تعريفات definitions، بحيث لابد أن نعرف: ما هو مفهوم هذه الفضائل أو القيم؟ ما هو المقصود بها؟ ما هو مضمونها أو تحديد معناها بالضبط؟ حتى لا يكون هناك خطأ واضح في التطبيق، وبما يتنازعه. تفسيرات متضادان بالنسبة إلى فضيلة واحدة. ومن أمثلة هذه الفضائل التي تحتاج إلى تحديد معناها: ما هو مفهوم الحرية مثلا؟ وما هو مفهوم القوة؟ وما مفهوم العظمة والكرامة؟ كذلك ما معنى الانتصار؟ وما معنى الرجولة والبطولة والشجاعة؟ وما معنى النجاح؟ وما معنى الطموح؟ كلها قيم عظيمة. ولكن الناس يختلفون في مضمونها ومعناها، هذا بافتراض حسن النية. وبناء على ذلك يقع البعض في الخطية، بفهم خاطئ، بينما يتحاشاها البعض الآخر بمفهوم سليم. تحت اسم الحكمة مثلا، كم خطايا تختبئ؟ يقع الإنسان في التملق وفي الجبن وفي الرياء، ويسمى هذه حكمة. ويقع في مجاراة الشر، والسير في التيار العام الخاطئ، ويسمى هذه أيضًا حكمة. وقد يستخدم الكذب والخديعة واللف والدوران، ويعتبر أن هذه حكمة منه، يكفى أنها أوصلته إلى غرضه أو حفظته في أمان. وكأن الوصولية أيضًا حكمة! وهنا يكون قد أخطأ مفهوم الحكمة! لأن الشر ليس حكمة. لأنه ليس من الحكمة أن يخسر الإنسان الملكوت، من اجل أي غرض زائل على الأرض. وصدق الرسول حينما قال: لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله (1كو 3: 19). وهى ليست جهالة فقط، بل هي أيضًا سبب عقوبة "لأنه مكتوب الآخذ الحكماء بمكرهم والدهاء والحيلة، ليست هي حكمة روحية، فابتعد عنها. لأن الحية كانت "أحيل حيوانات البرية" (تك 13). وكانت شيطانا.. استخدام يعقوب الحكمة البشرية، فأوقعته في خطايا كثيرة. بتلك (الحكمة) أقصد بالحيلة والدهاء، تحايل حتى سرق البكورية من أخيه، بأسلوب خال من الحب الأخوي (تك 25: 30 - 34). وبنفس (الحكمة) خدع أباه حتى سرق منه البركة بدلا من أن يأخذها أخوه (تك 27). واشتركت معه في ذلك أمه رفقة. وبنفس الحكمة أيضًا، أخذ من خاله لابان كل ما ولدته الغنم (تك 30: 31 - 43). ولم يكن في هذه النقطة بالذات أمينا مع خاله لابان.. إنها نفس طريقة الحيلة البعيدة عن براءة البساطة.. كم تحتاج مثل هذه (الحكيم) أن تتوب عن حكمته. لو أنه سمى الأمور بأسمائها الحقيقية، وقال عن هذا احتيال أو دهاء أو مكر، أو اعتماد على ذراع بشرى، لأمكن أن يتوب. أما أن يسميها حكمة، فهذه تسمية تغطى على الخطية، ولا تساعده على التوبة.. صدقوني إن الحكيم في عيني نفسه، من الصعب أن يتوب. لأنه لا يرى فيما يفعله خطية. بل يرى أن تصرفاته تدل على ذكاء وحسن تصرف! وهل من المعقول أن يتوب الإنسان عن الذكاء وحسن التصرف؟ كلا، بل إن الناس يقصدونه ليعلمهم كيف يصل، ويصبح مرشدا إلى طرق خاطئة وأكثر من هذا، أنه قد يفتخر بحكمته هذه، وكيف استطاع أن يستخدم عقله للحصول على ما يريد. وينطبق عليه قول الكتاب: مجدهم في خزيهم (فى 3: 19). الذي تنسحق نفسه بسبب الخزي من أخطائه، هذا يمكنه أن يتوب. أما الذي يرى في هذا الخزي مجدا له وفخرا، فسوف يستمر فيما هو فيه، راضيا عن نفسه. ومثال ذلك التاجر الذي يفتخر بأنه استطاع أن يلعب بالسوق ويكذب والموظف الذي يفتخر بأنه طوى رئيسه بأسباب ملفقة عرضها عليه، فانطلت عليه الحيلة وصدقه. وكذلك الذي يفتخر بأنه يستطيع أن يمثل أي دور على أي أحد، ويكسب الموقف بتمثيله المتقن. أو كالشاب الذي يفتخر بأنه يستطيع أن يسقط أية فتاة مهما كانت متدينة؟! كيف يمكن لهذا الإنسان أن يتوب، إن كان يفتخر بأخطائه؟! يذكرني هذا بالشياطين التي تفتخر بإسقاطها للقديسين! لقد كان الفريسيون في حرفيتهم، يفتخرون بأنهم يسيرون في أصعب طريق، ويضيقون على أنفسهم. حتى أن بولس الرسول حينما كان يتكلم عن ماضية قال "حسب مذهب عبادتنا الأضيق عشت فريسيًا" (أع 26: 5). بينما السيد المسيح وبخ الفريسيين على تحميلهم الناس أحمالًا ثقيلة، فما دخلوا، ولا جعلوا الداخلين يدخلون (مت 23). إن الفريسيين كانوا يفتخرون بحرفيتهم، لذلك لم يتركوا الحرفية، بل اعتبروها تدقيقا في أمور الدين، وتشددا في التدين. كان لها اسم آخر، يغطيها ويحامى عنها..! وكذلك كل خطية، يمكن أن يكون لها اسم آخر، يحتمي به الخاطئ فلا يتوب.. فالتدخين لا يظهر على أنه قتل للصحة، وعبودية للإرادة، وإضاعة للأموال، وإنما يأخذ اسم المتعة وإراحة النفس، وهو أسم لا يتعب الضمير كثيرًا. والرقص يأخذ اسم الفن، ومحترفوه يسمون أهل الفن والفنانين. كذلك الرسوم العارية التي تعثر كثيرين، هي أيضًا فن لا غير..! وما شبه هذا كثيرا جدًا. وخطية الزنى هي أيضًا تلبس ثياب الحملان، وتحمل اسم الحب. ويخلط مقترفوها بين الحب والشهوة. وإعلان عمل الخير أمام الناس لكسب مديحهم، لا يؤخذ على أنه رياء، إنما يلبس ثياب الحملان، ويأخذ اسم القدوة الحسنة، والتعليم العملي، وتقديم صورة الله للناس.. وعدم إعثارهم. وتحت اسم الدعابة والمزاح، تستتر أيضًا خطايا كثيرة. يتهكم إنسان على آخر، يجرح شعوره، ويتخذه مجالا لضحكه، ويضحك عليه الآخرين غير مبال بوقع كل هذا عليه.. وإن لمته، يقول إن هذا مجرد مزاح ودالة وعشم! وهكذا يسمى عدم احترام الناس مزاحا. وقد يسرق ويخفى أو يأخذ أشياء يملكها غيره، ويقول: كنت أمزح معه. وقد يتصرف شاب مع فتاة بعض تصرفات جنسية غير لائقة، يقول كنت أمزح معها. وكل أنواع الهزل غير اللائق، تدخل تحت اسم المزاح والدعابة، وقد تشمل أي أحد مهما علا مركزه. حتى الله نفسه بالتجديف على اسمه، قد يعتذر عن هذا بأنه دعابة. وتدخل كلها تحت اسم خفة الدم، واللطف، وخفة الروح؟! وتسأل أليس لهذا المزاح حدود؟ فلا تجد جوابا.. ومن الناحية المضادة، تلبس القسوة أيضًا ثياب الحملان. فقسوة الأب على ابنة، لا تظهر تحت اسم قسوة. إنما تحت اسم الحزم والتأديب، ويجد لها هذا الأب القاسي مفهومًا خاصًا في قول الكتاب "فيرعاهم بقضيب من حديد" (رؤ 2: 27). وينسى قول المزمور "لا تؤدبني بسخطك" (مز 6: 1). وينسى الكلام عن عطف الأب (مز 103). وقد يقتل أب ابنته الخاطئة، ولا يسمى هذا الأمر جريمة قتل، وإنما يسميها غسلا ومحوا للعار، ودفاعا عن الشرف..! مجرد ثياب حملان لإراحة الضمير وتبرير العمل.. واضطهاد من يخالف في الرأي أو العقيدة، يسمى غيرة مقدسة. وهكذا يأخذ اسمًا آخر يصير فيه فضيلة. وفي هذا قال السيد المسيح "تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله" (يو 16: 2). وبهذه التسمية الجديدة كان شاول الطرسوسى يريح ضميره في كل أنواع القسوة التي قام بها (أع 26: 9-11). وقد قال في ذلك عن نفسه في افتخارات ماضية "من جهة الغيرة، مضطهد الكنيسة" (في 3: 6). وبالمثل فغن كثيرا من ألوان الغضب والنرفزة، قد تأخذ اسم الدفاع عن الحق، والدفاع عن النظام، والدفاع عن الكرامة. ولكنها ثياب حملان لا تتعب الضمير! والحياة العابثة قد تختفي وراء اسم [الحرية]. وربما الابن الضال الذي ترك بيت أبيه، قد ظن أنه يمارس حريته الخاصة، ويجرب الحياة ويختبر..! والوجوديون في كل أخطائهم يتعللون بهذا أيضًا: ممارسة الحرية، والشعور بالكيان الشخصي، الشعور بوجودهم! وتحت هذا الاسم يقترفون كل أنواع الإباحية، والاعتداء على حريات الآخرين. وصدق الذي قال "كم من جرائم اقترفت باسمك أيتها الحرية!". |
|