|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مقدمة عن سفر نحميا
مقدمة السفر إله كل تعزية مقدمة في سفر نحميا الخلفية التاريخية كاتب السفر من هو نحميا؟ نحميا القائد سماته جدول تاريخي شخصية نحميا 1. وحدة الحياة 2. الأمانة 3. رجل عمل 4. تحدي عدو الخير وعدم الارتباك بمقاومته له 5. إيمانه بالعمل الجماعي 6. رجل النظام والترتيب 7. نحميا له سمات القائد الحي نحميا رمز للسيد المسيح الخادم أقسامه دروس من سفر نحميا سمات صلاة نحميا سفر التذكرة النجاح هبة إلهية رحلتا الحرية صلوات نحميا من وحي سفر نحميا أورشليم العروس المحبوبة بنو الغريب يبنون أسوارك صورت أسوارك على يدي إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري مكانًا مكرمًا المسيح سور أورشليمنا المياه تتحول إلى سور! جعلتك اليوم أسوار نحاس على كل الأرض سور التمييز سور الوصايا سور أورشليم العليا أسوار الأعداء نحميا هو القائد للدفعة الثالثة والأخيرة للعائدين من السبي إلى أورشليم (حوالي عام 445 أو 444 ق.م.، جاء بعد حوالي قرن من عودة أول فوج لليهود)، والمهتم بسور مدينة الله المهدمة وأبوابها المحروقة بالنار، يدعونا إلى حقيقة هامة تمس حياة كل مؤمن. لقد أدرك نحميا أن رسالته الحقيقية أعظم من أن يكون ساقيًا لأعظم ملك في ذلك الحين، ومشيره الخاص، صاحب الدالة العظيمة. أدرك خلال قلبه النقي الناري أن له رسالة أعظم من قبل الله، وهي أن يتمم عملًا فوق كل قدراته ومواهبه وإمكانياته. دُعي لإعادة بناء سور أورشليم، وإعادة بناء المجتمع نفسه. إنه مدعو لتحقيق أمورٍ تبدو مستحيلة تمامًا! يقدم لنا سفر نحميا حقيقة الله "إله المستحيلات"، العامل في كل عصور في الهزيع الأخير حينما تقف كل الأذرع البشرية في عجزٍ تامٍ. ليس من إنسان لا يُهاجم من حين إلى آخر بحالة من الإحباط. نحميا يكشف لنا عن إلهنا أنه رجاء من ليس له رجاء، يستبدل باليأس روح الرجاء والفرح والنصرة بالرب. عندما ندخل في دوامة الشعور بالعجز التام، ونحسب أن الظروف المحيطة بنا مستحيلة تمامًا. يقدم لنا الله هذه الرسالة: "عند الناس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله، لأن كل شيءٍ مستطاع عند الله" (مر 10: 27). إنه يعمل من أجل كل البشرية، خاصة من أجل كنيسته، ويهتم بكل شخصٍ كأنه ليس في العالم آخر غيره! جاء اسم "نحميا" يكشف عن جوهر السفر كله. فكلمة "نحميا" تعني "يهوه هو النياحة أو الراحة أو التعزية". يدور السفر كله حول دور الله في حياة الكنيسة كما في حياة المؤمن. فمن يود التعزية الصادقة يلجأ إلى الله واهب التعزية، ويثق في وعوده، فتفيض التعزيات الإلهية فيه، وتتفجر لتغمر الآخرين أيضًا بها. وكما يقول الرسول بولس: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة، وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله، لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (2 كو 1: 3-5). "اذكرني يا إلهي من أجل هذا، ولا تَمحُ حسناتي التي عملتها نحو بيت إلهي، ونحو شعائره" (14:13). بعد موت سليمان انقسمت مملكة إسرائيل إلى: 1. المملكة الشمالية (إسرائيل) 10 أسباط سباهم الأشوريون عام 722 ق.م. قبض شلمنأسر الخامس على هوشع ملك إسرائيل وسَبَى إسرائيل في حلح وخابور ونهر جوزان وفي مدن مادي (2 مل 17: 6، 18). كما افتخر سرجون الثاني Sargon II بأنه حمل 27290 شخصًا من إسرائيل، وأحل محلهم أشخاصًا من شعوب أخرى من منطقة ما بين النهرين أو الموسبتاميا Mospetamia (المصيصة) وسوريا. 2. المملكة الجنوبية (يهوذا) تضم سبطي يهوذا وبنيامين، سباهم البابليون عام 586 ق.م. قيل عن نبوخذنصر: "وسَبَى كل أورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة البأس عشرة آلاف مسبي وجميع الصناع والأقيان. لم يبقَ أحد إلا مساكين شعب الأرض" (2 مل 24: 14) "سباهم ملك بابل إلى بابل" (2 مل 24: 15). في عام 539 ق.م. هزم الفارسيون بابل، وشجع ملك فارس اليهود على العودة، فعاد حوالي 50000 شخصًا ليبدأوا بناء الهيكل، فوضعوا الأساسات ولم يكملوا العمل. بعد 16 سنة أرسل الله نبيين هما حجي وزكريا لحث الشعب على العمل، الذين بنوا لهم قصورًا وبيوتًا وأهملوا بناء بيت الرب. في عام 458 عادت مجموعة أخرى من اليهود تحت قيادة عزرا الذي بذل كل الجهد لإصلاح الشعب روحيًا لكنه وجد مقاومة. حوالي عام 445 ق.م. أرسل الله نحميا، ودعاه لبناء سور أورشليم المهدم. بدون السور لا يمكن أن تُحسب أورشليم مدينة. البعض يضع عزرا بعد نحميا، لكن الواضح غير ذلك. أتم نحميا العمل في 52 يومًا بالرغم من مقاومة الأعداء وتخاذل الشعب. قام ببناء الهيكل بالرغم من مقاومة بني موآب، وبني عمون والأشوريين والعرب، كما استعانوا بعد ذلك بالسامريين. قاوم نحميا هذه الجيوش بالإيمان بالله، وتحصَّنت أورشليم بعد 142 عامًا من خرابها عام 586 ق.م. كاتب السفر حسب التقليد اليهودي الأسفار الأربعة: أخبار الأيام الأول والثاني وعزرا ونحميا في النص العبري سفر واحد،، كتبه عزرا الكاتب. للسفرين الأخيرين طابع مشترك ونظرة مشتركة، لهذا يرى كثير من الدارسين أن واضع هذا السفر هو الكاتب عزرا، بوحي من الروح القدس. وقد اعتمد على مستندات وأخبار الملوك والممالك المعاصرة له، هذا بجانب اقتباسه مذكرات نحميا الشخصية، حيث يكتب بصيغة المتكلم المفرد. الفترة ما بين نهاية عزرا وبداية نحميا ربما تناسب الأحداث الواردة في عزرا (4: 7-23) والتي تنتهي بخراب السور المقام مع بعض المباني الأخرى. يرى البعض أن جزءًا كبيرًا من السفر كُتب بلغة المتكلم دلالة على أن نحميا هو الكاتب. والأرجح أن نحميا كتب السفر بمعاونة عزرا. من هو نحميا؟ كان علمانيًا -إن صح هذا التعبير- وليس كعزرا الذي كان كاهنًا وكاتبًا، لكن دوره لا يقل عن دور عزرا. وُلد في السبي، وصار ساقيًا (تراشتا) للملك أرتحشستا. احتل هذا المركز العظيم ربما خلال تأثير أستير التي كانت على قيد حياة، وهي زوجة أب الملك. كان ساقي الملك، يذوق الخمر قبل الملك حتى يطمئن أنه غير مسموم. وكان هذا المركز مرموق في العصر الفارسي، لأن الملك يأتمنه على حياته. غالبًا ما كان ساقي الملك خصيًا، ربما هذا يفسر عدم الإشارة إلى عائلة نحميا. لم يكن قلب نحميا متكبرًا رغم مركزه المرموق، لكنه كان رجل صلاة يشعر بالدعوة لخدمة شعبه الذي انحل روحيًا. كان مستعدًا أن يترك ترف القصر ليذهب إلى شعبه يسندهم في بناء سور المدينة، كما في إصلاح الشعب نفسه. إذ سمع بحال أورشليم جلس مع نفسه وناح وصام وصلى لله، فأعطاه نعمة في عيني الملك الذي قدم له رسائل توصية، وأطلقه لبناء سور أورشليم. وقد ذهب كحاكمٍ ملكيٍ معين من قبل إمبراطور فارس. بينما اهتم عزرا بالإصلاح الديني للشعب، اهتم نحميا بالإصلاح السياسي والجغرافي، لكن بلا فصل عن الجانب الروحي والأخلاقي. ترك نحميا فارس في السنة العشرين من الملك أرتحشستا (1:2)، وعاد إليها في السنة الثالثة والعشرين من ملكه (6:13)، وتركها ثانية ليذهب مرة أخرى إلى أورشليم بعد عدة أيام (6:13). بنى السور بالرغم من مقاومة الأعداء له؛ كان عزرا قد سبقه إلى أورشليم بحوالي 13 عامًا. اهتم نحميا أيضًا بالبناء الداخلي للشعب ثم عاد إلى شوشن العاصمة، ولم يبقَ فيه طويلًا، إذ رجع إلى أورشليم كحاكمٍ عامٍ! إذ رجع للمرة الثانية إلى أورشليم وجد في الفترة التي ترك فيها أورشليم حدثت تجاوزات خطيرة. حقًا لقد استطاع أن يعيد بناء سور أورشليم في الفترة السابقة خلال 52 يومًا، وقضى 12 عامًا للإصلاح الروحي والاجتماعي (5: 14)، مع هذا ما أن تركهم إلى حين حتى اختلت المعايير الروحية. بناء السور يحتاج إلى أيامٍ معدودةٍ لا تتجاوز الشهرين، أما بناء سور النفس البشرية فيحتاج إلى سنوات! بقي نحميا حاكمًا على يهوذا على الأقل 12 سنة (5: 14) يخبرنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس أنه عاش إلى سن الشيخوخة كحاكم ليهوذا. نحميا القائد صار نحميا قائدًا مدنيًا معينًا من قبل الملك الفارسي، وكان يمثل القيادة الروحية الحقيقية. * لم يشغله مركزه، بل ما شغله هو آلام إخوته. ترك نحميا الحياة السهلة المترفة الآمنة داخل القصر ليمارس حياة التعب والآلام، لذا صار مصلحًا حقيقيًا. * يقدم لنا نحميا صورة حيَّة للإنسان الذي يمزج حياته العملية بالروحية، فيظهر كرجل صلاة يتكل على الله الذي ينجح الطريق، لكن ليس في رخاوة. إذ كان يؤمن بالصلاة، لم يوجد عيب في شخصيته، بل كان شجاعًا في الرب. يقدم لنا مفهومًا حيًّا للتكريس: تكريس القلب واليدين. القائد الحي هو رجل صلاة وعمل، يقود من هم حوله ليحملوا ذات الروح. لم يُولد نحميا قائدًا، ولم يكن من نسل ملكي مثل زربابل، ولا كهنوتي مثل عزرا، ولا إداري مثل دانيال رئيس الوزراء، إنما حبه الشديد لشعبه وغيرته على المقدسات جعلت منه قائدًا. تعلم القيادة خلال الرُكب المنحنية، والصمت، والدموع، والصراخ لله لا الناس. مارس الصلاة تحت كل الظروف (في 6:4). فعندما سمع الأخبار السيئة (4:1-11)، التجأ إلى الصلاة يطلب مشورة للعمل. وعندما وقف أمام الملك أرتحشستا (4:2)، آمن أن الصلاة تفتح الطريق أمامه. وعندما وجد مقاومة (4:4، 9)، وثق أن الصلاة تهبه حكمة ونصرة. وعندما وُجهت ضده اتهامات باطلة (8:6، 9)، عرف أن الصلاة ترفعنا فوق الأحداث. وعندما أكمل العمل (14:13)، أدرك أن الصلاة تهب فهمًا. * كان رجل عمل: تحرك إلى موقع العمل سرًا (11:2-15). يقوم بتشجيع الطاقات للعمل: "هلم فنبني سور أورشليم، ولا نكون بعد عارًا" (17:2). كما قام بتنظيم طاقات العمل ليعرف كل واحدٍ دوره (1:3-32). لقد أدرك عظمة عمله وتحديه للمقاومة (3:6)، إنه عمل الرب (14:4). قام بالعمل مع الحراسة في يقظةٍ (16:4). * يؤمن بالعمل الخارجي (السور) مع الداخلي. * جاهد مع الله بالعبادة الحقيقية، ومع الملك بالأمانة في العمل مع الشجاعة في تواضعٍ، ومع الشعب ببث روح الرجاء بلا مهادنة، وضد الأعداء بعدم الارتباك بمناقشتهم. لم تثنهِ المقاومة الخارجية ولا الداخلية، بل دفعته للعمل بقوةٍ أعظم، لإيمانه أنه يعمل لحساب الرب لا الناس. * كقائدٍ حي بث روح القيادة في حياة كل الشعب، فكان يؤمن أن لكل إنسانٍ دوره وعمله الذي يعتز به. يعتبر البعض سفر نحميا، سفر البناء أو إحياء الحجارة، لكنه في الحقيقة هو سفر الصلاة، وسفر القيادة. يظهر سرّ نجاح نحميا أنه رجل صلاة، ليس لأنه عرف ما يصلي لأجله فحسب، وإنما عرف أن يكون له أيضًا اهتمام شخصي، وهبه الله أن يحمل بالحب أثقال الشعب في قلبه، ليلقي بها عند قدمي الله. ما كان يشغل قلب نحميا بالأكثر ليس بناء سور حجري وإقامة أبواب ومتاريس، بل بناء شعب الله وإحياءهم من حالة الموت التي حطمتهم تمامًا! ما شغل قلبه أقام منه قائدًا ناضجًا في الرب، ورجل صلاة يدخل بصلاته إلى العرش الإلهي، ويغتصب بالإيمان إمكانيات فائقة لا تعرف أنه يوجد شيء مستحيل أمامها. عرف نحميا كيف يتكلم مع الله أكثر من حديثه مع الناس. شخصية نحميا سفر نحميا -ربما أكثر من غيره من أسفار العهد القديم- يبرز شخصية كاتبه النابضة بالحياة [1]. يكشف هذا السفر عن شخصية نحميا من جوانب كثيرة، منها الآتي: رحلتا الحرية1. وحدة الحياة يؤمن نحميا بوحدة الحياة، فليس من فصل بين العمل والحياة الروحية أو الاجتماعية. فالمؤمن له حياة واحدة متعددة الجوانب، تتفاعل معًا ليصير إنسانًا ناجحًا في كل شيء. هذه الحياة تتناغم معًا مع ضرورة التخصص، فلكل إنسانٍ دوره الفعّال حسب إمكانياته ومواهبه دون تجاهله أو استخفافه لدور الآخرين. فالكل يعمل معًا بروح واحدة بهدفٍ واحدٍ (5: 10-11). بالنسبة لنحميا بناء سور أورشليم يعتبر قمة خدمته؛ هذا التكريس في ذهنه لا يعني استعراضًا لأعمالٍ البطولية، لكنه ختم لعمل الله في حياته وحياة الشعب، يمس كيانهم كله. ما نمارسه هو عمل الرب، يشهد بذلك حتى الأعداء (16:6). مع انشغالهببناء سور أورشليم، دعا صديقه القديم عزرا والعامل معه ليحتل مركز القيادة في ممارسة طقوس التكريس بفكرٍ روحيٍ (27:12-47). صورة حيَّة للعمل المشترك وتكريم الآخرين! يربط السفر بين بناء سور المدينة وإعادة بناء الهيكل والاهتمام بالعبادة، خاصة قراءة الشريعة والتمتع بالأعياد، وحياة الشعب الروحية والمدنية. فلا نفع لبناء السور ما لم تكون المدينة مقدسة، ولا قيمة للمدينة وسورها بدون شعب الله المقدس. هذا التقديس يتحقق بالتوبة الصادقة بروح الرجاء (نح 4:1-11؛ 5:9-37)، والاهتمام بالطاعة للشريعة كأساس للحياة. 2. الأمانة مع كثرة المسئوليات وسرعة العمل وعدم الانشغال بالمناقشات الغبية مع المقاومين، إلا أن السمة الواضحة في حياة نحميا هي الأمانة في حياته من كل جوانبها، وأينما وُجد (12: 8؛ 6: 2). وقد انعكست هذه السمة على الكثير من العاملين معه في كل المجالات. كان أمينًا في علاقته مع الله، يشعر دومًا بالحضرة الإلهية، حتى في لحظات حديثة مع الملك الوثني، وأثناء عمله في أورشليم، وأثناء مقاومة الأعداء له. عينا قلبه تبصران الله بالإيمان ولا تنحرفان عنه. وكان أمينًا في عمله مع الملك الوثني، فسحب قلب الملك بأمانته، وصار موضع ثقته يأتمنه على حياته، كما في انطلاقه للعمل في أورشليم. كان أمينًا في علاقته بكل فئات شعبه، سواء على مستوى القادة أو الكهنة أو الأغنياء والفقراء. كان أمينًا من جهة وطنيته، يعمل لحساب وطنه دون أن يتلوث قلبه بأية ضغينة أو مقاومة خفية لدولة فارس. 3. رجل عمل إذ سمع نحميا عن حال أورشليم وشعبه، لم يشغل نفسه بتحليل المشاكل، والتحدث عنها مع كثيرين. لكنه عرض الأمر على الله وتحرك لمعالجة الموقف. لسنا بهذا ننكر أهمية الحوار، لكن يصير الحوار بلا نفع إن فقد الاتكاء على صدر الله، أو فقد التحرك العملي الجاد لمعالجة الأمور. حزن نحميا وبكى، لكنه لم يُبتلع في الحزن المفرط بروح اليأس، إنما شرع في العمل تسنده يد الله القوية. قام للعمل حسب الوزنة المعطاة له، كما حرَّك الكثيرين للعمل، كل حسب مواهبه ووزناته وقدراته. دفع الجميع للعمل خلال الشعور بالمسئولية الجماعية. 4. تحدي عدو الخير وعدم الارتباك بمقاومته له مقاومة إبليس للمؤمنين العاملين وحيله ضدهم لم تتغير منذ البداية. فالشيطان عدو دائم المقاومة، يثير أتباعه بكل وسيلة لمنع العمل الإلهي وتعطيله (17:2-20). لقد صدرت أوامر الملك لمساعدة نحميا، لكن المقاومين حملوا مقاومة عوض المساعدة. * الهزء بالعاملين واحتقارهم (19:2)، والسخرية والاستخفاف بالعمل الإلهي لكي يسقط نحميا والعاملون معه في صغر النفس أو اليأس (1:4-6). * يحسبون الخير إساءة بالغة إليهم (10:2). * اتهامات باطلة (19:2). * غضب وغيظ كثير من جهة العاملين لحساب مملكة الله (1:4). * التآمر سرًا لمحاربة العاملين والإضرار بهم (8:4). * طلبوا الدخول في حوار معه لإبطال العمل، فلم ينخدع (2:6-3). * العدو يخيف ويرعب لكي يحطم نفسية العاملين (19:6). 5. إيمانه بالعمل الجماعي اهتم نحميا بتشغيل الشعب في إعادة بناء السور (17:2-18)، فالجميع يحتاجون إلى الشركة والعمل معًا مع الله، وإن كان أساس البناء واحد (1 كو 9:3، 11). 6. رجل النظام والترتيب تسجيل الشعب للشركة في العمل يشير إلى الالتزام بالترتيب والنظام في البناء الروحي (1 كو 40:14؛ أف 21:2). 7. نحميا له سمات القائد الحي * يحمل أثقال الشعب ولا يحملهم أثقاله الشخصية (رو11:10). * رجل صلاة وتقوى وعمل. يثق في مواعيد الله ويعتمد عليها، فيحقق المستحيلات. * يتسم بوضوح الهدف وعدم الانحراف عنه. مستعد دومًا للعمل مهما كانت التكلفة. * رجل مثابرة، لا يتسلل إليه الإحباط، مستعد لتحدي كل مقاومة في الداخل والخارج. كان هادئًا أمام المقاومة. * قائد مخطط ومنظم يدفع الكل للعمل. * يدرك خطورة التراجع والمهادنة. * رجل وطني، يعطي ما لله لله، وما لقيصر لقيصر (مت 21:22). * قائد مملوء حنوًا على الطبقات المظلومة البائسة. * يقدر الوقت، لهذا بَنَى السور في 52 يومًا. * كان حازمًا ضد الشر. نحميا رمز للسيد المسيح الخادم يصور لنا السفر شخصية نحميا كخادم يعمل لحساب شعبه، وهو في هذا يحمل رمزًا لشخص السيد المسيح الخادم، خاصة كما صوره مرقس الرسول في إنجيله. * كلاهما صاما وصليا 4:1؛ مر35:1. * كلاهما دعيا آخرين للعمل الإلهي 17:218؛ 15:6؛ مر13:3-19. * كلاهما وجدا معارضة 4،5؛ مر12:1؛ 3:12،10. * مثالان للخدمة 9:5،14؛ مر7:9. * خادمان للشعب 19:5؛ مر45:10. * علما كلمة الله 1:8-3؛ مت17:5-45. * طهرا الهيكل 7:13-9؛ مر15:11-17. * وبخا المرائين 15:13-22؛ مت13:23-36. أقسامه أولًا: بناء السور يقدم لنا بناء السور صورة حيَّة للبناء الروحي السليم:1-7. 1. الإعداد للبناء 1-2. أ. نحميا أمام الله (1). ب. نحميا أمام الملك (1:2-8). ج. نحميا يفتقد أورشليم (9:2-18). د. نحميا يواجه المستهزئين (19:2-20). 2. بناء السور 3-7. أ. اشترك الكل في العمل (3)، بدأ بالكاهن العظيم والكهنة ليكونوا قدوة للعمل الجماعي. ب. هياج العدو عليه بالتحطيم النفسي والتآمر للحرب ضده (4). كل عمل حيّ بنّاء يثير الشيطان، فيحاربنا بطرق نفسية كما بطرق مادية. لنقل "إلهنا يحارب عنا" (20:4). ج. البناء الداخلي (5)، لا يمكن أن يتحقق بناء السور دون البناء الداخلي، لذا اهتم نحميا بالفقراء، فطلب من الأغنياء رد رهائنهم. د. إتمام السور بالرغم من المقاومة (6). هـ. التدبير والحراسة بحكمة (7). ثانيًا: بناء الشعب وقف عزرا الكاهن على منبر خشبي وقرأ الشريعة للشعب علانية وشرحها، بعد حوالي 100 سنة من عودة اليهود مع زربابل.8-13 1. قراءة الشريعة 8. 2. تجديد العهد ذهب نحميا إلى بابل وعاد فوجد تجاوزات كثيرة، قام بعلاجها بقلبٍ متسعٍ مملوءٍ رجاءً: 9-10. أ. بقراءة كلمة الله تمّ البناء الروحي خلال التوبة الجماعية (9). ب. التعهد بتقدمات للرب (10). 3. استقرار الشعب 11. 4. تدشين السور بفرحٍ 12. 5. إصلاحات بعد الرجوع الثاني 13. أ. فرز الغرباء د. من بركات الرب عليهم أنه بالسبي لم يعد يمارس اليهود العبادة الوثنية، لكنهم سقطوا في الزواج بالأجنبيات الوثنيات. قام بتأديبهم خاصة الكهنة واللاويين (23-31). لذا يحذرنا الرسول بولس: "لا تكونوا تحت نيرٍ مع غير المؤمنين" (2 كو 14:6).(1-3). ب. ردّ حقوق الرب [التقدمات] (4-14). ج. حفظ السبت (15-22). "فاذكرني يا إلهي بالخير" (31:13) دروس من سفر نحميا * أن يضعنا الله في صحبة غير المؤمنين يصير ذلك بركة لنا ولهم (1:1). * أعظم الأعمال لحساب مملكة الله تبدأ بشخصٍ واحدٍ أمينٍ (2:1-4). * القائد الحي ينسب خطايا الشعب وضعفاتهم إلى نفسه (3:1، 4؛ عب24:11-27). * الصلاة ملجأ لنا في بدء الطريق وفي منتصفه وحتى نهايته. * الاعتراف بالخطايا هو الطريق الأكيد للتمتع بمراحم الله (6:1-11). * أفضل الطرق للبلوغ إلى قلوب الناس هو الله (11:1). * متى خدمت الله، قاومك الشيطان (19:2، 20؛ 1:4-9). سمات صلاة نحميا ا. مملوءة غيرة، مصحوبة بالهدوء مع النفس والدموع والصوم، وتمتد نهارًا وليلًا (4:1). ب. مملوءة رجاءً تتطلع إلى مراحم الله (5:1، 6). ج. تحمل تواضعًا مع الاعتراف بالخطايا (6:1-8). د. مصحوبة بالإيمان في تحقيق وعود الله للتائبين المطيعين له (9:1). هـ. عملية بلا أنانية (10:1،11). و. فعَّالة مصحوبة بالعمل (4:2،5). ز. لحساب مجد الله (8:2). سفر التذكرة اتسمت صلوات نحميا النبي بتذكير الله بوعوده وبأبنائه.. وهو في هذا كطفلٍ بسيطٍ يرتمي على صدر أبيه، مطالبًا بما وعد به، فيفرح به أبوه السماوي. ففي أول صلاة له يقول لله: "أذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك قائلًا.." (6:1). النجاح هبة إلهية آمن نحميا بأن النجاح هو عطية إلهية، إذ يصرخ إلى الله إلهه قائلًا: "أعطِ النجاح اليوم لعبدك" (11:1). من وحي سفر نحميا * لتحملني على الأذرع الأبدية، فأنت هو أبونا السماوي. ولتدخل بي إلى كرمك. تصير الأمور الصغيرة عظيمة للغاية. إذ أتمم عملك العظيم يا أبي السماوي! * لأجل اسمك العظيم، هب لي أن أعمل معك يا أيها العجيب في حبه! تحملني، فأحمل إخوتي، ونعمل جميعًا بروحك الناري! نعمل بروح الحب والوحدة، وتزول من قاموس حياتنا كلمة "مستحيل!" * أود أن أخدمك يا أيها القدوس. أعمل بك ومعك، أحث كل نفسٍ للعمل في كرمك! يقف أمامي العدو ليهدم كل عملٍ إلهيٍ. يرى في كل خير أعمله إساءة بالغة موجهة ضده. تارة يهددني ليخيفني، وأخرى يتملقني ليفسد وقتي بالحوار الباطل والمناقشات الغبية. تارة يلاطف، وأخرى يثور ويغضب. تارة يشهر سلاحه أمامي، وأخرى يتآمر سرًا ليخدع ويدمر! تارة يسخر بما أعمله لكي أسقط في اليأس، وأخرى يوجه ضدي اتهامات بلا حصر. * أدركت بالحق أنني لست طرفًا في العركة. فالعدو يهدف نحو مقاومتك أنت شخصيًا. أختفي فيك، فأنعم بنصرتك. تتهلل نفسي وتسبحك بلا انقطاع. تتحول المعركة إلى موكب سماوي لا يعرف إلا الفرح والتهليل! * الآن أخرج من المعركة مدركًا سرًّا عجيبًا. أنت هو العامل بنا وفينا ومعنا. لأبدأ عملي بالصلاة، ولأستمر فيه رافعًا قلبي إليك، ولتبقى نفسي مصلية حتى بعد نهايته! أنت هو البداية والنهاية! * أخيرًا لقد بَنَى نحميا سور أورشليم، وبنى بوصيتك شعب أورشليم. كرَّس السور وحوّل حياة الشعب إلى عيدٍ مفرحٍ. أورشليمي الداخلية بلا سورٍ. من يبني هذا السور؟ من يُقيم هذا المجد؟ وعدتني: "أنا... أكون لها سور نارٍ من حولها، وأكون مجدًا في وسطها (زك 5:2). إذ ندرس سفر نحميا، حيث نلمس اهتمام الله نفسه بإعادة بناء سور أورشليم المنهدم، نلاحظ تكرار كلمات القائد العظيم: "اذكر لي يا إلهي للخير ما عملت لهذا الشعب" (نح 5: 19). كما نسمع كلماته: "هلم فنبني سور أورشليم، ولا نكون بعد عارًا" (نح 2: 17). ماذا يعني سور أورشليم بالنسبة لنا؟ وماذا يقول آباء الكنيسة عن السور؟ حينما يتحدث الرب عن أورشليم يقول: "كفرح العريس بالعروس يفرح بكِ إلهكِ. على أسواركِ يا أورشليم أقمت حراسًا، لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام" (إش 62: 5-6). بنو الغريب يبنون أسوارك (إش 60: 10)الحديث هنا عن أورشليم الجديدة أو الكنيسة عروس المسيح، أما الحراس الذين يقيمهم العريس السماوي، فكما يقول يوسابيوس القيصرىهم الملائكة والقوات السماوية المقدسة. ويرى القديس يوحنا الذهبي الفمأنهم قادة الكنيسة أو كهنتها. أما القديس كيرلس الكبير فيرى في هؤلاء الحراس لأسوار الكنيسة معلمي الأسرار الإلهية mystaggues الذين لا يتوقفون عن العمل لمجد الرب وعجائبه الفائقة [1]. إن كانت أورشليم تشير إلى الكنيسة الله في العهد الجديد، فمن هم بنو الغريب الذين ينبون أسوارها؟ لقد جاء السيد المسيح إلى خاصته اليهود، وخاصته لم تقبله، أما الأمم الغرباء، فقد صاروا شهودًا وكارزين بالحق الإنجيلي. وكما يقول الرسول بولس: "فلستم إذًا بعد غرباء ونزلاء، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله" (أف 2: 19). صورت أسوارك على يدي (إش 49: 16 LXX) يرى يوسابيوس أسقف قيصرية الذي كتب عن قسطنطين الكبير ممتدحًا إياه على خدمته للكنيسة، أن الغرباء هنا هم الأباطرة الرومان وقادة الجيش والأمراء الذين ساهموا في بناء أسوار الكنيسة. ويرى القديس كيرلس الكبير أن أسوار الكنيسة هي الإيمان المستقيم، وقد قام الرسل ببناء الأسوار بالكرازة بهذا الإيمان دون أن يُنسبوا إلى دم جنس اليهود، بل صاروا كغرباء عنهم . ويرى ثيؤدورت أن الغرباء هنا هم المعلمون الذين جاءوا من أمم غريبة عن إسرائيل وقاموا بحراسة الأسوار بصلواتهم وتعاليمهم . جاءت الترجمة السبعينية: "أصور (أرسم) أسوارك على يدي. أنتِ أمامي دائمًا" (إش 49: 16 LXX). إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري مكانًا مكرمًا (إش 56: 5)يرى القديس كيرلس الكبير [4] أن الأسوار المنقوشة أو المرسومة على يدي الله هم الرسل القديسون والإنجيليون. أما ثيؤدورت الذي يأخذ بالتفسير التاريخي، فيرى أن النبي يتحدث عن خراب أسوار صهيون على أيدي البابليين وأن الله ينبؤهم بإعادة بنائها، وأن هذا الأمر يشغله بنفسه كما لو كان المهندس المسئول عن أقامة أسوارها المُحكمة. ويرى يوسابيوس القيصري أن الأمر يخص بناء صهيون الحقيقية في نفوس البشر وبنيان الكنيسة . ويرى القديس أمبروسيوسأن هذه الأسوار هي التشبه بالله وحمل صورته بالفضائل فينا. * لنهرب من هذه الشرور، ونرفع نفوسنا إلى صورة الله ومثاله. الهروب من الشرور هو التشبه بالله، وصورة الله تقتنى بالفضائل. هكذا مثل المصوّر يصورنا بألوان الفضائل. "انظري لقد صورت أسواركِ يا أورشليم" (إش 49: 16 LXX). ليتنا لا نزيلها بفرشة الإهمال، دعامات الأسوار المصّورة التي لنفوسنا. وهكذا: "لقد صورت الأسوار" وبهذا أستطيع أم أطرد العدو. للنفس أسوارها، بها تثبت، وعنها قيل: "أنا مدينة قوية، مدينة محاصرة". بهذه الأسوار تُحرس المدينة، وبها تُحمى بالحصار. بالحق النفس هي سور، يمتد حول المحلة. لذلك تقول العروس في نشيد سليمان: "أنا سور، وثدياي كبرجين" (نش 8: 10). السور الذي يصوره (يرسمه) الرب صالح، إذ يقول: "أصور أسوارك على يدي، أنت أمامي دائمًا" (إش 49: 16 LXX) . * يُقال في نشيد الأناشيد: "أنا سور، وثدياي كبرجين" (نش 8: 10). السور هو الكنيسة، والبرجان هما كهنتها، الذين لديهم كمال القوة لتعليم العلوم الطبيعية والأخلاقية . القديس أمبروسيوس "إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري نُصبًا (مكانًا مكرمًا)، واسما أفضل من البنين والبنات، أعطيهم أسمًا أبديًا لا ينقطع" (إش 56: 5). المسيح سور أورشليمنايرى القديس أغسطينوس أن هذا الاسم الأبدي الذي يعطيه لهم في بيته وأسواره إنما هو العبور بهم من ظلال الزمن القديم إلى أنوار الأبدية . يقول [9] Venecundus :[إن كنا نحول وجهنا إلى الحائط عندما نُضرب بالخوف من الموت، أي نوجه بصيرة قلوبنا نحو المخلص الذي يصّور هنا بالسور، فإننا نخلص. إذ هو يخلص المؤمنين الذين يسكنون فيه من هجمات كثيرة. يقول إشعياء: "لنا مدينة قوية. يجعل الخلاص أسوارًا ومترسه" (إش 26: 1). انظروا، فإن المخلص يدعى سورًا.] المياه تتحول إلى سور!هذا التفسير يتناغم مع قول الرب: "وأنا يقول الرب أكون سور نار من حولها" (زك 2: 5). قيل: "فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة، والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم" (خر 14: 22)، "وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم" (خر 14: 29) جعلتك اليوم أسوار نحاس على كل الأرضأعلن هذا العمل حب الله للإنسان وعمله الخلاصي، إذ يقول العلامة أوريجينوس: [المياه تصير جبالًا! المياه الراجعة تصير سورًا...! ويظهر عمق البحر، وإذا هو رمال فقط! ليتك تدرك محبة الخالق، فإنك إن أطعت إرادته، وحفظت ناموسه يسخر الأشياء لتعمل ضد طبيعتها لأجل خدمتك ] كثيرًا ما انشغل العلامة أوريجينوس بمنظر خروج الشعب تحت قيادة موسى النبي، وعبورهم بحر سوف. فما أن ضرب موسى البحر بعصاه حتى انشق أمام الشعب كمن يرحب به للعبور خلاله. إنها صورة رائعة لكنيسة العهد الجديد وهي تتبع مسيحها، بل تلتصق به بكونها الجسد المتحد بالرأس ، وبعصاه أو صليبه يتحول العالم المضطرب بأمواج تجاربه العنيفة إلى طريق ممتع للعبور نحو الأبدية. تتحول المياه المهلكة إلى سورٍ عن اليمين وعن اليسار، ليسير المؤمن في طريق الاعتدال بلا انحراف يمينًا أو يسارًا. يسير في حصانة مسيحه، الذي يحول كل الأمور لبنيان نفسه. * أمر موسى أن يضرب البحر بالعصا لينشق وينسحب، فيدخل شعب الله البحر (خر 14: 21-22؛ 26)، وتخدم طاعة العناصر الإرادة الإلهية. وعندما صارت المياه التي كانوا يخشونها سورًا على اليمين واليسار (خر 14: 29) لعبيد الله، لم تعد مهلكة بل حامية. لذلك تجمعت المياه في كومة ومنعت الأمواج التي تنحني عليهم. نال السائل جمودًا، وصار قاع البحر جافًا كالتراب. لاحظوا صلاح الله! إن أطعتم إرادته، واتبعتم ناموسه يُلزم العناصر نفسها أن تخدمكم حتى على خلاف طبيعتها! * يا لها من تجربة قاسية أن تعبر في وسط البحر! ترى الأمواج ترتفع عاليًا بصوت رهيب ودوامات المياه ثائره! إن اتبعت موسى، أي شريعة الله، تصير لك المياه أسوارًا على اليمين واليسار، وتجد طريقًا لأرض يابسة وسط البحر. علاوة على هذا، يمكن أن يحدث هذا في الرحلة السماوية، فنقول أن النفس توقف مخاطر المياه! عظيمة هي الأمواج التي توجد هناك! . * من كان مصريًا وتبع فرعون يغرق في طوفان الرذائل. أما من يتبع المسيح ويسير كما سار هو، تصير المياه له سورًا عن اليمين واليسار. يسير في الطريق الوسطي على أرض يابسة، لا ينحرف يمينًا أو يسارًا حتى يعبر إلى الحرية، ويرنم تسبحة النصرة للرب، قائلًا: "اسبح الرب لأنه بالمجد تمجد" (خر 15: 1) . العلامة أوريجينوس إن كان العدو قد صار كجيش قوي يقاومني، فأنت هو قوتي، تصير لي سور نار تحميني، وترسًا لي تصد كل سهام العدو، تشدد رجلي فأصير مسرعًا كالأيل وترفعني كما على المرتفعات العالية فلا يلحق بي أذى. تشدد يديّ للقتال ضد إبليس، وتوسع خطواتي فألحق بعدوي وأفنيه بالصليب. "لأني بك اقتحمت جيشًا، بإلهي تسورت أسوارًا" (2 صم 22: 30؛ مز 18: 29). يؤكد الرب: "هأنذاك جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد، وأسوار نحاس على كل الأرض... فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب، لأنقذك..." (إر 1: 18-19). * هذا هو التمييز الذي لا يُدعى فقط "نور الجسد"، بل و"الشمس"، إذ يقول الرسول: "لا تغرب الشمس على غيظكم" (أف 26:4). وُيدعى أيضًا "سلطانًا"، إذ لا يسمح لنا الكتاب المقدس أن نصنع شيئًا بدونه. "مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه" (أم 28:25) [14]. سور الوصايا الأب موسى القديس غريغوريوس النيسي * جنتنا مغلقة من كل جانب بسور الوصايا حتى لا يتسلل إليها لص أو وحش مفترس. إنها مغلقة بسياج الوصايا فلا يستطيع خنزير بري أن يقترب إليها . أبناء الملكوت معروفون ومقاسون من قبل الله ومحفوظون لديه. أما وحدة القياس فهي قصبة من ذهب أي سماوية، لأن الأمور الروحية والسماوية لا تقاس إلا بما هو روحي سماوي. يشير رقم 144 إلى الكنيسة الجامعة (كنيسة العهد القديم 12× كنيسة العهد الجديد 12) التي هي مسورة بسور واحد لتنعم بإله واحد. أما الذي قاس فهو ملاك لا إنسان أرضي، حتى لا نتخيل في السماء ماديات وأرضيات. إنها مسورة بالله ذاته حافظها، وهي من ذهب نقي شبه زجاج نقي، أي سمائية طاهرة. أسوار الأعداء قيل عن هذه الأسوار: "بالإيمان سقطت أسوار أريحا بعدما طيف حولها سبعة أيام" (عب 11: 30). "فيخربون أسوار صور، ويهدمون أبراجها، واسحي ترابها عنها، وأصيرها ضح الصخر (حز 26: 4). "على أسوار بابل ارفعوا الراية، شددوا الحراسة، أقيموا الحراس، اعدوا الكمين، لأن الرب قد قصد، وأيضًا فعل ما تكلم به على سكان بابل (إر 51: 12). كما قيل: "بإلهي أثب السور" (مز 18: 29LXX ). * مكتوب: "بإلهي أثب السور" (مز 18: 29LXX )، سور الشر الذي يفرق الإخوة ويثير الانقسامات بينهم، ويحيد بهم عن الحق. * لقد عرف (المرتل) أن قوة المؤمنين تكمن في تقديم الشكر لله، إذ بفرحهم يقفزون فوق أسوار الأعداء، وذلك مثل القديسين القائلين:"...بإلهي أثب السور" . يقول القديس يوحنا الحبيب: "والذي كان يتكلم معي، كان معه قصبة من ذهب، لكي يقيس المدينة وأبوابها وأسوارها... وقاس سورها مئة وأربعة وأربعين ذراع إنسان، أي الملاك"" (رؤ 21: 15، 17). البابا أثناسيوس الرسولي |
09 - 10 - 2022, 02:08 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
بناء السور
الأصحاح الأول اهتمام نحميا بأورشليم قام نبوخذنصر بهدم السور، ومع محاولة إعادة بنائه (عز 4: 6- 23)، بقي خرائب تقريبا لمدة قرن ونصف، مما جعلها مفتوحة لأعداء كثيرين. وكانت هناك حاجه إلى قائد حّي مثل نحميا يقوم ببنائها. في عام 458 ق.م. عادت الدفعة الثانية من اليهود إلى أورشليم تحت قيادة عزرا. وكان عزرا الكاتب رجل الشريعة الذي يهتم بجمع أسفار الكتاب المقدس. مع هذا الاهتمام بكلمة الله كانت تلك الفترة في حاجة إلى رجل عمل بجانب رجل الشريعة. وقد هيأ الله نحميا لهذا. كان لنحميا دوره الهام كساقي الملك ارتحشستا الأول Artaxerxes I حوالي عام 445 ق.م.، بعد حوالي 13 سنة من ذهاب عزرا إلى أورشليم. لقد جاءه أخوه حناني (ربما أحد أقربائه) بأخبار جديدة بخصوص خراب أورشليم. كان رد الفعل المباشر هو الالتجاء إلى الصلاة كما فعل عزرا (عز 9). 1. حامل أثقال إخوته 1. حامل أثقال إخوته1 -3. 2. جلسة مع الله 4. 3. صلاته 5 -11. ا. حافظ العهد 5. ب. اعتراف 6 -7. ج. تمسك بالوعود 8 -9. د. صرخة من القلب 10 -11. من وحي نح 1 كَلاَمُ نَحَمْيَا بْنِ حَكَلْيَا: حَدَثَ فِي شَهْرِ كَسْلُو فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ، بَيْنَمَا كُنْتُ فِي شُوشَنَ الْقَصْرِ [1] شهر كسلو يعادل تقريبًا الجزء الأخير من شهر نوفمبر، والأكبر من شهر ديسمبر. نَحَميا بن حكليا: هذا هو اسم واضع السفر، الأمر الذي لا نجده في أيّ من الأسفار التاريخية. سلسلة نَسَب نَحَميا هنا ليست طويلة، مثل سلسلة نَسَب عزرا. إذًا لا حاجة إلى الرجوع إلى زمن هارون، فنَحَميا ليس كاهنًا، ولا إلى زمن داود لأنه ليس ملكًا، وإن كان البعض يرى أنه من سبط يهوذا، ومن عشيرة داود الملكية [1]، بل من عامّة الشعب. ثلاثة أشخاص دعوا باسم "نَحَميا": أحد الذين عادوا من السبي، من بابل، إلى أورشليم، تحت قيادة زربابل (7: 7؛ عز 2: 2). وآخر ابن عزبوق، ساهم في ترميم سور أورشليم (3: 16)، وصاحبُنا ابن حكليا (1: 1، 10: 2؛ 12: 26) [2]. "حكليا" مشتقة من "انتظر الرب"، أو الرجاء بالربّ، أو "يهوه محتجب" (إش 8: 17؛ 33: 20). أما ذكر اسم الأسرة هنا، وقوله للملك "المدينة بيت مقابر آبائي" (2: 3) يكشف عن أنه من أسرة كانت لها شهرتها في أورشليم. "شوشن": مدينة هامة لعيلام في جنوب غرب إيران، معروفة عند اليونانيين بسوسا. كانت في السهل الخصب على بعد حوالي 150 ميلًا شمال الخليج الفارسي. كانت في ذلك الحين مقرًا شتويًا للملوك، لكنها شديدة الحرارة صيفًا. رأى دانيال نفسه في رؤيا كأنه في شوشن (دا 8: 2). عندما فتح كورش بابل سقطت شوشن في أيدي الفرس، وجعلها داريوس قصبة المملكة. وأسس هذا الملك القصر العظيم الموصوف في أس 1: 4-6. بعد موقعة أربيلا وجد الإسكندر الأكبر فيها جواهر الملك وذخائره. وقد فضل بابل عليها، فانحط شأنها. وقد زال مجدها تمامًا بعد القرن السابع الميلادي. حاليًا يشغل موضعها قرية شوشن أو سوسن بين نهري الخرخة وأولاي، تقع شرق بابل. أثبت ما كُشف من آثار هذه المدينة التاريخ الوارد في أسفار الكتاب المقدس، خاصة سفر أستير. وبالقرب من النهر في الأرض المنخفضة قبر يظنه السكان قبر دانيال. كما اكتشف عمود أسود نقش عليه شرائع حمورابي ملك بابل، نقله العيلاميون من بابل. لا نعجب من وجود قله مقدسة لحساب ملكوت الله حتى وإن عاشت في قصور ملوك أشرار أو وثنيين، نذكر على سبيل المثال موسى النبي الذي تبنته ابنه فرعون، في قصر ذلك الملك الذي صمم على قتل كل الأطفال الذكور للعبرانيين. ويقول عنه الرسول بولس: "تهذب موسى بكل حكمة المصريين" (أع 7: 22)، كما قال:"بالإيمان موسى لما كبر أبَى أن يدعى ابن ابنة فرعون، مفضلًا بالأحرى أن يُذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة" (عب 11: 26). وتربى عوبديا في بيت أخاب من أشر ملوك إسرائيل (1 مل 18: 5-16)، وداود في قصر شاول الملك الشرير. كما وجد قديسون في قصر قيصر. هكذا وجد قادة قديسون يعيشون كما في المقادس، وهم يقطنون في القصور الملوكية حيث وجد الفساد والظلم في أبشع صوره. هذه الشخصيات وأمثالها توبخنا! * ليس أحد منكم وهو يمكنه أن يكون ابنًا للملك استهان بهذا، أما موسى ففعل هذا ليس فقط ترك هذا، بل عبّر عن ذلك بالقول: "أبى" أن يكون هكذا، أبغض هذا، وترك ذلك هاربًا. * إذ وُضعت السماء أمام موسى صار الإعجاب بقصرٍ مصريٍ أمرًا تافهًا... لقد حسب العار من أجل المسيح أفضل من الحياة السهلة، وهذا في ذاته يحمل مكافأة... لقد ألقى موسى بنفسه في مخاطر كثيرة بمحض اختياره في الوقت الذي كان في إمكانه أن يعيش متدينًا وهو يتمتع بالخيرات...، لكن حسبه خطية ألاَّ يكون مستعدًا لاحتمال الآلام مع الغير، فصار احتماله للآلام خيرًا عظيمًا، ملقيًا بنفسه فيها تاركًا القصر الملكي. لقد فعل هذا لأنه رأى أمامه أمورًا عظيمة، حاسبًا عار المسيح أفضل من خزائن مصر . القديس يوحنا الذهبي الفم هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ يَهُوذَا، فَسَأَلْتُهُمْ عَنِ الْيَهُودِ الَّذِينَ نَجُوا، الَّذِينَ بَقُوا مِنَ السَّبْيِ وَعَنْ أُورُشَلِيمَ. [2] حناني: اسم عبري معناه "منعم، كريم، رحوم، وهو اختصار "حنانيا". بعد السبي كان شعب إسرائيل يدعى "يهودًا". سأل نحميا عن أورشليم، حيث يوجد بيت الرب الذي صعد إليه الشعب، ويقدمون ذبائح الشكر للرب (مز 122). يذكر المؤرخ يوسيفوس أن نحميا كان يتمشى حول أسوار القصر، فسمع بعض الأشخاص يتكلمون بلسان بلده، وإذ علم أنهم جاءوا من اليهودية مؤخرًا، تحدث معهم، وعلم أن حال أورشليم في دمار، وأن الراجعين من السبي في حالة بائسة، هذا ما بعث فيه روح الحزن أمام الملك يرى البعض أن هؤلاء الرجال جاءوا إلى شوشن، إما لطب العون من العرش الفارسي أو من نحميا. أو كانوا في رحلة عمل عادية تستلزم العلاقة بين اليهود في يهوذا والمشتتين في أنحاء الإمبراطورية . هنا نقف بإجلال وتقدير لإنسانٍ يعيش في القصر لكن قلبه مع شعبه المتألم، فلن تستريح نفسه بينما تئن نفوس إخوته. هذا ما عبّر عنه الرسول بولس قائلًا: "فإني أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو 9: 3). وعبرّ عنه موسى النبي حين صرخ: "والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فامنحني من كتابك الذي كتبته" (خر32: 32). * لما تدهش أن الرسول يود أن يكون محرومًا من أجل إخوته، إن كان هذا الذي هو في شكل الله أخلى نفسه، وأخذ شكل العبد وصار لعنة لأجلنا (في 2: 6-8)؟ لماذا العجب إن كان المسيح قد صار لعنة لأجل عبيده، أفلا يصير أحد عبيده لعنة من أجل إخوته؟ العلامة أوريجينوس إِنَّ الْبَاقِينَ الَّذِينَ بَقُوا مِنَ السَّبْيِ هُنَاكَ فِي الْبِلاَدِ، هُمْ فِي شَرٍّ عَظِيمٍ وَعَارٍ. وَسُورُ أُورُشَلِيمَ مُنْهَدِمٌ، وَأَبْوَابُهَا مَحْرُوقَةٌ بِالنَّارِ. [3] بالنسبة نحميا فإنه لا يفصل بين خير الشعب عن خير المدينة وحالها، فالاثنان هما جانبان لحقيقة واحدة. دمار السور يعني أن المدينة عاجزة تمامًا عن مواجهة أي عدو. ما كان يحزن قلب نحميا ليس ما حدث للأسوار منذ 140 عامًا، حيث هدمها نبوخذنصر، وإنما ما حدث في أيام عزرا (عز 4: 7-23)، حين حاول اليهود إعادة بناء السور، في أيام أرتحشستا الأول. ولكن اعترض رحوم صاحب القضاء وشمشاي الكاتب على ذلك، فأصدر الملك أمره بوقف العمل. لقد سمح الله بالضيقة الشديدة، حتى بدت الأمور مستحيلة، ليس من يدٍ بشريةٍ تقدر على إصلاح الموقف. وسط الشعور بالعجز التام، وجد نحميا أن لا ملجأ له إلا الله بالصلاة من كل قلبه! في كل العصور، يحتاج شعب الله إلى من يصلي لأجله. ما هو السور، وما هي الأبواب؟ يقول الرب نفسه: "أنا أكون سور نار حولها" (زك 2: 5). ويقول: "أنا هو الباب" (يو 10: 9). فالسور المهدم والأبواب المحروقة بالنار إنما تشير إلى فقدان الإنسان قوة الله الحصن الحصين، وتيه الإنسان عن قوة الله الحصن الحصين، لأنه لم يجد الباب الحقيقي، ليدخل إلى حضن الله. فالسور يشير إلى قوة الله العاملة في المؤمن، والباب يشير إلى الخلاص الإلهي الذي ينعم به. فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْكَلاَمَ، جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا، وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ أَمَامَ إِلَهِ السَّمَاءِ [4] إذ اكتشف نحميا خطورة الأمر وضع على عاتقه أن يتعهده، لا بالجدال والحوار، ولا بالاعتزاز بقدرته وحكمته، وإنما بتقديمه لله الذي من اختصاصه حلّ المعضلات! وكما يقول يعقوب الرسول: "اقتربوا إلى الله، فيقترب إليكم... اتضعوا قدام الرب فيرفعكم" (يع 4: 8، 10). كان موقف نحميا واضحًا أمام نفسه، فإنه لم يرد الدخول في معاركٍ، ولا أن يضع خططًا معينة، بل يقدم الأمر بقلبٍ منكسرٍ أمام الله، فهو يعلم أن الله قريب من منكسري القلوب. بقوله "جلست" يعني أنه ترك كل شيء، ليجلس مع الله من أجل أمر خطير، ألا وهو ما حلّ بشعب الله من عارٍ وخزيٍ بسبب الخطية. إذ جلس ليس مع نفسه وحده، إنما في حضرة الله، تجلى أمامه أمران: خطاياه وخطايا شعبه من جانب، ووعود الله الصادقة من جانب آخر، لذلك انسابت دموعه، وناح في قلبه بروح الرجاء في عمل الله وخلاصه؛ بكى وناح أيامًا. يقول المرتل: تعبت في تنهدي، أعوم في كل ليلة سريري، بدموعي أذوب فراشي (مز 6: 6). استمع صلاتي يا رب، وأصغِ إلى صراخي. لا تسكت عن دموعي لأني أنا غريب عندك، نزيل مثل جميع آبائي (مز 39: 12). صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلًا، إذ قيل لي كل يوم أين إلهك؟ (مز 42: 3) تيهاني راقبت، اجعل أنت دموعي في زقك، أما هي في سفرك؟ (مز 56: 8) قد أطعمتهم خبز الدموع، وسقيتهم الدموع بالكيل (مز 80: 5) إني قد أكلت الرماد مثل الخبز ومزجت شرابي بدموعٍ (مز 102: 9). الذين يزرعون بالدموع، يحصدون بالابتهاج (مز 126: 5). * الرب نفسه بكى على أورشليم، إذ لم ترد أن تبكي هي على نفسها... إنه يريدنا أن نبكي لنهرب (من الهلاك)... من يبكي كثيرًا في هذا العالم يخلص في المستقبل، لأن "قلب الحكماء في بيت النوح، وقلب الجهال في بيت الفرح" (جا 7: 4). وقال الرب نفسه: "طوباكم أيها الباكون الآن، لأنكم ستضحكون" (6: 21). فلنبكِ إذن إلى زمان، فنفرح إلى الأبد. لنخفْ الرب وننتظره، معترفين بخطايانا، راجعين عن شرنا، حتى لا يُقال لنا "ويل لي... قد باد التقي من الأرض وليس مستقيم بين الناس" (مي 7: 1-2) . القديس أمبروسيوس * البكاء وحده يقود للضحك المطوَّب. * أراد يسوع أن يُظهر في نفسه كل التطويبات، إذ قال: "طوبى للباكين"، وقد بكى هو نفسه لكي يضع أساس هذا التطويب حسنًا . العلامة أوريجينوس * عندما كان الخراب سيحيق بكل جنس أستير.. لم تفسد ثورة الطاغية إلا بالصوم والصلاة إلى الله، وهكذا حولت هلاك شعبها إلى حفظهم في سلام (أس 16:4) . القديس أثناسيوس الرسولي القديس يوحنا الذهبي الفم الإكليمنضيّات يقدم لنا نحميا نموذجًا رائعًا لحياة الصلاة: أ. يعلن المفهوم الحقيقي للصلاة في ظروف قاسية: يفتتح صلاته بالاعتراف بخطايا الشعب كله، حاسبًا نفسه عضوًا في الشعب، مشتركًا معهم في خطاياهم. يذّكر الله بوعوده الإلهية، ويختتمها بطلبة شخصية أن يعطيه الرب نعمة في عيني الملك، لا لأجل نفع خاص به، وإنما لمجد الله وبنيان الشعب. صلاة نَحَميا صلاة ليتورجيّة، تفَّوه بها باسم الجماعة، وكتبها فعبّر فيها عن حياة اليهود الدينية، وعن إيمان الشعب بالله الذي يستجيب لأبنائه، حتّى في طَلَبٍ صغير، كنجاح نَحَميا عند الملك أرتحشستا [12]. ب. مع صلواته لمدة طويلة من أجل الضيقة التي حلت بشعب الله، يمارس ما ندعوها بالصلاة السهمية، حيث يرفع قلبه لله وهو في حضرة الملك قبل أن يطلب من الملك شيئًا. * الصلاة هي استنجادنا بالمضخة في منع السفينة من الغرق، تستخدم كل الأصوات والأيدي. فالآن نستخدم أصواتنا عندما نقول اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا، ونعمل بأيدينا عندما نصنع هذا: "أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك" (إش 58: 7). اصنع إحسانًا في قلب الفقير فيشفع فيك أمام الرب (راجع سي 29: 12) . القديس أغسطينوس * عندما صلَّى دانيال أيضًا سدَّت صلاته أفواه الأسود (دا 6)، لقد انسدَّت الأفواه المفترسة أمام لحم وعظام إنسانٍ. لقد بسطت الأسود مخالبها، وتلقفت دانيال حتى لا يسقط على الأرض، احتضنته بين ذراعيها، وقبَّلت قدميه. وعندما وقف دانيال في الجب لكي يصلِّي رفع يديه إلى السماء وعلى مثال دانيال تبعته الأسود وقلَّدته. ذاك الذي تقبَّل صلاته. نزل وسدَّ أفواه الأسود. وذلك لأن دانيال قال لداريوس: "إلهي أرسل ملاكه، وسدَّ أفواه الأسود، فلم تضرُّني" (دا 6: 22). وبالرغم من أن الجب كان مغطَّى ومختومًا إلاَّ أن النور أشرق داخله، وسُرَّت الأسود عندما رأت النور الذي ظهر لأجل دانيال. وعندما غلب النوم دانيال وأراد أن ينعس ركعت الأسود حتى يمكنه أن ينام فوقها وليس على الأرض. لقد كان الجب أكثر استنارة من عُليَّة ذات نوافذ كثيرة. وفي الجب قدَّم صلوات كثيرة أكثر من عليَّته، حيث كان يصلِّي فقط ثلاث مرَّات في اليوم (دا 6: 10)، وعندما انتصر وفرح دانيال. وأُلقي الذين اتَّهموه في الجب بدلًا منه، فانفتحت أفواه الأسود والتهمتهم وسحقت عظامهم . القدِّيس أفراهاط وَقُلْتُ: أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُ السَّمَاءِ الإِلَهُ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ، الْحَافِظُ الْعَهْدَ وَالرَّحْمَةَ لِمُحِبِّيهِ وَحَافِظِي وَصَايَاهُ [5] إذ وجد نحميا في الصلاة ملجأ له وطريقًا للتغلب على المستحيلات، كيف اقترب إلى الله في صلواته؟ لقد التقى مع الله خلال ثلاثة أمور: 1. عرف شخصية الله أنه الرب إله السماء الذي يحرك كل شيء، والمهتم بكل الخليقة السماوية والأرضية، فهو الله القدير. كثيرًا ما اُستخدم تعبير "إله السماء" في الفترة ما بعد السبي. فإن كان اليهود قد فقدوا أورشليم مدينة الله وهيكل سليمان الذين كانوا يحسبونه أقدس موضع في العالم، لذا صاروا يدعون الله إله السماء التي لا يقترب إليها عدو، ولا يحطم أحد أسوارها أو يسبي سكانها. إنه الإله العظيم المخوف. وكما يقول موسى النبي: "لا ترهب وجوههم، لأن الرب إلهك في وسط إله عظيم ومخوف" (تث 7: 21). 2. إله العهد، الذي أعطى لموسى شريعة، وأعلن مواعيده لشعبه. الأمين في حبه وفي عهوده ووعوده الإلهية. "فاعلم أن الرب إلهك هو الله الإله الأمين الحافظ العهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه إلى ألف جيلٍ" (تث 7: 9). تعبير "أمين هو الله" محبوب جدًا لدى اليهود القدامى، يفهمونه بأن الله أمين في حفظ وعده لهم كشعبٍ خاص به، لهم الوعود الإلهية الفائقة. ويرون في إخلاص بعض المؤمنين وأمانتهم توضيحًا لإخلاص الله وأمانته 3. المملوء حنوًا ورحمة (عب 4: 16)، يرحم مُحبّيه والعاملين بوصاياه. هو فوق الإنسان، لكنّه قريب منه، يستمع إليه كما يستمع الصديق إلى صديقه. بتحليل صلاة نحميا يظهر الآتي: أ. صلاته تكشف عن علاقة شخصية فعّالة بين نحميا والله إلهه. فالصلاة ليست كلامًا في الهواء، بل حديثًا صادقًا مع الله. ب. نحميا مثل عزرا يتكلم على لسان الشعب كله، فنسب ما يحل بهم يحل به شخصيًا. يعترف عن خطاياه وخطايا الشعب، أو الأمة كلها [6-7]. ج. يتذكر تحذيرات الله ويتمسك بالوعود الإلهية [8-9]. د. يلجأ إلى العهد مع الله وعمله الخلاصي مع شعبه [10]. هـ. يقدم طلبة خاصة لنوال قوة ونجاحًا في الخطوات التالية [11]. أما ثمرة الصلاة المتواضعة فهي أن الله يحرك الأحداث فيما هو لصالح نحميا وشعبه، ويهبه قوة للعمل. * كون الله أمينًا يعني أنه يمكننا أن نثق في إعلانه عن ذاته. كلمته تعلن عنه أنه الله الأمين . القديس إكليمنضس السكندري لِتَكُنْ أُذْنُكَ مُصْغِيَةً وَعَيْنَاكَ مَفْتُوحَتَيْنِ، لِتَسْمَعَ صَلاَةَ عَبْدِكَ، الَّذِي يُصَلِّي إِلَيْكَ الآنَ نَهَارًا وَلَيْلًا، لأَجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبِيدِكَ، وَيَعْتَرِفُ بِخَطَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أَخْطَأْنَا بِهَا إِلَيْكَ. فَإِنِّي أَنَا وَبَيْتُ أَبِي قَدْ أَخْطَأْنَا. [6] لم يستبعد نحميا نفسه ولا أعضاء أسرته من الاعتراف بخطاياهم. يحسب نحميا خطايا الشعب خطاياه [6-7] ، وحاجتها للعون الإلهي حاجته هو [11]. "الَّذِي يُصَلِّي إِلَيْكَ الآنَ نَهَارًا وَلَيْلًا": تكمُن الخطية في نِسيان الله، ويرتبط الرجاء بتذكّر رحمة الله ومواعيده. شعورنا بمهابة الله ومخافته يدفعنا نحو الاعتراف بخطايانا. عندما رأى إشعياء مجد الرب في الهيكل، وامتلأ البيت دخانًا، يقول: "فقلت ويل لي إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود" (إش 6: 5). وعندما أدرك سمعان بطرس سلطان الرب يسوع على البحر والسمك، "خّر عند ركبتي يسوع، قائلًا: اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ" (لو 5: 8). * لنتوسل إلى مخلص نفوسنا لكي ما يحطم رباطاتنا، وينزع عنا سجننا القاسي هذا، ويهبنا التحرر من ثقل تلك القيود الحديدية، ويجعل أرواحنا خفيفة أكثر من أي جناح. إذ نتوسل إليه علينا أن نساهم من جانبنا بغيرةٍ متقدةٍ ساميةٍ لها اعتبارها، فإننا بهذا يمكننا في وقتٍ قصيرٍ أن نتحرر من الشرور التي تضغط علينا، وندرك حالنا الذي كنا عليه سابقًا، ونتمسك بالحرية التي صارت لنا، والتي ننالها كهبة من الله بنعمة ربنا يسوع المسيح ومحبته للبشر، الذي له المجد والسلطان إلى الأبد. آمين . القديس يوحنا الذهبي الفم وَلَمْ نَحْفَظِ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ، الَّتِي أَمَرْتَ بِهَا مُوسَى عَبْدَكَ. [7] اعتراف نحميا بخطاياه وخطايا شعبه. فيطلب من الله أن يسمع وينظر، ويعطي توبة وتطهيرًا. نحتاج إلى الاعتراف بخطايانا، فنمجد الله غافر الخطايا. * اعترف يا إنسان بخطاياك لتنال المغفرة، "اظهر آثامك فتتبرر" (إش 43: 26 LXX). لماذا تخجلون من الاعتراف بها وأنتم قد وُلدتم فيها؟ (مز 51: 7). من ينكر ذنبه ولا يعترف به ففي الحقيقة ينكر مولده... ليعترف الخاطي وغير المقدَّس، ولا يرتفع البار ولا يتشامخ، لئلاَّ يفقد مكافأة برِّه بالكبرياء (أي 10: 15) . القديس أمبروسيوس اذْكُرِ الْكَلاَمَ الَّذِي أَمَرْتَ بِهِ مُوسَى عَبْدَكَ قَائِلًا: إِنْ خُنْتُمْ فَإِنِّي أُفَرِّقُكُمْ فِي الشُّعُوبِ [8] كلمة "اذكر" هي مفتاح السفر، تكررت كثيرًا (4: 14؛ 19:5؛ 14:6؛ 14:13، 22، 29، 31). بعد الغزو البابلي تفّرق اليهود وتشتتوا في أماكن كثيرة، يرى البعض أنه في بداية العهد الجديد، كان عدد اليهود المتفرقين في أنحاء العالم ومجتمعاتهم في الشرق أكثر من الذين كانوا في أرض الموعد (يو 35:7؛ أع 9:2 -11؛ يع 1:1؛ 1 بط 1:1). وَإِنْ رَجَعْتُمْ إِلَيَّ وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمُوهَا، إِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّونَ مِنْكُمْ فِي أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ، فَمِنْ هُنَاكَ أَجْمَعُهُمْ وَآتِي بِهِمْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اخْتَرْتُ لإِسْكَانِ اسْمِي فِيهِ. [9] "أجمعهم وآتي بهم إلى المكان الذي اخترت لإسكان اسمي فيه". هذا وعد إلهي تكرر في مواضع كثيرة (تث 1:30-5؛ إش 12:11؛ إش 3:23 إلخ.). كانت وصية الله لشعبه ألا يعبدوا الأصنام ولا يشتركوا في هياكل الوثن. "لا تفعلوا هكذا للرب إلهكم، بل المكان الذي يختاره الرب إلهكم من جميع أسباطكم ليصنع اسمه فيه سكناه تطلبون، وإلى هناك تأتون" (تث 4:12-5). د. صرخة من القلب فَهُمْ عَبِيدُكَ وَشَعْبُكَ، الَّذِي افْتَدَيْتَ بِقُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ وَيَدِكَ الشَّدِيدَةِ. [10] مع اعتراف بخطأ كل الشعب بما فيهم نحميا نفسه وبيت آبائه، يتمسك بأنهم عبيد الرب وشعبه، لا عن استحقاقاتهم، وإنما من أجل الخلاص الذي قدمه لهم بقوته الإلهية العظيمة ويده الشديدة. ينطلق نَحَميا من الحاضر، فيعود إلى الماضي، ويتطلعّ إلى المُستقبل، حيث يتحقّق وَعْدُ الله، حين يَرُدّ شعبه من كلّ أقطار الأرض إلى أورشليم. هذا ما قاله الأنبياء الذين رأوا بداية المُلك المسيحانيّ، في إعادة تنظيم الشعب في المدينة المُقدّسة. قال إرميا: "أجمع بقيّة غنَمي... أقيم عليها رُعاة... أقيم لشعبي مَلِكًا حكيمًا يُجري الحُكْمَ والعَدْلَ" (إر 23: 3-8؛ راجع حز 37: 21-28) . يَا سَيِّدُ لِتَكُنْ أُذْنُكَ مُصْغِيَةً إِلَى صَلاَةِ عَبْدِكَ، وَصَلاَةِ عَبِيدِكَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ مَخَافَةَ اسْمِكَ. وَأَعْطِ النَّجَاحَ الْيَوْمَ لِعَبْدِكَ، وَأمْنَحْهُ رَحْمَةً أَمَامَ هَذَا الرَّجُلِ. لأَنِّي كُنْتُ سَاقِيًا لِلْمَلِكِ. [11] طلب التدخل الإلهي، فبدون بركته ونعمته لن يتحقق الخلاص. "ساقيًا للملك"، الترجمة الحرفية: "من يقدم شيئًا (لشخص ما) ليشربه". التعبير هنا يعني أنه أحد سقاة الملك، وليس الساقي الوحيد له. ساقي الملك؛ وظيفة ترجع إلى العصور القديمة، كان لها تقديرها الخاص وكرامتها في البلاط الفارسي. إذ كان ساقي الملك في نوبته يقف يوميًا في حضرة الملك، يراه في فترات راحته ليقوم بخدمته الشخصية، لذا يجد فرصًا كثيرة لملاطفة الملك لا يجدها غيره. كان سقاة الملك عادة خصيان، ووجدت نقوش كثيرة لهم في الأثريات الأشورية. في هذه النقوش نجد ساقي الملك ممسكًا بكأس الخمر بيده اليسرى ومروحة من سعف النخل لطرد الحشرات في يده اليمنى . يضع على كتفه منديلًا طويلًا مطرزًا به هدب، يستخدمه الملك لمسح فمه بعد شرب الخمر. كان ساقي الملك عند مادي وفارس يسكب القليل من الخمر في الكأس على راحة يده اليسرى ويشربه، حتى يطمئن الملك أن الخمر ليس به سم. كان الفراعنة أيضًا لديهم سقاه، وكذلك سليمان الملك (تك 40: 2؛ 1 مل 10: 5؛ 2 أي 9: 4) . من وحي نح1 ليرتفع قلبي إليك، وليتسع لمحبة البشر! * طأطأت أيها الحب الحقيقي السماوات ونزلت إلينا. اشتقت أن تحمل كل البشر في أحضانك. وترفع الكل إلى أمجادك الفائقة. هب لي أن أسلك بروحك. فترتفع نفسي إليك، كما نزلت أنت إليها. ويتسع قلبي لمحبة كل البشر، فأشتهي أن ينعم الكل بأمجادك. * كل أمجاد العالم لا موضع لها فيّ. مجدك سباني تمامًا. تصرخ أعماقي إليك: متى أرى كل إخوتي في البشرية في أحضانك؟ متى تحوط بكل البشر كسور نارٍ إلهي. فلا يقدر عدو الخير بكل سهامه النارية أن يقترب إليهم. حتى تقيم في وسطنا، فيُعلن مجدك فينا. هذا العمل أعظم من أن يقوم به بشر ما. ولا حتى القوات السمائية مع كل قدرتها الفائقة. إنه عملك الإلهي يا مخلص العالم! أنت هو إله المستحيلات. * لأنسحب من العالم إلى حين. وأجلس في حضرتك الإلهية. أعترف لك أننا أفسدنا أورشليمنا الداخلية بخطايانا. من يهبنا التوبة إلا روحك القدوس؟ بنعمتك ونقوم ونبني أسوارها ونقيم أبوابها. وعودك صادقة وأمينة إلى الأبد. * في وسط قصر الملك الوثني أعددت نحميا القائد الفريد. طلب منك أن تهبه نعمة لكي يسمح له الملك في العمل. أعطيته نعمة لكي يقدم له إمكانيات لمساندته في العمل. من عندك تحقق نجاحه. انطلق للعمل لا بسماح الملك، بل بالحري بمرافقتك له. لترافقنا، فنلتصق بك. لتعلن ذاتك فينا، وتقيم أورشليمك في أعماقنا. أنت سورنا وحصننا الحصين! |
||||
10 - 10 - 2022, 12:59 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
هلم نقوم ونبني! رجل صلاة وعمل رجل صلاة وعمل يرى البعض أن هذا الأصحاح أعظم درس عن القيادة الحكيمة في العالم، أو على الأقل هو درس عظيم في هذا الشأن. يكشف لنا هذا الأصحاح عن حقيقة هامة، وهي أن الله يود أن يعمل بنا أكثر من رغبتنا نحن في أن نعمل. كان نحميا وهو رجل صلاة، رجلًا عمليًا لم يتحرك للبناء إلا بعد أن طلب من الملك تصاريح تسنده للبدء في العمل وتكملته (2: 7-8). 1. تحركه للعمل وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ. كَانَتْ خَمْرٌ أَمَامَهُ فَحَمَلْتُ الْخَمْرَ، وَأَعْطَيْتُ الْمَلِكَ. وَلَمْ أَكُنْ قَبْلُ مُكَمَّدًا أَمَامَهُ. [1] شهر نيسان يقابل جزءًا من مارس وآخر من أبريل. المدة ما بين سماع نحميا لأخبار أورشليم (شهر كسلو) إلى وقوفه هنا أمام الملك (شهر نيسان) بلغت أربعة أشهر. لم يرد نحميا أن يتسرع في عرض الأمر على الملك بالرغم من إدراكه ثقة الملك فيه، وذلك حتى يتحصن بقوة إلهية. وربما انتظر نحميا حتى يأتي دوره في تقديم الخمر للملك. فَقَالَ لِي الْمَلِكُ: لِمَاذَا وَجْهُكَ مُكَمَّدٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مَرِيضٍ؟ مَا هَذَا إِلاَّ كآبَةَ قَلْبٍ! فَخِفْتُ كَثِيرًا جِدًّا [2] كان العاملون في القصر ملتزمين أن يظهروا أمام الملك بوجهٍ باشٍ، تحت كل الظروف. لكن لم يكن في استطاعته أن يخفي المرارة التي ملأت نفسه بسبب الحال الذي بلغت إليه أورشليم. وإذ كان أرتحشستا الملك يثق في نحميا سأله عن سبب كآبة قلبه. حزن نحميا لم يكن مصادفة، إن صح التعبير، إنما هو انعكاس لمرارة نفسه من أجل شعب الله. سؤال الملك يكشف عن تعجبه من حزن نحميا، فقد اعتاد أن يراه دائمًا متهللًا. ولعل تهليل قلب نحميا كان ينعكس على وجهه، فيعطي بهجة للملك. سلام قلب نحميا حتمًا كان يختلف تمامًا عما يظهره السقاة الآخرين، لأن الأول يتقبل بهجته من الرب، أما الآخرون فكانوا يفتعلون البهجة لإرضاء الملك. لم يكن ممكنًا لنحميا الذي انكسر قلبه من أجل شعبه أن يخفي حزنه، وكما يقول سليمان الحكيم: "للبكاء وقت، وللضحك وقت؛ للفرح وقت، وللرقص وقت" (جا 3: 4). فالمؤمن الحقيقي يعرف متى يفرح ومتى يحزن. ليس كل فرحٍ مستحقًا للمديح، ولا كل حزن مستحقًا للذم. * كما أن الضحك ينقسم إلى نوعين: أحيانًا يكون مستحقًا للمدح، وأحيانًا للتوبيخ، هكذا البكاء يلزم أن يُرى بنفس الطريقة. الضحك المستحق للمديح يتناغم من البكاء المستحق للمديح، وهكذا يتناغم الضحك والبكاء اللذان يستحقان الشحب. غالبًا الحياة التي تميل للشهوة لا لحب الله هي ضحك فيه يقيم الضاحك من نفسه إلهًا. آخرون يحسبون معدتهم آلهة، وآخرون المال، وآخرون الفكاهة يريدون أن يكونوا ظرفاء الخ، فيبني الشخص مذابحً للضحك بكونه إلهًا، مقدمًا ذبائح له... على أي الأحوال، هؤلاء الذين يبكون هنا كثيرًا للتوبة يصلون لله بهذه الكلمات: "قد أطعمتهم خبز الدموع، وسقيتهم الدموع بالكيل الكامل" (مز 6: 5 LXX) . القديس ديديموس الضرير أول عنصر هام في العمل هو أن يستخدم المؤمن كل فرصة مواتية للعمل، غير أن البعض لا يريد أن يتلمس وجود هذه الفرص للعمل. حين سأله الملك عن سبب حزنه خاف كثيرًا جدًا، لكن إذ رفع قلبه لله تشجع وأجاب بكل صراحة وبحكمة. لقد منعهم مرسوم سابق من إعادة بناء السور (عز 4: 6- 24). لم يخجل نحميا من الاعتراف بخوفه، لكنه أبَى أن يستسلم للخوف، ويتوقف عن انجاز العمل الذي دعاه إليه الرب. أستير أيضًا خافت وفي صلاتها طلبت من الرب أن ينجيها من خوفها. * يوجد من يخاف لئلا يجلد، وهذا خوف العبيد، ويوجد من يخاف لئلا يخسر وهذا خوف الأجير. ويوجد من يخاف لئلا يغيظ وهذا خوف الصديقين . القديس مار فيلوكسينوس القديس البابا أثناسيوس المسيح يتحدث: "أنا هو لا تخافوا". لماذا تنزعجون لهذه الأمور؟ لماذا تخافون؟ لقد سبق فأخبرتكم بهذه الأمور أنها ستحدث حتمًا... "أَنَا هُوَ، لاَ تَخَافُوا. فَرَضُوا أَنْ يَقْبَلُوهُ فِي السَّفِينَةِ". إذ عرفوه وفرحوا تحرروا من مخاوفهم. "وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها". وُجدت نهاية عند الأرض، من المنطقة المائية إلى المنطقة الصلدة، من الاضطراب إلى الثبات، من الطريق إلى الهدف . القديس أغسطينوس وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: لِيَحْياَ الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. كَيْفَ لاَ يَكْمَدُّ وَجْهِي، وَالْمَدِينَةُ بَيْتُ مَقَابِرِ آبَائِي خَرَابٌ، وَأَبْوَابُهَا قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ؟ [3] "ليحيا الملك إلى الأبد": هذه عبارة عامة يُخاطب بها الملوك (1 مل 31:1؛ 4:2؛ 9:3). بحكمةٍلم يذكر نحميا اسم المدينة "أورشليم"، بل دعاها "المدينة بيت مقابر آبائي". فمن جانب لم يرد أن يثيره بأنه يطلب أحياء مدينة قامت بابل بتخريبها، لا ننسى أن ما يحزن قلب نحميا هو ثمرة قرار قديم للملك بوقف إصلاح المدينة وسورها. ومن جانب آخر أراد أن يكسب وده، إذ كان الملوك يحترمون المقابر، ولا يهجمون عليها، فقد كان للأموات تقديرهم الخاص عندهم. هذا ولم يكن الملك في بداية حكمه يستريح للمنطقة المحيطة بيهوذا. فإقامة مدينة حصينة في المنطقة يمكن أن تشجع على قيام حركات تمرد على مملكة فارس. أما في ذلك الحين، فقد استقر الوضع، واستراح الملك من جهة المنطقة، بالإضافة إلى ثقة الملك في نحميا وإخلاصه له، ومع هذا لم يذكر اسم المدينة حتى لا يثير مشاعر الملك القديمة: إن إصلاح أورشليم يعادل إمكانية قيام حركة تمرد على العرش الفارسي. نحميا أيضًا حين تحدث مع الله لم يذكر اسم المدينة، فإن ما يشغله لا المدينة في ذاتها كمن يتعصب لها، إنما يدعوها بالاسم المحبوب لدى الله: "المكان الذي اخترت لإسكان اسمي فيه" (1: 9؛ تث 30: 1- 5). 2. صلاة سهمية مع رغبتنا في اقتناص كل فرصةٍ للعمل، نحتاج إلى الصلاة، لكي ندرك ما هي إرادة الله في كل عمل نمارسه. لقد عرف نحميا أنه لم يكن يُسمح لساقي الملك أن يقترح شيئًا على الملك، ولا يطلب منه شيئًا، لكنه إذ رفع قلبه إلى الله، أجابه الرب أن يسأل الملك. فَقَالَ لِي الْمَلِكُ: مَاذَا طَالِبٌ أَنْتَ؟ فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلَهِ السَّمَاءِ [4] كان نحميا يشعر وهو واقف أمام الملك، أنه في الحقيقة في حضرة إله السماء، القادر أن يوجّه قلب الملك كيفما شاء. لقد رفع قلبه إلى إله السماء، القادر وحده أن يسمع كلمات القلب الصامتة، فيهبه حكمة في الإجابة على الملك، ويعطيه نعمة في عينيه. يحوي هذا السفر أمثلة كثيرة لصلوات نحميا، وما ورد في الأصحاح الأول لم يكن إلا اقتباسًا من صلواته التي دامت إلى أربعة أشهر (1: 4). بعد صلوات لمدة أربعة أشهر إذ وقف نحميا أمام الملك قدم ما تُعرف بالصلاة السهمية السريعة (2: 4)، أو صلاة القلب الخفية أو صلاة يسوع، لكن هل كان يمكن لهذه الصلاة السهمية السريعة أو صلاة القلب الخفية أن يكون لها فاعليتها لو لم يكن نحميا رجل صلاة، وقد قدم صلوات طويلة، دامت أحيانًا إلى عدة أشهرٍ. * إننا بالقلب نسأل، بالقلب نطلب، ولصوت القلب ينفتح الباب [6]. * الصلاة هي بلوغ العقل المملوء حبًا إلى الله، إنها تشغل الذهن والقلب، الفكر والرغبة، المعرفة والحب. الحياة الكاملة للمسيحي الصالح هي رغبة مقدسة [7]. * من يصلي برغبة يسبح في قلبه، حتى إن كان لسانه صامتًا. أما إذا صلى (الإنسان) بغير شوقٍ فهو أبكم أمام الله حتى إن بلغ صوته آذان البشر . القديس أغسطينوس لقد عرف نحميا ماذا يطلب من الملك، ولماذا، وما هي احتياجاته لتحقيق هدفه. لقد كانت أمامه خطة يقدمها للملك بعد أن قدمها لله، أو تسلمها من الله. وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: إِذَا سُرَّ الْمَلِكُ، وَإِذَا أَحْسَنَ عَبْدُكَ أَمَامَكَ، تُرْسِلُنِي إِلَى يَهُوذَا، إِلَى مَدِينَةِ قُبُورِ آبَائِي، فَأَبْنِيهَا. [5] لم يشر إلى اسم المدينة، بل طلب إرساله إلى يهوذا، إلى مدينة بيت قبور آبائه. فَقَالَ لِي الْمَلِكُ وَالْمَلِكَةُ جَالِسَةٌ بِجَانِبِهِ: إِلَى مَتَى يَكُونُ سَفَرُك؟َ وَمَتَى تَرْجِعُ؟ فَحَسُنَ لَدَى الْمَلِكِ وَأَرْسَلَنِي. فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَانًا. [6] "الملكة" هنا تعني الملكة الأم أو ما يعادلها، وكان لها حق الحضور في المناسبات العامة. كما كان لها تقديرها عند الملك. لا ننسى أن سفر نحميا كشف عن دور النساء مع الرجال (نح 3: 12؛ 5: 1-5؛ 8: 2- 3؛ 10: 31؛ 12: 43). يبدو أن نحميا طلب فترة قصيرة يتغيب فيها لتحقيق رسالته؛ بعد ذلك سأل الملك أن يمد له الفترة. فقد قضى نحميا في الفترة الأولى 12 عامًا كحاكمٍ ليهوذا (14:5). وجاء إلى الملك يقدم له تقريرًا، وعاد مرة ثانية إلى يهوذا (6:13). وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: إِنْ حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ: فَلْتُعْطَ لِي رَسَائِلُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ، لِيُجِيزُونِي حَتَّى أَصِلَ إِلَى يَهُوذَا [7] اعتادت بعض الشخصيات الهامة أن يحملوا رسائل توصية من قبل الحاكم أو من ينوب عنه، لكي يتحركوا في حدود الدولة في أمان، ويلتزم من تقدم لهم هذه الرسائل بحماية حامليها. بهذه الرسائل كان نحميا قادرًا على التحرك في كل البلاد الخاضعة للإمبراطورية الفارسية في أمان . يحتاج مع وجود الخطة إلى قوة تسنده للعمل، هي يد الله الصالحة، وقدرته كإله المستحيلات. يقول الرسول، "والقادر أن يفعل فوق كل شيء، أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر، بحسب القوة التي تعمل فينا" (أف 3: 20). وَرِسَالَةٌ إِلَى آسَافَ حَارِسِ فِرْدَوْسِ الْمَلِكِ، لِيُعْطِيَنِي أَخْشَابًا لِسَقْفِ أَبْوَابِ الْقَصْرِ الَّذِي لِلْبَيْتِ، وَلِسُورِ الْمَدِينَةِ وَلِلْبَيْتِ الَّذِي أَدْخُلُ إِلَيْهِ. فَأَعْطَانِي الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ إِلَهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ. [8] كلمة "آساف" معناها "الرب يجمع"، ويرى القديس أغسطينوس أنها تعني "جماعة محتشدة (مجموعة مصلين)". "فردوس الملك" الذي طلبنحميا أن يأخذ منه أخشابًا لسقف أبواب القصر ولسور المدينة، غالبًا ما كان في لبنان، حيث تشتهر بغابات الأرز (1 مل 6:5 ، 9؛ 2 أي 2: 8-9 ، 16؛ عز 7:3). يرى البعض أن الكلمة المترجمة هنا "فردوس" فارسية، وترجمتها "بستان" أو "حديقة". في مصر تستخدم كلمة "جنينة" أو "جنة" لتعني حديقة. يعتقد البعض أنه حديقة سليمان في إيثام على بعد حوالي 6 أميال جنوب أورشليم، تعرف بحدائقها الجميلة (2 مل 25:4؛ جا 2:5-9؛ إر 4:39؛ 7:52). 4. تنفيذ عملي فَأَتَيْتُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ، وَأَعْطَيْتُهُمْ رَسَائِلَ الْمَلِكِ. وَأَرْسَلَ مَعِي الْمَلِكُ رُؤَسَاءَ جَيْشٍ وَفُرْسَانًا. [9] تحرك نحميا في الحال ولم يتأخر مثل عزرا (عز 22:8). وكان في رفقته فرقة مسلحة، ليس لأنه أقل إيمانًا من عزرا، وإنما بسبب مركزه الرسمي كحاكمٍ ليهوذا. إرسال الملك رؤساء جيش وفرسان مع نحميا فيه إشارة ضمنية أمام الحكام أنه هو الرجل الذي يُسر به الملك، وأن يلتزم الكل بتقديم كل احترامٍ ووقارٍ له. 5. مقاومة العدو وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ، سَاءَهُمَا مَسَاءَةً عَظِيمَةً، لأَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ خَيْرًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. [10] يليق بنا أن نعمل ما يريده الله، حتى لو وقف الكل ضد هذا العمل. فالعقبات لن تحطم نفسيتنا، بل تدفعنا للعمل بالأكثر مادام العمل حسب مشيئة الله. نحتاج إلى الثقة والإيمان أننا مادمنا نعمل عمل الرب، فلا نخشى المقاومة أيَّا كان مصدرها، إنما نتفهم الموقف، ونواجه كل مقاومة في ثقة بعمل الله معنا. سنبلط الحوروني (من حورنائيم): "سنبلط" اسم أكادي يعني "ليت سن (إله القمر) يمنحه حياة". يلقب بالحورني، غالبًا ما كان ينتسب إلى "بيت حورون" في أفرايم على بعد نحو ثلاثين كيلومترًا شمالي غربي أورشليم (يش 10:10). البعض يرى أنه من حورونايم المدينة الموآبية (إش 5:15؛ إر 3:48 ، 5، 34). كان سنبلط يحسب نفسه عابدًا لإله اليهود، فقد دعا اسمي ابنيه ديلايا Delayah وشلمايا Shelemyah ، وهما اسمان مرتبطان بيهوه Yahweh . وكان حاكمًا لمنطقة السامرة شمال يهوذا. هو أخطر مقاوم لنحميا، أخذ موقفًا معارضًا لبناء السور، ربما للأسباب التالية أو بعضها: أ. إنّ نَحَميا يُعارض أمر سابق للملك، أي لسبب سياسيّ. أُتهم بأن ما يفعله بخصوص إعادة بناء أسوار أورشليم وإقامة أبوابها ثورة وعصيان ضد ملك فارس [17-20]. ب. خشي لئلا يؤثر هذا في خضوع اليهود في أورشليم للفرس، وقد يمتد هذا إلى السامرة مما يدفع الفرس إلى استخدام العنف لإخماد أي تمرد، فيصير في موقفٍ حرجٍ بكونه حاكمًا للسامرة. ج. ببناء سور أورشليم، تَنْغَلِقُ المدينة على الحركة التجاريّة، أي لسبب اقتصاديّ. د. ببناء سور أورشليم، لا يعود الهيكل مفتوحًا، إلا لأبناء أورشليم وجوارها، أي لسبب دينيّ. هـ. وصل نَحَميا حاملًا أمر الملك مُتخطّيًا سلطته، فشعر ببعض القَهْر، أي لسبب شخصيّ. و. يرى البعض أنه كان يرفض إعادة بناء سور أورشليم بسبب نيته في امتداد ولايته لتشمل اليهودية مع السامرة. فقد أظهرت المستندات فيما بعد أنه كان حاكم السامرة، يكِّن كل عداوة ليهوذا، وكان دون شك يترجى أن تُعطَى له كل اليهودية تحت حكمه. طوبيا: على ما يُظن أنه كان حاكمًا لعمون في عبر الأردن شرق يهوذا. ولعل كلمة "العبد" هنا تعني أنه كان يومًا ما عبدًا. وكما جاء في سفر نحميا (6: 17-19؛ 13: 4-9) دخل في علاقات عائلية مع أناس لهم سلطانهم في أورشليم. ربما كان يحسب نفسه عابدًا ليهوه. 6. دراسة في الموقع فَجِئْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَكُنْتُ هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. [11] بالرغم من سماع سنبلط وطوبيا عن رحلة نحميا وقدومه إلى أورشليم لمهمة لصالح بني إسرائيل، لكن يبدو أنهما لم يكونا يعرفان ما هذه المهمة. لم يهتما هما أو غيرهم من الحكام المحيطين بيهوذا أن يستقبلوا نحميا، فقد وصل إلى أورشليم مع رؤساء الجيش والفرسان، وبقي ثلاثة أيام ولم يشعر أحد بقدومه. بحكمة كان نحميا يفكر فيما سيتعرض له من مخاطر ومقاومات، لكن هذه الأمور لم تدفعه إلى اليأس، وإن كانت قد دفعته إلى عدم التسرع في الإعلان عن خطته للعمل، وما يعلنه كان تحت الضرورة حسب مقتضيات الحاجة، دون استعراض لبطولته ودوره في الإصلاح. كان نحميا في حاجة إلى هذه الأيام الثلاثة للراحة بعد رحلة طويلة شاقة (عز 32:8). لم يعتمد نحميا على التقارير التي وصلت إليه، وإنما قام ببحث الأمر بنفسه. هذا ورقم 3 يشير إلى قيامة السيد المسيح، فلا يمكننا العمل لبنيان أورشليمنا الداخلية أو سورها ما لم نتمتع بالحياة المقامة بالسيد المسيح. * عَلِمَ إبراهيم أنه يمثّل بعض الأمور العتيدة، فعرف أن المسيح سيأتي من نسله ويقدم نفسه ذبيحة حقيقية من أجل خلاص العالم كله ومن أجل قيامة الأموات... كما سار مسيرة ثلاثة أيام حتى وصل إلى الموضع الذي أشار إليه الرب ليقدم ابنه ذبيحة (تك 4:22). اليوم الثالث دائمًا هو أنسب الأيام للأسرار. فشعب بني إسرائيل قدموا ذبيحة لله بعد خروجهم من أرض مصر في اليوم الثالث (خر 18:3). وتمت قيامة الرب في اليوم الثالث . * لم يسمح فرعون لبني إسرائيل أن يتقدموا إلى موضع العلامات، وأراد أن يمنعهم من التقدّم للتمتع بأسرار اليوم الثالث. اسمع ما يقوله النبي: "الرب يحيا بعد يومين؛ وفي اليوم الثالث يقيمنا فنحيا معه" (هو 2:6). اليوم الأول بالنسبة لنا هو آلام المخلص؛ والثاني يمثل نزوله إلى الجحيم؛ والثالث هو قيامته. لهذا في اليوم الثالث سار الرب أمامهم كعمود سحاب بالنهار وعمود نار بالليل؛ كما ذكرنا قبلًا يعلّمنا الرسول بولس بحق أن هذه الكلمات تخفي سرّ المعمودية، يتبع ذلك "كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفنا معه بالمعمودية للموت" (رو 3:6). فحينما تصنع لنفسك سرّ اليوم الثالث، سيقودك الله بنفسه ويكشف لك طريق الخلاص . العلامة أوريجينوس ثُمَّ قُمْتُ لَيْلًا أَنَا وَرِجَالٌ قَلِيلُونَ مَعِي.وَلَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا بِمَا جَعَلَهُ إِلَهِي فِي قَلْبِي، لأَعْمَلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعِي بَهِيمَةٌ إِلاَّ الْبَهِيمَةُ الَّتِي كُنْتُ رَاكِبَهَا. [12] كثيرون يبدأون العمل ولا يكملون، لأنهم يتكلمون مع الناس كثيرًا، وليس مع الله واهب النجاح والنصرة. بدأ عمله بحرصٍ شديدٍ، فقد خرج ليلًا ومعه رجال قليلون، وبدأ يستكشف الموقف على ضوء القمر. وَخَرَجْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي لَيْلًا، أَمَامَ عَيْنِ التِّنِّينِ إِلَى بَابِ الدِّمْنِ، وَصِرْتُ أَتَفَرَّسُ فِي أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ الْمُنْهَدِمَةِ، وَأَبْوَابِهَا الَّتِي أَكَلَتْهَا النَّارُ. [13] لم يقم بدورة كاملة للسور، وإنما اكتفى بمنطقة الجنوب ليرى إلى أي مدى كان السور محفوظًا. كانت أورشليم تهاجم دائمًا من الشمال، لذلك لا توجد إلا بقايا قليله من السور في الشمال. عين التنين أو بئر التين، دعيت هكذا، لأنه يوجد تمثال على شكل تنين تفيض من فمه المياه. بَابِ الدِّمْنِ أو الزبل، حيث كانوا يلقون الأوساخ، يبعد عن باب الوادي قرابة ألفي ذراع. وَعَبَرْتُ إِلَى بَابِ الْعَيْنِ وَإِلَى بِرْكَةِ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَكُنْ مَكَانٌ لِعُبُورِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي تَحْتِي. [14] غالبًا ما كان باب العين في السور من جهة جنوب شرقي يواجه عين روجل. فَصَعِدْتُ فِي الْوَادِي لَيْلًا، وَكُنْتُ أَتَفَرَّسُ فِي السُّورِ، ثُمَّ عُدْتُ فَدَخَلْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي رَاجِعًا. [15] عاد إلى المدينة من باب الوادي في المنحدر الغربي من أوفيل Ophel . وَلَمْ يَعْرِفِ الْوُلاَةُ إِلَى أَيْنَ ذَهَبْتُ، وَلاَ مَا أَنَا عَامِلٌ، وَلَمْ أُخْبِرْ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ الْيَهُودَ، وَالْكَهَنَةَ وَالأَشْرَافَ وَالْوُلاَةَ وَبَاقِي عَامِلِي الْعَمَلِ. [16] العجيب أن نحميا وصل إلى أورشليم وأقام لمدة ثلاثة أيام، ثم تحرك ليلًا على ضوء القمر لدراسة الموقع دون أن يخبر أحدًا، حتى الذين يعملون معه، فإنه لم يكن يستريح للمباهاة والدعاية لنفسه. لم يرد نحميا أن يلفت أنظار أحد إلى ما في ذهنه، حتى لا يثير الأعداء ضده، ولكي لا يترك لهم الفرصة للتخطيط ضده قبل البدء في العمل. فمع إيمانه أن عمله هذا بناء على دعوة من الله، لكنه كرجل الله يلزم أن يسلك بروح الحكمة، ولا يثير أحدًا مادام الأمر في استطاعته، ولا يسبب توقفًا للعمل. 7. دعوة للعمل المشترك ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَرُونَ الشَّرَّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، كَيْفَ أَنَّ أُورُشَلِيمَ خَرِبَةٌ وَأَبْوَابَهَا قَدْ أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ. هَلُمَّ فَنَبْنِيَ سُورَ أُورُشَلِيمَ، وَلاَ نَكُونُ بَعْدُ عَارًا. [17] إذ جاءت لحظة الانطلاق للعمل، بدأ يخبر الذين سيشتركون معه في العمل عن الحال الذي صار إليه شعب الله، وعن يد الله الصالحة معه. يحسب نحميا انهيار المدينة هو انهيار للشعب نفسه، وسقوطه في عار. كان سور أورشليم وأبوابه في خراب منذ تدميره بواسطة نبوخذنصر منذ أكثر من 140 عامًا بالرغم من المحاولات لإعادة أقامته، وقد استسلم القادة والشعب للموقف تمامًا. أما نحميا فلا يعرف الاستسلام، بل آمن بالله القادر أن يعمل به. وَأَخْبَرْتُهُمْ عَنْ يَدِ إِلَهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ، وَأَيْضًا عَنْ كَلاَمِ الْمَلِكِ الَّذِي قَالَهُ لِي. فَقَالُوا: لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ. وَشَدَّدُوا أَيَادِيَهُمْ لِلْخَيْرِ. [18] أبرز نحميا خطورة الموقف، كما طلب تعاون الكل معًا في العمل، فهو ليس بالعمل الخاص بنحميا وحده، ولا بفئةٍ معينةٍ من القيادات، إنما هو عمل خاص بالكل سواء كانوا قادة أو من الشعب. أبرز نحميا أن ما جاء ليمارسه ليس بعمله الخاص، إنما هو عمل الجماعة كلها. ومن جانبٍ آخر مع ما في يده من أمرٍ أو منشورٍ ملوكيٍ لم يصدر أمرًا إليهم للعمل، بل تحدث بلغة الحب والصداقة والتقدير لهم. انعكس روح نحميا القوي وتمسك بيد الله الصالحة على كل السامعين، فقرروا العمل معًا في همةٍ ونشاطٍ. هنا أبرز نحميا أساسيات العمل: أ. أنه يمس حياة الشعب كله. ب. أنه ليس بالعمل الذي يقوم به رجل واحد، بل أن أمكن كل الشعب والقادة. ج. أن يد الله الصالحة قد بدأت بالعمل فعلًا، وستسند العاملين. د. أن الملك تجاوب مع هذا العمل الإلهي. هـ. يلزم أن تتشدد الأيادي، فلا يُمارس مثل هذا العمل برخاوة. 8. استخفاف العدو بهم وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ، هَزَأُوا بِنَا وَاحْتَقَرُونَا وَقَالُوا: مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتُمْ عَامِلُونَ؟ أَعَلَى الْمَلِكِ تَتَمَرَّدُونَ؟ [19] جشم: انضم جشم العربي إلى سنبلط وطوبيا. كان رئيسًا لمجموعة من العرب، يعيشون عبر الأردن في منطقة أدوم ونجب، جنوب وجنوب شرقي يهوذا. هكذا كان الثلاثة يحيطون يهوذا من الشمال والشرق والجنوب. هؤلاء كانوا يخشون تحصين أورشليم مما يفقدهم سلطانهم على يهوذا، إذ كان للثلاثة مصالح لاستغلال يهوذا. وربما كل واحد منهم يطمع في ضم يهوذا تحت ولايته. من أجل المصلحة الشخصية اتفق القادة الثلاثة على وضع خطة موحدة لإفساد العمل. فبدأوا بإحباط الهمم عن طريق الاستخفاف بالعمل والسخرية. فَأَجَبْتُهُمْ: إِنَّ إِلَهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ وَلاَ حَقٌّ وَلاَ ذِكْرٌ فِي أُورُشَلِيمَ. [20] نجاح العمل ليس عطية من قبل الملك، وإنما من قبل إله السماء. إذ كان الثلاثة لا ينتسبون إلى أسباط بني إسرائيل، ومن كل قلوبهم لا يطلبون لهم الخير، يجردون أنفسهم من بركة انتمائهم وسكنلهم في أورشليم. من وحي نح2 هأنذا فأرسلني! * إلهي، من يستحق أن تمتديده للعمل في كرمك. هأنذا فأرسلني، كما أرسلت نحميا للعمل. هب لي روح الصلاة، لأتمتع بقيادتك لي، وعملك خلالي! علمني لغة الصلاة الصادقة. دِّرب قلبي على الحديث السري معك. فإنك تشتاق إلى الاستماع إلى القلب النقي. * أرسل ملك فارس نحميا، ووهبه حراسة من رؤساء جيش وفرسان، وقدم له توصيات لدى الولاة. لكن نحميا كان يتحرك تحت ظلك، حاسبًا كل نجاحٍ هو من عندك. * أنت ملك الملوك، قائد التاريخ كله. لن أتحرك بدونك. وعدتني أن تكون سور نار حولي. لا تقدر كل قوات الظلمة أن تقتحمني. ترسل لي ملائكتك لمساندتي. وتهبني نعمة ونجاحًا في كل ما تمتد إليه يدي. * هب لي حكمة من لدنك. فأتحرك في كل صغيرة وكبيرة بإرشادك. * علمني كيف أعمل مع إخوتي وآبائي. نعمل عملك بيدٍ قويةٍ وذراعٍ رفيعةٍ. نبني سور أورشليم، ولا نكون بعد عارًا. تشدد أيادينا للخير! لك المجد يا إله السماء، بك نقوم نحن عبيدك، ونبني بلا توقف! |
||||
10 - 10 - 2022, 01:20 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
وبناء الأبواب يُعتبر هذا الأصحاح من أهم الأصحاحات في العهد القديم التي تساعد على وضع طوبوغرافيا (الرسم الدقيق للأماكن) لأورشليم. بعض المواقع واضحة والبعض غير واضحة. غطى هذا الأصحاح خطة إعادة بناء السور مبتدأ من الشمال الشرقي، متحركًا نحو الغرب حول المدينة. اكتشف نحميا أن السور ليس كله في حالة سيئة. كما أدرك ضرورة القيام بالعمل بسرعة. أوكل العمل في كل قسم من السور إلى مجموعة، قام البعض بسرعة تنفيذ ما طُلب منهم ليقوموا ببناء قسم آخر جديد [4: 2؛ 5: 27]. مع استثناءات قليلة كانت عزيمة الكل قوية للغاية لإتمام العمل، دون أن يعتذر أحد بأنه قد تمم ما هو مسئول عنه. الكل يود أن يعمل أكثر مما يُطلب منه. ورد في مذكرات نحميا قائمة، غالبًا ما اقتبسها من سجلات الهيكل. تصف هذه القائمة دائرة السور المحيط بأورشليم. تذكر علامات الحدود الرئيسية من أبواب وأبراجٍ وثكنات ومستودع أسلحة، تكشف عن نظام السور. كثير من العاملين في إعادة بناء السور ذُكروا بالاسم أو اسم العائلة أو بدورهم ككهنة أو أعضاء في هيئات لمهنٍ معينة أو موطنهم. اكتشفت حاليًا بعض أجزاء من السور الذي بُني تحت قيادة نحميا سمكها حوالي ثمانية أقدام، مظهرها يدل على أن البناء كان بمجهودات سريعة (نح 6: 15). هذا والاكتشافات الأثرية الحديثة توضح أن المدينة التي كانت داخل السور أصغر مما كان يُظن. يبدو أنها كانت تضم جزءًا من مدينة داود قبل السبي في جنوب شرق قمة التل المواجه لوادي قدرون. باختصار المدينة التي يحتضنها السور الذي أعاد بناءه نحميا لا تشمل كل مدينة أورشليم السكنية. يحتمل أن بعض الشعب كان يسكن غرب السور المُعاد بناؤه [2]. لم يُذكر عزرا كقائد عمل، غالبًا ما كان يعمل مع ألياشيب رئيس الكهنة [1]. بعض البنائيين جاءوا للعمل من خارج حدود اليهودية [7]. يشير هذا الأصحاح إلى عشر أبواب لسور أورشليم، تشير جميعها إلى شخص السيد المسيح الذي قال: "الحق الحق أقول لكم إني أنا باب الخراف.. أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى" (يو 7:10، 9). ا. باب الضأن [1]: فقد صار السيد المسيح حمل الله الذي يحمل خطية العالم، مقدمًا نفسه ذبيحة عن قطيعه الناطق (إش 7:53؛ يو 29:1). ب. باب السمك [3]: وكما يقول العلامة ترتليان إن السيد المسيح هو السمكة الكبيرة، ونحن السمك الصغار الذي لن يستطيع أن يعيش خارج بركات مياه المعمودية. بالسمكة الكبيرة صرنا نحن صيادين الناس لا السمك (مت 19:4؛ أم 30:11؛ دا 3:12). ج. الباب العتيق [6]: إن كان السيد المسيح قد جاء في ملء الزمان، لكنه هو الأزلي الذي أحبنا ودبر خلاصنا قبل تأسيس العالم. إنه الباب العتيق الذي بالإيمان دخل منه آباؤنا الأولون، فنلتزم أن ندخل معهم، ونسير في خطواتهم، وكما جاء في إرميا: "قفوا على الطرق، وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه، فتجدوا راحة لنفوسكم" (إر 16:6). د. باب الوادي [13]: إن كان السيد المسيح يريدنا أن نكون جبالًا مقدسة ثابتة لا تتزعزع، لكننا بالحب ننزل معه كما إلى الوادي المنخفض لنبحث عن كل نفسٍ بروح التواضع، ونحملها بذراعي الحب (لو 11:14؛ في 3:2، 4؛ 1 بط 5:5، 6). هـ. باب الدمن [14]: خلاله تحمل الأمور الدنسة، ويُلقي بها خارج المدينة، هكذا حمل السيد المسيح خطايانا، وصُلب خارج المحلة، لكي يدخل بنا إلى المدينة السماوية، أورشليم العليا. و. باب العين [15]: فقد صار جنب السيد المسيح المفتوح ينبوعًا أو عينًا تفيض دمًا وماءً لتقديسنا. إنه يدعونا لنقبل فينا ينبوع روحه القدوس (يو 38:7، 39؛ أف 18:5). ز. باب الماء [26]: حينما قرأ عزرا سفر الشريعة أمام الشعب اجتمعوا أمام باب الماء (1:8-9). فإن كلمة الله تجمعنا لننعم بينبوع روحه القدوس. ح. باب الخيل [28]: قام الكهنة بترميم ما فوقه. فإننا إذ صرنا كهنة لله أبيه (رؤ 8:1)، التزمنا أن نكون جنود المسيح المحاربين كما بالخيل، لنتمتع بنصرات لا تنقطع (2 تي 3:2؛ 7:4؛ أف 11:6-18). ط. باب الشرق [29]: دعي المخلص بالشرق (ملا 2:4)، صعد من المشارق، ويأتي أيضًا كما صعد من المشارق. أنظارنا متجهة دائمًا نحو مجيئه لننعم ببهاء مجده. ي. باب النثينيم Miphkad ربما الباب الذي كان يجلس عنده الشيوخ للقضاء في الأمور، إشارة إلى السيد المسيح الذي به نحكم على كل شيءٍ ولا يُحكم علينا. 1. باب الضأن يبدأ بالقسم الشمالي (1-7)، ثم الغربي (8-13)، فالجنوبي (14)، وأخيرًا الشرقي (15-32). تَنظَّم العمل بحكمة، وتوزَّع بإشراف رئيس الكهنة ألياشيب الذي دشّن العمل. كلّ السُكّان شاركوا في أعمال البناء: الأفراد والبيوت، الصُنّاع وأصحاب المِهَن، أبناء المدينة والريف، الكهنة وعامّة الشعب. كان الحماس كبيرًا، والمُشاركة شاملة. ولكنّ هذا لا ينفي وجود المُخاصمين والمُعارضين. غير أنّ نَحَميا أقنع رئيس الكهنة، فبدأ بالعمل، وجرّ وراءه الرؤساء والشعب. قُسِمَ السور 42 حِصّة، وكان لكلّ جماعة حِصة يُرمّمونها، أو يُعيدون بناءها . ويلاحظ في القائمين بالعمل الآتي: 1. بدأ العمل برئيس الكهنة والكهنة. 2. جاء كثيرون من مدن خارج أورشليم للعمل. 3. اشترك أيضًا القادة السياسيون في العمل (9 ، 14-17). 4. إذ وجدت خمس دوائر في اليهودية، اشترك كل رؤسائهم في العمل، كل دائرة تنقسم إلى قسمين. اشترك العشرة رؤساء. 5. استخدام نحميا أناس في غير تخصصهم، كأصحاب الصاغة (8) والتجار (32) والعطارين (8). 6. اشتراك اللاويين في العمل (17). 7. اشتراك البنات والأطفال في العمل (12). 8. اشترك الموسيقيون والمرتلون في العمل (17). ذكر أسماء القائمين بإعادة بناء السور يهدف إلى أن الذين يعملون لحساب ملكوتالله، متكلين على ذراع الرب وغير مبالين بمقاومة الأعداء، تُسجل أسماؤهم في سفر الحياة. وَقَامَ أَلْيَاشِيبُ الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ وَإِخْوَتُهُ الْكَهَنَةُ، وَبَنُوا بَابَ الضَّأْنِ. هُمْ قَدَّسُوهُ وَأَقَامُوا مَصَارِيعَهُ، وَقَدَّسُوهُ إِلَى بُرْجِ الْمِئَةِ إِلَى بُرْجِ حَنَنْئِيلَ. [1] ليس من السهل أن يبدأ العمل رئيس الكهنة الذي كان في مقام أيضًا حاكم المدينة، خاصة وأن زعيم المقاومة للعمل هو سنبلط، وكان حفيد ألياشيب قد تزوج ابنته (نح 3: 28). يقول السيد المسيح: "أعداء الإنسان أهل بيته" (6: 18). ألياشيب: اسم عبري معناه "من يريده الله". وهو ابن يوياقيم (10:12). دخل في علاقة قرابة عن طريق الزواج مع طوبيا العموني، وقد عين مخدعًا في الهيكل لطوبيا بسبب قرابته له (5:13). بدأوا بباب الضأن، شماليّ الهيكل، قُرْبَ الزاوية الشماليّة الشرقيّة، حيث تدخله الذبائح التي تُقدم في الهيكل. لنبدأ بالعبادة لله! برج المئة: دعي هكذا لأن ارتفاعه ربما كان مئة ذراعًا، أو يحرسه مئة رجل، أو به مئة درجة. برج حننئيل (إر 31: 38؛ زك 14: 15): في أقصى شمال المدينة. البرجان مرتبطان بحصن الهيكل، لمواجهة أي هجوم على المدينة من الشمال. لم يقف رئيس الكهنة والكهنة حول العمل يصدرون الأوامر، بل كانوا عاملين بأيديهم مع الشعب. اختيار رئيس الكهنة والكهنة ليقودوا موكب العمل، والتزامهم ببناء باب الضأن لم يكن بالأمر العفوي، لكن بحكمة روحية. فإن كانت أورشليم بسورها تشير إلى أورشليم القلب أو إقامة ملكوت الله في داخل الإنسان، فإنه يليق بالكهنة أن يبدأوا بالعمل الروحي. فهذا هو كل ما يشغلهم: بناء النفس روحيًا، والعمل لحساب مملكة المسيح. أما باب الضأن الذي من خلاله كانت تحضر التقدمات والذبائح، فيشير إلى اهتمام الكهنة بذبيحة الصليب الفريدة، من أجل خلاص نفوسهم وخلاص الشعب. * كان كل الكهنة في ذلك الوقت ملزمين حسب شريعة الله أن يقدموا ذبيحة أولًا عن خطاياهم وبعد ذلك عن خطايا الشعب. لذلك فإننا نكتشف الآن بذبيحة الصلاة أننا لسنا بلا خطية، إذ نؤمن بالقول كل يوم: "اغفر لنا ما علينا". وذلك كما كان الكهنة يكتشفون خلال الذبيحة الحيوانية أنهم ليسوا بلا خطية، إذ كانوا يؤمرون أن يقدموا ذبائح عن خطاياهم (لا 9: 7) . القديس أغسطينوس ليبدأ الكهنة دومًا ببناء باب الضأن، فإنه ليس لهم عمل سوى تقديم السيد المسيح حمل الله الذي يرفع خطية العالم.* خادم المسيح الكامل ليس له شيء بجانب المسيح . القديس جيروم * الإنسان الذي له روح الكهنوت وفكره هو ذاك الذي بكونه راعيًا صالحًا يتقدم للموت من أجل قطيع الرب بروح ورعة. بهذا يكون (كموسى) في كسر شوكة الموت، وصد قوته، وإزالته إلى أبعد الحدود. الحب هو العضد الذي يزكيه، مقدمًا نفسه للموت من أجل مقاوميه . القديس أمبروسيوس هكذا إذ يصير قلب المؤمن باب الضأن، ينفتح بروح الرب، ليدخل فيه حمل الله، الابن الوحيد الجنس، يقطن فيه مع أبيه القدوس. يليق ألا يسمح باستخدامه في عملٍ آخر، فقد صار مقدسًا للرب. يقول الرسول: "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم. إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1 كو3: 16-17). وَبِجَانِبِهِ بَنَى رِجَالُ أَرِيحَا، وَبِجَانِبِهِمْ بَنَى زَكُّورُ بْنُ إِمْرِي. [2] العجيب أنه تلى رئيس الكهنة مباشرة "رجال أريحا". نلاحظ أن كثيرين ليسوا من سكان أورشليم ساهموا في هذا العمل، لا لمنفعة شخصية، وإنما للصالح العام. من أمثلة هؤلاء: رجال أريحا [2]، وأهل تقوع [5]، وأهل جبعون والمصفاة [7]، وسكان زانوح [13]. يليق بالمؤمن أن يعمل لحساب الجماعة، ولا يحصر نفسه في نفعه الخاص. كما لم يطلب السيد المسيح ما لنفسه بل ما هو لخلاص العالم، هكذا يليق بالمؤمن أن يقتني الحب الحقيقي: " المحبة .... لا تطلب ما لنفسها" (1 كو 13: 5). * من جانب الإنسان البار الذي له المحبة التي لا تطلب ما لنفسها أن يتحرر من الكل، ولكننه يستعبد نفسه للجميع لكي يربح الأكثرين [7]. العلامة أوريجينوس الشيخ الروحاني تكررت كلمة "بجانبه" أو "بجانبهم" كثيرًا (ع 4، 5، 7-10، 12، 19). مع توزيع العمل، كان على الشخص أو العائلة مسئولية محددة، لكن الواحد يعمل بجانب الآخر، حتى يوجد اتصال وثيق بهم. كل واحد يتصل بالآخر، يشجعه ويسنده. زكور: مشتقة من كلمة زكريا، وهو لاوي وقّع مؤخرًا على العهد (12:10). 2. باب السمك وَبَابُ السَّمَكِ بَنَاهُ بَنُو هَسْنَاءَةَ. هُمْ سَقَفُوهُ وَأَوْقَفُوا مَصَارِيعَهُ وَأَقْفَالَهُ وَعَوَارِضَهُ. [3] باب السمك: يقع إلى الغرب. عرف في أيام الهيكل الأول (صف 10:1)، بكونه أحد المداخل الرئيسية لأورشليم (2 أي 14:33). ربما مثل باب أفرايم الذي يقود إلى الطريق الرئيسي في شمال أورشليم. دعي باب السمك، لأن التجار كانوا يحضرون سمكًا من صور أو من بحر الجليل ليعبروا من خلاله إلى سوق السمك (16:13). يدعونا القديس باسيليوس الكبيرأن نقتدي بالأسماك المهاجرة التي تتحمل مشقة الهجرة لمسافات طويلة لأجل الإكثار، بينما نتراخي نحن عن العمل الجاد لأجل تمتعنا بالأمجاد الأبدية. * توجد أسماك رُحَّل، كأنها تهاجر بقرار جماعي، بإشارة خاصة إلى مناطق غريبة. فإذا جاء موعد تكاثرها، رحلت، هذه من خليج، وتلك من آخر، تدفعها سُنة طبيعيَّة عامة، مسرعة إلى البحر الأسود. فترى هذه الأسماك، إبّان رحيلها، كالسيل يتدفق في البسفور نحو البحر الأسود. من حركها؟ وأين الملك الذي يرأسها؟ والأوامر التي عُلقت في الساحات العامة، وعينت موعد السفر؟ وأين القادة؟ إنك لترى العناية الإلهيَّة تتمم كل شيء، وتعتني بأدنى الخلق. فالسمك لا يقاوم سُنة الله، أما نحن البشر فإنَّنا نخالف تعاليمه. فلا تحتقر الأسماك لأنها خرساء وغير ناطقة، وخف أن تكون أقلّ تعقُّلًا منها حينما تخالف أوامر خالقك. استمع إلى الأسماك، لا ينقصها غير النطق، وسلوكها يقول لك: إن حفظ الجنس يحملها على مباشرة هذا السفر الطويل. ليس عندها إدراك، بل شريعة طبيعيَّة راسخة كل الرسوخ في غريزتها تدفعها إلى ما يجب أن تعمل. فتقول: هلم بنا إلى البحر الأسود... إن ماءه أعذب من ماء سواه، والشمس فوقه أقل حرارة فلا تمتص ماءه الحلو كله، لهذا يصعد السمك في الأنهار ويبعد عن البحار، ويفضِّل البحر الأسود ليستقبل ويربِّي فيه صغاره، ومتى قضى هناك مأربه، عاد جميعًا أدراجه، لماذا؟ كأنه بمسلكه يقول لنا: "البحر الأسود قليل الأعماق، عرضة للعواصف العنيفة، قليل الملاجئ، وكثيرًا ما تقلبه الرياح الهوجاء رأسًا على عقب، وتعكِّره أكوام من الرمال. وهو فوق ذلك بارد شتاءً، لما يصب فيه من الأنهار العظيمة"، فيهجره السمك، بعد ما أفاد منه صيفًا، ويعجِّل العودة إلى دفء المياه العميقة، والمناطق التي بها دفء الشمس، فيستريح في بحر هادئ بعيدًا عن ريح الشمال العاتية. لقد رأيت هذا المشهد وأُعجبت بحكمة الله الشاملة... تقطع السمكة البحار كلها بحثًا عن بعض منافعةا، وأنت ماذا تقول، إذا كنت تعيش في التواني والكسل؟ فلا يحتج أحد بالجهل فإن فينا ذهنًا طبيعيًا يبيِّن لنا لياقة الخير، وينفّرنا من الأفعال المضرَّة . القديس باسيليوس الكبير وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ مَشُلاَّمُ بْنُ بَرَخْيَا بْنِ مَشِيزَبْئِيلَ. وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ صَادُوقُ بْنُ بَعْنَا. [4] وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ التَّقُوعِيُّونَ، وَأَمَّا عُظَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يُدْخِلُوا أَعْنَاقَهُمْ فِي عَمَلِ سَيِّدِهِمْ. [5] تقوع: كانت مدينة صغيرة تبعد حوالي خمسة أميال جنوب بيت لحم، اشتهرت بكونها موطن النبي عاموس (عا 1:1). لم يذكر عنهم في القائمة الخاصة بالراجعين مع زربابل (عز 21:2 -35). رافضو العمل هم عظماء تقوع (5). بينما الشعب وهو لا ينتفع شيئًا قام بالعمل (5)، ولما انتهوا تحركوا لمساعدة الآخرين (27). واضح من هذه العبارة أنه لم يكن كل سكان يهوذا بالإجماع موافقين على مشروع إعادة البناء. رفض البعض للمشروع حتى وإن كان لهم مراكزهم الاجتماعية المرموقة (عظماء) لم يثبط من همة نحميا ولا من روح العمل الجاد لدى القادة والشعب. التهاب قلب نحميا كان حافزًا قويًا للكثيرين تحت كل الظروف. "العظماء" يقصد بهم طبقة الارستقراطيين الذين احتقروا العمل اليدوي، لم يدخلوا أكتافهم في هذا العمل المقدس. 3. الباب العتيق وَالْبَابُ الْعَتِيقُ رَمَّمَهُ يُويَادَاعُ بْنُ فَاسِيحَ وَمَشُلاَّمُ بْنُ بَسُودْيَا. هُمَا سَقَفَاهُ وَأَقَامَا مَصَارِيعَهُ وَأَقْفَالَهُ وَعَوَارِضَهُ. [6] الباب العتيق (أو باب هيشنة): يقود إلى قرية قريبة من أورشليم (2 أي 13: 19) يرى البعض أنه دُعي بالباب القديم أو العتيق، لأنه هو الباب الذي كان لمدينة أورشليم القديمة "ساليم" التي بناها ملكي صادق. وَبِجَانِبِهِمَا رَمَّمَ مَلَطْيَا الْجِبْعُونِيُّ وَيَادُونُ الْمِيَرُونُوثِيُّ مِنْ أَهْلِ جِبْعُونَ وَالْمِصْفَاةِ إِلَى كُرْسِيِّ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ. [7] يقترح بعض الشُراح أن نقرأ "ميرونوث" أي مدينة يارون، القريبة من جبعون إحدى مُدُن بنيامين. المصفاة: مدينة من مُدُن بنيامين، وهي تل النصبة Tellen-Nasbeh. هي وجبعون كانتا تحت سلطان حاكم عبر الفرات. " كرسي والي عبر النهر"، يقصد به بيت الوالي والمكان الذي يمارس فيه القضاء. قبل مجيء نحميا كانت أورشليم تُحكم بواسطة مندوب من ملك فارس (نح 15)، لكن بعد مجيئه صارت تُحكم بواسطة حكام وقضاة يختارون من بين اليهود أنفسهم. وَبِجَانِبِهِمَا رَمَّمَ عُزِّيئِيلُ بْنُ حَرْهَايَا مِنَ الصَّيَّاغِينَ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَنَنْيَا مِنَ الْعَطَّارِينَ. وَتَرَكُوا أُورُشَلِيمَ إِلَى السُّورِ الْعَرِيضِ. [8] بعد أن استعرض القسم الشمالي الآن يبدأ بالقسم الغربي (8-13). كان اليهود منذ القديم يهتمون بوجود صياغ وأيضًا عطارين (صيادلة) وتجار. وكان لكل فئة منهم نوع من الرابطة معًا في أيام نحميا. كان للعطارين بجانب اهتمامهم بإعداد الأدوية (من النباتات والعطارة) والعطور والأطياب والتوابل إعداد ما يحتاجه الهيكل من هذه المواد مع البخور الذي يقدم في العبادة المستمرة. يبدو أن حي الصياغ والعطارين خارج السور (31-32). يرى البعض أن بناء السور لم يكن في مصلحة الصياغ والعطارين والتجار، لأن عدم وجود السور يعطيهم فرصة أكبر للتجارة في أورشليم والتنقل داخلها وخارجها. لكنهم ساهموا في هذا العمل، واثقين أن بركة الرب هي تغني ولا يزيد معها تعبًا (أم 10: 22)، وأن ما يفقدوه بسبب بناء السور حتمًا سيعوضهم الله عليه بما يقتنوه بمسرة الله بهم أفضل من كل مكسبٍ ماديٍ. هذا ولم يعرف أحد متى يتم بناء السور، إذ لم يتوقع أحد أنه يتحقق في 52 يومًا، وهذا بالنظرة البشرية التجارية خسارة مادية لا يُستهان بها. * لم يتحدث كثيرًا في الحقيقة عن أمور هذه الحياة، بل كانت معظم تأملاته في أمور السماء. "لأن سيرتنا في السماويات" (في 20:3). إذ يقول "لأن حياتنا مستترة مع المسيح في الله" وأكاليلنا (حرفيا مكافأتنا) هناك. وجهادنا هو لأجل الأكاليل هناك. لأن تلك الحياة لا تنتهي بعد الموت، بل تضيء أكثر فأكثر. وفي الحقيقة فإن الذين يتبعون هذه القاعدة، لهم كرامة أعظم أكثر من الحاملين التيجان، عالمين أنهم رجال أعظم، يسعون لأجل أمورٍ أعظم . القديس يوحنا الذهبي الفم السور العريض، أي السور السميك، بناه الملك عُزيّا، ليَصُدّ هَجَمات يوآش ملك السامرة، في القرن الثامن ق.م. وقد اكتشف مثل هذا السور عام 1971. يبدو أن الكلدانيين وجدوا صعوبة في هدمه، فتركوه قائمًا.وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ رَفَايَا بْنُ حُورٍ رَئِيسُ نِصْفِ دَائِرَةِ أُورُشَلِيمَ. [9] "رفايا" هو رئيس نصف الحي الوسط للمدينة، أحد خمسة أحياء ليهوذا. وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ يَدَايَا بْنُ حَرُومَافَ وَمُقَابَلَ بَيْتِهِ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَطُّوشُ بْنُ حَشَبْنِيَا. [10] كان من الحكمة أن يقوم يدايا بن حروماف وغيره بترميم السور بجوار منازلهم. تكرر تعبير "مقابل بيته" أو "بجانب بيته" [10، 23، 28، 29] و"مقابل مخدعه" [30]. فلو أن كل إنسان اهتم بتنظيف مقابل بيته لصار كل الشارع نظيفًا، ولو اهتم كل إنسان باحتياجات فقيرٍ واحدٍ، لما وُجد فقير في العالم، ولو انشغل كل شخص بخلاص نفس واحدة، لما وجد ضال في البشرية. قِسْمٌ ثَانٍ رَمَّمَهُ مَلْكِيَّا بْنُ حَارِيمَ، وَحَشُّوبُ بْنُ فَحَثَ مُوآبَ وَبُرْجَ التَّنَانِيرِ. [11] "حشوب" مختصرة عن حشابيا Hashabiah أحد الذين ختموا العهد (23:10). برج التنانير (الأفران): لم يشر إليه سوى هنا، وكان موقعه على السور الغربي، ربما في نفس موقع البرج الذي بناه عزيا عند باب الزاوية (2 أي 9:26). كانت الأفران مقامة في سوق الخبازين (إر21:37). وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ شَلُّومُ بْنُ هَلُّوحِيشَ رَئِيسُ نِصْفِ دَائِرَةِ أُورُشَلِيمَ هُوَ وَبَنَاتُهُ. [12] هلوحيش: ليس بالاسم اللائق، إذ معناه "همسات"، حيث يهمس الراقي بالتعويذة للحية (مز 5:58 ؛ جا 11:10). بنات شلوم: غالبًاما كنّ وارثات غنيات أو أرامل غنيات [11]. لعل بناته ساهمن في نفقات بناء السور الذي بجوارهن، سواء بشراء مواد البناء، أو المساهمة في الإنفاق على العاملين حتى يسدوا احتياجات أسرهم. "هو وبناته": عبارة فريدة في هذا السفر بخصوص قيام بعض النساء بالعمل في بناء السور. أشار القديس بولس إلى أفودية وسنتيخي اللتين جاهدتا معه في الإنجيل (في 4: 3). 4. باب الوادي بَابُ الْوَادِي رَمَّمَهُ حَانُونُ، وَسُكَّانُ زَانُوحَ هُمْ بَنَوْهُ وَأَقَامُوا مَصَارِيعَهُ وَأَقْفَالَهُ وَعَوَارِضَهُ، وَأَلْفَ ذِرَاعٍ عَلَى السُّورِ إِلَى بَابِ الدِّمْنِ. [13] زانوح: وجدت مدينتان بهذا الاسم في يهوذا (يش 15: 34، 56). المدينة المذكورة هنا تقع على بعد 20 ميلًا إلى الجنوب الغربيّ من أورشليم. "ألف ذراع" أي حوالي 1720 قدمًا، وهو طول غير عادي، ربما لأن اغلب هذا القسم كانت أضراره أقل من غيره. 5. باب الدمن وَبَابُ الدِّمْنِ رَمَّمَهُ مَلْكِيَّا بْنُ رَكَابَ رَئِيسُ دَائِرَةِ بَيْتِ هَكَّارِيمَ. هُوَ بَنَاهُ وَأَقَامَ مَصَارِيعَهُ وَأَقْفَالَهُ وَعَوَارِضَهُ. [14] يتحدث هنا عن القسم الجنوبي للسور. ركاب اسم أب لقبيلة ناسكة، تدعى الركابين (إر 35). بيت هكاريم: أشير إليه في إرميا 1:6 كمنقطة يرفع فيها علم النار. 6. باب العين يبدأ هنا بالقسم الشرقي للسور (15-32). وَبَابُ الْعَيْنِ رَمَّمَهُ شَلُّونُ بْنُ كَلْحُوزَةَ رَئِيسُ دَائِرَةِ الْمِصْفَاةِ. هُوَ بَنَاهُ وَسَقَفَهُ وَأَقَامَ مَصَارِيعَهُ وَأَقْفَالَهُ وَعَوَارِضَهُ وَسُورَ بِرْكَةِ سِلُوَامٍ عِنْدَ جُنَيْنَةِ الْمَلِكِ إِلَى الدَّرَجِ النَّازِلِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ. [15] "باب العين" أو باب الينبوع، في مقابل ينبوع أو عين الروجيل En-Rogel. "كلحوزة"، الترجمة الحرفية "كل واحد رائي"، ربما تشير إلى أسرة تمارس العرافة أو النبوة. "بركة سلوام" أو بْرِكة الرسول وهي أشبه بقناة ماء (يو 7:9)، تقع إلى الجنوب. "جنينة الملك": حديقة الملك والدَرَج، يقعان خارج السور في الجزء الجنوبيّ من تَلّة صهيون، بين تيرونيون وقَدْرون، حيث يلتقي وادي قدرون مع وادي هنوم. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ نَحَمْيَا بْنُ عَزْبُوقَ رَئِيسُ نِصْفِ دَائِرَةِ بَيْتِ صُورَ، إِلَى مُقَابِلِ قُبُورِ دَاوُدَ وَإِلَى الْبِرْكَةِ الْمَصْنُوعَةِ وَإِلَى بَيْتِ الْجَبَابِرَةِ. [16] يرى Calmet أن البركة هنا هي الخزان (الصهريج) الذي بناه حزقيا عندما حوصر في أورشليم بواسطة سنحاريب (2 أي 32: 4). "بيت صور"، حي رئيسي يبعد حوالي 20 ميلًا جنوب أورشليم. "بيت الجبابرة"، ربما هو بيت رجال داود الجبابرة الذي صار فيما بعد ثكنات أو مستودع أسلحة. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ اللاَّوِيُّونَ رَحُومُ بْنُ بَانِي، وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَشَبْيَا رَئِيسُ نِصْفِ دَائِرَةِ قَعِيلَةَ فِي قِسْمِهِ. [17] "قعيلة" كانت مدينة في جنوب غرب أورشليم، تبعد حوالي 8 أميال شمال غرب حبرون بالقرب من حدود الفلسطينيين. وقد قامت بدور رئيس في بداية تاريخ داود (1 صم 1:23). وَبَعْدَهُ رَمَّمَ إِخْوَتُهُمْ بَوَّايُ بْنُ حِينَادَادَ رَئِيسُ نِصْفِ دَائِرَةِ قَعِيلَةَ. [18] وَرَمَّمَ بِجَانِبِهِ عَازِرُ بْنُ يَشُوعَ رَئِيسُ الْمِصْفَاةِ، قِسْمًا ثَانِيًا مِنْ مُقَابِلِ مَصْعَدِ بَيْتِ السِّلاَحِ عِنْدَ الزَّاوِيَةِ. [19] غالبًا ما كان هذا الموضع هو برج في زاوية الجانبين من السور، وتوجد فيه أسلحة لحماية المدينة، من دروع وسهام إلخ.، يلجأ إليه الشعب في حالة الخطر، ويرتدون الأسلحة. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ بِعَزْمٍ بَارُوخُ بْنُ زَبَّايَ، قِسْمًا ثَانِيًا مِنَ الزَّاوِيَةِ إِلَى مَدْخَلِ بَيْتِ أَلْيَاشِيبَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ. [20] "باروخ"، أو "مبارك". الإنسان الذي يتمتع ببركة الرب لا يغلق على نفسه في حدودٍ ضيقةٍ، إنما يعمل بعزمٍ وغيرةٍ متقدةٍ، وإذ ينهي ما كان ملتزمًا به، يجد مسرة في مساعدة الآخرين. يتسم أولاد الله بالقلب المتسع والعقل الناضج، فلا يكفون عن العمل ومساعدة الغير. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ مَرِيمُوثُ بْنُ أُورِيَّا بْنِ هَقُّوصَ، قِسْمًا ثَانِيًا مِنْ مَدْخَلِ بَيْتِ أَلْيَاشِيبَ إِلَى نِهَايَةِ بَيْتِ أَلْيَاشِيبَ. [21] يقع مقر رئيس الكهنة وزملائه بالقسم الشرقي من سور المدينة، ملتقيًا مع منطقة حائط الهيكل فوق وادي قدرون. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ الْكَهَنَةُ أَهْلُ الْغَوْرِ. [22] الغور: أو الدائرة أو السهل. كان بعض العاملين في الهيكل خاصة من المغنين يسكنون في الدائرة حول أورشليم (نح12: 28)، ويبدو أن بعض الكهنة كانوا يسكنون معهم في ذات الدائرة. وَبَعْدَهُمْ رَمَّمَ بِنْيَامِينُ وَحَشُّوبُ مُقَابِلَ بَيْتِهِمَا. وَبَعْدَهُمَا رَمَّمَ عَزَرْيَا بْنُ مَعْسِيَّا بْنِ عَنَنْيَا بِجَانِبِ بَيْتِهِ. [23] "حشوب"، ذكر هذا الاسم أيضًا في (11). يحتمل وجود شخصين لهما ذات الاسم، أو شخص واحد التزم بالعمل في قسمين. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ بِنُّويُ بْنُ حِينَادَادَ قِسْمًا ثَانِيًا مِنْ بَيْتِ عَزَرْيَا إِلَى الزَّاوِيَةِ وَإِلَى الْعَطْفَةِ. [24] وَفَالاَلُ بْنُ أُوزَايَ مِنْ مُقَابِلِ الزَّاوِيَةِ وَالْبُرْجِ الَّذِي هُوَ خَارِجَ بَيْتِ الْمَلِكِ الأَعْلَى الَّذِي لِدَارِ السِّجْنِ. وَبَعْدَهُ فَدَايَا بْنُ فَرْعُوشَ. [25] "بيت الملك الأعلى": يحتمل أنيكون قصر داود القديم. البرج المذكور هنا هو برج حراسة للقصر الملكي. 7. باب الماء وَكَانَ النَّثِينِيمُ سَاكِنِينَ فِي الأَكَمَةِ، إِلَى مُقَابِلِ بَابِ الْمَاءِ لِجِهَةِ الشَّرْقِ وَالْبُرْجِ الْخَارِجِيِّ. [26] اشترك في العمل ليس فقط الكهنة واللاويين، وإنما الأشخاص العاديون الذين يعملون في الهيكل. "الأكمة"، كانت على وجه الخصوص في الجانب الشمالي من التل الواقع جنوب شرقي أورشليم، والذي يشّكل مدينة داود الأصلية، وذلك في جنوب منطقة الهيكل (2 أي 3:27؛ 14:33). "باب الماء": بابليس للمدينة، وإنما لقصر الهيكل. دُعي هكذا لأنه يؤدي إلى المصدر الرئيسي للماء: عين جيهون Gihon Spring، وهي تحتضن منطقة واسعة، حيث كانت الشريعة تقرأ هناك (1:8، 3،16؛ 37:12). وَبَعْدَهُمْ رَمَّمَ التَّقُوعِيُّونَ قِسْمًا ثَانِيًا مِنْ مُقَابِلِ الْبُرْجِ الْكَبِيرِ الْخَارِجِيِّ إِلَى سُورِ الأَكَمَةِ. [27] بينما لم يمد عظماء تقوع يدهم للعمل [5]، إذا بالعامة منهم يقومون بعمل مضاعف، فقد أنهوا ما التزموا به وطلبوا قسمًا آخر للعمل. 8. باب الخيل وَمَا فَوْقَ بَابِ الْخَيْلِ رَمَّمَهُ الْكَهَنَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ بَيْتِهِ. [28] باب الخيل: الموضع الذي تعبر منه الخيول لكي تشرب، وهو بجوار الهيكل. 9. باب الشرق وَبَعْدَهُمْ رَمَّمَ صَادُوقُ بْنُ إِمِّيرَ مُقَابِلَ بَيْتِهِ. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ شَمَعْيَا بْنُ شَكَنْيَا حَارِسُ بَابِ الشَّرْقِ. [29] وَبَعْدَهُ رَمَّمَ حَنَنْيَا بْنُ شَلَمْيَا وَحَانُونُ بْنُ صَالاَفَ السَّادِسُ قِسْمًا ثَانِيًا. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ مَشُلاَّمُ بْنُ بَرَخْيَا مُقَابِلَ مِخْدَعِهِ. [30] كان حننيا الابن السادس لشلميا، ولا نعرف شيئًا عن إخوته الخمسة الذين يكبرون عنه، إنما لم يُذكر عنهم أنهم ساهموا في بناء السور. هكذا يليق بالمؤمن أن يقتدي بالعاملين الجادين، ولا يتهاون بذريعة أن من يكبره سنًا لا يعمل. كرامة الإنسان الحقيقية لا في سنوات عمره ولا في منصبه، إنما في أمانته وإخلاصه وغيرته المقدسة في الرب. 10. باب النَّثِينِيمِ أو العد أو الفحص وَبَعْدَهُ رَمَّمَ مَلْكِيَّا ابْنُ الصَّائِغِ إِلَى بَيْتِ النَّثِينِيمِ وَالتُّجَّارِ مُقَابِلَ بَابِ الْعَدِّ إِلَى مَصْعَدِ الْعَطْفَةِ. [31] كان بعض الصاغة يقطنون في منطقة شرق السور التي لمنطقة الهيكل، والبعض في مناطق بالغرب [8]. وَمَا بَيْنَ مَصْعَدِ الْعَطْفَةِ إِلَى بَابِ الضَّأْنِ رَمَّمَهُ الصَّيَّاغُونَ وَالتُّجَّارُ. [32] تدخل بنا هذه العبارة إلى الزاوية الشمالية الشرقية لأورشليم، بجوار باب الضأن [1]. لم يُذكر عن نحميا أنه قام بنصيبٍ ما من السور، ليس استكبارًا، وإنما لأنه لم يرد أن يحصر نفسه في منطقة معينة، بل كان دائم الحركة لتشجيع العاملين، وسد النقص في أية منطقة، كما كان مهتمًا بتدبير الحراسة. هذا ولا نستبعد أنه بين الحين والآخر يمد يده للعمل مع مجموعة ضعيفة أو عاجزة عن العمل. من وحي نح 3 نريد أن يكون الكل قادة عاملين بك! * يا أيها القائد العجيب، تريد أن يكون الجميع قادة عاملين بك! ليس بينهم من هو خانع أو متكاسل! بل الكل يعملون بغيرة فائقة مع حكمة سماوية. * أنت قائد موكب العمل. ليعمل بك كهنتك، يبنون باب الضأن، إذ يختفون فيك يا حمل الله! ليس من قائد إلا ويحتاج إلى خلاصك. يتطهر بدمك يا أيها القدوس، فيشتهي نقاوة كل القلوب. * تحت لوائك يحملون روحك، فيعمل كل القادة لا لأجل نفعٍ شخصيٍ، وإنما لبنيان ملكوتك في كل قلبٍ. * ليعمل العظماء مع الفقراء؛ ليعمل المتعلمون مع الأميين، ليعمل الرجال مع النساء، يعمل الشبان مع الفتيات. يشترك الكل مهما تكن قدراتهم ومواهبهم. روحك القدوس يهب الكل روح القيادة الحكيمة. * يتسابق الجميع بروح الغيرة والحب. يود كل واحدٍ أن يسند أخاه. * ماذا تعمل الجماعة سوى أن تتجلى أنت فيها. أنت العامل الحقيقي. تحوط بالجماعة كسورٍ لأورشليم الروحية. أنت هو الباب الحقيقي. بك يدخل الجميع، وفيك يسيرون، وإليك يبلغون! |
||||
10 - 10 - 2022, 01:32 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
مقاومة من الخارج ومن الداخل مع كل عمل صالح من قبل الله نجد مقاومة من عدو الخير. ففي كل خطوة يتحركها نحميا للعمل، يتحرك عدو الخير أيضًا بوسيلة أو أخرى ليبطل العمل. 1. قوبل وصول نحميا إلى يهوذا باستياء من قادة الأمم المجاورة (2: 10). 2. قوبل قرار الجماعة بإعادة البناء بالاستخفاف والسخرية (2: 19). 3. قابل أعداء يهوذا التقدم في العمل بالغضب مع السخرية (4: 1-17). هذه هي المرة الثالثة نواجه فيها سنبلط السامري وطوبيا العموني المتحالف معه. هنا يبدو سنبلط أنه يتحدث في اجتماع رسمي في السامرة، وكان هدفه هو وطوبيا أن يوقفا العمل في إعادة البناء. لقد أظهر سنبلط استخفافه باليهود أنفسهم كما بأعمالهم. كان نحميا على علم بهذه التحركات المخّربة. أما ردّ الفعل فلم يكن الحوار ولا المقاومة، بل التوجه بالقلب واللسان نحو الله، والاستمرار في العمل بلا توقف. بدأ الأعداء بالمقاومة خلال لغة السخرية والاستخفاف لتحطيم الطاقات (أصحاح 4). لكن ما أن بدأ العمل يظهر وارتفع السور، وصار من المتوقع أن يبقى الأعداء خارج السور، حتى بدأوا في التفكير بالمقاومة باستخدام العنف. هنا نود أن نؤكد أن هذه المقاومة التي واجهها نحميا هي صورة حيَّة لمقاومة إبليس وقواته للمؤمنين بطرقٍ مختلفة. 1. سخرية سنبلط وطوبيا بهم وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ أَنَّنَا آخِذُونَ فِي بِنَاءِ السُّورِ، غَضِبَ وَاغْتَاظَ كَثِيرًا وَهَزَأَ بِالْيَهُودِ. [1] لم يكن ممكنًا لسنبلط الحاكم من قبل فارس على السامرة أن يقف متفرجًا وها هو البناء قد بدأ. فإنه مثل كل السامريين الذين لهم عبادتهم الخاصة في السامرة، لا يقبلون من أسفار الكتاب المقدس سوى أسفار موسى الخمسة. فإحياء أورشليم في نظرهم تحطيم للسامرة، وتبكيت لضمائر بعض اليهود الذين تزوجوا بالأشوريين وأقاموا جنس السامريين كخليطٍ بين اليهود والأشوريين، يخلطون عبادة الله الحي بالعبادة الوثنية. كيف استقبل سنبلط الأخبار الخاصة بالتحرك لبناء السور؟ أولًا: من جهة قلبه امتلأ غضبًا، أو بمعنى آخر ثار قلبه بالغضب الساكن فيه. ثانيًا: تحول من حالة غضب إلى غيظٍ شديدٍ حرك كل مشاعره وأحاسيسه للعمل بروح الحقد والكراهية. ثالثًا: بدأ بلسانه مع بقية الأعضاء بالهزء والسخرية، حاسبًا اليهود ضعفاء [2]، أقل من أن يقفوا أمام سخطه الشديد. حين يجلس إنسان الله مثل نحميا مع الله تنطلق مشاعره المقدسة لطلب مشورة الله، والعمل لحساب ملكوته. أما الأشرار فينفعلون بالغضب ثم الغيظ والحقد، وأخيرًا يتحركون بثورة بكلماتهم وأفعالهم. فالخطية تلد خطية، ويدخل الإنسان تحت مذلة العبودية سلسلة من الخطايا يصعب عليه التحرر منها، ما لم يطلب غنى نعمة الله، وعمل روح الله القدوس الذي يبكت على خطية. * مادامت الخطيّة بالضرورة موجودة في أعضائك، فلا تجعل لها سلطانًا عليك لتملك، وإنما على الأقل اطردها ولا تطع متطلباتها. هل يثور فيك الغضب؟ لا تُخضِع له لسانك بالنطق بكلمة شريرة، ولا تُخضع له يدك أو قدمك كأن تضرب بهما. ما كان يمكن للغضب غير المتعقل أن يثور فيك لو لم توجد الخطيّة في أعضائك، ولكن اُطرد قوّتها الحاكمة، فلا يكون لها أسلحة لمحاربتك، عندئذ تتعلم هي ألا تثور فيك، إذ تجد نفسها بلا أسلحة... هكذا يليق بكل أحد أن يجاهد إذ يبغي الكمال، حتى إذ تجد الشهوة نفسها بلا استجابة من الأعضاء تقل يومًا فيومًا خلال رحلتها [1]. القديس أغسطينوس القديس باسيليوس الكبير * [في مدح المعترفين والشهداء] كانوا قد تحكّموا من تعليم يسوع الذكي، وتمرنوا على الذكاء والوداعة.في بشارته أمرهم وعلّمهم أن يشبهوا الحيات والحمام على السواء. الحمام وديع (مت 10: 6)، ولا يبغض أبدًا من ينهبه: يخطفون فراخه ولا يغضب أو يغتاظ. يثبت على ما هو عليه ولا يحقد على سالبيه، ويسرع نحوهم ليربي لهم الفراخ كل يومٍ. أين وجدتم حمامًا غاضبًا ينتقل من (بيت) من استولى على فراخه؟ إنه خال من الغضب، ومملوءة أمانًا ووداعة، ويسكن كل يومٍ مع سالبيه بدون حقدٍ. اقتنى التلاميذ هذا الصلاح كما أُمروا من جنس الحمام البسيط الذي تشبهوا به. مقتناهم مخطوف من قبل المضطهدين وهم مملؤون أمانًا، أبناؤهم يموتون من قبل الحكام ولا يحزنون. يشبهون الحمام بالوداعة كما تعلمون، لأنهم يُقتلون وهم أتقياء ومطمئنون بين القاتلين.. كونوا ودعاء مملوءين أمانًا عندما تقتلون، وحكماء عندما تُنادون للذبح . القديس مار يعقوب السروجي كل عمل لحساب ملكوت الله يقابل بالسخرية، فقد قيل عن السيد المسيح نفسه "إنه مختل" (مر 3: 21). وواجه القديس يوحنا الذهبي الفم سخرية بعض الأغنياء والعظماء. * ليضحك من يضحك، وليتهكم من يتهكم! هذا لن يشغل ذهني، فإني لم أشغل هذا الموضع إلا لأكون مرفوضًا وأضحوكة! إني مستعد أن أحتمل كل شيء. من يصر على تصرفاته، ولا يسمع لتحذيري، أمنعه من الدخول في الكنيسة كما بصوت بوقٍ، حتى إن كان أميرًا أو إمبراطورًا. * أعفوني من عملي، وإلا فلا تلزموني أن أكون تحت اللعنة! كيف أجلس على هذا الكرسي أن لم أفعل ما يليق به؟ خير لي أن أنزل عنه، لأنه ليس شيء أمرّ من وجود أسقف لا يفيد شعبه . القديس يوحنا الذهبي الفم * دُعي الشيطان قويًا، ليس لأنه بالطبيعة هو هكذا، إنما بالإشارة إلى سلطانه الذي صار له بسبب ضعفنا [6]. * إن أردنا التغيير فعلًا، علينا أن نستعين بالسيد المسيح. وإن رغبتم في الصلاح، فلا شيء يعوقكم، ولا أحد يمنعكم، حتى الشيطان ليس لديه قوة عليكم. طالما اخترتم الأفضل، واجتذبتم الله لعونكم. لكن إن لم تريدوا ذلك بأنفسكم، بل تحاشيتم الأمر، فكيف يحميكم؟ لأنه ليس عن ضرورة ولا عن إجبار، بل بمحض إرادتكم الذاتية يريد أن يخلصكم . القديس يوحنا الذهبي الفم إنه يصور لك فكر الزنا، فإن أردت قبلته، وإن لم ترد تحتقره. لأنك لو كنت زانيًا قهرًا لما أعد الله جهنم؟! وإن كنت صانع برّ بالطبيعة وليس بإرادتك لما أعد الله أكاليل مجد لا يُنطق بها؟! الغنم وديع، لكنه لا يكلل على وداعته، لأنها ليست باختياره بل بحكم الطبيعة . القديس كيرلس الأورشليمي لأننا بعدما تسلِّمنا الوصية لنطرح عنا كل الارتباكات ونحفظ قلوبنا في يقظة كاملة (أم 23:4)، ونطلب ملكوت الله الذي هو في داخلنا، إذ تخلى العقل عن القلب وعن الغرض الذي نسعى إليه، بهذا أفسحنا المجال في الحال لتخيلات الشيطان، وصار العقل متساهلًا في قبول أي مشورة شريرة. حتى إلى هذا الحد، ليس للشيطان أي سلطان أن يحرك أفكارنا وإلا ما كان يرحمنا، بل كان يدس لنا كل أنواع الأفكار الشريرة، ولا يسمح لنا بأي صلاح. إنما قدرته محصورة في مجرد تقديم مشورة كاذبة في بدء كل فكر، ليختبر أي جهة يميل إليها قلبنا: هل يميل إلى مشورته، أم إلى مشورة الله؟ لأنهما نقيضان . القديس مرقس الناسك السبب في هنا يكمن في إهمال من أصابه الضرر، ونقص ضبطه للنفس، وعدم جهاده. فالشيطان الذي استخدم المكائد القوية المختلفة لم يستطع أن يخضع أيوب له، فكيف يقدر بوسيلة أقل أن يسيطر على آدم، لو لم يقدر آدم بنفسه على نفسه؟! ماذا إذن؟ ألا يصيب الأذى من يتعرض للافتراءات ويقاسي من نهب الأموال، فيُحرم من خيراته، ويُطرد من ميراثه، ويناضل في فقرٍ فادحٍ؟ لا، بل ينتفع إن كان وقورًا، لأنه هل أضرت هذه الأمور الرسل؟ ألم يجاهدوا دائمًا مع الجوع والعطش والعري؟! وبسبب هذه الأمور صاروا مُمجدين ومشهورين، وربحوا لأنفسهم معونة أكثر من الرب؟! وأيضًا أي ضرر أصاب لعازر بسبب مرضه وقروحه وفقره وعدم وجود من يقيه؟ ألم تكن هذه الأمور تضفر له إكليلًا من زهور النصر...؟! إخوة يوسف مثلًا أضروا يوسف، لكن يوسف نفسه لم يصبه الضرر. وقايين ألقى بشباكه لهابيل، ولكن هابيل لم يسقط فيها. وهذا هو السبب الذي لأجله وُجدت التأديبات والعقوبات. فالله لا يرفع العقوبة عن مدبر الضرر لمجرد حدوث الصلاح الذي يتمتع به محتمل الضرر، بل يؤكد عقوبته بسبب شر صانع الإثم. فإنه بالرغم من أن الذين يسقط عليهم الشر، يصيرون أكثر مجدًا على حساب المكائد المدبرة ضدهم، لكن هذا لم يكن في نية الإنسان ألا يضره غيره، بل ينال نفعًا عظيمًا على يدي مناضليه . القديس يوحنا الذهبي الفم مَاذَا يَعْمَلُ الْيَهُودُ الضُّعَفَاءُ؟ هَلْ يَتْرُكُونَهُمْ؟ هَلْ يَذْبَحُونَ؟ هَلْ يُكْمِلُونَ فِي يَوْمٍ؟ هَلْ يُحْيُونَ الْحِجَارَةَ مِنْ كُوَمِ التُّرَابِ وَهِيَ مُحْرَقَةٌ؟ [2] جاءت الكلمة المقابلة لـ "غضب" في العبارة السابقة تعني "صار ملتهبًا أو متقدًا". وها هو الآن قلبه يتقد كما بنار الحسد. تطلع إلى الحجارة التي دمرتها النيران فصارت أكوامًا من التراب، ولم يدرك أن نيران الحسد والشر قد حولت قلبه إلى تراب ورماد. ففي سخرية وتهكم قدم خمسة أسئلة لتدمير الروح المعنوية للذين يقومون بإعادة بناء السور. ما أصاب قلبه من أذى الحسد أبشع وأخطر مما أصاب حجارة السور. الحاسد أردأ من الوحوش الضارية، وأخبث من الشياطين، لأن غضب الوحوش وشرها ينتج عن جوعها أو خوفها منا، أما الحاسدون فمن يحسن إليهم يكون كمن ظلمهم. عمل عدو الخير هو تثبيط الهمم وبث روح اليأس، حتى لا يُقْدم المؤمن على العمل، وإن بدأ العمل ييأس ويتوقف. كان سنبلط يتطلع إلى اليهود وهم يتحركون للبناء أنهم شعب غبي لا يدرك حقيقة نفسه. إنهم ضعفاء وغير حكماء، يحلمون بتقديم ذبائح لإلههم، وكأنهم في يوم واحد يبنون السور، وفي يوم يحتفلون به ويقدمون ذبائح. يحسبون أنهم آلهة قادرة أن تقيم التراب الميت وتجعله حجارة حية! كثيرون يسخرون بالعاملين في كرم الرب، الذي ينسون أنه عمل الرب نفسه القدير، يعمل أكثر مما نسأل وفوق ما نفكر! * لا توجد خطية تفرق الإنسان عن الله والناس مثل الحسد، لأن هذا المرض أشد خبثًا من محبة الفضة. لأن محب الفضة يفرح متى ربح شيئًا، أما الحاسد فيفرح متى خسر أحد شيئًا أو ضاع تعبه سُدى، ويحسب خسائر الآخرين ربحًا له أكثر من أي نجاح. فأي شر أعظم من هذا؟! الزاني يتورط في الخطأ لأجل لذة مؤقتة، والسارق قد تكون له حجة الفقر، ولكن أي عذر تقدمه أيها الحاسد؟! الزاني يحصل على لذة زمنية أثناء ارتكابه الخطية، ثم يعود فيرفضها... فيتوب ويخلص، أما الحاسد فيُعذّب نفسه ولو لم يحدث له ضرر ممن يحسده. فلهذا خطية الحسد أشر الخطايا وأشنعها، لأن الحاسد لا يمكنه مغادرة خطيته، بل يصير كالخنزير المتمرغ في الحمأة، ويماثل بفعله الشيطان ... لهذا أقول لكم إنه ولو كان أحدكم يصنع معجزات أو يحفظ البتولية، أو يكون صوّامًا أو باسطًا كفيّه في الرحمة أو ينام على الحضيض أو يصل بهذه الوسائط إلى فضيلة الملائكة؛ ولكن فيه آلام الحسد فلا محالة يكون أشر من جميع الخطاة وأردأ منهم. * الشيطان حاسد، لكنه يحسد البشرية، ولا يحسد شيطانًا آخر، أما أنت فإنسان تحسد أخاك الإنسان، وبالأخص الذين هم من عائلتك وعشيرتك، الأمر الذي لا يصنعه الشيطان. القديس يوحنا الذهبي الفم كحاكم للسامرة تحت تصرفه جيش، يتحدث أمام إخوته، غالبًا حكام المناطق المحيطة بيهوذا، ليثيرهم ويثير جيشه ليستعدوا للمقاومة العسكرية في الوقت المناسب، وإن كان في نظره أن هذا لا يحدث، لأن العاملين في البناء ضعفاء، وكل إمكانياتهم هي أكوام تراب. وهل يقيمون من التراب حجارة؟ وَكَانَ طُوبِيَّا الْعَمُّونِيُّ بِجَانِبِهِ فَقَالَ: إِنَّ مَا يَبْنُونَهُ إِذَا صَعِدَ ثَعْلَبٌ، فَإِنَّهُ يَهْدِمُ حِجَارَةَ حَائِطِهِمِ. [3] في سخريته يشير إلى الثعلب، لأن صهيون قد حلّ بها الخراب، وصارت مسكنًا للثعالب. قيل في مراثي إرميا: "من أجل جبل صهيون الخرب، الثعالب ماشية فيه" (مرا 5: 18). يريد اليهود أن يبنوا سور أورشليم بكونها مدينة الله، أما الأعداء فيرون فيها خرائب لا تصلح إلا لسكنى الثعالب. يرى البعض أنه لم يقل "بنات آوي" وإنما "ثعلب"، لأن بنات آوي تخرج معًا للصيد كجماعة، أما الثعالب فتخرج ليلًا فرادى. ففي استخفاف يقول طوبيا العموني إن هدم حجارة سورهم لا يحتاج إلا إلى ثعلب نحيف يخرج ليلًا بمفرده، يسير بأقدامه عليها، فتنهدم الحجارة دون مجهودٍ. من يهرب من الخدمة في كرم الرب بسبب نقد الآخرين له، إنما يهرب من نوال بركة الرب. تزايدات عداوة المقاومين، وفد حَّوطوا المدينة بعداوتهم من كل اتجاه: السامرية في الشمال، والعرب في الجنوب، وبنو عمون في الشرق والأشدوديون في الغرب على ساحل البحر المتوسط. شعر الأعداء أن الحوار لم يجد بشيء، واستعدوا للمقاومة العسكرية من كل جانب. 2. نحميا يصرخ إلى الله اسْمَعْ يَا إِلَهَنَا، لأَنَّنَا قَدْ صِرْنَا احْتِقَارًا. وَرُدَّ تَعْيِيرَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَاجْعَلْهُمْ نَهْبًا فِي أَرْضِ السَّبْيِ. [4] لم يرد نحميا السخرية بالسخرية، ولا النقد بالنقد. لم يمل أذنيه إلى كلمات سنبلط، إنما رفع قلبه إلى إله السماء الذي دعاه للعمل. حسب نحميا أن هذه الجريمة التي يرتكبها الأعداء ليست ضد المدينة وسورها وحجارتها، بل ضد الشعب نفسه. لم يشغل فكر الشعب بمقاومة الأعداء، ولا قاوم الشر بالشر (راجع رو 12: 17-21)، إنما كان يسندهم للعمل بقوة وبروح لا تُقهر. كان رد الفعل في نحميا ليس الهروب من المعركة، أو التوقف عن العمل، أو الدخول في تفاوض مع المقاومين، إنما الالتجاء إلى صاحب الكرم نفسه. وقف يطلب باسمه وباسم كل العاملين أن يتدخل الله ليُبطل قوات الظلمة المقاومة للحق الإلهي. لعل هذه الصلاة رددها نحميا، وحفظها العاملون في سور ليلهجوا بها بكل قلوبهم أثناء العمل. صارت أغنية كل واحدٍ من العاملين. عبر كل العصور لا يكف عدو الخير عن تعيير الله على لسان أتباعه المتكبرين والجهال وعبدة الأصنام، حيث يوجهون التعيير للمؤمنين. لأن غيرة بيتك أكلتني، وتعييرات معيريك وقعت عليَّ (مز 69: 9). قم يا الله، أقم دعواك، أذكر تعيير الجاهل إياك اليوم كله (مز 74: 22). تعيير الأحمق مكروه، وعطية الحاسد تكل العيون (سيراخ 18: 18). الاستهزاء والتعيير شأن المتكبرين والانتقام يكمن لهم مثل الأسد (سيراخ 27: 31). اسمعوا لي يا عارفي البرّ، الشعب الذي شريعتي في قلبه لا تخافوا من تعيير الناس، ومن شتائمهم لا ترتاعوا (اش 51: 7). سمعت تعييرهم يا رب، كل أفكارهم عليّ (مرا 3: 61). قد سمعت تعيير موآب، وتجاديف بني عمون، التي بها عيروا شعبي وتعظموا على تخمهم (صف 2: 8). فكان عند الشعب سرور عظيم جدًا، وأزيل تعيير الأمم (1 مكابيين 4: 58). لأن المسيح أيضًا لم يرضِ نفسه، بل كما هو مكتوب تعييرات معيريك وقعت عليّ (رو 15: 3). من جهة مشهورين بتعييرات وضيقات ومن جهة صائرين شركاء الذين تصرف فيهم هكذا (عب 10: 33). * كيف يمكننا أن نصير مقتدين بالمسيح؟ بممارسة كل شيء من أجل المصلحة العامة وليس لمجرد نفعنا الخاص. يقول بولس: "لأن المسيح أيضًا لم يُرضِ نفسه، بل كما هو مكتوب تعييرات معيريك وقعت عليَّ" (رو 15: 3). ليته لا يطلب أحد شيئًا لنفسه. بالحق يطلب الإنسان ما هو لخيره، عندما يتطلع إلى خير قريبه. ما هو لخير الأقرباء هو خيرنا نحن، فنحن جسد واحد، وأعضاء لبعضنا البعض . القديس يوحنا الذهبي الفم الأب أمبروسياستر وَلاَ تَسْتُرْ ذُنُوبَهُمْ، وَلاَ تُمْحَ خَطِيَّتُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ، لأَنَّهُمْ أَغْضَبُوكَ أَمَامَ الْبَانِينَ. [5] لم يبادر نحميا بأخذ موقف مضاد من المقاومين الساخرين به، إنما طلب تدخل الله نفسه. هذا ما فعله إرميا النبي أيضًا حين غدر به إخوته وخانوه: "أنت يا رب عرفتني، واختبرت قلبي من جهتك. افرزهم كغنمٍ للذبح، وخصصهم ليوم القتل" (إر 3:12) "ها هم يقولون: أين هي كلمة الرب؟ لتأت... ليخز طاردي ولا أخز أنا. ليرتعبوا هم ولا أرتعب أنا. اجلب عليهم يوم الشر، واسحقهم سحقًا مضاعفًا" (إر 15:17، 18). " أنت يا رب عرفت كل مشورتهم عليّ للموت. لا تصفح عن إثمهم، ولا تمح خطيتهم من أمامك، بل ليكونوا متعثرين أمامك. في وقت غضبك عاملهم" (إر 23:18). إن كان الأنبياء بروح النبوة تحدثوا عما سيحل بمقاومي الله، فإن السيد المسيح جاء ليؤكد لنا التزامنا بالحب حتى نحو الأعداء المقاومين بالحق. فنميز بين الشر والشرير، والخطية والخاطي، ونشتهي خلاص الجميع، قائلين مع السيد المسيح: "يا أبتاه أغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34). هذا ما فعله إسطفانوس أثناء رجمه، إذ "صرخ بصوت عظيم: يا رب لا تقم لهم هذه الخطية" (أع 7: 60). 3. الاستمرار في العمل فَبَنَيْنَا السُّورَ، وَاتَّصَلَ كُلُّ السُّورِ إِلَى نِصْفِهِ، وَكَانَ لِلشَّعْبِ قَلْبٌ فِي الْعَمَلِ. [6] استمر الشعب في العمل ولم يدخلوا في حوار مع المقاومين أو أتباعهم. إذ يكون القلب في العمل، تتهلل النفس بعمل الرب دون الانشغال بالمقاومين. هكذا بسرعة فائقة قام كل واحدٍ بدوره، وبروح الوحدة، انتهوا من بناء نصف السور مع اتصاله بعضه ببعض. الرد العملي للنقد الهدَّام هو العمل، فالاستمرار فيه هو إحباط عملي للمقاومة. يمكننا القول إن سر نجاحهم هو العمل بقلبٍ واحدٍ، فإن كان الله يُسر بلغة القلب ويسمع إليها، فإنه يُسر أيضًا بعمل القلب ويباركه! بقوله "كل السور إلى نصفه"، لا يعني أن نصف السور قد تم بناؤه، إنما تم بناء كل السور، وبلغ ارتفاعه إلى النصف. 4. تحالف قوى الشر وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ وَطُوبِيَّا وَالْعَرَبُ وَالْعَمُّونِيُّونَ وَالأَشْدُودِيُّونَ أَنَّ أَسْوَارَ أُورُشَلِيمَ قَدْ رُمِّمَتْ، وَالثُّغَرَ ابْتَدَأَتْ تُسَدُّ، غَضِبُوا جِدًّا. [7] اتسعت حلقه المتآمرين ضد نحميا والعاملين معه، فانضم إلى سنبلط وطوبيا كل من العرب والعمونيين والأشدوديين. دفع النجاح في العمل العدو الذي لا يهدأ إلى شن حرب أشد، فتحالف الأعداء معًا، وتآمر جميعهم معًا. وَتَآمَرُوا جَمِيعُهُمْ مَعًا، أَنْ يَأْتُوا وَيُحَارِبُوا أُورُشَلِيمَ، وَيَعْمَلُوا بِهَا ضَرَرًا. [8] هذا هو التهديد الثالث أو المقاومة الثالثة للأعداء. لم تقف عند السخرية فالتهديدات، إنما دخلت المرحلة الثالثة وهو التفكير الجدي في إثارة معركة لتدمير أورشليم كلها، وليس إيقاف السور فقط. 5. صلاة وحراسة فَصَلَّيْنَا إِلَى إِلَهِنَا، وَأَقَمْنَا حُرَّاسًا ضِدَّهُمْ نَهَارًا وَلَيْلًا بِسَبَبِهِمْ. [9] واجه نحميا ومن معه المؤامرات بالصلاة مع الحراسة المستمرة نهارًا وليلًا، فالعدو لا يؤتمن. الثقة بالله أو الاتكال عليه لا يعني خمولنا وعدم تحركنا. إقامة الحراسة والاستعداد لأي هجوم لا يعني السقوط تحت الخوف. ليس من وجه للمقارنة بين تحالف عسكري قام بين السامريين والعرب وبني عمون والأشدوديين، وبين قلة قليلة جدًا أتت من أرض السبي بلا خبرة عسكرية. ومع هذا لم يترك نحميا ومن معه العمل ويهربوا من وجه المقاومين القادمين للهجوم عليهم، إنما لجأوا إلى الله بالصلاة. هكذا يدعونا السيد المسيح: "اسهروا وصلوا" (مر 14: 38؛ مت 26: 38، 41). يسمح الله لنا بمتاعب كثيرة وضيقات واضطهادات وسقوط ظلم علينا؛ لكي ما نواجه هذا كله بالسهر والصلاة، مدركين مدى حاجتنا إلى الله. لنختفي فيه، فهو حصن حياتنا، أعظم من كل قوات الظلمة. وكما يقول النبي: "الذين معنا أكثر من الذين معهم" (2 مل 6: 16). لم يصدر نحميا أمرًا مجردًا إلى العاملين أن يصلوا ويسهروا، لكنه في الحقيقة الأمر دعاهم ليشاركوه صلواته وسهره. وهو في هذا كان رمزًا للسيد المسيح الذي قبيل تسليم نفسه دعا تلاميذه لمشاركته ما استطاعوا، إذ قيل: "فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك... امكثوا ههنا واسهروا معي" (مت 26: 36، 38). * حسنًا نسهر في يقظة، ونصلي بغيرة، لئلا ندخل في تجربة (مر 14: 38). فإن لم يعطنا المسيح نعمة، يهوذا الذي فينا يخون. إن تركناه قليلًا، بطرس الذي فينا ينعس . القديس جيروم * لنبقَ حيث أمرنا يسوع أن نمكث... لنفعل كل شيءٍ قدر استطاعتنا أن نسهر معه، ذاك الذي لا ينعس ولا ينام، حافظ إسرائيل (مز 121: 4) .العلامة أوريجينوس وَقَالَ يَهُوذَا: قَدْ ضَعُفَتْ قُوَّةُ الْحَمَّالِينَ وَالتُّرَابُ كَثِيرٌ، وَنَحْنُ لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَبْنِيَ السُّورَ. [10] الحرب لا تهدأ فمن الخارج تتحالف قوى الشر ضد أولاد الله، بل ضد الله نفسه. ومن الداخل يسقط البعض في حالة من الإحباط واليأس، وهذا أخطر من الحرب الخارجية. إن كانوا بسرعة فائقة بنوا السور كله إلى منتصف ارتفاعه، فإن العدو بدأ يهاجمهم من الداخل، إذ كانت كمية التراب والنفايات التي تجمعت من حفر الأساسات وبناء نصف السور كثيرة جدًا، وقد ضعفت قوة الحمالين. هكذا حاول رجال يهوذا أن يبثوا روح اليأس بين العاملين، قائلين بأن الذين يحملون التراب قد ضعفت قوتهم والتراب كثير، والأعداء مصرون على القتال حتى يتوقف العمل. وَقَالَ أَعْدَاؤُنَا: لاَ يَعْلَمُونَ وَلاَ يَرُونَ حَتَّى نَدْخُلَ إِلَى وَسَطِهِمْ وَنَقْتُلَهُمْ وَنُوقِفَ الْعَمَلَ. [11] كان الأعداء يتآمرون سرًا لقتل العاملين في بناء السور، لكن الله كشف لنحميا عن هذه المؤامرات. كيف؟ لا نعلم! وَلَمَّا جَاءَ الْيَهُودُ السَّاكِنُونَ بِجَانِبِهِمْ، قَالُوا لَنَا عَشَرَ مَرَّاتٍ: مِنْ جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتِي مِنْهَا رَجَعُوا سَيَأْتُونَ عَلَيْنَا. [12] "عشر مرات" اصطلاح يعبر عن تكرار الأمر مرة ومرات كثيرة. الذين يثبطون الهمم لن يتوقفوا عن هذا التصرف، بل يكررونه مرات ومرات، أي بلا توقف. للأسف حتى القادمون من أماكن أخرى عوض أن يسندوا العاملين كانوا يحطمونهم ببث روح الرعب من الأعداء. أما أولاد الله فلن يكفوا عن العمل الصالح، واثقين أنهم يحصدونه في حينه ماداموا لا يفترون. مقاومة الأعداء وقتية، أما نصرتنا بالرب فأبدية. يقول الرسول بولس: فإننا لا ننظر إلى ما يُرى من أمور زمنية ومؤقتة بل إلى ما يُرى، الأمور الأبدية. (غل 6: 9؛ 2 كو 4: 1؛ 2 كو 4: 16). 7. بث روح القوة فَأَوْقَفْتُ الشَّعْبَ مِنْ أَسْفَلِ الْمَوْضِعِ وَرَاءَ السُّورِ، وَعَلَى الْقِمَمِ أَوْقَفْتُهُمْ، حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ بِسُيُوفِهِمْ وَرِمَاحِهِمْ وَقِسِيِّهِمْ. [13] يبدو أن الأعداء نجحوا في بث روح الخوف بين العاملين، لكن نحميا قام بتخطيط محكم للحراسة دون توقف عن العمل، مع مساندة العاملين ورفع روحهم المعنوية. لقد نجح في تحويل خوفهم من مخافة البشر إلى المخافة الربانية. عين نحميا أناسًا مسلحين للحراسة أسفل الموضع وراء السور، لئلا يفاجأوا بالعدو أمامهم، لأن هذا الموضع يسهل الهجوم عليه. وعلى القمم أيضًا حيث يمكن للحراس أن يراقبوا العدو عن بعد، وينبهوا الآخرين عن أي خطر قادم قبل أن يلحق بهم. يحسبون كمراقبين ينذرون الآخرين للتحرك.المجموعة الأولى تشير إلى الضعفاء منهم، محتاجون دومًا إلى حصانة السور، والمجموعة الثانية تشير إلى القادة والمعلمين. وَنَظَرْتُ وَقُمْتُ وَقُلْتُ لِلْعُظَمَاءِ وَالْوُلاَةِ وَلِبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: لاَ تَخَافُوهُمْ، بَلِ اذْكُرُوا السَّيِّدَ الْعَظِيمَ الْمَرْهُوبَ، وَحَارِبُوا مِنْ أَجْلِ إِخْوَتِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَنِسَائِكُمْ وَبُيُوتِكُمْ. [14] ما هو رد فعل نحميا؟ يقول: "نظرت"، أي درست الموقف وفكرت فيما يلزمني أن أفعله. وبقوله: "قمت"، يعني أنه لم يقف عند الدراسة، لكنه قام ليتحرك ويحرك معه المساعدين له في العمل من عظماء وولاة، كما يحرك بقية الشعب. جمع الكل حسب عشائرهم، وحوَّل أنظارهم إلى الله قائد المعركة، لكي لا يكون للخوف موضع فيهم. يقول الرسول بولس: "لم نأخذ روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح" (2 تي 1: 7). الحياة مملوءة بالأحداث تبث في الإنسان روح الفشل والرعب، لكن إن تأكدنا من حضرة الله لن نضطرب. إذ واجه الشعب اليهودي الأعزل القادم من البرية جيوش الأعداء في كنعان، قيل لهم: "أليس الرب إلهكم معكم، وقد أراحكم من كل ناحية، لأنه دفع ليدي سكان الأرض فخضعت الأرض أمام الرب وأمام شعبه (1 أي 22: 18). أفضل وسيلة لتبديد الخوف هي تذكر أن الله وحده هو المخوف. "لا تخافوا منهم، لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم" (تث 22:3). "لا تخافوا ولا ترتعدوا ولا ترهبوا وجوههم، لأن الرب إلهكم سائر معكم لكي يحارب عنكم أعداءكم ليخلصكم" (تث 3:20-4). "تشددوا وتشجعوا. لا تخافوا ولا ترهبوا وجوههم، لأن الرب إلهك سائر معك. لا يهملك ولا يتركك" (تث 6:31). وَلَمَّا سَمِعَ أَعْدَاؤُنَا أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَا وَأَبْطَلَ اللَّهُ مَشُورَتَهُمْ، رَجَعْنَا كُلُّنَا إِلَى السُّورِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شُغْلِهِ. [15] إذ تذكروا الرب وقدرته رجع كل واحدٍ إلى عمله. كانوا يبنون وهم مسلحون مستعدين للمعركة، فقد تأكدوا أنه وسط الطريق الضيق المملوء بالمخاطر، والمقاومة المستمرة، الله نفسه يحارب عنهم. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَ نِصْفُ غِلْمَانِي يَشْتَغِلُونَ فِي الْعَمَلِ، وَنِصْفُهُمْ يُمْسِكُونَ الرِّمَاحَ وَالأَتْرَاسَ وَالْقِسِيَّ وَالدُّرُوعَ. وَالرُّؤَسَاءُ وَرَاءَ كُلِّ بَيْتِ يَهُوذَا. [16] يقول آدم كلارك إن هذا ليس بالأمر الغريب. فإنه في فلسطين إلى وقتٍ قريبٍ حينما يقوم أحد حتى بإلقاء البذور في الأرض يرافقه حارس حتى لا يهجم عليه أحد من البدو ويسلبه البذور. الْبَانُونَ عَلَى السُّورِ بَنُوا، وَحَامِلُو الأَحْمَالِ حَمَلُوا. بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ، وَبِالأُخْرَى يُمْسِكُونَ السِّلاَحَ. [17] يرى البعض أنه عمليًا لا يستطيع أحد أن يقوم بعمل البناء بيدٍ واحدةٍ، بينما يمسك بالأخرى سلاحًا. إنما ما ورد هنا فيشير إلى أن العاملين نصفهم يعملون والنصف يحملون السلاح بالتساوي. وربما كانوا يتبادلون الموقف. فالبناؤون يحملون السلاح، وحاملو السلاح يبنون، بهذا بحسب كأن كل منهم يبني بيدٍ واحدة، ويحمل سلاحًا بيده الأخرى. وَكَانَ الْبَانُونَ يَبْنُونَ وَسَيْفُ كُلُّ وَاحِدٍ مَرْبُوطٌ عَلَى جَنْبِهِ، وَكَانَ النَّافِخُ بِالْبُوقِ بِجَانِبِي. [18] يصور الكاتب كل عاملٍ في بناء السور أنه يقوم بثلاثة أمورٍ: أ. يقوم بالبناء في السور. ب. يحمل سيفًا على جنبه. ج. يقف بجوار نافخ بالبوق. هذه الأمور الثلاثة متكاملة في حياة كل مؤمن ٍ جاد في العمل لحساب ملكوت الله. أ. فالمؤمن لا يتوقف عن البناء لحساب ملكوت الله في داخله كما في حياة الغير. ب. كجندي صالح ليسوع المسيح يحمل سلاح الله الكامل. فهو في معركة روحية مستمرة. ج. إنجيله بوق يدوي على الدوام، يكشف له عن طريق الملكوت، ويفضح خطط إبليس. فَقُلْتُ لِلْعُظَمَاءِ وَالْوُلاَةِ وَلِبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: الْعَمَلُ كَثِيرٌ وَمُتَّسِعٌ، وَنَحْنُ مُتَفَرِّقُونَ عَلَى السُّورِ، وَبَعِيدُونَ بَعْضُنَا عَنْ بَعْضٍ. [19] العمل دائمًا كثير ومتسع، والفعلة قليلون. يسألنا السيد المسيح أن نطلب من رب الحصاد لكي يرسل فعلة لحصاده. وأن نعمل معًا بروح الحب والوحدة. فَالْمَكَانُ الَّذِي تَسْمَعُونَ مِنْهُ صَوْتَ الْبُوقِ هُنَاكَ تَجْتَمِعُونَ إِلَيْنَا. إِلَهُنَا يُحَارِبُ عَنَّا لا يسر المؤمن بنجاحه في العمل فحسب، ولا بنجاح الآخرين أيضًا، وإنما بوحدة الجميع معًا كجسدٍ واحدٍ يعمل بالرأس يسوع المسيح واهب النجاح. كل حرب روحية موجهة ضد إنسان أو جماعة معينة، هي حرب ضد كنيسة الله، التي تلتزم أن تجاهد معًا بروح الرب ضد إبليس لحساب ملكوت الله. وإذ نشارك الآخرين جهادهم الروحي، ونسندهم بالحب والصلاة والأصوام والمطانيات والنصائح ولا نسخر منهم، نرى الله متجليًا يحارب عنا. * سبق فتنبأ الأنبياء عن المعركة، وانشغل بها الرب، واستمر فيها الرسل . الشهيد كبريانوس فَكُنَّا نَحْنُ نَعْمَلُ الْعَمَلَ، وَكَانَ نِصْفُهُمْ يُمْسِكُونَ الرِّمَاحَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى ظُهُورِ النُّجُومِ. [21] يتوقف العمل عادة عند غروب الشمس (تث 15:24؛ مت 1:20-12) . فالعمل حتى ظهور النجوم يكشف عن غيرة الشعب للعمل. لا يطلب الإنسان الروحي الراحة الجسدية، ولا يعرف الاسترخاء، إنما يعمل مجاهدًا مادام الوقت نهار. * " لكيْ تقْدروا أن تقاوموا في الْيوْم الشّرّير، وبعْد أنْ تتمّموا كلّ شيْءٍ أنْ تثْبتوا" (أف 6: 13(. يقصد باليوم الشرير الحياة الحاضرة، إذ يدعوها أيضًا: "العالم الحاضر الشرير" (غلا 1: 4)، وذلك بسبب الشر الذي يرتكب فيها... يقول "تتموا كل شيء"، أي تقاومون كل الأهواء والشهوات الدنسة وكل ما يقلقنا. هنا لا يتحدث عن مجرد ممارسة الأعمال وإنما إتمامها، بمعنى أننا بعد ما نقتل (بالخطايا) نثبت. فإن كثيرين يسقطون بعد نوالهم النصرة... أما نحن فيلزمنا أن نثبت بعد النصرة. فقد يضرب عدو لكنه يقوم ثانية إن لم نثبت. إن قام الأعداء (الروحيون) ثانية فإنهم يعودوا فيسقطون إن كنا ثابتين. ما دمنا لا نتزعزع لا يقوم العدو من جديد. "الْبسوا سلاح الله الْكامل"؛ ألا تراه كيف ينزع كل خوف؟ فإن كان ممكنًا بعد إتمام كل شيء أن نثبت، فإن وصفه لقوة العدو لا يخلق جبنًا وخوفًا بل ينتزع كل استرخاء. يقول: "لكيْ تقْدروا أنْ تقاوموا في الْيوْم الشّرّير"، مقدمًا لهم تشجيعًا من الزمن بكونه مقصرًا (إذ يدعوه يومًا واحدًا)، فالأمر يحتاج إلى ثبات دون وهن إذ تحدث غلبة . القديس يوحنا الذهبي الفم لِيَبِتْ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ غُلاَمِهِ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ، لِيَكُونُوا لَنَا حُرَّاسًا فِي اللَّيْلِ وَلِلْعَمَلِ فِي النَّهَارِ. [22] كل بنّاء معه غلامه وهو العامل البناء وليس خادمًا خاصًا له. حتى الذين يعملون خارج أورشليم كانوا يبيتون في المدينة ليلًا ليعمل بعضهم كحرّاس. هنا يعمل الإنسان مع غلامه، ويشتركان في كل شيءٍ! صورة حيَّة لشركة الأجيال معًا. كل جيلٍ يقدِّر الجيل الجديد. فكان يشوع في صحبة معلمه وأبيه الروحي موسى، لا يستخف أحدهما بدور الآخر، وهكذا إيليا وتلميذه إليشع. يحتاج الشيوخ إلى قوة الشباب، والشباب إلى حكمة الشيوخ وخبرتهم. 8. نحميا العامل وَلَمْ أَكُنْ أَنَا وَلاَ إِخْوَتِي وَلاَ غِلْمَانِي وَلاَ الْحُرَّاسُ الَّذِينَ وَرَائِي نَخْلَعُ ثِيَابَنَا. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَذْهَبُ بِسِلاَحِهِ إِلَى الْمَاءِ. [23] ذهاب الإنسان إلى الماء ومعه سلاحه، يشير إلى يقظة الشخص، واستعداده الدائم للحراسة، حتى وهو يشرب. عندما أراد جدعون فرز الرجال الجادين للحرب نزل بالشعب إلى الماء كطلب الرب، واختار منهم من يلغ بلسانه من الماء كما يلغ الكلب (قض 5:7). * "فلنخلع أعمال الظلمة، ونلبس أسلحة النور" (رو 13: 12). نعم لأن النهار يدعونا أن نلبس الأسلحة ونحارب (روحيًا). لا تخف عند سماعك الأسلحة، لأن العدّة المنظورة ثقيلة وارتداءها مضني، أمّا الأسلحة هنا فمرغوب فيها، تستحق أن نصلي لنوالها، لأنها أسلحة من نور! إنها تجعلك أكثر بهاءً من أشعة الشمس وتهبك بريقًا عظيمًا، وتقدّم لك أمانًا... إنها أسلحة النور! "لنسلك بلياقة كما في النهار" (رو 13: 13)... لم يقل: "اسلكوا"، بل قال "لنسلك" ليجعل حثه بعيدًا عن التعقيد وتوبيخه لطيفًا...! "بل البسوا الرب يسوع المسيح" (رو 13: 14)... لا يحدثهم عن أعمال معيّنة وإنما يثير فيهم أمورًا أعظم، لأنه حينما تحدّث عن الرذيلة أشار إلى أعمالها، أمّا وهو يتحدّث عن الفضيلة فلا يُشير إلى أعمالها بل إلى أسلحتها ليظهر أن الفضيلة تجعل صاحبها في أمان كامل وبهاء عظيم... أنه يقدّم الرب نفسه كثوب، الملك نفسه، من يلتحف به تكون له الفضيلة مطلقًا. القديس يوحنا الذهبي الفم من وحي نح 4 حررني من روح الغضب! * هب لي وداعة الحمام، فلا يجد الغضب له فيَّ مكانًا. في بساطة مع حكمة الروح أحب الجميع. وإن غضب أحد عليّ أخشاك أنت وحدك. غضب الإنسان لن يؤذيني، مادمت تُسر بي. حررهم وحررني من روح الغضب. فنصير جميعًا أيقونة لك. * هوذا العدو يسخر بي. يحسبني ضعيفًا، عاجزًا عن العمل. ما أفعله يهدمه ثعلب واحد دون مقاومة. يمشي عليه، فتهتز كل أساسات عملي. ينعتني بالسخف، حاسبًا قلبي خرابًا لا يصلح إلا مأوى للثعالب الصغيرة والكبيرة! * أعترف لك بأني تراب ورماد، ليس في داخلي سوى شوك وحسدك. لكن نعمتك تقيم من التراب سماءً. تطرد كل عدو، وتقيم أنت في داخلي. روحك يقيم مني هيكلًا مقدسًا لك. يجعل مني أورشليم الحصينة، ويحوِّل طاقاتي إلى جيش بألوية. بك أتمتع بالحياة المقامة، عربون السماء! * حوّل عيني عن الأعداء المقاومين، فلا يحل بي روح الفشل والإحباط. أتطلع إلى أعمالك، فيزداد قلبي غيرة. وتتشدد يداي للعمل، ويتحرك كل كياني للصلاة مع العمل. لتتحالف كل قوى الشر ضدي. رضاك أعظم من كل قوات الظلمة. ويمينك أقوى من كل طاقات الشر. * لتتآمر كل قوى الشر ضدك. ولأعمل بروح الحب والوحدة مع إخوتي. فإنك تبارك العمل وتتعهده بنفسك مادام يُمارس بالقلب الواحد. * مع كل نجاح من لدنك يحاربني العدو. يحاول تثبيط همتي وثقتي فيك. يبث روح الفشل والإحباط. لكنك أنت تهبني روح القوة والنصح والحب. * يود العدو أن يهلكني بكل وسيلة، أما أنت فسرّ حياتي ونجاحي. لأتكئ عليك، فأنت قوتي وحصن حياتي. ولأعمل بغنى نعمتك، فلا أعرف الخمول. * هب لي ألا تتوقف يداي عن العمل في كرمك. ولأحمل سلاح الله الكامل: درع البرّ، وترس الإيمان، وخوذة الخلاص، وسيف الروح. ليقف بجانبي الضارب ببوق الإنجيل. * هب لي أن أفرح أنك تعمل بكل مؤمنٍ. فيك يجتمع الكل معًا. وبك يصير البناء واحدًا سماويًا. |
||||
10 - 10 - 2022, 01:41 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
متاعب داخلية وسط هذا العمل العظيم الذي كان يمارسه نحميا، ألا وهو إعادة بناء سور أورشليم ، والذي تحقق بقوةٍ وبسرعةٍ فائقةٍ، حيث تم في 52 يومًا (نح 15:6)، كان يبدو أنه ليس الوقت مناسبًا لنحميا لعقد اجتماع عظيم يضم العظماء والولاة [7] لمعالجة مشكلة الظلم الساقط على الفقراء والمعدمين. لكن نحميا القائد العظيم لا يمارس العمل إلا من خلال حبه لله ولإخوته. لم يكن ممكنًا له تجاهل تلك الكارثة التي حلت بالشعب. تتلخص المشكلة في أن الظروف كانت قاسية: فمن ناحية يبدو أن الشعب كان يعاني من مجاعة بسبب قلة المطر [3]، بجانب التزام الكل بالعمل في بناء السور، وليس لدى الفقراء ما يسدون به احتياجاتهم اليومية. بجانب هذه الظروف القاسية وُجدت قلوب قاسية لا ترحم، فانطلقت صرخة الشعب ضد إخوتهم يشتكون من وجود ديون ثقيلة يعجزون عن تسديدها، ورهونات لا يقدرون فكها، وأخيرًا عبودية سقط تحتها أولادهم كسداد للديون. هذه الكارثة المرة يعاني منها الشعب في وقت تكتلت القوى الخارجية ضد العمل لحساب أورشليم وخيرها. المتاعب الداخلية أخطر بكثير من المضايقات الخارجية، حتى وإن كانت ثعالب صغيرة، فإنها مفسدة للكروم. اجتمعت كل الأمة -الأغنياء والفقراء- للعمل معًا. لكن الطبيعة البشرية غالبًا ما تقاوم العمل الإلهي. لم يأخذ الأغنياء موقف الضغط الشديد على الفقراء كما ورد في إشعياء 5، إنما ما كان يشغلهم هو نوالهم ما ظنوه أنه من حقهم. فقد أقرضوا الفقراء، ووضعوا فوائد عالية (ربا) في شكل مالٍ أو ممتلكاتٍ وأيضًا الأطفال [1-5]. لم يمنع الكتاب المقدس أخذ فوائد على القروض (تث 23: 19؛ مت 25: 27)، لكن لا يجوز للإسرائيلي أن يأخذ فوائد من زميله الإسرائيلي (خر 22: 25)، مادام القرض ليس للاستثمار بل للاحتياج. اضطر الفقراء، إلى أخذ القروض بسبب حدوث مجاعة، وليس بقصد التجارة [3]. وبحسب الشريعة يلزم تحرير العبيد من اليهود في السنة السابعة (خر 21: 2-6). أكد نحميا أن الفقراء وأولادهم كبشرٍ هم واحد مع الأغنياء [5]. وقد وقف نحميا في صفهم يسندهم [6-7]، مذكرًا الأغنياء أن سياسة الدولة هي رد الثمن المُشترى به العبيد لأجل تحريرهم [8]. يرى البعض أنه إذ يُشار إلى مدة طويلة من الزمن [14]، لهذا يُظن أن أحداث هذا الأصحاح تخص فترة متأخرة من حياة نحميا. اهتم نحميا ومن معه في إعادة بناء سور المدينة المهدم، لكن نحميا اكتشف أن المجتمع نفسه مهدم ومحتاج إلى إصلاح. أ. القيام بإعادة بناء السور جعل بعض الفلاحين يتركون حقولهم ويقومون بالعمل، مما سبب لهم مشاكل مالية صعبة. وقد استغل بعض الأغنياء هذه الظروف وأقرضوهم بربا يصعب سداده. ب. كانت الجماعة في مجاعة، حتى اضطر البعض إلى رهن أطفالهم لشراء طعام لهم [2]. ج. اضطر البعض إلى رهن أراضيهم وممتلكاتهم [3]. د. التجأ البعض إلى أخذ قروض لسداد الضرائب أو الجزية التي يلتزمون بها [4]. هـ. اضطر البعض إلى بيع أولادهم وبناتهم عبيدًا [5]. وَكَانَ صُرَاخُ الشَّعْبِ وَنِسَائِهِمْ عَظِيمًا عَلَى إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ. [1] تظهر خطورة الموقف من شعور النساء بالالتزام بمرافقه أزواجهن في الاعتراض على ما وصلوا إليه من بؤسٍ. لم تكن الشكوى ضد سلطات أجنبية، بل ضد المواطنين زملائهم، وذلك بسبب استغلال الفقراء في وقت كانت المدينة محتاجة إلى عمل وطني يشترك فيه الجميع . صراخ الشعب كان بالحق موجهًا إلى الله نفسه يسألونه التدخل من أجل العدالة (راجع خر 7:3؛ 22:22-23؛ مز 12:9؛ إش 7:5). يقصد باليهود الأثرياء المستغلين للشعب، أولئك الذين عادوا من السبي ومعهم ثروة طائلة اقتنوها خلال مشاريعهم في بابل. أو نسل أولئك الذين رجعوا من قبل منذ حوالي قرن (537 ق.م.) تحت قيادة زربابل، وقاموا بمشروعات ناجحة. وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: نَحْنُ وَبَنُونَا وَبَنَاتُنَا كَثِيرُونَ. دَعْنَا نَأْخُذْ قَمْحًا فَنَأْكُلَ وَنَحْيَا! [2] إذ عاد حوالي 50 ألفًا مع زرُبابل إلى أورشليم، ومعهم ثروتهم الهائلة، انشغلوا ببناء بيوتهم، ولم يبالوا ببناء بيت الرب ولا بإخوتهم الفقراء. وقد أرسل الله لهم النبيان حجي وزكريا يحثانهم على الاهتمام ببيت الرب، ليبارك الرب المدينة. بالقول: "نحن وبنونا وبناتنا كثيرون" يبدو أن نسل الفقراء أكثر في العدد من نسل الأغنياء. هذه الملاحظة نجدها في كثير من المجتمعات، وهي تسبب تضخمًا للمشكلة. فمع شدة الفقر يوجد أولاد وبنات كثيرون يعانون من الجوع. وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: حُقُولُنَا وَكُرُومُنَا وَبُيُوتُنَا نَحْنُ رَاهِنُوهَا، حَتَّى نَأْخُذَ قَمْحًا فِي الْجُوعِ! [3] من المشاكل الخطيرة أن الفقراء رهنوا بيوتهم وحقولهم وكرومهم لشراء حنطة للأكل بسبب المجاعة وقلة المطر (حج 1: 9). لقد صارت الظروف قاسية، حتى صار الذين لديهم حقول وكروم وبيوت يقومون برهنها. فقد ازداد الأغنياء غنى، بينما متوسطو الحال والفقراء صاروا في مجاعة مرة. صار العرض قليلًا جدًا وارتفعت الأسعار، ولم يستطع الكثيرون أن يجدوا كفايتهم اليومية. وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: قَدِ اسْتَقْرَضْنَا فِضَّةً لِخَرَاجِ الْمَلِكِ عَلَى حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا. [4] يصور الظلم الذي سقط على الفقراء، إذ اضطروا إلى الاستدانة لدفع الضرائب للحكومة الفارسية. عُرف الفارسيون بنهمهم نحو جمع خراج بعملاتٍ ذهبية وفضية، يسبكونها في شكل سبائك لتخزينها، ولم تكن الولايات تنتفع شيئًا من هذا الخراج إلا القليل جدًا. في الشوشن وجد الإسكندر 9000 قطعة من الذهب تبلغ وزنها 270 طنًا، 40.000 قطعة من الفضة تبلغ حوالي 1200 طنًا مخزنة كسبائك. إذ كانت العملات الذهبية تُسحب من التداول حدث تضخم في المال وارتفاع متزايد في الأسعار. وَالآنَ لَحْمُنَا كَلَحْمِ إِخْوَتِنَا، وَبَنُونَا كَبَنِيهِمْ، وَهَا نَحْنُ نُخْضِعُ بَنِينَا وَبَنَاتِنَا عَبِيدًا، وَيُوجَدُ مِنْ بَنَاتِنَا مُسْتَعْبَدَاتٌ، وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي طَاقَةِ يَدِنَا، وَحُقُولُنَا وَكُرُومُنَا لِلآخَرِينَ. [5] لم يفقدوا حقولهم وبيوتهم فحسب، إنما بسبب الفقر باعوا أولادهم وبناتهم عبيدًا، أو سلموهم عبيدًا، لكي يجد الأبناء طعامًا وهم في خدمة سادتهم، مع أنهم إخوة لهم من جهة الجنس كيهودٍ مثلهم. لقد سمحت الشريعة ببيع الأطفال عند الضرورة القصوى (خر 21: 7). العجيب أن هؤلاء الأغنياء قد نسوا أن الشعب كله تقريبًا، حتى البيت الملوكي قد سقطوا تحت السبي كل هذه السنوات، وذاقوا مذلة العبودية في بابل، ومع هذا عندما عادوا إلى بلدهم، وتيسرت أحوالهم استعبدوا إخوتهم الفقراء بسبب عوزهم. كان يليق بهؤلاء الذين ذاقوا مرارة الحرمان من الحرية أن يشعروا بمرارة العبودية التي سقط تحتها إخوتهم. 2. تصرف نحميا العملي فَغَضِبْتُ جِدًّا حِينَ سَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ وَهَذَا الْكَلاَمَ. [6] لم يكن ممكنًا لنحميا أن يصمت أمام هذا الحال، إنما غضب جدًا، وبعد تفكيرٍ عميقٍ، قام بتبكيت العظماء والقيادات (راجع يع 5: 1-6). في شجاعة لم يحابِ العظماء، بل وبَّخهم على عدم اهتمامهم بإخوتهم الفقراء (تث 15: 7-11). إنجيلنا يدعونا لمساعدة كل البشرية، لا سيما أهل الإيمان. فَشَاوَرْتُ قَلْبِي فِيَّ، وَبَكَّتُّ الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ وَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّكُمْ تَأْخُذُونَ الرِّبَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَخِيهِ. وَأَقَمْتُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً عَظِيمَةً. [7] يدعونا الكتاب المقدس إلى عدم استخدام الربا بالنسبة للمحتاجين (خر 22: 24-26؛ لا 25: 35-38؛ تث 23: 20). إعطاء قروض ليس بالأمر الخاطئ، ولا أيضًا أخذ فائدة، مادام القرض لمشروع يجلب ربحًا، إنما يدين الكتاب المقدس الطمع واستغلال احتياج الناس. يقول المرتل: أمل قلبي إلى شهاداتك لا إلى المكسب" (مز 36:119). "الكلاب شرهة لا تعرف الشبع... التفتوا جميعًا إلى طرقهم، كل واحدٍ إلى الربح عن أقصى" (إش 11:56). كثيرًا ما هاجم كل من لاكتانتيوس [1] Lactantuis والقديسون كبريانوس [2] وباسيليوس الكبير، وأمبروسيوس وأغسطينوس وغريغوريوس النزينزي وغريغوريوس النيسي ويوحنا الذهبي الفم وأثناسيوس الرسولي [3] الربا. يشير القديس كيرلس الأورشليميإلى قائمة فخاخ إبليس منها: التهور والطمع والربا. ويركز القديس هيلاري أسقف بواتييه (315-367) على الربا كأذية موجهة ضد المسيح نفسه في شخص الفقير. يقول أيضًا إن تقديم القرض الذي كان يجب أن يكون متسمًا بالفضيلة يتحول إلى لعنةٍ حين تُطلب فائدة عليه. عوض مساندة الفقير يقوم المرَّابي بمضاعفة احتياجه. أكثر الآباء الشرقيين مقاومة للربا هما القديسان باسيليوس الكبير (330-379) وغريغوريوس النيسي (335-394)، إذ يتطلعان إلى الربا كمقاومة للفقراء وتعدي على وصية كتابية. يحسب القديس أمبروسيوس الربا من بين الخطايا التي تقود إلى الموت فيقول: [إن أخذ أحد ربا، يرتكب لصوصية، ولا يستحق أن يعيش] إن احتج أحد بأن الربا يُمارس منذ سنوات، يرد عليهم القديس أمبروسيوس: "هذا أيضًا خطية" . * [الإنسان الذي يطلب الله، ويبحث عن الحق] لا يسرق ولا يطمع فيما للغير، ولا يعطي ماله بالربا (لأنه يأخذ فائدة من آخرين في محنة)، ولا يذل إنسانًا يطلب قرضًا عن ضرورة ملحة . لاكتانتيوس * لماذا في جفاءٍ تتظاهر بالصلاح وأنت تجرح الآخرين؛ ما تقدم منه هبة يبكي عليه آخرون يوميًا. ألا تعتقد أن الرب يرى هذه الأمور من السماء؟ يقول الكتاب المقدس: "لا يُسر العلي بتقدمات الأشرار"... هل يقدم الإنسان عطايا يجعل بها الغير فقراء؟ أو إن كنت تُقرض بفائدة تبلغ 24 في المائة، وتريد أن تقدم صدقة حتى تكفر عن شرٍ بتلك التي هي أيضًا في ذاتها شر. حتمًا يرفض القدير مثل هذه الأعمال. هبتك منتزعة من وسط الدموع... أيها الشرير، أنت تخدع نفسك، وليس آخر . كوماديانس إن كنت مسيحيًا، أية مكافأة تتوقعها من الله، إن كنت لا تسعى لكي تعين أناسًا وإنما لتؤذيهم؟ إن كنت مسيحيًا لماذا تخطط لكي يكون لمالك العاطل ربحًا يعود عليك يجعل أخاك في عوزٍ، هذا الذي مات المسيح عنه، ويكون مصدرًا لغناك...؟ تذكر أن الشخص الذي تطلب منه الربا هو فقير محتاج، من أجله صار المسيح فقيرًا محتاجًا. لذلك عندما تفعل صلاحًا أو شرًا لفقيرٍ لتعرف أنك تفعله للمسيح . القديس هيلاري أسقف بواتييه لو أنه قادر أن يجعلك أكثر غنى لماذا يقف على بابك؟ يأتي يطلب عونًا فيجد عداوة. إذ يبحث عن ترياقٍ يأتي إلى سمومٍ. من واجبك أن تلطّف من الفقر المدقع لإنسانٍ، لكنك تطلب أن تشرب من برية قاحلة، فتزيد من عوزه. وذلك مثل طبيب يزور المرضى، لا ليرد لهم الصحة، وإنما يفسد ما تبقى لهم من قليل من العافية الجسدية. هكذا أنت تستغل كوارث البائسين كفرصة لنوال عائدٍ . القديس باسيليوس الكبير * لو لم يوجد جمع عظيم من المرابين، لما وجدت جمهرة كبيرة من الفقراء . * بماذا تجيب حين تُتهم بواسطة الديان الذي لا يرتشي، عندما يقول لك: معك الناموس، والأنبياء، ووصايا الإنجيل. لقد سمعت هذه جميعها معًا تصرخ بصوتٍ واحدٍ من أجل المحبة والإنسانية "لا تقرض بربا" (تث 23: 20)، "لا يُقرض بربا" (راجع مز 15: 5)، "إن أقرضت أخاك لا تضغط عليه" (راجع خر 22: 25) . القديس غريغوريوس النيسي القديس غريغوريوس النزينزي * حتى الإنسان الفقير يقدم لكم فائدة... هل أنتم أناس رحومون حيث تستعبدون من قمتم بتحريرهم من آخرين. يدفع الربا من هو في عوزٍ إلى طعامٍ؛ أي شيء أكثر رعبًا من هذا؟ يطلب خبزًا، فتقدم له سيفًا. يتوسل إليك من أجل التحرر، فتلزمه بالعبودية لك. يسألك الحرية، فتضع له عقدة لفخٍ رهيبٍ. * لقد جاء أول الشهر، وأصل الدين أنجب نسبة مئوية (الربا). كل شهر يأتي يوَّلد ربا، والنسل الشرير يُولد من آباءٍ أشرارٍ. هذا هو جيل الأفاعي. النسبة المئوية تتزايد، يُطلب دفعها، لكنها لا تُسد، فتضاف إلى أصل الدين... وبالتالي تتزايد الفائدة حيث يُضاف الربا على الأصل، فلا تعود تصير فائدة، بل تصير أصلًا، لا تعود نسبة مئوية على فائدة، بل فائدة على النسبة المئوية. * ها أنت فقير، أذكر صعوبة تسديد الدين... فإن الفقر لا يُعالج بدفع الربا. فالشر لا يُصلح بشرٍ، ولا الجرح بجرحٍ، بل يصير إلى حالٍ أردأ بالقروح . القديس أمبروسيوس نَحْنُ اشْتَرَيْنَا إِخْوَتَنَا الْيَهُودَ الَّذِينَ بِيعُوا لِلأُمَمِ حَسَبَ طَاقَتِنَا. وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَبِيعُونَ إِخْوَتَكُمْ فَيُبَاعُونَ لَنَا. فَسَكَتُوا وَلَمْ يَجِدُوا جَوَابًا. [8] لم يقف الأمر عند أخذ ربا من أناس عاجزين عن دفعه، إنما ما هو أخطر أنه لا يستنكف الإنسان من أن يشتري إخوته عبيدًا له، مما جعل نحميا ومن معه أن يفدونهم بالمال، كما افتدوا اليهود الذين كانوا قبلًا عبيدًا للأمم (راجع لا 25: 39 إلخ). سمح الله لشعبه أن يستأجر الواحد الآخر دون أن يظلمه، بل يقدم له أجرته دون تأخير. لكن يمنع استعباد الواحد للآخر مقابل طعامه وملبسه، دون التمتع بأية حقوق إنسانية. يقول الحكيم: "ظالم الفقير يعير خالقه، ويمجده راحم المسكين" (أم 31:14). صمت المتهمين وعدم تقديم إجابة على الاتهام الموجه ضدهم حمل اعترافًا أنهم مخطئون. وَقُلْتُ: لَيْسَ حَسَنًا الأَمْرُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ. أَمَا تَسِيرُونَ بِخَوْفِ إِلَهِنَا بِسَبَبِ تَعْيِيرِ الأُمَمِ أَعْدَائِنَا! [9] استعباد الإنسان وظلمه هما إهانة موجهة ضد الله، وتحلل الإنسان من مخافة الخالق المهتم بخليقته. هذا التصرف سبب تجديفًا من الأمم على الله، ووضع شعب الله في خزي وعار بين الشعوب. ذكر أحد الوعاظ أنه تحدث في هذا الشأن، وإذا بأحد السامعين تأثر جدًا لأنه كان قد أقرض صديقًا له مالًا بالربا وكان الصديق فقيرًا، عاجزًا عن التسديد، وبالكاد كان يدفع الفائدة، وبقي على هذا الحال خمس سنوات. تأثر الدائن وذهب إلى المدين يعتذر له على ما صدر منه من ضغطٍ، وأخبره أنه لا يطلب بعد أية فائدة، بل ولا أصل الدين، كما قدم له ما دفعه من فوائد خلال الخمس سنوات . وَأَنَا أَيْضًا وَإِخْوَتِي وَغِلْمَانِي أَقْرَضْنَاهُمْ فِضَّةً وَقَمْحًا. فَلْنَتْرُكْ هَذَا الرِّبَا. [10] يرى البعض أن هذا النص يصعب فهمه، فهو يعني أن نحميا نفسه يعترف بأنه هو وأهل بيته من إخوة وغلمان والملتصقين به كانوا قد أقرضوا أناسًا بالربا، وفي الحال قرروا رفع الربا عن المقترضين، فسند كلماته بأعماله، ليكونوا مثالًا عمليًا يقتدي به الغير. وكأنه قد أعلن عمليًا: "لنضع حدًا ونهاية لهذه الظاهرة". عانى الشعب من موظفي الحكومة المستغلين. كان هؤلاء القادة يقرضونهم مبالغ كبيرة من المال. وإذ يعجزون عن سدادها يستولون على أراضيهم، وأحيانًا على أبنائهم كعبيد لهم. رُدُّوا لَهُمْ هَذَا الْيَوْمَ حُقُولَهُمْ وَكُرُومَهُمْ وَزَيْتُونَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ، وَالْجُزْءَ مِنْ مِئَةِ الْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ، الَّذِي تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ رِبا. [11] هنا الربا واحد في المئة شهريًا. طلب نحميا من الأغنياء إصلاحًا فوريًا، قائلًا: "ردوا لهم هذا اليوم"، فليس من مجال للانتظار إلى الغد. الوصية الإلهية لا تحتاج إلى جدالٍ أو تأجيلٍ. فَقَالُوا: نَرُدُّ وَلاَ نَطْلُبُ مِنْهُمْ. هَكَذَا نَفْعَلُ كَمَا تَقُولُ. فَدَعَوْتُ الْكَهَنَةَ، وَاسْتَحْلَفْتُهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ هَذَا الْكَلاَمِ. [12] استدعى نحميا الكهنة لممارسة عمل ديني، وهو أن يحلف الكهنة بإلغاء الربا ووقفة فورًا، ثم أكمل العمل بأنه وضع لعنة على من لا ينفذ هذا التعهد أو القسم الكهنوتي، فمن لا يكون أمينًا لهذا الوعد، يصير في حالة إفلاس تام، يفقد كل ما لديه وما في جيبه! هكذا كما أصلح نحميا السور وبناه بالحجارة القديمة، أصلح المجتمع، ونفض عنه كسرهم للناموس. الكلمات مع تقديم العمل أثمر، فسأله الأغنياء ماذا يفعلون، وأقسم الكهنة أن يتمموا الوصية الإلهية، وكأنهم قد وقَّعوا على عقد مع الله نفسه. ثُمَّ نَفَضْتُ حِجْرِي وَقُلْتُ: هَكَذَا يَنْفُضُ اللَّهُ كُلَّ إِنْسَانٍ لاَ يُقِيمُ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْ بَيْتِهِ وَمِنْ تَعَبِهِ وَهَكَذَا يَكُونُ مَنْفُوضًا وَفَارِغًا. فَقَالَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ: آمِينَ! وَسَبَّحُوا الرَّبَّ. وَعَمِلَ الشَّعْبُ حَسَبَ هَذَا الْكَلاَمِ. [13] يقدم لنا Freeman تفسيرًا لهذه العادة: "نفض الحجر"، فيقول إنه كان يُصنع كيس أو جيب في الرداء الخارجي، يوضع فيه أشياء متنوعة. عندما ينفض الإنسان جيبه، يعني أنه يلعن الشخص الذي أمامه، ويطلب دماره تمامًا. يقول روبرتس Roberts إن مواطني الهند يحملون دائمًا في حجرهم كيسًا مصنوعًا من ورق شجر الكاكاو أو أوراق الأشجار الأخرى، ويحرصون دومًا ألا يتركوا الكيس فارغًا تمامًا. إنما يضعون فيه مالًا أو مكسرات (بندق أو لوز أو جوز) أو تبغ. فإنهم يعتقدون بأنهم أن تركوه فارغًا يبقى هكذا لمدة طويلة. وعندما يلعنون بعضهم البعض ينفضون حجر ثوبهم. عندما قدم السفراء الرومان فرصة الاختيار لأهل قرطاجنة بين الحرب والسلام، استخدموا نفس هذه العادة. دخل السفراء إلى مجلس السناتور في قرطاجنة وهم يرتدون التوجة Toga، أي الثوب الروماني الفضفاض، وقد جمعوه عند أحضانهم. قالوا للمجلس: نحن نحمل لكم السلام والحرب، لكم حق الخيار". أجاب المجلس: "لكم أن تقدموا ما تختارون". عندئذ أمسك السفراء بثيابهم (التوجة)، وقالوا "نقدم لكم الحرب". عندئذ قبل المجلس الأمر برضا [21]. قام الشعب بتنفيذ ما أشار إليه نحميا. كلمة "آمين" تستخدم في نهاية العبارات الخاصة بالتسبيح لله، كتعبيرٍ عن الموافقة بتمجيد الله مع الثقة فيه والخضوع له، كما تستخدم في تأكيد اللعنات التي تحل على الأشرار المصممين على شرورهم، وأيضًا على قبول قسم معين أو تنفيذ وصية أو تعهدٍ ما. 3. نحميا كمثالٍ عمليٍ وَأَيْضًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أُوصِيتُ فِيهِ أَنْ أَكُونَ وَالِيَهُمْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، مِنَ السَّنَةِ الْعِشْرِينَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاَثِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً، لَمْ آكُلْ أَنَا وَلاَ إِخْوَتِي خُبْزَ الْوَالِي. [14] أراد نحميا ورجاله أن يكونوا مثلًا في الرحمة بالشعب، فرفضوا خلال فترة ولايته الأولى والبالغة اثني عشر سنة أن يأكلوا خبر الوالي، وهي أقل حقوقهم التي تُقدم لهم. هذا ما فعله أيضًا الرسول بولس كما شرح في 1 كو 9. "لم نستعمل هذا السلطان، وبل نحتمل كل شيء لئلا نجعل عائقا لإنجيل المسيح. ألستم تعلمون أن الذين يعملون في الأشياء المقدسة من الهيكل يأكلون. الذين يلازمون الذبح يشاركون المذبح. هكذا أيضًا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون. أما أنا فلم أستعمل شيئًا من هذا" (1 كو 12:9-15). كما يقول:" ولا أكلنا خبزًا مجانًا من أحدٍ، بل كنا نشتغل بتعب وكدٍ ليلًا ونهارًا لكي لا يثقل على أحدٍ منكم" (2 تس 8:3). بعد أن أكد رسوليته أوضح حقوقه كرسول، وكيف تنازل عنها بإرادته من أجل محبته لخلاص البشرية. كان كلا من الرسولين بولس وبرنابا يعملان بإرادتهما لكي لا يعتازا إلى أحد. كان يمارسان حرفة مثل صنع الخيام (أع 18: 3؛ 20: 34). * ترك الرسول حتى الأمور المسموح بها، حتى لا يوجد عثرة لأحد، مع أن لا يوجد قانون يلزمه بهذا... فإن كان قد فعل أكثر مما يطلبه الناموس حتى لا يتعثروا وامتنع عما هو مسموح به من أجل بنيان الغير، فماذا يستحق هؤلاء الذين لم يمتنعوا عن ذبائح الأوثان، حيث بذلك يهلك كثيرون؟ الأمر الذي يلزم للشخص أن يتركه بغض النظر عن عثرة الآخرين فيه، لأنها "مائدة شياطين"؟ * إذ يظهر لكم أني قد امتنعت عن الأشياء المسموح في بها، فليس من العدالة أن تتشككوا فيَّ كمخادعٍ أو من يعمل لأجل الربح . * لقد أظهر نوعية الكاهن وماذا يجب أن يكون عليه. إذ يلزمه أن يحمل شجاعة الجندي، واجتهاد الفلاح، واهتمام الراعي، وفوق هذا كله ألا يطلب شيئًا أكثر من الضروريات. القديس يوحنا الذهبي الفم وَأَخَذُوا مِنْهُمْ خُبْزًا وَخَمْرًا، فَضْلًا عَنْ أَرْبَعِينَ شَاقِلًا مِنَ الْفِضَّةِ، حَتَّى إِنَّ غِلْمَانَهُمْ تَسَلَّطُوا عَلَى الشَّعْبِ. وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَفْعَلْ هَكَذَا مِنْ أَجْلِ خَوْفِ اللَّهِ. [15] يقارن نحميا بين سلوكه هو والموظفين العاملين معه طوال الاثنتي عشرة سنة التي عمل فيها واليًا، وبين ما كان يمارسه الولاة السابقون له والموظفون العاملون معه حيث ساد الظلم واستغلال الشعب في البلاد. لعله يقصد بالولاة الأولين الولاة السامرين الذين كانوا يجمعون الضرائب من يهوذا ويخصصون نسبة عالية لهم شخصيًا. أراد نحميا أن يُصلح ما أفسده الولاة السابقون. فقد قبل الولاية، ورفض الانتفاع الشخصي من هذا المركز، بل ورفض أن يأكل هو وإخوته من خبز الوالي، أي لم يثقل على الشعب بأخذ نصيب من الحنطة والخمر مع ضرائب. قام رفضه على مخافته لله. لم يقصد نحميا هنا بالولاة الأولين زربابل أو عزرا، إنما يقصد أولئك الذين أشار إليهم عزرا مثل تتناي والي عبر النهر وشتربوزياي ورفقائهما (عز 3:5). إن كان الولاة الأشرار قد ثقلوا على الشعب، فإن غلمانهم أو العاملين معهم أضافوا إلى الثقل ثقلًا أقسى. وَتَمَسَّكْتُ أَيْضًا بِشُغْلِ هَذَا السُّورِ. وَلَمْ أَشْتَرِ حَقْلًا. وَكَانَ جَمِيعُ غِلْمَانِي مُجْتَمِعِينَ هُنَاكَ عَلَى الْعَمَلِ. [16] تنازل نحميا ورجاله حتى عن حقوقهم الطبيعية، بل ونزلوا مع عامة الشعب للعمل والبناء في السور. لم يكونوا انتهازيين، بل في تواضعٍ مع غيرة ومحبة، اشتركوا مع البقية في الأعمال التي تبدو ثقيلة. لم يمارس نحميا عمله كوالٍ على البلاد في بيروقراطية حيث تحيط به حاشية تحرسه وتعطيه مهابة، إنما قدم مفهومًا رائعًا للسلطة والقيادة والرعاية، ألا وهو مشاركه الشعب في العمل اليومي، وعدم استغلالهم، مع تنازله حتى عن حقوقه الطبيعية. وَكَانَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْيَهُودِ وَالْوُلاَةِ، مِئَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، فَضْلًا عَنِ الآتِينَ إِلَيْنَا مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَنَا. [17] كان قلبه مفتوحًا للجميع، وأيضًا دار الولاية، فكان يأكل مع مئة وخمسين شخصًا من اليهود والقادمين إليه من الأمم الذين حوله. وَكَانَ مَا يُعْمَلُ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ ثَوْرًا وَسِتَّةَ خِرَافٍ مُخْتَارَةٍ. وَكَانَ يُعْمَلُ لِي طُيُورٌ وَفِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْخَمْرِ بِكَثْرَةٍ. وَمَعَ هَذَا لَمْ أَطْلُبْ خُبْزَ الْوَالِي، لأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ كَانَتْ ثَقِيلَةً عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. [18] كانت العادة في الشرق أن تُقَّدر مصاريف الملك أو الحاكم، لا بمبلغٍ معينٍ من المال، وإنما بالإمكانيات التي تُقدم للذين يستضيفهم الحاكم في القصر، سواء من أهل بيته أو رجاله أو القادمين إليه. اذْكُرْ لِي يَا إِلَهِي لِلْخَيْرِ كُلَّ مَا عَمِلْتُ لِهَذَا الشَّعْبِ. [19] أخيرًا يؤكد نحميا أن ما فعله ليس لأجل نوال كرامةٍ أو مديحٍ من أحدٍ، إنما من أجل الله نفسه، العارف بأعماله، كما عارف بما في قلبه وفكره من إخلاص وحب وبذلٍ. يقول المرتل: "اختبرني يا الله واعرف قلبي، امتحني واعرف أفكاري. وانظر إن كان فَّي طريق باطل واهدني طريقًا أبديًا" (مز 139: 23-24). من وحي نح 5 أنقذني من متاعبي الداخلية! * لماذا كثر الذين يحزنونني؟ لماذا يثير العدو من هم حولي لهلاكي؟ لماذا يجتمع الكل لتحطيم نفسي؟ * إلهي مهما اشتدت الحرب من الخارج، فإن مرارة المعركة الداخلية لا يُعبر عنها. من يحررني من متاعبي الداخلية سواك؟ مهما اشتدت الحرب من الخارج، لكنها يومًا ما تنتهي. أما الداخل فمن ينقذني منه سواك؟! * مع المرتل أصرخ كل يوم: قلبًا نقيًا اخلقه فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي! * لست أخشى وحشية الأعداء الخارجيين، لكنني أصرخ إليك من قسوة قلبي. من يقدر أن يقدس أعماقي إلا أنت؟! من يسكب الحب والحنو في أعماقي غيرك! * هب لي أن يرتفع قلبي إليك بالحب، ويتسع ليحمل إن أمكن كل إخوتي! لأحبك وأحب كل البشرية فيك! لتغرس فردوس الحب في داخلي! لتسقه بمياه روحك القدوس. ولتعلن حضورك البهي في أعماقي! |
||||
13 - 10 - 2022, 01:08 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
نحميا 6 - تفسير سفر نحميا الآن وقت للعمل لا للحوار! يقدم لنا هذا الإصحاح صورة رائعة لخادم الله الذي لا ينحرف فكره قط عن تحقيق غايته التي في المسيح يسوع. حياة الإنسان مقصرة وأيامه قليلة، فلا يليق به أن يفسدها بالخوف من الفشل، أو من فقدان أمورٍ زمنيةٍ، أو من ظلم الغير له إلخ.، بل يحمل روح القوة والحب والاتزان. للتغلب على الخوف يليق بنا الآتي: 1. أن ندرس حيل العدو، الذي لا يكف عن أن يبث روح الخوف والقلق والشعور بالفشل واليأس. 2. أن ندرك أن الخوف الحقيقي صادر من ضعفنا البشري الداخلي، فإنه ليس حتى لإبليس سلطان علينا أن يرعبنا. 3. أنه ليس من غلبة على الخوف إلا بالالتجاء إلى الله، الذي يشجعنا على العمل، ويهبنا القوة للتنفيذ. بخصوص بناء سور أورشليم لحقت الهزيمة بالمقاومة، فليس الاستخفاف بالعمل ولا التهديد ولا المشاكل الداخلية أوقفت العمل. لم يعد أمام العدو إلا وضع خطة لقتل نحميا بمكيدة مدبرة. دُعي نحميا إلى مؤتمر لمناقشة الأمور، وكان القصد من الدعوة هو محاولة اغتياله. رفض نحميا أربع مرات أن يلتقي بهم في إحدى القرى على بعد 20 ميلًا شمال أورشليم، على أساس أنه لا يود أن يتوقف عن العمل الذي بين يديه [1-4]. فإنه يوجد وقت للعمل، ووقت للحوار. حاول سنبلط أن يضغط عليه، فأرسل إليه قطعة من ورق البردي أو الجلد لكي يقرأها [5]، جاء فيها إن نحميا يود أن يقيم نفسه ملكًا، وأنه يتمرد على ملك فارس [6]. لم يكن ممكنًا لمثل هذه الرسالة أن تهز قلب شخصٍ جاد كنحميا. اتهم أيضًا نحميا بأنه يرشي الأنبياء ليتكلموا حسبما يريد، أي يقيم نفسه شيئًا (ملكًا على أورشليم)، ناسبًا ذلك للرب [7]. لم يكن أمام نحميا إلا أن ينكر هذه الاتهامات، ويعرض الأمر على الله نفسه القادر وحده أن يدافع عنه [8-9]. كلما فشل العدو في مؤامرةٍ أو تهديدٍ، فكرّ في وسيلة أخرى. فقد أرادوا في هذه المرة نعت نحميا بالجُبن. فإن شخصًا يُدعى شمعي أظهر أنه عاجز عن ترك بيته. وحث نحميا أن يلجأ معه في الليل إلى الهيكل ليهربا من محاولة اغتيالهما. مرة أخرى أدرك نحميا الخدعة، ورفض أن يذهب إلى الهيكل، بكونه ليس كاهنًا. دفع طوبيا وسنبلط رشوة لشمعي، وربما أيضًا لبعض الأنبياء والنبيات، ليتنبأوا لنحميا عن قرب مصيره [10-14]. مع كل هذه المحاولات من عدو الخير، فقد تم بناء السور في وقت مثالي، أي في 52 يومًا [15-16]. ومع هذا لم يكف العدو عن المقاومة، إذ بدأ يبحث عن خونة في الداخل، فاستخدم طوبيا زوجته وابنته لعلهما تقومان بدورٍ بين العائلات في أورشليم. والعجيب أنه كلما قدمت خدمات لطوبيا وأصدقائه كان بالأكثر يتجاهل الكهنة والهيكل [13: 7، 10]. 1. مؤامرات ضد نحميا هذه هي المرة الرابعة يتآمر فيها الأعداء ضد نحميا لمنع إعادة بناء السور، فقد كاد السور أن ينتهي إعادة بنائه. وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ وَطُوبِيَّا وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ وَبَقِيَّةُ أَعْدَائِنَا، أَنِّي قَدْ بَنَيْتُ السُّورَ، وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ ثُغْرَةٌ، (عَلَى أَنِّي لَمْ أَكُنْ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْ أَقَمْتُ مَصَارِيعَ لِلأَبْوَابِ). [1] أَرْسَلَ سَنْبَلَّطُ وَجَشَمٌ إِلَيَّ قَائِلَيْنِ: هَلُمَّ نَجْتَمِعُ مَعًا فِي الْقُرَى فِي بُقْعَةِ أُونُو. وَكَانَا يُفَكِّرَانِ أَنْ يَعْمَلاَ بِي شَرًّا. [2] أدرك الأعداء أن كل الطرق قد فشلت تمامًا في إحباط نحميا عن العمل، ولم يبقَ أمامهم سوى وسيلة الغدر والخداع، تحت ستار الدخول في حوارٍ معه. طلب سنبلط وجشم التفاوض مع نحميا. هذه إحدى طرق العدو في مقاومة عمل الله، أن يطلب التفاوض، الأمر الذي يبدو للبعض أنه ليس في هذا الاقتراح أي ضرر، بل من الحكمة الدخول مع العدو في مفاوضات. لكن العدو بمكره يهدف إلى انشغالنا بعيدًا عن العمل. أونو: كانت تقع على بُعد حوالي سبعة أميال جنوب شرقِ يافا، بالقرب من اللد Lod. وهي مكان خارج أورشليم، يُظن أنه في منطقة بنيامين، بجوار نهر الأردن. كانت مقترحة كمكانٍ محايدٍ، لكن نحميا أدرك أن الدعوة هي مصيدة أو فخ موضوع له. لقد أرادوا استبعاده من وسط أصدقائه ومعضديه حتى يمكنهم خطفه أو قتله. لم يرد أن يدخل في المفاوضات حتى لا يفسد طاقته في أمور ثانوية بجانب رسالته الخاصة. بإعادة بناء السور. أرادوا مقاومته بإفساد طاقاته، أما هو فأراد مقاومتهم برفض مداهنتهم وتملقهم غير المجدي. يقول الرسول بولس: "المباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها، عالمًا أنها تولد خصومات" (2 تي 2: 23). "أما المباحثات الغبية والأنساب والخصومات والمنازعات الناموسية فاجتنبها، لأنها غير نافعة وباطلة" (تي 3: 9). * أما الخصومات فيعني بها المناقشات مع الهراطقة. يود الرسول ألا نتعب فيها بغير جدوى، دون أن نجني منها شيئًا، لأنها تنتهي إلى لا شيء. لأنه إن صمم إنسان جاحد على عدم تغيير رأيه مهما حدث، فلماذا تتعب نفسك وتزرع على الصخر، مع أنه كان يليق بك أن توجه عملك العظيم إلى شعبك متحدثًا معهم عن الفضائل؟ القديس يوحنا الذهبي الفم فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمَا رُسُلًا قَائِلًا: إِنِّي أَنَا عَامِلٌ عَمَلًا عَظِيمًا، فَلاَ أَقْدُرُ أَنْ أَنْزِلَ. لِمَاذَا يَبْطُلُ الْعَمَلُ بَيْنَمَا أَتْرُكُهُ وَأَنْزِلُ إِلَيْكُمَا؟ [3] رفض نحميا الدخول مع العدو في تفاوض، فقد أعلن أنه للعمل وقت وللكلام وقت، فلا يريد أن يفسد وقت العمل بالتوقف عنه والانشغال بالحوار. مع ما للحوار في الكنيسة من أهمية بين الخدام، كما بين الخدام والشعب، إلا أنه يلزم أن يكون لنا روح التمييز لنعرف وقت العمل ووقت الكلام، لأن الكلام أسهل وأكثر جاذبية من العمل. يوجد وقت يلزمنا فيه أن نتوقف عن الكلام ونبدأ العمل. ما أجمل مشاعر نحميا، فإن ما يمارسه قد تسلمه من يد الله، لذلك باعتزاز يقول: "إني أنا عامل عملًا عظيمًا" [3]. عظمة عمل في كنيسة الله أنه من قبل الرب ولحساب مملكة الله. هذا ما يؤكده الرسول بولس حين تحدث عن تنوع الخدم والأعمال والمواهب: "فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد. وأنواع خدم موجودة، ولكن الرب واحد. وأنواع أعمال موجودة، ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل" (1 كو 12: 4-6). * حتى إن أعطيت لك موهبة أقل من التي أعطيت لآخر، فإن الواهب هو واحد، لذلك فإن لك كرامة مساوية له . * توُجد فوارق في المواهب، إلا أنه لا يوجد فرق في الواهب. فإنكم تسحبون من ذات الينبوع أنتم وهو . * ربما يُصاب من يسمع عن المواهب بحالة إحباط متى وجد آخر لديه موهبة أعظم منه. ولكن إذ نأتي إلى الخدمة يحدث أمر آخر. ففي هذه الحالة فإن التعب والعرق مطلوبان. لماذا تشتكي إن أخذوا خدمة أكثر ليفعلوها لكي يريحوك؟ القديس يوحنا الذهبي الفم رفض نحميا أن ينزل إلى سنبلط وجشم، فإنه إذ يعمل عمل الرب، يمارس عملًا عظيمًا، وترتفع أفكاره وكلماته وتصرفاته كما في مصاعد مستمرة، ولا تنحدر قط إلى أسفل. حياة المؤمن الحقيقي مصاعد دائمة، ينطلق من مجدٍ إلى مجدٍ، وينعم بخبرات جديدة بالجلوس مع السيد المسيح في السماويات. * لا يستطيع من يسعى في إثر الكمال ويتمسك بالصعود إلى السماء، ويتطلع إلى درب العلو، أن يتوقف في علوٍ واحدٍ، ظانًا أنه اكتمل في عمله، ولم يعد في حاجة إلى الصعود إلى درجة أخرى، لكنه يسرع يوميًا ليرتفع إلى الأعلى، إلى أن يفتح له الموت الباب ليبلغ إلى ميناء القديسين. أقول لك يا محب الفضائل، يحسن بك أن تفكر وتتأمل أن تتقدم نحو الأمام. ويجدر بك أن تحسب أنه توجد سيرة أعظم من سيرتك. لو فكرت أنك تسلقت بواسطة الفضيلة بقدر ما كان ينبغي أن تتسلق، لكان سعيك باطلًا، وتبدأ في الهبوط بسبب الادعاء الذي يخامر نفسك، فتنحدر من جمال التواضع . القديس مار يعقوب السروجي وَجَاوَبْتُهُمَا بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ. [4] فَأَرْسَلَ إِلَيَّ سَنْبَلَّطُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلاَمِ مَرَّةً خَامِسَةً، مَعَ غُلاَمِهِ بِرِسَالَةٍ مَنْشُورَةٍ بِيَدِهِ مَكْتُوبٌ فِيهَا: [5] كانت العادة في ذلك الوقت أن تكتب الرسائل على ورق بردي كما كان معروفًا لدى قدماء المصريين وقد تعلم جيرانهم ذلك منهم. أو تُكتب على جلود حيوانات أو سعف النخيل ويُلف ويربط بحبلٍ أو خيط، ثم يختم بخاتم على مادة كالطين، حتى يضمن الراسل والمرسل إليه أن حامل الرسالة لم يفتحها، ولا يعرف ما ورد بها. ولكن سنبلط وجشم بعثا بالرسالة وهي منشورة بيد حاملها دون أن تلف أو تختم. هذا التصرف غايته أن يقرأ حامل الرسالة ما ورد بها، وبالتالي يرتعب ويقصها على كثيرين مما يسبب نوعًا من الرعب بين القادة والشعب، فيهيج الكل على نحميا كشخصٍ يحث على التمرد ضد الملك الفارسي، ويسلك بلا تعقلٍ. اقترح الأعداء عمل مؤتمرات مع نحميا للحوار 4 مرات، لكنه فضل الاستمرار في العمل، وعدم إفساد الوقت بالمناقشات الغبية. لأول مرة يُشار إلى الرسائل في الكتاب المقدس الرسالة التي أرسلها داود إلى يوآب (2 صم 11: 14). كذلك نقرأ عن رسائل كتبتها إيزابل باسم أخاب (1 مل 21: 8). وكتب ملك سوريا رسالة إلى ملك إسرائيل (2 مل 5: 5- 7). كتب أيضًا ياهو رسائل (2 مل 10: 1). كانت العادة في فارس وغيرها من الدول الشرقية عند بعث رسائل إلى أشخاص لهم وزنهم في المجتمع أن تُلف الرسالة كدرجٍ مغلقٍ في حقيبة، ويختم على الدرج بشمع أو طين حتى لا يقوم أحد بفتح الرسالة حتى تصل إلى من هي موجهه إليه (إش 8: 16؛ 29: 11؛ دا 12: 4 ،9؛ رؤ 5: 4، 9؛ 10: 4؛ 22: 10). وضع هذا الختم يحمل أيضًا نوع من التقدير والاحترام لمن تُقدم له الرسالة. أما الرسائل الموجهة إلى أشخاص من طبقة دنيا، فترسل لهم دون ختمها كنوعٍ من الاستخفاف بهم. كأن سنبلط بهذا يتعامل مع نحميا على أنه من مستوى أقل منه. يرى البعض أن سنبلط بعث بالرسالة مفتوحة، لأنه يعتبر أن ما ورد فيها من اتهامات ضد نحميا ليست بالأمر السري أو الخفي. فالكل، سواء كانوا في يهوذا أو ما حولها، من قادة أو شعب يعرفون خطورة تصرفات نحميا وتمرده على ملك فارس. قَدْ سُمِعَ بَيْنَ الأُمَمِ وَجَشَمٌ يَقُولُ إِنَّكَ أَنْتَ وَالْيَهُودُ تُفَكِّرُونَ أَنْ تَتَمَرَّدُوا، لِذَلِكَ أَنْتَ تَبْنِي السُّورَ، لِتَكُونَ لَهُمْ مَلِكًا حَسَبَ هَذِهِ الأُمُورِ. [6] يليق بنا حين نمارس عمل الرب أن نتوقع هجوم عدو الخير بكل وسيلة، وافترائه علينا كذبًا. وَقَدْ أَقَمْتَ أَيْضًا أَنْبِيَاءَ لِيُنَادُوا بِكَ فِي أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: فِي يَهُوذَا مَلِكٌ. وَالآنَ يُخْبَرُ الْمَلِكُ بِهَذَا الْكَلاَمِ. فَهَلُمَّ الآنَ نَتَشَاوَرُ مَعًا. [7] في افتراء استغل سنبلط قيام ملاخي النبي وتنبوءه عن مجيء المسيا المنتظر (مل 3: 1- 3)، ليدعي أنه بواعز من نحميا ليقيم من نفسه المسيا. هذا وحاول سنبلط أن يثير السلطات المحلية بأن نحميا يورطهم أمام ملك فارس، وأن ما يمارسونه من أعمال كإعادة بناء سور أورشليم لا معنى له سوى قيامهم بالتمرد على فارس. يبدأ الرسالة بتشويه نية نحميا ومن معه، فهو يريد أن يقيم من نفسه ملكًا يواجه ملك فارس ويعصى عليه، وأن الشعب يسانده في ذلك. فالاتهام خطير، ألا وهو عصيان ملك فارس والتمرد عليه، أما نتائجه فلا تقف عند إدانة نحميا، وإنما كل الشعب بتهمة التمرد. ومن جانب آخر، فإن هذا الاتهام ليس موجهًا من سنبلط، إنما من الأمم المحيطة ومن جشم. فالاتهام خطير، ودائرته تضم كل الشعب، وأما الشهود فهم كل الأمم المحيطة بهم. يدعى سنبلط أنه هو والأمم المحيطة عالمون بنية نحميا ومن معه، ما يعمله ليس لخدمة الله، بل للتمرد على فارس. إذ يدعى العدو أنه يعلم نيتك الشريرة، إنما يود أن يفقدك سلامك الداخلي، ويدفعك نحو الثورة والسخط على الآخرين. بهذا يود سنبلط أن يجعل نحميا خاضعًا له، تحت سلطانه. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ قَائِلًا: لاَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْكَلاَمِ الَّذِي تَقُولُهُ، بَلْ إِنَّمَا أَنْتَ مُخْتَلِقُهُ مِنْ قَلْبِكَ. [8] لم يستخدم نحميا في رده على الرسالة كلمات فيها عجرفة، وإنما دعا ما ورد في الرسالة كذبًا. وأنه ليس لديه الوقت لإضاعته في الرد على اتهامات باطلة. ولعله أرسل رسولًا إلى الملك يبلغه سرًا ولاءه له، مؤكدًا ذلك بطريقة أو أخرى. من أروع سمات نحميا حرصه الشديد على وقته، فالزمن له تقديره الخاص في حياته. ليس لديه وقت للجدال الفارغ والمناقشات الغبية، وحتى في رده على رسالة سنبلط يكتب باختصارٍ شديدٍ مع حكمةٍ. * ليتنا نهتم بأنفسنا بعناية، لأنه من يعيد إلينا هذا الوقت إن أضعناه؟ حتمًا إنه سيأتي الوقت الذي فيه نطلب أن نجد هذه الأيام ولا نجدها. لقد اعتاد الأب أرسانيوس أن يكرر قوله لنفسه: "يا أرسانيوس انظر لماذا تركت العالم؟!" الأب دوروثيؤس * الوقت ليس ملككم! في الوقت الحاضر أنتم غرباء ورحّل وأجنبيون، فلا تطلبوا الكرامات، ولا تبحثوا عن المجد ولا السلطة أو الانتقام، احتملوا كل شيء"مفتدين الوقت".أقول إنني أتصور إنسانًا له بيت عظيم وقد ذهب إليه أناس ليقتلوه، فالتزم بدفع مبلغ كبير ليفدي حياته. هكذا أيضًا أنت لك بيت عظيم وإيمان حقيقي في خزانتك. إنهم يريدون الحضور ليسحبوا هذا كله. أعطهم ما يريدون وإنما احفظ الأمر الرئيسي، أقصد "الإيمان". يقول "لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ"... ما هو شر الجسد؟ المرض! ما هو شر النفس؟ الشر (الخطية)! ما هو شر الماء؟ المرارة. شر كل شيء يناسب طبيعته ويفسده... بنفس الطريقة كما اعتدنا نقول: "قضيت يومًا رديئًا وشريرًا". الأحداث الصالحة التي تتم في اليوم هي من عند الله، أما الشريرة فهي من الناس الأشرار. إذن فالشرور التي تحدث في الأزمنة هي من صنع البشر، لذا قيل إن الأيام شريرة، كما يقال إن الأزمنة شريرة . القديس يوحنا الذهبي الفم قَدِ ارْتَخَتْ أَيْدِيهِمْ عَنِ الْعَمَلِ فَلاَ يُعْمَلُ. فَالآنَ يَا إِلَهِي شَدِّدْ يَدَيَّ. [9] لم تهز الاتهامات قلب نحميا، ولا حطمت نفسيته، فهو يعلم ما في نيته، وما هو الدافع الداخلي لتصرفاته، ألا وهو الطاعة للوصية الإلهية. لهذا استمر في العمل، طالبًا العون الإلهي ليشدد يديه. نُسبت لنحميا اتهامات كاذبة، كما نسبت أيضًا لإرميا اتهامات بطريقة أخرى أنه يثبط همم رجال الجيش، إذ قيل عنه للملك: "لُيقفل هذا الرجل، لأنه بذلك يُضعف أيادي رجال الحرب الباقين في هذه المدينة، وأيادي كل الشعب، إذ يكلمهم بمثل هذا الكلام" (إر 38: 4). اعتاد نحميا في كل المواقف أن يرفع قلبه إلى الله طالبًا تدخله الإلهي. وقد جاء السفر مشحونًا بالصلوات القلبية السريعة والملتهبة بنيران الحب. يا لها من صلاة رائعة! ليتنا نستخدمها دائمًا أينما وجدنا، وفي كل الظروف: "فالآن يا إلهي شدد يدي" [9]. * إننا بالقلب نسأل، بالقلب نطلب، ولصوت القلب ينفتح الباب. * ليس أحد يعينه الله ما لم يصنع هو شيئًا. إنه سيُعان إن صلي . * الأثر الكامل للإيمان هو هذا: يجعلنا نسأل فنأخذ، نطلب فنجد، نقرع فيُفتح لنا. بينما الإنسان الذي يجادل يغلق باب رحمة الله أمام نفسه. القديس أغسطينوس لِنَجْتَمِعْ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ إِلَى وَسَطِ الْهَيْكَلِ، وَنُقْفِلْ أَبْوَابَ الْهَيْكَلِ، لأَنَّهُمْ يَأْتُونَ لِيَقْتُلُوكَ. فِي اللَّيْلِ يَأْتُونَ لِيَقْتُلُوكَ. [10] يبدو أن شمعيا له وسيلة اتصال بالهيكل، فغالبًا ما كان كاهنًا، وربما كان صديقًا لطوبيا العموني. لقد طلب من نحميا أن يجتمع معه في الهيكل في وسط الهيكل، وتُغلق أبواب الهيكل، كأن حياته في خطر مع نحميا، وأنه يفعل هذا من أجل الحفاظ على حياة نحميا. يرى البعض أنه لا يقصد مبنى الهيكل نفسه، وإنما في حرم الهيكل، حيث يمكن اللجوء إليه، فيكون الشخص في أمان. فقد جاء في الأحكام الإلهية من ضرب إنسانًا فمات يُقتل قتلًا، ولكن الذي لم يتعمد بل أوقع الله في يده فأنا أجعل لك مكانًا يهرب إليه (خر 21: 13؛ راجع 1 مل 1: 50-53؛ 2: 28-34؛ 8: 64؛ 2 مل 16: 14). أخطر وسيلة يستخدمها العدو في مقاومتنا هو حث الأصدقاء لتثبيط هممنا عن العمل لحساب ملكوت الله. الخطورة أن الأصدقاء غالبًا ما يكون دافعهم الحب والحنو، ولا يدركون أن الذي يوجههم هو الشيطان. كثيرًا ما يحزن الأصدقاء لعدم قبول مشورتهم من رجال الله المصممين على تنفيذ مشيئة الله. طلب صديقه منه سرًا أن يجتمعا في بيت الله في وسط الهيكل، في الليل حيث غالبًا ما تساعد ظلمة على تنفيذ عمليات الاغتيال. لم يكن نحميا كاهنًا، ولم يكن من حقه أن يدخل إلى وسط الهيكل. لكن صديقه حسب أنه من حقه من أجل الصالح العام وحماية هذا القائد أن يهرب في وسط الهيكل. يا له من خداع خطير، فقد عرف شمعيا عن نحميا أنه رجل صلاة، محب للعبادة، فطلب أن يدخل معه في الهيكل ويغلق عليهما. وكأنه يدعوه للقاء مع الله ليدخل في حوار مع الله والتمتع بالصلاة والخلوة معه، لكن وراء هذا كله أراد أن يرعبه ويبث فيه روح الخوف والهروب من العمل مع الجماعة. حسن جدًا أن نلجأ إلى هيكل الرب ونطلب مشورته وحمايته. لكن الوضع هنا مختلف: 1. من جانب لم يكن نحميا كاهنًا ليحق له الدخول في الهيكل والإقامة فيه (عد 18: 22). 2. لا يليق بالقائد أن يهرب ويختبئ لينجو بحياته، فإن هذا يبعث روح الخوف والرعب وسط العاملين. 3. لم يرفض نحميا هذه المشورة كمن لا يؤمن بأن الله حافظه، إذ هو رجل الصلاة. 4. يليق بالكهنة مساندة نحميا بالصلاة في الهيكل ليعمل الله به، هذا لا يغني عن قيام نحميا نفسه والشعب بالصلاة من أجل العمل. يدعونا الرسول بولس للصلاة من أجل أصحاب السلطة (1 تي 2: 2). فَقُلْتُ: أَرَجُلٌ مِثْلِي يَهْرُبُ؟ وَمَنْ مِثْلِي يَدْخُلُ الْهَيْكَلَ فَيَحْيَا! لاَ أَدْخُلُ. [11] جاءت إجابة نحميا هي الرفض لهذه المشورة، أولًا لأنه لا تنقصه الشجاعة فيهرب، ويبث روح الخوف عند القادة والشعب، إذ يصير مثلًا سيئًا لهم. ثانيًا ليس لدى نحميا الاستعداد لكسر الناموس، واقتحام وسط الهيكل الذي لا يجوز أن يبيت فيه. فَتَحَقَّقْتُ وَهُوَذَا لَمْ يُرْسِلْهُ اللَّهُ، لأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ عَلَيَّ، وَطُوبِيَّا وَسَنْبَلَّطُ قَدِ اسْتَأْجَرَاهُ. [12] تحقق نحميا أن شمعيا لم يُرسل من قبل الله، لأنه قدم مشورة تضاد كلمة الله، ولأنها تدفعه إلى التخلي عن الشجاعة. لأَجْلِ هَذَا قَدِ اسْتُؤْجِرَ لأَخَافَ وَأَفْعَلَ هَكَذَا وَأُخْطِئَ، فَيَكُونَ لَهُمَا خَبَرٌ رَدِيءٌ لِيُعَيِّرَانِي. [13] اذْكُرْ يَا إِلَهِي طُوبِيَّا وَسَنْبَلَّطَ حَسَبَ أَعْمَالِهِمَا هَذِهِ، وَنُوعَدْيَةَ النَّبِيَّةَ وَبَاقِيَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُخِيفُونَنِي. [14] لم يقدم لنا الكتاب المقدس أية معلومات أخرى عن هذه النبية. يرى البعض أنها حتمًا كانت أحدى أعضاء جماعة داخل أورشليم غايتها هدم جهود نحميا. ظهور اسمها يشير إلى أن النساء كن يخدمن في أعمال دينية في فترة الإصلاح، كما وجدت نساء يعملن هكذا في فترة ما قبل السبي (خر 15: 20؛ قض 4: 4؛ إش 8: 3؛ 2 مل 22: 14) . أشار العهد القديم إلى ثلاث نساء أخريات نبيات وهن مريم أخت موسى وهارون (خر 15: 20)، ودبورة (قض 4: 4) وخلدة (2 مل 22: 14؛ 2 أي 34: 22). 2. الانتهاء من أعادة بناء السور وموقف الأعداء وَكَمِلَ السُّورُ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ أَيْلُولَ، فِي اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ يَوْمًا. [15] شهر أيلول يقابل شهر سبتمبر تقريبًا. يرى البعض أن بناء السور تم في 27 أكتوبر عام 445 ق.م. تنبأ دانيال النبي الذي أُخذ إلى السبي في أول دفعة عام 605 عن إعادة بناء السور (دا 9: 25)، وها هي نبوته قد تحققت. لم يكن متوقعًا أن يتم هذا العمل العظيم في هذه المدة القصيرة جدًا، لكن يد الله تعمل المستحيلات، خاصة حينما نعمل معًا بروح جماعية مملوءة حبًا وتعاونًا. وَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ أَعْدَائِنَا، وَرَأَى جَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوَالَيْنَا، سَقَطُوا كَثِيرًا فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ إِلَهِنَا عُمِلَ هَذَا الْعَمَلُ. [16] أخيرًا أكتشف الأعداء أن العمل من قبل الله، وأن ما تحقق لا يمكن أن يتم بهذه الصورة بدون عناية الله الخاصة الفائقة. وقد شعروا بحالة من الإحباط الشديد، ومع هذا لم يتوقفوا عن المقاومة. وَأَيْضًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَكْثَرَ عُظَمَاءُ يَهُوذَا، تَوَارُدَ رَسَائِلِهِمْ عَلَى طُوبِيَّا، وَمِنْ عِنْدِ طُوبِيَّا أَتَتِ الرَّسَائِلُ إِلَيْهِمْ. [17] لقد تم العمل الذي جاء لأجله نحميا، لكن حتى بعد إتمامه وُجدت المتاعب، فقد وُجد من بين عظماء يهوذا الذين تظاهروا بالصداقة لنحميا لكنهم كانوا خونة غادرين، يعملون خفية لحساب طوبيا العموني المقاوم لما فيه خير لأورشليم. * إن كان أحد يحبني وأنا أحبه للغاية، وعلمت أنه قد لحقني نقص بسبب محبته فإني أقطعه مني وأنقطع عنه بالكلية. الأنبا أغاثون مار أفرآم السرياني لأَنَّهُ صِهْرُ شَكَنْيَا بْنِ آرَحَ وَيَهُوحَانَانُ ابْنُهُ أَخَذَ بِنْتَ مَشُلاَّمَ بْنِ بَرَخْيَا. [18] هنا صورة عملية واقعية لخطورة الزواج المختلط بين المؤمنين وغير المؤمنين. وَكَانُوا أَيْضًا يُخْبِرُونَ أَمَامِي بِحَسَنَاتِهِ، وَكَانُوا يُبَلِّغُونَ كَلاَمِي إِلَيْهِ. وَأَرْسَلَ طُوبِيَّا رَسَائِلَ لِيُخَوِّفَنِي. [19] يستخدم العدو أحيانًا العاملين معنا، وأصحاب المراكز لتقديم صورة طيبة عن العدو الخبيث وإظهار أننا نخطئ في حكمنا على تصرفات العدو. من وحي نح 6 لتقدس كل ثانية من ثواني حياتي! * إلهي، من يلتصق بك ينعم بالشركة في سمائك. أنت تعمل وتبقى تعمل لبنيان خليقتك. هب لي أن أعمل ولا أتوقف قط! لأعمل بك ومن أجلك لحساب ملكوتك! * هب لي أن تقدس كل لحظات عمري! فلا يفسد العدو ثانية من ثواني حياتي! عوض المناقشات الغبية والجدال الباطل، يرتفع قلبي للحديث معك! * تعهد لي أن أعمل لحساب ملكوتك. لأصرخ مع نحميا قائلًا: إني أنا عامل عملًا عظيمًا، فلا أقدر أن أنزل. لماذا يبطل العمل، بينما أتركه وأنزل إلى حوارٍ باطلٍ. من يلتصق بك يصعد على الدوام. يرتفع من مجدٍ إلى مجدٍ. ولا ينحدر وينزل إلى أسفل! لتكن حياتي كلها مصاعد لا تتوقف. تصعد أفكاري وكلماتي وتصرفاتي رائحة بخور قدامك. * هب لي يا رب الحكمة من عندك. فعدو الخير لن يكف عن أن يخطط ويخدع. تحت ستار الصلاة إليك يود أن يبطل عملي معك. وتحت ستار الاحتماء في بيتك، يود أن يبث فيَّ روح الخوف والقلق. هب لي روح الحكمة والتمييز! * لست أحرص على ثواني عمري، لأن عمري مقصر فحسب، وإنما لأن حياتي كلها هي عطيتك. إن عشت فلك أعيش، وإن مت فلك أموت. كل ثواني عمري هي ملكك يا حبيب نفسي! |
||||
13 - 10 - 2022, 01:16 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
حراسة مشددة في الأصحاح السابق رأينا العمل الخارجي، وقد كمل في اثنين وخمسين يومًا بناء السور، وأقيمت الأبواب. لكن نحميا القائد الحي لا تشغله المباني في ذاتها، إنما فيمن يقيمون فيها ويستخدمونها. شعر بالحاجة إلى تجديد روحي، وإحياء للقادة كما للشعب. لكي يتحقق التجديد الروحي نحتاج إلى إدراك أبعاد المشكلة، فالسور أُقيم، لكن الحاجة إلى قلوب مرتبطة بالرب. ليس من يهب هذا التجديد، غير الله الخالق نفسه. لذا التجأ نحميا ومن معه إليه برجوع الشعب كله بالتوبة إليه مستعينين بالصلاة وقراءة كلمة الله. تحدث هذا الأصحاح في ثلاثة أمور: 1. بالرغم من الانتهاء من بناء السور، كان يلزم إقامة حراسة مشددة. كان نحميا إنسانًا واقعيًا، يدبر الأمور بحكمة فائقة. يبدو من الآية [1] أن القادة المسئولين عن حراسة الهيكل صاروا أيضًا مسئولين عن حراسة الأبواب، إذ لم يكونوا يعملون في الحقول كسائر الشعب، ولم يكن يوجد جيش بالبلد. 2. جاءت القوائم الخاصة بالأنساب في هذا الأصحاح (7: 5-73) تكاد تكون هي التي وردت في (عز 2). راجع نحميا قوائم الأنساب للتأكد أن سكان المدينة جنس نقي. 3. بعد أيام قليلة من إتمام بناء السور في 25 من الشهر السادس (6: 15) اجتمع الشعب لتكريس أنفسهم لله. هنا يظهر عزرا مرة أخرى كمفسرٍ للناموس (نح 8: 1)، وإن كان لاويون آخرون ارتبطوا به في هذا العمل (7: 7؛ تث 31: 9-13). تضمن الشهر السابع يوم الكفارة في العاشر من الشهر، وعيد المظال مبتدأ باليوم الخامس عشر. هذا الشهر سبق أن أُختير لإعداد المذبح (عز 3: 1). الآن اختير لقراءة الناموس وشرحه (8: 1). ربما كانت النسخ الموجودة في أيدي اللاويين وحدهم، أما الشعب فكانوا يتعلمون شفاهًا. كثير من العبارات كانت تتكرر لكي ما يتمكن السامعون من حفظها عن ظهر قلب. كان التركيز بالأكثر على ما ورد في الناموس من تحذيرات حتى اقتنع الشعب بالبكاء (8: 9). لقد عرف نحميا وعزرا أن البكاء يناسب يوم الكفارة، أما اليوم الأول من الشهر السابع فكان يومًا خاصًا (لا 23: 23-25)، وقد أرادا أن يكون يومًا للفرح وتقديم الشكر من أجل إتمام بناء السور (8: 10-12). في اليوم التالي أعلن عزرا للقادة أنه يلزم الاحتفال بعيد المظال في اليوم الرابع عشر (8: 13). وإذ حلّ اليوم، كان الشعب مستعدًا بالأغصان تذكارًا للعبور بسلامٍ في البرية قبل إقامة بيوت لهم في ارض الموعد (لا 23: 34). 1. حراسة مشددة متهللة على السور وَلَمَّا بُنِيَ السُّورُ، وَأَقَمْتُ الْمَصَارِيعَ، وَتَرَتَّبَ الْبَوَّابُونَ وَالْمُغَنُّونَ وَاللاَّوِيُّون [1] البوابون أو الحراس، أُشير إليهم 13 مرة في سفري عزرا ونحميا، و19 مرة في أخبار الأيام. ُينظر إليهم كاللاويين (1 أي 9: 26؛ 2 أي 8: 14؛ 23: 4؛ نح 12: 25؛ 13: 22)، وأحيانًا كأنهم مختلفون عنهم (2 أي 35: 51). أحيانًا يكون عددهم كبيرًا، فيبلغ الأربعة آلاف (1 أي 23: 5). عملهم الرئيسي هو مراقبة أبواب الهيكل (1 صم 3: 15؛ 1 أي 9: 17-32)، وإن كان يتوقع منهم القيام بأعمال أخرى وضيعة (2 أي 31: 4). اشتهى المرتل أن يكون بوابًا في بيت الرب عن أن يسكن في خيام الأشرار (مز 84: 10). بناء السور وإقامة الأبواب ليست هدفًا في ذاته، إنما ما يشغله أن ترجع أورشليم إلى الرب، فتُحصن من الأعداء المقاومين، وتعود مدينة الرب إلى العبادة لله. فماذا فعل نحميا؟ أول عمل هو تشغيل الطاقات البشرية لتحقيق الهدف، مثل ترتيب البوابين والمسبحين لله واللاويين لخدمة الهيكل. يقوم البوابون بالحراسة، ويمارس المغنون عمل التسبيح والترنيم لله، ولإيجاد جو شبه سماوي مفرح، ويقوم اللاويون بخدمة هيكل الرب. وكأن الكل يعمل معًا: العمل المدني مع العمل الروحي في جو بهيج ملائكي. أَقَمْتُ حَنَانِيَ أَخِي وَحَنَنْيَا رَئِيسَ الْقَصْرِ عَلَى أُورُشَلِيمَ، لأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا أَمِينًا يَخَافُ اللَّهَ أَكْثَرَ مِنْ كَثِيرِينَ. [2] حناني: أول من قدم معلومات لنحميا عن الخراب الذي حلّ بأورشليم وسورها وأبوابها (1: 2). حننيا: اتسم بمخافة الرب والتقوى (4: 8؛ 9: 15). بدأ نحميا بإقامة قادة روحيين فيهم مخافة الرب، حتى تكون القيادة سليمة والقرارات تتناغم مع إرادة الله المقدسة وتعتمد عليه. اختار نحميا أناسًا أمناء في الرب، وكما يقول الرسول بولس: "ثم يُسأل في الوكلاء لكي يُوجد الإنسان أمينًا" (1 كو 4:2). يلزم الاهتمام بالمراكز القيادية، فلا يُعين أو يُختار فيها من يخاف الناس، فيحابي العظماء أو أصحاب السلطة، فإن مخافة الناس هي شرك خطير ومصيدة النفس، أما مخافة الرب فهي مصدر الحكمة والمعرفة والشجاعة والدالة لدى الرب. سمتان هامتان في اختيار القادة وهما الأمانة والتقوى في الرب. فعل هذا لكي لا يحدث أي نوع من الخيانة، أثناء غيابه في فارس. إن كان قد اهتم ببناء السور، فأورشليم تحتاج إلى أسوار بشرية مقدسة. وكما قيل: "على أسوارك يا أورشليم أقمت حراسًا، لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام" (إش 62: 2). وَقُلْتُ لَهُمَا: لاَ تُفْتَحْ أَبْوَابُ أُورُشَلِيمَ حَتَّى تَحْمَى الشَّمْسُ. وَمَا دَامُوا وُقُوفًا فَلْيُغْلِقُوا الْمَصَارِيعَ وَيُقْفِلُوهَا. وَأُقِيمَ حِرَاسَاتٌ مِنْ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِرَاسَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ بَيْتِهِ. [3] بعد اختيار القادة وتشغيل الطاقات البشرية، اهتم نحميا بحماية المدينة وحراستها، لئلا يُهدم كل ما قد بُني. كانت العادة أن تفتح أبواب المدينة عند شروق الشمس حتى يستطيع التجار الدخول، وإقامة خيامهم وقت استيقاظ الشعب. وقد خشي نحميا أن يقتحم الأعداء المدينة في هذه الفترة قبل استيقاظ الشعب واستعادته حيويته وقدرته على المقاومة. قيام نحميا بتدبير الحراسة المشددة والمتسمة بالفرح والتهليل كما بروح العبادة، حيث وجد مع البوابين المغنون واللاويون، لا يعني عدم الاتكال على حراسة الرب ورعايته. فالله لا يأمرنا بالكسل والإهمال، إنما إذ نفعل ما يلزمنا نتغنى مع المرتل قائلين: "إن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا يتعب الحراس" (مز 127: 1). * إن أردنا أن يحرسنا الله الذي تواضع من أجلنا وتمجَّد لكي يحفظنا. فلنتَّواضع نحن أيضًا. فلا يحسب أحد أنه شيء، فإنَّه ليس لأحدٍ شيء صالح ما لم يكن قد أخذه من الله الذي هو وحده صالح. القديس أغسطينوس * الذين يؤمنون أن الأمور البشرية تقودها العناية الإلهية لا ينسبون شيئًا تحقق بواسطة البشر إلى مجهودهم الذاتي. "إن لم يبن الرب البيت باطلًا يتعب البناءون. وإن لم يحرس الرب المدينة باطلًا يتعب الحراس" (مز 127: 1). إنه لا يقول إنه لا يجوز لأحدٍ أن يبني، أو لأي أحدٍ أن يحرس المدينة، بل يليق بهذا أن يتذكر بأنه إن لم يعطِ الله نجاحًا للمجهود المبذول فإن كلًا من المجهود والذين يصارعون لأجله يصيرون بلا نجاحٍ. إنه من جانبنا لنا أن نبدأ، ولكن من جانب الله أن يهب النجاح. نحن نبدأ نبني البيت، والله يعيننا ويكمل العمل. نحن نحرس مدينتنا، ونراعي القرار بأن نحرسها، لكن الله هو الذي يحفظها دون أن تُدمر أو تهزم من المعتدين عليها. هذا عبَّر عنه الأمثال: "فوق كل تحفظ احفظ قلبك" (أم 4: 23). مع هذا فإنك وإن كنت بنفسك تحفظ قلبك بك احتراسٍ، لكنك تقول لله: "أنت أيها الرب تحرسنا وتحفظنا" . هذا الفكر يؤكده بولس إذ يقول: "فإن ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى، بل لله الذي يرحم" (رو 9: 16). إنه لا يمنع الركوض نحو تحقيق أهدافنا في السعي وأن ترغب فيها، وإنما يمنعنا من أن نظن أننا نبلغها بمجهودنا الذاتي. كثيرون من الذين كان لهم هذا التوقع وجدوا غير ناجحين في جهودهم . القديس ديديموس الضرير * ليس في قدرة نفس بشريّة أن تحفظ أمورًا عظيمة كهذه؛ لماذا؟ لأنه يوجد لصوص كثيرون يتربصون لها، وظلمة كثيفة، وشيطان على الأبواب يدبر خططًا ضدها! كيف إذن يمكننا أن نحفظها؟ بالروح القدس؛ بمعنى إن كان الروح ساكنًا فينا، إن كنا لا نطرد النعمة يقف (الله) معنا. فإنه "إن لم يبن الرب البيت فباطلًا يتعب البناءون، وإن لم يحرس الرب المدينة فباطلًا يسهر الحراس" (مز 127: 1). هذا هو حصننا، هذه هي قلعتنا هذا هو ملجأنا! إن كان الروح ساكنًا فينا وهو حارسنا، فما الحاجة للوصية؟ لكي نتمسك بالروح ولا نجعله يهجرنا . القديس يوحنا الذهبي الفم يرى الحكيم سليمان في كلمة الله قوة إلهية لحراسة النفس البشرية، بل حراسة المؤمن ككلٍ، بكونه بناء الله، لذا يسألنا أن نلتصق بالوصية على الدوام."يا ابني احفظ وصايا أبيك، ولا تترك شريعة أمك. اربطها على قلبك دائمًا. قلِّد بها عُنقك. إذا ذهبت تهديك، إذا نمتَ تحرسك، وإذا استيقظت فهي تُحدثك" (أم 6: 20-22). 2. إحصاء الشعب والقادة وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ وَاسِعَةَ الْجَنَابِ وَعَظِيمَةً، وَالشَّعْبُ قَلِيلًا فِي وَسَطِهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْبُيُوتُ قَدْ بُنِيَتْ. [4] لا يتوقف العمل الروحي مادمنا في الجسد، حتى النفس الأخير. فلا يكفي بناء السور لتحصين المدينة، إنما يلزم إقامة حراسة مشددة متيقظة. فإن التهاون في حراسة ما اقتنياه أو تمتعنا به يفقدنا ما نلناه. كانت أورشليم تعاني من قلة سكانها. في القائمة التي بين أيدينا نجد التعداد في البداية سُجل حسب العائلات أو أماكن السكن مع قائمة للعاملين الدينيين وأيضًا مجموعة لم يكن ممكنًا التعرف على أسلافهم. كما تقدم قائمة بتبرعات هؤلاء الناس. اهتم نحميا بإعادة بناء سور أورشليم بالحجارة، الآن يهتم بإعادة بناء أورشليم نفسها بالحجارة الحية شعب الله. اهتم عزرا بإصلاح المذبح كمركز لعبادة إسرائيل، الآن نجد قائمة بالذين يقودون شعب الله للعبادة. أخيرًا فإن سرّ حياة هذا الشعب هو كلمة الله واهبة الحياة، لهذا اهتم نحميا بالشريعة (نح 8). كانت مدينة أورشليم تسع حوالي نصف مليون شخصًا، والذين جاءوا إليها مع زربابل هم أقل من 50 ألفًا، وربما لم يكن يوجد أحد غيرهم فيها بسبب تدميرها عند السبي، وكانت الأسباط التي بقيت من السبي حول المدينة. يرى آدم كلارك أن المدينة لم تكن بعد قد بُنيت، إنما بُني صف من المنازل ملاصق للسور، أما وسط المدينة فخراب غير آهل بالسكان . يبدو أن كثيرين كانوا يسكنون أثناء بناء الهيكل في أماكن مؤقتة بدائية سواء من الخشب أو من حجارة غير ثابتة وغير ملتصقة معًا بملاطٍ. كانت أورشليم محط أنظار الأعداء المحيطين بها، أناس مدربين على المعارك والتدمير، بإمكانيات كثيرة، مع تصميم على بقاء المدينة خرابًا. ماذا يمكن أن تفعل الأعداد القليلة في أورشليم أمام مقاومة شرسة عنيفة وكثيرة؟! الإحصاء كإعداد للشعب للتجديد الروحي ليس هدف هذه القائمة الطويلة للأسماء هو إحصاء عدد الشعب لمعرفة إجمالي الرقم، وإنما إظهار الحاجة إلى التعرف على شعب الله ليكون لكل منهم دوره في العمل. قد يشعر البعض بنوعٍ من الملل من سلاسل الأنساب الواردة في الكتاب المقدس، لكن من يدخل إلى العمق يجد فيها لذة لاهتمام الله بكل أحدٍ، وبحث الإنسان عن موضعه في هذه الأنساب كأنساب الله. فَأَلْهَمَنِي إِلَهِي أَنْ أَجْمَعَ الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ وَالشَّعْبَ لأَجْلِ الاِنْتِسَابِ. فَوَجَدْتُ سِفْرَ انْتِسَابِ الَّذِينَ صَعِدُوا أَوَّلًا، وَوَجَدْتُ مَكْتُوبًا فِيهِ: [5] ما أروع كلماته: "فألهمني إلهي"، فإن ما يحركه هو حديث الله معه في أعماق قلبه وفكره! لم يتم عمل للإحصاء عن فكرةٍ طارئةٍ في ذهن نحمًيا، ولا عن حماسٍ بشري، إنما بإلهام إلهي، إذ وضع الله ذلك في قلبه. من المحتمل أن نحميا استخدم سجل عزرا الذي كان محفوظًا في خزانة الهيكل، وقام بتعديله حسبما حدث خلال الفترة ما بين مجيء عزرا ومجيء نحميا وبناء الأسوار. يوجد اختلاف بين القائمة الواردة هنا وتلك التي وردت في عزرا 2، ولعل السبب في هذا الاختلاف أن قائمة عزرا وُضعت حين اجتمع الشعب في بابليون للعودة. أما نحميا فسجل قائمة في أورشليم بعد إعادة بناء سور أورشليم. ربما كثيرون غيروا رأيهم سواء بالتراجع عن قرارهم بالعودة، أو قبول البعض العودة، هذا ومات البعض في هذه الفترة التي تبلغ حوالي 13 سنة. من هم القادة المذكورون هنا؟ 1. الكهنة [39]. 2.اللاويون [43]. 3. المغنون [44]: قائمة طويلة بهم. 4. البوابون أو حرس الأبواب [45]. 5. النثينيم (عز 8: 20) معناها "المكرسون":، وهم مساعدو اللاويين. ذكر الأنساب بالتفصيل يؤكد حقيقة هامة وهي أن كنيسة الله تضم المؤمنين الحقيقيين الذين لهم شركة حيَّة مع الله، والعاملين لحساب ملكوت الله سواء بالكرازة أو بالشهادة خلال القدوة. أخيرا فإن غاية هذا الإحصاء الإعداد لتمتع الجميع بكلمة الله واهبة الحياة كقول السيد المسيح: "كلامي روح وحياة". أ. العائلات [6-25] جاءت أسماء هذه الأسر هي تقريبًا بعينها كما وردت في عزرا 2: 1-70، وقد سبق أن ذكرنا لماذا حدث بعض الاختلافات بين قائمة عزرا وقائمة نحميا. هَؤُلاَءِ هُمْ بَنُو الْكُورَةِ الصَّاعِدُونَ مِنْ سَبْيِ الْمَسْبِيِّينَ، الَّذِينَ سَبَاهُمْ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ، وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. [6] الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ زَرُبَّابَلَ: يَشُوعُ نَحَمْيَا عَزَرْيَا رَعَمْيَا نَحَمَانِي مُرْدَخَايُ بِلْشَانُ مِسْفَارَثُ بِغْوَايُ نَحُومُ وَبَعْنَةُ. عَدَدُ رِجَالِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. [7] بَنُو فَرْعُوشَ أَلْفَانِ وَمِئَةٌ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ. [8] بَنُو شَفَطْيَا ثَلاَثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ. [9] بَنُو آرَحَ سِتُّ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ. [10] بَنُو فَحَثَ مُوآبَ مِنْ بَنِي يَشُوعَ وَيُوآب أَلْفَانِ وَثَمَانُ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ. [11] بَنُو عِيلاَمَ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ. [12] بَنُو زَتُّو ثَمَانُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ. [13] بَنُو زَكَّايَ سَبْعُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ. [14] بَنُو بَنُّويَ سِتُّ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ. [15] بَنُو بَابَايَ سِتُّ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. [16] بَنُو عَزْجَدَ أَلْفَانِ وَثَلاَثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ. [17] بَنُو أَدُونِيقَامَ سِتُّ مِئَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسِتُّونَ. [18] بَنُو بِغْوَايَ أَلْفَانِ وَسَبْعَةٌ وَسِتُّونَ. [19] بَنُو عَادِينَ سِتُّ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ. [20] بَنُو أَطِّيرَ لِحَزَقِيَّا ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ. [21] بَنُو حَشُومَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. [22] بَنُو بِيصَايَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. [23] بَنُو حَارِيفَ مِئَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ. [24] بَنُو جِبْعُونَ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ. [25] ب. الفلاحون [26-38] يوجد اختلاف في العدد بين القائمة الواردة هنا وتلك الواردة في عزرا 2: 21-35. رِجَالُ بَيْتَ لَحْمَ وَنَطُوفَةَ مِئَةٌ وَثَمَانيَةٌ وَثَمَانُونَ. [26] رِجَالُ عَنَاثُوثَ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. [27] رِجَالُ بَيْتِ عَزْمُوتَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ. [28] رِجَالُ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ كَفِيرَةَ وَبَئِيرُوتَ سَبْعُ مِئَةٍ وَثَلاَثةٌ وَأَرْبَعُونَ. [29] رِجَالُ الرَّامَةِ وَجَبَعَ سِتُّ مِئَةٍ وَوَاحِدٌ وَعِشْرُونَ. [30] رِجَالُ مِخْمَاسَ مِئَةٌ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ. [31] رِجَالُ بَيْتِ إِيلَ وعَايَ مِئَةٌ وَثَلاَثةٌ وَعِشْرُونَ. [32] رِجَالُ نَبُو الأُخْرَى اثْنَانِ وَخَمْسُونَ. [33] بَنُو عِيلاَمَ الآخَرِ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ. [34] بَنُو حَارِيمَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَعِشْرُونَ. [35] بَنُو أَرِيحَا ثَلاَثُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ. [36] بَنُو لُودَ بَنُو حَادِيدَ وَأُونُو سَبْعُ مِئَةٍ وَوَاحِدٌ وَعِشْرُونَ. [37] بَنُو سَنَاءَةَ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَتِسْعُ مِئَةٍ وَثَلاَثُونَ. [38] ج. الكهنة [39-42] تكاد تكون بعينها ما ورد في عزرا 2: 36-69. أَمَّا الْكَهَنَةَ فَبَنُو يَدْعِيَا مِنْ بَيْتِ يَشُوعَ تِسْعُ مِئَةٍ وَثَلاَثَةٌ وَسَبْعُونَ. [39] واضح أن الذين رجعوا من الكهنة إلى أورشليم أربع فرق فقط، ليس من بينهم فرقة أبيا المذكورة في لوقا1: 5. لكن هذه الفرق انقسمت فيما بعد إلى 24 فرقة كما سبق فأقام داود ذلك. بَنُو إِمِّيرَ أَلْفٌ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ. [40] بَنُو فَشْحُورَ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ. [41] بَنُو حَارِيمَ أَلْفٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ. [42] د. اللاويون [43] إذ كان عزرا في طريقه لترك المصيصة (مسبوتاميا Mesopotamia) لم يجد لاويًا واحدًا في الجماعة، فأجَّل رحيله حتى يجد من يضمه من اللاويين (عز 8: 15-20). أَمَّا اللاَّوِيُّونَ فَبَنُو يَشُوعَ لِقَدْمِيئِيلَ مِنْ بَنِي هُودُويَا أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ. [43] هـ. العاملون في الهيكل [44-60] تقابل القائمة الواردة في عزرا 21: 41-58. اَلْمُغَنُّونَ بَنُو آسَافَ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ. [44] اَلْبَوَّابُونَ بَنُو شَلُّومَ بَنُو أَطِيرَ بَنُو طَلْمُونَ بَنُو عَقُّوبَ بَنُو حَطِيطَا بَنُو شُوبَايَ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُونَ. [45] اَلنَّثِينِيمُ بَنُو صِيحَا بَنُو حَسُوفَا بَنُو طَبَاعُوتَ [46] بَنُو قِيرُوسَ بَنُو سِيعَا بَنُو فَادُونَ [47] وَبَنُو لَبَانَةَ وَبَنُو حَجَابَا بَنُو سَلْمَاي [48] بَنُو حَانَانَ بَنُو جَدِيلَ بَنُو جَاحَرَ [49] بَنُو رَآيَا بَنُو رَصِينَ وَبَنُو نَقُودَا [50] بَنُو جَزَامَ بَنُو عَزَا بَنُو فَاسِيحَ [51] بَنُو بِيسَايَ بَنُو مَعُونِيمَ بَنُو نَفِيشَسِيمَ [52] بَنُو بَقْبُوقَ بَنُو حَقُوفَا بَنُو حَرْحُورَ [53] بَنُو بَصْلِيتَ بَنُو مَحِيدَا بَنُو حَرْشَا [54] بَنُو بَرْقُوسَ بَنُو سِيسَرَا بَنُو تَامَحَ [55] بَنُو نَصِيحَ بَنُو حَطِيفَا. [56] بَنُو عَبِيدِ سُلَيْمَانَ بَنُو سُوطَايَ بَنُو سُوفَرَثَ بَنُو فَرِيدَا [57] بَنُو يَعْلاَ بَنُو دَرْقُونَ بَنُو جَدِّيلَ [58] نُو شَفَطْيَا بَنُو حَطِّيلَ بَنُو فُوخَرَةِ الظِّبَاءِ بَنُو آمُونَ. [59ب] كُلُّ النَّثِينِيمِ وَبَنِي عَبِيدِ سُلَيْمَانَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَتِسْعُونَ. [60] و. أفراد لم يمكن وجود نسب لهم [61-65] وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ صَعِدُوا مِنْ تَلِّ مِلْحٍ وَتَلِّ حَرْشَا كَرُوبُ وَأَدُونُ وَإِمِّيرُ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُبَيِّنُوا بُيُوتَ آبَائِهِمْ وَنَسْلَهُمْ هَلْ هُمْ مِنْ إِسْرَائِيلَ. [61] كان اليهودي يهتم جدًا بسجل الأنساب حتى يمكنه إثبات أنه من نسل إبراهيم، ينتسب لشعب الله. فقدان السجلات يعرض اليهودي للخطر. بَنُو دَلاَيَا بَنُو طُوبِيَّا بَنُو نَقُودَا سِتُّ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ. [62] وَمِنَ الْكَهَنَةِ: بَنُو حَبَابَا بَنُو هَقُّوصَ بَنُو بَرْزِلاَّيَ الَّذِي أَخَذَ أمْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ بَرْزِلاَّيَ الْجِلْعَادِيِّ وَتَسَمَّى بِاسْمِهِمْ. [63] هَؤُلاَءِ فَحَصُوا عَنْ كِتَابَةِ أَنْسَابِهِمْ فَلَمْ تُوجَدْ فَرُذِلُوا مِنَ الْكَهَنُوتِ. [64] وَقَالَ لَهُمُ التَّرْشَاثَا أَنْ لاَ يَأْكُلُوا مِنْ قُدْسِ الأَقْدَاسِ حَتَّى يَقُومَ كَاهِنٌ لِلأُورِيمِ وَالتُّمِّيمِ. [65] الترشاثا: لقب الحاكم الفارسي ليهوذا. يرى Gesenius أن الكلمة مشتقة من Torsh الفارسية، ومعناها "صارم". فاللقب يعني "صرامتكم" أو "مهابتكم". يوجد تعبير إنجليزي يعادل هذا اللقب تقريبًا "العاهل الكلي المهابة" Most Dread Sovereign. كان استخدام الأوريم والتميم الذي على صدر رئيس الكهنة وسيلة لمعرفة إرادة الله (خر 28: 30-31). ز. المجموع الكلى [66-69] يقابل ما ورد في عزرا 2: 64-67، جاء قائمة عزرا 2: 65 أن المغنين والمغنيات 200 وهنا 245. كُلُّ الْجُمْهُورِ مَعًا أَرْبَعُ رَبَوَاتٍ وَأَلْفَانِ وَثَلاَثُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ. [66] فَضْلًا عَنْ عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمِ الَّذِينَ كَانُوا سَبْعَةَ آلاَفٍ وَثَلاَثَ مِئَةٍ وَسَبْعَةً وَثَلاَثِينَ. وَلَهُمْ مِنَ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ مِئَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ. [67] وَخَيْلُهُمْ سَبْعُ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلاَثُونَ وَبِغَالُهُمْ مِئَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ [68] وَالْجِمَالُ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَلاَثُونَ وَالْحَمِيرُ سِتَّةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ وَعِشْرُونَ. [69] هنا انتهت القائمة الخاصة بالإحصائية، ليبدأ بالحديث عن التبرعات. وَالْبَعْضُ مِنْ رُؤُوسِ الآبَاءِ أَعْطُوا لِلْعَمَلِ. التَّرْشَاثَا أَعْطَى لِلْخَزِينَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ وَخَمْسِينَ مِنْضَحَةً وَخَمْسَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ قَمِيصًا لِلْكَهَنَةِ. [70] تقدمات للعمل: الدراهم Drachmas كانت عملة يونانية تزن 3 على 10 من الأوقية. الألف درهم تزن حوالي 19 رطلًا. لما كانت الدراهم عمله فضية في العادة، فإن الكلمة اليونانية هنا تشير إلى دراهم فارسية. وَالْبَعْضُ مِنْ رُؤُوسِ الآبَاءِ أَعْطُوا لِخَزِينَةِ الْعَمَلِ رَبْوَتَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ، وَأَلْفَيْنِ وَمِئَتَيْ مَنًا مِنَ الْفِضَّةِ. [71] الربوتان من الذهب، أو 20,000 درهم تزن حوالي 375 رطلًا. والألفان ومائتان منًا حوالي 2550 رطلًا، والألفان منًا حوالي 2500 رطلًا. وَمَا أَعْطَاهُ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ سِتَّ رَبَوَاتٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَأَلْفَيْ مَنًا مِنَ الْفِضَّةِ وَسَبْعَةً وَسِتِّينَ قَمِيصًا لِلْكَهَنَةِ. [72] وَأَقَامَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَالْبَوَّابُونَ وَالْمُغَنُّونَ، وَبَعْضُ الشَّعْبِ وَالنَّثِينِيمُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ. وَلَمَّا اسْتُهِلَّ الشَّهْرُ السَّابِعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمِ. [73] كثير من الراجعين من السبي لم يكونوا من أورشليم، هؤلاء ذهبوا إلى مدنهم وتركوا أورشليم. انتهى بناء السور في الشهر السادس، واستلزم فحص السجلات شهرًا. فقد تم الفحص بدقة حتى لا يتهم أحد الحاكم بالمحاباة. من وحي نح 7 كن لي حارسًا * إلهي ومخلصي إني مدين لك بحياتي. أقمتني من العدم، وفديتني بالدم الثمين، وتجددني بروحك القدوس، وتقيم مني هيكلًا مقدسًا. * من يحفظ هذا البناء المقدس سواك؟ من يحميني من سهام العدو الشرير؟ من يحوط حولي من ضربات الخطية. أنت هو حارسي، حافظي وحصن حياتي! * أقام نحميا مع البوابين مغنين، حتى يسود روح التهليل عوض الخوف. وتتحول الحراسة إلى جوٍ سماويٍ! من يهبني روح الفرح الحقيقي سواك؟ من يرفع قلبي إلى السماء إلا روحك القدوس. * وصيتك خير حافظ لنفسي. تهبني القوة والحماية، تسكب عذوبة في نفسي! * اهتم نحميا بإحصاء شعبك مع القادة. لكي يعمل الكل لحساب ملكوتك. ويتمتع الكل بالشركة في العمل الروحي. ولا يُحرم أحد من المجد الأبدي. * سجل نحميا قائمة بالتبرعات. ماذا لي لأقدمه لحساب ملكوتك؟ تنتظر مني كأس ماء بارد، فأجد دالة ولا يضيع أجري. بحبك تطلب مني وأنت خالق السماء والأرض. حتى أسمع من فمك الإلهي: كنت أمينًا في القليل، فأقيمك على الكثير! _____ |
||||
21 - 10 - 2022, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
نحميا 8 - تفسير سفر نحميا بناء الشعب بناء الشعب الآن نبدأ قسمًا جديدًا في هذا السفر، حيث يجتمع الكل لسماع كلمة الله والتمتع بتفسيرها. هنا يظهر عزرا على المسرح. ربما كان غائبًا في الفترة السابقة أثناء القيام بإعادة بناء السور في بابل. ولعله لم يكن له دور في العمل السابق لسببٍ أو آخر، والآن يظهر ليعلن تعاونه مع نحميا بتقديم ما يتناسب مع مواهبه ومسؤولياته. غالبًا ما بدأ الاجتماع العام باستماع الكل معًا بروح واحدة لكلمة الله. وبعد ذلك تكونت مجموعات، وقام بعض اللاويين الذين تتلمذوا على يدي عزرا على شرح ما سمعوه. إنه يوم الحزن على الخطايا التي ارتكبها الشعب، وفي نفس الوقت هو يوم تعزيات الله خلال كلمته، حيث تنفتح أبواب الرجاء قدام الجميع. لقد طغى الفرح على الحزن، فقد تحقق عمليًا القول: "طُوبَى للحزانَى، لأنهم يتعزون". في اليوم التالي انعقد اجتماع أصغر حضره الولاة، جاءوا ليفهموا الشريعة، ويمارسوها ويحتفلوا بعيد المظال. اهتم كل من عزرا ونحميا بإعادة بناء أورشليم؛ الأول قام بالأكثر بإصلاح الهيكل والثاني بإعادة بناء السور، وكان كل منهما قائدًا له عمله، ووُجد بينهما فاصل زمني. أما في بناء الشعب، فنراهما يتلاقيان معًا هنا في هذا القسم. فبناء الشعب يحتاج إلى عزرا الكاهن والكاتب، ويحتاج إلى نحميا الحاكم الروحي المملوء غيرة في حبٍ وحزمٍ. كلاهما، عزرا ونحميا، حاضران، عزرا في الأصحاح الثامن ونحميا في الأصحاحات 11-13. وفي نهاية القائمة الخاصة بأسماء الكهنة، جاء الاسمان معًا: "وفي أيام نحميا الوالي وعزرا الكاهن الكاتب" (12: 26). في هذا القسم نلمس أن الإصلاحات أو إعادة بناء الشعب نفسه تقوم على المبادئ التالية : 1. كلمة الله التي كانت سرّ حياة الشعب هي بعينها لا تتغير، ترد الشعب إلى الحياة المقدسة. الشريعة الإلهية هي عماد الإصلاح. كلمة الله بالفهم الروحي اللائق بها هي الأساس للإصلاح في كل الأجيال، لكن ليس في حرفيةٍ جامدةٍ، بل بالروح والحق. 2. تكشف صلاة الجماعة عن العلاقة مع الله، والتي تستند على معاملات الله مع الشعب في الماضي. فالحاضر لا وجود له بدون الماضي، والماضي لا حياة فيه ما لم يُترجم عمليًا في الحاضر. 3. لا يخص البناء فئة دون أخرى، إنما يمس القادة والشعب؛ الرجال والنساء والأطفال. 4. يقوم الإصلاح على العبادة المقدسة التي لها نظامها وطقسها، لكن بروح الفرح والتهليل. "فرح الرب هو قوتكم" (8: 10). 5. لم يُختم سفر نحميا بإعادة بناء السور، بل بإصلاح الشعب، فالسور ليس هدفًا في ذاته، إنما يحتضن الجماعة لتمارس شركتها مع الله، وتختبر العبادة الروحية. 6. العبادة الحقيقية ديناميكية، هي تقدم مستمر لا تنحصر في الحجارة، بل في القلوب المتسعة بالحب لإقامة ملكوت الله فيها. 7. البناء ليس قصة تاريخية مضت مع الزمن، بل هو عمل دائم لا يتوقف. * اهتموا في أن تجتمعوا بكثافة أكثر لتقديم الشكر والمجد لله، فعندما تجتمعون مرارًا معًا في الاجتماع الإفخارستي، تضمحلّ قوَى الشيطان، وتنحل قوّته أمام اتفاق إيمانكم وتآلفه . * لا يخدعن أحد نفسه، فإذا كان الإنسان خارج الهيكل يُحرم من خبز الله... ومن لا يأتي إلى الاجتماع معًا يتكبر ويقطع نفسه عن الشركة . * من كان داخل المذبح فهو نقي، وأما من كان خارج المذبح فهو ليس نقيًا . القدِّيس أغناطيوس الثيوفورس الاهتمام بالشريعة الشعب يطلب القراءة في الكتاب المقدس لم نسمع عن اجتماع للشعب معًا للاستماع إلى كلمة الله منذ جاء عزرا، فقد تأخر هذا الأمر حوالي 13 عامًا. وقد ظهرت أول ثمرة من ثمار بناء الهيكل، ألا وهي اجتماع الشعب معًا بروحٍ واحدةٍ، واشتياقهم للاستماع إلى كلمة الرب على لسان عزرا الكاتب. لم يصدر عزرا الكاتب أمرًا بأن يجتمع الشعب للاستماع لكلمة الرب، إنما إذ اجتمع الشعب معًا بروح الوحدة كرجلٍ واحدٍ إلى الساحة طلبوا من عزرا أن يأتي بسفر شريعة موسى! ما هي الدوافع التي ألهبت قلوب الشعب نحو الاستماع للكلمة: 1. خبرتهم خلال الاثنين وخمسين يومًا، أن ما تحقق ليس بحكمة بشرية، ولا بتخطيط إنساني مجرد، إنما بنعمة الله القدير الذي وعد وحقق وعده بكل الطرق. 2. رأوا في نحميا وعزرا وغيرهما أمثلة لقلوب ملتهبة بالحب لله مع مخافة الرب، في شجاعة بلا خوف من المقاومة الخارجية أو الداخلية. 1. اجتماع عام لإعلان الكتاب المقدس اجْتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَى السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ، وَقَالُوا لِعَزْرَا الْكَاتِبِ أَنْ يَأْتِيَ بِسِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى، الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ. [1] اجتماع كل الشعب كرجلٍ واحدٍ مماثل لما ورد في عزرا 3: 1، حيث يُشار إلى اجتماع في مستهل الشهر السابع من السنة. يعتبر بدء السنة المدنية، ويسمى "عيد الأبواق"، حيث تُضرب الأبواق ومعها تقدم تعليمات للجماعة (لا 23: 24؛ عد 29: 1). * أترون القوة العظيمة التي تحل بالاتفاق معًا؟ والضرر العظيم الذي تسببه الخصومات؟ المملكة الثائرة تحطم نفسها. إذ ارتبط أخان معًا واتحدا في وحدة، يصيران أكثر صلابة من أي حائط . * كان لتلاميذ المسيح فكر واحد، مثل إخوة، وكانوا محصنين مثل قصر ملوكي محاط بأسوارٍ كثيرة، إذ كانوا يسندون الواحد الآخر. كانوا ثابتين في اتحادهم، يقدمون عونًا مشتركًا جعلهم أكثر قوة فأكثر قوة. القديس يوحنا الذهبي الفم "الساحة التي أمام باب الماء"، ذاك الباب الذي يقود إلى عين جيهون Gihon Spring، ربما يكون مشابهًا للمكان المتسع أمام بيت الرب (عز 10: 9). هذه الساحة (شارع متسع جدًا) يعبر بها شخص من الهيكل مجرى (غدير) قدرون. كانت أكثر اتساعًا من ساحة الهيكل في ذلك الحين. سبق عزرا نحميا في الذهاب إلى أورشليم بحوالي 13 عامًا (458 ق.م.) كان عزرا معاصرًا لنحميا، غالبًا ما كان يكبره في السن جدًا. هكذا وإن كان قد جاء فاصل زمني بينهما، لكنهما كانا يعملان بفكرٍ واحدٍ، وغايةٍ واحدةٍ هي مجد الله، وبنيان شعب الله في كل جوانب حياتهم. كان عزرا القائد الديني كرئيس كهنة، ونحميا القائد السياسي كحاكم يهوذا. تربطهما علاقة حب قوية. كل منهما له دوره، ولا يستغنى عن الآخر، يحترم كل منهما دور الآخر. كان عزرا الشيخ في حاجة إلى نحميا الشاب، ونحميا الشاب لا يستغني عن عزرا الشيخ. فَأَتَى عَزْرَا الْكَاتِبُ بِالشَّرِيعَةِ أَمَامَ الْجَمَاعَةِ، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلِّ فَاهِمٍ، مَا يُسْمَعُ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ. [2] "اليوم الأول من الشهر السابع" هو بدء السنة الجديدة حسب التقويم المدني (لا 23: 23-25؛ عد 29: 1 6)، يحتفل به أيضًا بكونه عيد الأبواق في اجتماع مهيب مع التوقف عن العمل. وَقَرَأَ فِيهَا أَمَامَ السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، أَمَامَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْفَاهِمِينَ. وَكَانَتْ آذَانُ كُلِّ الشَّعْبِ نَحْوَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ. [3] في خشوعٍ وقف عزرا الكاتب على منبر الخشب يحوط به عن يمينه ويساره الكهنة المذكورة أسماؤهم، وكانت قراءة الكلمة تمثل الحضرة الإلهية، وكانت القراءة جزءًا حيًا ورئيسيًا في العبادة التي يشترك فيها الكهنة مع الشعب. لم تكن النساء يشتركن في الاجتماعات العادية، أما في مثل هذه المناسبات المقدسة فكلهن كن يأتين مع أطفالهن (تث 31: 12؛ يش 8: 35؛ 2 مل 23: 2). كان الشعب يقف قرابة خمس ساعات ينصت إلى شرح الأسفار المقدسة. * نعم، بالحري القراءة في الأسفار الإلهية ليست روضة فحسب، بل هي فردوس. فإن الزهور ليس فيها رائحة فقط، وإنما أيضًا ثمار قادرة أن تنعش النفس [7]. * بعبارات صغيرة يزرع (الكتاب) الحكمة الإلهية في كل من يكون مهتمًا، وفي دفعات كثيرة عبارة واحدة تقدم للذين يقبلونها يمكن أن تكون مصدرًا لمؤونة رحلة الحياة كلها . القديس يوحنا الذهبي الفم وَوَقَفَ بِجَانِبِهِ مَتَّثْيَا وَشَمَعُ وَعَنَايَا وَأُورِيَّا وَحِلْقِيَّا، وَمَعْسِيَّا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَدَايَا وَمِيشَائِيلُ وَمَلْكِيَّا وَحَاشُومُ وَحَشْبَدَّانَةُ وَزَكَرِيَّا وَمَشُلاَّمُ. [4] هذه هي المرة الأولى التي فيها يُذكر "المنبر" في الكتاب المقدس، خلفه وقف ستة (غالبًا من الكهنة) على يمينه وسبعة على يساره. يقف عليه عزرا حتى يمكن للشعب أن يراه ويسمعه. كان المنبر متسعًا ليقف عليه عزرا ومعه ثلاثة عشر شخصًا آخرين [7]. "شمع" اختصار لكلمة شمعيا (عز 8: 13). "عنايا" تعني "الرب يجيب"، كان أحد الذين وقعوا العهد (10: 22). "ميشائيل" ومعناها "من هو مثل الله "، هو اسم أحد أصدقاء دانيال (دا 1: 6). وَفَتَحَ عَزْرَا السِّفْرَ أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ، لأَنَّهُ كَانَ فَوْقَ كُلِّ الشَّعْبِ. وَعِنْدَمَا فَتَحَهُ وَقَفَ كُلُّ الشَّعْبِ. [5] كان السفر فوق الشعب الذي وقف عند فتحه ليسمع الكل كما من فم الرب نفسه. كان السفر درجًا، ولم يكن مخطوطة أو كتابًا، الأمر الذي لم يصر سائدًا حتى بداية المسيحية. يرى الربيونٌ أن الجماعة كانت تلتزم بالوقوف عند فتح السفر وعند سماع التوراة. إلى يومنا هذا يقف كل الشعب والكهنة عند قراءة الأناجيل المقدسة في الليتورجيات، مع تكريم الكتاب المقدس بكونه يمثل الحضرة الإلهية. وَبَارَكَ عَزْرَا الرَّبَّ الإِلَهَ الْعَظِيمَ. وَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: آمِينَ، آمِينَ! رَافِعِينَ أَيْدِيَهُمْ. وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ. [6] امتزجت القراءة الجماعية بالعبادة من تسبيح "آمين، آمين"، والسجود للرب على وجوههم إلى الأرض. وكأن صوت الرب يمتزج بصوت قلوب المؤمنين الملتهبين بالحضرة الإلهية والوعود الإلهية الصادقة. مع عشقنا للجلوس الشخصي مع كلمة الرب في حجرتنا الخاصة، فإن مسرة الله أيضًا أن نجتمع معًا حول كلمة الله بروح العبادة الجماعية. في المجامع اليهودية تُمنح البركة قبل قراءة كل فصل من الكتاب المقدس. اعتاد اليهود على رفع الأيادي في العبادة (عز 9: 5؛ مز 28: 2؛ 134: 2؛ 1 تي 2: 8). تكرار كلمة "آمين" يفيد ضمنًا الشعور القوي بتأكيد ما يُقال (2 مل 11: 14؛ لو 23: 21). وقد عرف استخدام كلمة "آمين" منذ أيام داود (1 أي 16: 36). يستخدم هذا التعبير في المجامع اليهودية كما في الكنائس المسيحية. السجود أمام الرب للعبادة حتى إلى الأرض يحمل علامة شكر له، كما فعل عبد إبراهيم حين شعر أن الرب أنجح طريقه (تك 24: 52). وعندما يسأل المؤمن الله شيئًا مثل موسى (خر 34: 8)، وأيضًا في العبادة الجماعية (خر 4: 31؛ 12: 27؛ 33: 10)، وعندما يسمعون وعدًا إلهيًا (2 أي 20: 18). وَيَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ وَشَبْتَايُ وَهُودِيَّا وَمَعْسِيَّا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَنَانُ وَفَلاَيَا، وَاللاَّوِيُّونَ أَفْهَمُوا الشَّعْبَ الشَّرِيعَةَ، وَالشَّعْبُ فِي أَمَاكِنِهِمْ. [7] وَقَرَأُوا فِي السِّفْرِ فِي شَرِيعَةِ اللَّهِ بِبَيَانٍ، وَفَسَّرُوا الْمَعْنَى وَأَفْهَمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ. [8] كانت القراءة في العالم القديم عادة تتم بصوتٍ عالٍ، حتى إن كان الشخص بمفرده في حجرته الخاصة أو في مركبة كما فعل خصي كنداكة (خر 24: 7؛ تث 17: 19؛ 2 مل 5: 7؛ أع 8: 28). "أفهموهم": ربما تعني أنهم كانوا يترجمونه للشعب باللغة العامية أو الدارجة. يظن بعض الدارسين أن عمل اللاويين هو ترجمة الكلمات العبرية للناموس إلى اللسان الآرامي الشعبي. والبعض يرى أن اللاويين يفسرون معنى الناموس. يرى Kaiserأن الكلمة mporas تعني تفسير المعنى وشرح ترجمة ما يُقرأ بالعبرية إلى الأرامية، لأن الراجعين من بابل بعد مرور 70 عامًا على السبي فقدوا معرفتهم للعبرية، وصاروا يجيدون الأرامية فقط . وَنَحَمْيَا (أَيِ التِّرْشَاثَا) وَعَزْرَا الْكَاهِنُ الْكَاتِبُ، وَاللاَّوِيُّونَ الْمُفْهِمُونَ الشَّعْبَ قَالُوا لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: هَذَا الْيَوْمُ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ، لاَ تَنُوحُوا وَلاَ تَبْكُوا. لأَنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ بَكُوا حِينَ سَمِعُوا كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ. [9] هذا الاجتماع الكنسي هو دعوة للمؤمنين للالتقاء معًا حول كلمة الرب بروح الفرح والتهليل، كلٍ عضو يسند الآخر ويشجعه، للشركة في العبادة الشبه سماوية المتهللة. مع التوبة والشعور بالخطية رفع كل من نحميا وعزرا نفسية الشعب لتجديد روح الفرح بالرب. عمل الكنيسة أن تقيم الساقطين، وتملأ النفوس بالرجاء المفرح في الرب. يقول الجامعة: "للضحك (الروحي) وقت، وللبكاء وقتً (جا 3: 4). مع حزننا على خطايانا وسقوط إخوتنا، لكننا إذ نجتمع معًا ليكن الفرح الروحي السماوي حالًا في قلوبنا، وسلام الله الفائق يملأ عقولنا. كلمة الله تبكت الضمير على الخطايا، لكن يليق بالتائب مع حزنه وبكائه على خطاياه إلا ينهار ويفقد رجاءه، بل يفرح بغفران خطاياه، وصلاح الله الفائق الذي يدعو إليه الخطاة. اليوم الوحيد في السنة الذي خصصه الله للبكاء والحزن هو يوم الكفارة، اليوم العاشر من الشهر السابع. فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا كُلُوا السَّمِينَ وَاشْرَبُوا الْحُلْوَ، وَابْعَثُوا أَنْصِبَةً لِمَنْ لَمْ يُعَدَّ لَهُ، لأَنَّ الْيَوْمَ إِنَّمَا هُوَ مُقَدَّسٌ لِسَيِّدِنَا. وَلاَ تَحْزَنُوا، لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ. [10] إن كان المجتمعون قد ناحوا على خطاياهم، فيليق بهم أن يفرحوا بالرب، ويأكلوا من طعام العيد المُعد في مخافة الرب، ويقدموا طعامًا من أنصبة الذبائح للفقراء والمحتاجين، ليشتركوا معهم في بهجة العيد. الفرح الصادر من الرب هو قوتنا، هذا الفرح في حقيقته هو حضور الرب نفسه وسط كنيسته وحلوله في قلب المؤمن، فيقيم ملكوته فينا. فالرب نفسه هو قوتنا، إذ هو نصيبنا، وصخرتنا وفرحنا. هو كل شيء بالنسبة لنا، الكل في الكل. يقدم داود النبي تسبحة رائعة لرئيس المغنين آساف ليلحنها، جاء فيها: "غنوا له، ترنموا له. تحادثوا بكل عجائبه. افتخروا باسم قدسه. تفرح قلوب الذين يلتمسون الرب، اطلبوا الرب وعزه. التمسوا وجهه دائمًا... الجلال والبهاء أمامهم، العزة والبهجة في مكانه" (1 أي 16: 9- 11، 27). يرتل داود النبي قائلًا: "أمامك شبع سروري، في يمينك نِعَمُ (مباهج) إلى الأبد" (مز 16: 11). الفرح الذي يقدمه العالم إلى حين لا يسند النفس، أما فرح الرب فيحطم الجحيم المحيط بنا، ويحول حياتنا إلى فردوس مفرح. الرب هو قوتنا وفرحنا الأبدي. الاحتفال بالعيد يتحقق بالفرح بالرب وتبادل الحب الأخوي مع العطاء. يُسر الله بفرحنا به، وباهتمامنا ببعضنا البعض. بعث الأنصبة: بعث الأنصبة أثناء الاحتفال بالأعياد يحمل معنى إرسال احتياجات الفقراء، لكي يفرحوا ويحتفلوا مع إخوتهم القادرين. توجد هذه العادة في بعض البلاد، مثل صعيد مصر، حيث يرسل المؤمنون بعض الأطعمة للفقراء، وأيضًا للأقرباء والأصدقاء الحزانى الذين لا يعدون أطعمة العيد. كان طقس عيد الفوريم يشمل إرسال أنصبة لبعضهم البعض (أس 9: 19). أصدر مردخاي أمرًا بحفظ العيد "الشهر الذي تحول عندهم من حزنٍ إلى فرحٍ، ومن نوحٍ إلى يوم طيبٍ، ليجعلوها أيام شربٍ وفرحٍ وإرسال أنصبة من كل واحدٍ إلى صاحبه وعطايا للفقراء" (أس 9: 22). هنا يميز بين بعث الأنصبة إلى الأصحاب والعطايا المقدمة للفقراء، مما يجعل البعض يرى في بعث الأنصبة تبادل العطايا والهدايا الخاصة بالعيد علامة الحب المتبادل. هذا ما أشار إليه سفر الرؤيا عن الأشرار الذين سيتبادلون العطايا أو الأنصبة عند موت الشاهدين، علامة فرحهم بالتخلص منهما. "ويشمت بهما الساكنون على الأرض ويتهللون، ويرسلون هدايا بعضهم لبعض، لأن هذين النبيين كانا قد عذبا الساكنين على الأرض" (رؤ 11: 10) . يُعلّق القديس يوحنا الذهبي الفمعلى تفسير كلمة "إنجيل" كأخبار مفرحة بقوله: [نعم، لأنه عفو عن العقوبة، وغفران للخطايا، وتبرير وتقدّيس وخلاص (1 كو 1: 30)، وتبنّي، وميراث السماوات، ودخول في علاقة مع ابن الله الذي جاء ليُعلن (ذلك) للكل: للأعداء والصالبين وللجالسين في الظلمة. أي شيء يعادل مثل هذه الأخبار المفرحة؟! فقد صار الله على الأرض، وصار الإنسان في السماء، واختلط الكل معًا. اختلطت الملائكة مع صفوف البشر، وصار البشر في صحبة الملائكة والقوات العلويّة الأخرى. هوذا الإنسان يرى الحرب الطويلة قد انتهت، وتحقّقت المصالحة بين الله وطبيعتنا. صار إبليس في خزي، وهربت الشيّاطين، وباد الموت، وانفتح الفردوس، وزالت اللعنة، ونُزعت الخطيّة من الطريق. زال الخطأ وعاد الحق وبُذرت كلمة التقوى في الموضع وترعرعت، وأقيم نظام السمائيّين (العلويّين) على الأرض، ودخلت هذه القوات معنا في معاملات آمنة، وصارت الملائكة تردّد على الأرض باستمرار، وفاض الرجاء في الأمور العتيدة بغزارة .] إذ يأكلون ما يلذ لهم في مخافة الرب، ويطعمون المحتاجين ليشتركوا معهم، فإن سرّ قوتهم لا في الطعام والشراب، إنما في فرحهم بالرب، وطاعتهم لإرادته ببهجة قلب. وَكَانَ اللاَّوِيُّونَ يُسَكِّتُونَ كُلَّ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: اسْكُتُوا لأَنَّ الْيَوْمَ مُقَدَّسٌ فَلاَ تَحْزَنُوا. [11] دور الخدام (اللاويين) أن يسكتوا كل الشعب، فلا ينوحوا بل يفرحوا، لأن "فرح الرب هو قوتكم" [10]. إلى اليوم يحتفل اليهود بعيدٍ في اليوم التالي من عيد المظال Sukkoth يسمى "الفرح بالتوراة Simhat Torah، حيث يصنعون موكبًا على شكل دائرة داخل المجمع يدورون سبع مرات أو أكثر بأشخاص مختلفين، يمسك كل منهم درجًا للتوراة، ويحمل الأطفال أعلامًا مكتوب عليها عبارات تمجد كلمة الله. فَذَهَبَ كُلُّ الشَّعْبِ لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا، وَيَبْعَثُوا أَنْصِبَةً، وَيَعْمَلُوا فَرَحًا عَظِيمًا، لأَنَّهُمْ فَهِمُوا الْكَلاَمَ الَّذِي عَلَّمُوهُمْ إِيَّاهُ. [12] لقد تحقق هدف التمتع بكلمة الله. لقد سمعوا الكلمة وفهموها وتفاعلوا معها. * تحفّظْ من أن تحوط نفسك بطاغية الحزن. يمكنك أن تسيطر على نفسك، فإن العاصفة ليست أعظم من مهارتك. * لا تكن قط مكتئبًا، فإنه لا يوجد سوى شيء واحد مخيف وهو الخطية. * الفرح الحقيقي هو فرح الحياة الأخرى، حيث لا تتعذب النفس، وتتمزق الشهوة. سعادة المسيحي سعادة حقيقية وليست بلذة محمومة، إنها تعطي الحرية للنفس وهي حربة جذابة وغنية باللذات الحقيقية [12]. * "أخيرًا يا إخوتي افرحوا في الرب" يقول بحق "في الرب"، وليس "حسب العالم"، فإن هذا ليس بفرحٍ. يقول إن هذه المتاعب التي بحسب المسيح تجلب فرحًا . لماذا يقول: "وأكون أنا أقل حزنًا"؟ يجيب القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يقل إنني بلا حزن، بل "أقل حزنًا"، مظهرًا أن نفسه لم تحرر من الحزن تمامًا، إذ يقول: "من يضعف وأنا لا أضعف؟ ومن يعثر وأنا لا ألتهب؟" (2 كو 29:11). متى يكون مثل هذا متحررًا من الحزن؟ * يقول: إنه ليس بشرٍ أن أتألم، بل بالحري أفرح بذهابي إلى المسيح، فهل لا تفرحون؟ "افرحوا معي". ليتنا نحن أيضًا نفرح عندما نرى إنسانًا بارًا يموت، ونفرح بالأكثر حتى عندما يموت شرير ميئوس منه. فإن الأول يذهب لينال مكافأة أعماله، والآخر يتوقف إلى حد ما عن خطاياه العنيفة . القديس يوحنا الذهبي الفم لِيُفْهِمَهُمْ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ. [13] فترة السبي الطويلة في بابل وخراب أورشليم وهدم الهيكل كان له أثره لا على الشعب وحده، وإنما حتى على رؤساء الآباء والكهنة واللاويين. صار الكل في حاجة إلى من يشرح لهم كلام الشريعة ليفهموه. 2. الاحتفال بعيد المظال فَوَجَدُوا مَكْتُوبًا فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى، أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسْكُنُونَ فِي مَظَالَّ، فِي الْعِيدِ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ [14] عيد المظال: أحد الثلاثة أعياد اليهودية العظيمة، مع عيدي الفصح والبنطقستي أو الأسابيع. هو عيد زراعي مفرح بمناسبة إتمام الحصاد (خر 23: 26؛ تث 16: 13؛ عز 3: 4). نسى القادة الأعياد حتى الكبرى منها مثل عيد المظال. كان اللاويون في حاجة إلى البحث في الشريعة ليحتفلوا بعيد المظال بروح الفرح والتهليل. يروي لنا ديفيد هوكينج David Hocking في كتابه الذي نشره عام 1991 إحياء الحجارة Reviving the Stones، في شرحه لهذا الأصحاح أنه لمدة 8 سنوات عاش في جيرة لعائلة يهودية أرثوذكسية، وكان يُسر أن يتطلع من خلال السور ما تفعله هذه العائلة التي تضم تسعة أطفال في هذا العيد. كانت العائلة لا تقيم في المسكن لمدة أسبوع، بل تقيم في مظلة يصنعونها في الفناء الخلفي للمسكن. يقول إنه كان يراهم يرقصون ويغنون ويثبون فرحين. كانوا بفرح يرتلون: "تعال أيها المسيا تعال!" وكان الأطفال يصرخون بتهليل: "تعال أيها المسيا، تعال! تعال أيها المسيا، تعال!" تمثل المظال رحلة الشعب في البرية، كما تمثل ترقب تحقيق الوعد الإلهي بمجيء المسيا المخلص، حيث يقيم مملكته، التي ظنها اليهود أنها أرضية، تسود الأرض كلها. عيد المظال كان بالنسبة لليهود موسم للفرح، حيث يأكلون ويفرحون. في عيد المظال يتذكر الشعب المذلة التي كانت تلحقهم بعبودية فرعون، ويد الله القوية التي أخرجتهم وحررتهم. أيضًا يتذكرون الأربعين سنة التي عاشوها في البرية حيث لم يكن لهم مكان لاستقرارهم، فيقدمون ذبيحة شكر على ما قدمه الله لهم. وفي هذا العيد يذكرون أنهم غرباء في العالم، يطلبون الاستقرار في كنعان السماوية في الحضن الإلهي. وَأَنْ يُسْمِعُوا وَيُنَادُوا فِي كُلِّ مُدُنِهِمْ وَفِي أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: اخْرُجُوا إِلَى الْجَبَلِ، وَأْتُوا بِأَغْصَانِ زَيْتُونٍ وَأَغْصَانِ زَيْتُونٍ بَرِّيٍّ وَأَغْصَانِ آسٍ وَأَغْصَانِ نَخْلٍ، وَأَغْصَانِ أَشْجَارٍ غَبْيَاءَ لِعَمَلِ مَظَالَّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ. [15] كان هذا العيد يُدعى أحيانًا "العيد" أو "عيد الرب". حاليًا يُحتفل به بإقامة أكواخ مغطاة بأغصان شجر ومزينة بالفواكه والخضروات. يستخدم اليهود سعف النخيل وفروع الصفصاف والآس للتلويح بها في كل الاتجاهات. فَخَرَجَ الشَّعْبُ، وَجَلَبُوا وَعَمِلُوا لأَنْفُسِهِمْ مَظَالَّ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى سَطْحِهِ، وَفِي دُورِهِمْ وَدُورِ بَيْتِ اللَّهِ، وَفِي سَاحَةِ بَابِ الْمَاءِ، وَفِي سَاحَةِ بَابِ أَفْرَايِمَ. [16] أسطح المنازل في منطقة الشرق الأوسط غالبًا ما تكون مسطحّة. حين يشتد الحرّ أحيانًا ينام الناس على أسطح البيوت. هذه الأسطح تساعد اليهود على إقامة المظال عليها يسكنوها لمدة أسبوع. وَعَمِلَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ الرَّاجِعِينَ مِنَ السَّبْيِ مَظَالَّ، وَسَكَنُوا فِي الْمَظَالِّ، لأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَكَذَا مِنْ أَيَّامِ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ جِدًّا. [17] يرى البعض أن النص هنا لا يعني أن هذا العيد لم يُحتفل به منذ أيام يشوع بن نون، وإنما لم يُحتفل به هكذا بدقة وبهذه الصورة المفرحة. فقد اُحتفل به بعد تدشين هيكل سليمان (1 مل 8: 65، 2 أي 7: 9)، وبعد العودة من السبي (عز 3: 4). كلمة الله والطاعة لها والاحتفال بالأعياد تجلب فرحًا عظيمًا جدًا في الرب. سٌر فرحهم شعورهم بالالتصاق بالرب خلال طاعته لوصيته الإلهية. وَكَانَ يُقْرَأُ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ اللَّهِ يَوْمًا فَيَوْمًا مِنَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ إِلَى الْيَوْمِ الأَخِيرِ. وَعَمِلُوا عِيدًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ اعْتِكَافٌ حَسَبَ الْمَرْسُومِ. [18] كانوا يقرأون حكمة الله يوميًا، فإن الكلمة تهب النفس فرحًا داخليًا، وقوة للتجديد اليومي للذهن. دراسة كلمة الله هي لقاء عملي مفرح مع الله مصدر الفرح والبهجة. من وحي نح 8 من يبني أسوار نفسي؟ * هب لي أن أجتمع مع إخوتي حول إنجيلك. أنعم بحضورك الإلهي العامل في الكل! كلمتك روح وحياة. كلمتك تقودنا في رحلة هذه الحياة. تشق أمامنا بحر سوف. وتتحول المياه إلى سور عن يميننا ويسارنا. كلمتك تصنع المستحيلات. تحول الأمور الخطيرة إلى سور يحمينا! * كلمتك تهز قلوبنا بالتوبة. مع دموع الندامة تتفجر فينا ينابيع الفرح بك. كلمتك تحول حياتنا إلى عيدٍ لا ينقطع. كلمتك تقدم لنا فرحك السماوي! نتشدد ونتقوى بفرحك يا أيها القدوس! |
||||
21 - 10 - 2022, 04:59 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
نحميا 9 - تفسير سفر نحميا صوم وتوبة وتسبيح لله الأصحاح التاسع لكل من أسفار عزرا ونحميا ودانيال مخصص للاعتراف بخطايا جماعية على مستوى الأمة كلها مع صلوات لطلب نعمة الله. يليق بشعب الله كما بكل عضوٍ في كنيسة السيد المسيح الرجوع إلى التاريخ لتذكر معاملات الله مع مؤمنيه (تث 26: 5-9؛ يش 24: 1-3). عبر التاريخ نتذكر بركات الرب ووعوده (6-15؛ مز 105)، كما نذكر بالأسف تمردنا وأخطاءنا (16؛ مز 106). خلال تذكر معاملات الله عبر التاريخ اقتنع الشعب بضرورة التوبة والاعتراف، وأدركوا أنهم شعب له هدف مقدس، مكرس لحساب ملكوت الله [2]. مرة أخرى قرأوا في الشريعة [3]، حيث تكشف عن عطايا الله ووعوده. لقد اعترفوا بخطاياهم، وعبدوا الله وسبحوه [3-5]. قادهم عزرا إلى الصلاة الكاملة، إذ ركز أذهانهم على الله الخالق [6]، الذي أقام عهدًا مع إبراهيم ونسله [7-8]. كان الخروج إعدادًا لتسليم الشريعة في سيناء [13-14]. لكن الشعب رفض التدابير الإلهية حتى حاولوا العودة إلى مصر (16-17؛ عد 13: 4). ومع هذا فقد غفر لهم تمردهم وعبادتهم للأوثان [18-19]، واستمر يعلمهم بروحه في موسى وغيره (20؛ عدد 11: 16-17؛ إش 63: 10-11). أخيرًا جاء بهم إلى أرض الموعد بكل خيراتها [21-25]. أظهرت الصلاة أيضًا مغفرة الله؛ هذا لن يتحقق إلا كاستجابة للصرخة نحو التمتع بالمراحم الإلهية. تحمل هذه الصرخة رغبة صادقة للتوبة، أي الرجوع إلى الله. وقد أظهر عزرا وشعبه هذا الأمر. أما ما يربط الأجيال ببعضها البعض فهو الميثاق [8، 32] الذي يقدمه الله نفسه. فما أن يُقام الميثاق حتى تتحقق العلاقة الدائمة بين الله والشعب. لكن يلتزم الإنسان أن يثبت هذا العهد ويجدده من وقتٍ إلى آخر، لأن الله أمين في وعوده، أما الإنسان فسرعان ما ينسى ما تعهد به. هكذا يليق تثبيت العهد، لا على مستوى الشخص فقط، بل وعلى مستوى الجماعة أيضًا. هذا هو عمل الكنيسة الدائم: تجديد العهد الذي كتبه الآب بدم ابنه على الصليب. يبقى هو أمينًا، وتلتزم الكنيسة أن تحث أبناءها على الأمانة في تحقيق العهد. بعد فتره فاصلة قصيرة من العيد جاء يوم المذلة العظيم. اعتزل الشعب تمامًا كل ما هو ليس في العهد، وأسلموا أنفسهم للاعتراف بتواضع أمام الله. تمموا هذا كله تحت قيادة اللاويين. عرض هذا الأصحاح صلاة رائعة قدموها بهذه المناسبة، أُعدت خصيصًا من أجلهم، واستخدمها الجميع. 1. توبة ورجوع إلى الله وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ، وَعَلَيْهِمْ مُسُوحٌ وَتُرَابٌ. [1] يرى البعض أن النص هنا يشير إلى يومٍ للتوبة. كان عيد الأبواق في اليوم الأول من هذا الشهر، وعيد المظال يبدأ في اليوم الرابع عشر، ويستمر لمدة سبعة أيام حيث ينتهي في اليوم الثاني والعشرين. وفي اليوم الثالث والعشرين اعتزلوا نساءهم غير الشرعيات والأولاد الذين منهن، وفي الرابع والعشرين قدسوا يومًا للصوم والاعتراف بالخطايا مع قراءة الشريعة، وختموه بتجديد العهود. يُنظر إلى شهر تشري على وجه الخصوص أنه شهر الصوم (زك 7: 5). "المسوح": عبارة عن ثياب من جلد الماعز، تغطي الأجزاء العارية من الحقوين أثناء وقت الحزن والندامة. وضع التراب على الرأس كان علامة على الحزن، أُشير إليه في (يش 7: 6؛ مرا 2: 10؛ عز 27: 30؛ 2 صم 13: 19؛ أي 2: 12). * ثمين هو الصوم الطاهر أمام الله، وهو محفوظ ككنزٍ في السماء. الصوم سلاح أمام الشرير، وترس نقابل به سهام العدو [1]. * يوجد من يصوم عن اللحم والخمر وبعض المأكولات، ويوجد من يصوم ليقيم سياجًا لفمه، فلا ينطق بكلمات شريرة. ويوجد من يصوم عن الغضب، ويضبط شهوته فلا تغلبه. ويوجد من يصوم عن المقتنيات، ليجرد نفسه من عبوديتها. يوجد من يصوم عن النوم، فيكون ساهرًا في الصلاة... يوجد من يصوم ليصير تائبًا، فيرضى ربّه بندامته. ويوجد من يجمع هذا كله، ويجعل منه صومًا واحدًا... من يصوم عن هذا كله ويجيز لنفسه واحدة منها في وقت من الأوقات لا يُحسب له صومه... من نذر على نفسه أن يصوم عن هذا كله وأخذ يحلل لنفسه الواحدة بعد الأخرى تكون خطيئته عظيمة . * إن لم توجد نقاوة القلب لا يُقبل الصوم. تذكر أيها الحبيب أنه من الأفضل للإنسان أن ينقي قلبه ويحفظ لسانه ويحجم يديه عن الشر... إذ لا يليق بالإنسان أن يمزج العسل بالعلقم. فإن صام الإنسان عن الخبز والماء لا يمزج صومه بالتجاديف واللعنات. واحد هو باب بيتك الذي هو هيكل الله، فلا يليق أن يخرج منه الزبل والوحل في باب يدخل منه الملك. حين يصوم الإنسان عن القبائح ويتناول جسد المسيح ودمه فلينتبه إلى ابن الملك الذي دخل في فمه، فلا يجوز لك أن تخرج من فمك كلمات نجسة . القديس أفراهاط وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ. [2] العجيب أنهم إذ سمعوا الكتاب وفهموه دفعهم هذا لحياة الفرح بالرب، وإذ تمتعوا بالشركة المفرحة مع الرب صاروا لا يحتملون الخطية ولا يطيقونها، فلبسوا المسوح وصاموا، واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم. قطعوا كل شركة مع العالم الشرير، بعد أن حطم زواجهم بالغرباء الوثنيين علاقتهم مع الله. فرحهم بالرب الذي أشبعهم جعلهم يرفضون الشر والنجاسة، ولا يريدون بعد أن يشاكلوا أهل العالم. كان اليهود يقدمون اعترافًا بخطاياهم على المستوى الشخصي أمام الكاهن مع تقديم ذبائح خطية عنها، وأيضًا على مستوى جماعي مع تقديم ذبائح أيضًا عنها. قضى الشعب حوالي ثلاث ساعات في الاستماع للأسفار الإلهية وتفسيرها، وحوالي ثلاث ساعات في العبادة للرب (8: 3). رأينا في عزرا (الأصحاح التاسع) الرؤساء يتقدمون إلى عزرا يشتكون أن شعب إسرائيل والكهنة واللاويين لم ينفصلوا عن شعوب الأراضي المحيطة وأن الزرع المقدس اختلط بشعوب الأراضي الوثنية. وكانت يد الرؤساء والولاة في هذه الخيانة أولًا. إذ سمع عزرا بهذا الأمر مزق ثيابه ورداءه ونتف شعر رأسه وذقنه وجلس متحيرًا. لقد سقط في هذا الخطأ القادة، وانحرف وراءهم الشعب. كان الزواج من الأمم الوثنية يعتبر خيانة زوجية ضد الرب نفسه، لأن شعب كان يمثل العروس الملتزمة بالاتحاد معه خلال الحياة المقدسة. نتف عزرا شعره، أما نحميا فخاصمهم ولعنهم وضرب منهم أناسًا ونتف شعورهم (نح 13: 25). بدأ إصلاح هذا الموقف في عزرا 10: 3، حيث قطعوا عهدًا بالانفصال عن الوثنيات وأولادهن الذين رفضوا وصيه الله. لكن يبدو هنا أن الحديث خاص بأناسٍ آخرين كانوا متزوجين وثنيات ولم يكونوا قبلًا معروفين، أو أن الذين انفصلوا عنهن في أيام عزرا قبلوهن ثانية. الآن يعترف الحاضرون أن هذه الخطية سقط فيها آباؤهم قبلًا، وبسببها تعرضوا للتأديب، ومع هذا لم يتعظوا مما حدث مع آبائهم بل أخطأوا في حق الله بتمثلهم بآبائهم المخطئين. * داود أيضًا يقول في المزمور: "أعترف بخطيتي ولا أكتم إثمي، وأنت غفرت آثام قلبي" (راجع مز 32: 5). ها أنتم ترون أن من يعلن الخطية يتأهل لغفرانها. فإن الشيطان الذي يسبق فيشتكي لا يستطيع أن يتهمنا، إن كنا نتهم أنفسنا، فهذا يفيدنا في خلاصنا. أما إذا تأخرنا، فإن الشيطان يشتكي علينا، وهذه الشكوى تسلمنا للعقوبة . العلامة أوريجينوس * من يعترف للرب يتحرر من عبوديته: "البار يتهم نفسه في بدء حديثه". ليس فقط هو حرّ، وإنما أيضًا بار. لأن البرّ في الحرية، والحرية في الاعتراف، وما أن يعترف الإنسان يُغفر له . القديس أمبروسيوس لا تصغِ إلى حديثٍ غير لائق. حاول أن تغطي ما استطعت على مواهبك السامية. ومن جانب آخر، متى تورطت في خطية كن متهمًا لنفسك، ولا تنتظر حتى يقدم آخرون الاتهام ضدك. بهذا تكون مثل إنسانٍ بارٍ يتهم نفسه في بدء حديثه في المحكمة، أو مثل أيوب الذي لم يمتنع عن أن يعلن خطيته الشخصية أمام الكل في حضرة جموع الشعب في المدينة (أي 31: 34) . القديس باسيليوس الكبير القديس يوحنا الذهبي الفم القديس جيروم وَقَرَأُوا فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ إِلَهِهِمْ رُبْعَ النَّهَارِ، وَفِي الرُّبْعِ الآخَرِ كَانُوا يَحْمَدُونَ وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ إِلَهِهِمْ. [3] كرسوا اليوم كله للرجوع إلى الله، فتوقفوا عن العمل اليومي، وقضوا ربع النهار في الاستماع لكلمة الله، والربع الآخر في التسبيح والسجود لله. لم يشتكِ منهم أحد بالملل بسبب طول مدة الاجتماع. الاعتراف بالخطية بانسحاق قلب مع استمرارهم في قراءة الشريعة والاستماع إليها بعث فيهم روح الحمد والشكر لله. وكأن دموع الحزن على الخطية امتزجت بدموع الفرح بمراحم الله غافر الخطايا. كلما اعترف الإنسان بخطيته وقدم توبة صادقة بانسحاق قلب، تهللت نفسه وابتهجت بنواله غفران خطاياه. * من المفيد جدًا قراءة الكتاب المقدس، فإنها تجعل النفس حكيمة، وتوجّه الروح نحو السماء، وتحرّك الإنسان نحو الشكر، وتهلك الرغبة في الأمور الأرضية، وتدع أذهاننا تتمعن باستمرار في العالم الآخر. * لا يمكن لمن أنعم عليه بفاعلية كلام الله أن يبقى هكذا في هذا الانحطاط الحاضر، بل بالأحرى يطلب له جناحين ينطلق بهما حالًا إلى الأرض العلوية، مكتشفًا نور الصالحات غير المحدودة [11]. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس وَوَقَفَ عَلَى دَرَجِ اللاَّوِيِّينَ يَشُوعُ وَبَانِي وَقَدْمِيئِيلُ وَشَبَنْيَا وَبُنِّي وَشَرَبْيَا وَبَانِي وَكَنَانِي، وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِهِمْ. [4] الدرج هنا ربما الدرجات (السلالم) التي تؤدي إلى المنبر المذكور في 8: 4. "صرخوا بصوتٍ عظيمٍ" إذ شعروا بثقل خطاياهم، استخدموا وسيلة غير عادية وهي الصراخ بصوتٍ عظيمٍ. دعا اللاويون الشعب لتقديم التسبيح والحمد لله، وقد وقف الكل في حضرة الرب يطلبون بكل قلوبهم تكريس حياتهم له. ويلاحظ في هذه التسبحة الآتي: 1. إدراكهم عظمة الله السرمدي الكلي الجلال (9: 5). 2. الله هو الخالق الوحيد، المهتم بكل الخليقة السماوية والأرضية (9: 6)، الذي "فيه يقوم الكل" (كو 1: 17)، "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعد ما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 1: 3). من أجلنا خلق العالم، ولأجلنا يعتني به، لذا يليق بنا أن نكرس أنفسنا لذاك الذي أوجدنا ويرعانا. من جانب آخر إن كان إلهنا هو ضابط الكل وحافظ المسكونة، فإنه قادر أن يحل كل مشاكلنا، ولا يقف أمامه شيء. 3. اختيار أبرام [7]: اختار أبرام لكنه يريد أن يقدم الميراث لنسله، وقد حقق وعده [8]. إنه يطلب كل أحدٍ ليدخل معه في الميثاق الجديد خلال الصليب. 4. رعاية لشعبه المُستعبد [9]، قادهم بنفسه مظللًا إياهم في النهار كسحابة تحميهم، وكعمود نور يضيء لهم الطريق(40). إنه يشعر بآلامنا، ويود أن يحررنا ويقودنا من عبودية إبليس ويدخل بنا إلى ميراثه السماوي، مرافقًا إيانا في برية هذا العالم. في وسط البرية لم يعوزهم شيء، لم يحتاجوا طول الأربعين عامًا [21]. يهتم حتى بأقدامهم فلم تتورم في تجوالهم كل هذا الزمان. وكما يقول الرسول: "فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع" (في 4: 9). مجد الله في ذاته وَقَالَ اللاَّوِيُّونَ يَشُوعُ وَقَدْمِيئِيلُ وَبَانِي وَحَشَبْنِيَا وَشَرَبْيَا وَهُودِيَّا وَشَبَنْيَا وَفَتَحْيَا: قُومُوا بَارِكُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ مِنَ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ. وَلْيَتَبَارَكِ اسْمُ جَلاَلِكَ الْمُتَعَالِي عَلَى كُلِّ بَرَكَةٍ وَتَسْبِيحٍ. [5] تكرار اسم اللاويين مرة أخرى جعل البعض يعتقدون بأنه تم اجتماع عام لكل الشعب، وبعد ذلك انقسم الجمع إلى ثماني مجموعات، كل مجموعة تحت قيادة لاوي. فعند قراءة الشريعة كان الكل معًا، وقام عزرا بالقراءة، وعند التسبيح تم توزيع الشعب على مجموعات. إن كان الصوم يرتبط بالتوبة والاعتراف بالخطايا، فإنه يلزم أن يرتبط أيضًا بالتسبيح لله غافر الخطايا، وتمجيده على حنوه ومعاملاته معنا كما مع آبائنا. ربما عندما صرخوا بصوت عظيم سقطوا على الأرض بانسحاق قلب، لذلك سألهم اللاويون أن يقوموا ليباركوا الرب ويسبحوه بروح التهليل والفرح. استعرضوا في هذه التسبحة معاملات الله وفيض نعمته عليهم خلال الخلقة ومع الآباء، وفي مصر، وعبور البحر الأحمر، وفي البرية وسيناء، وفي غزو كنعان، وفي عصر القضاة، وخلال الأنبياء وأخيرًا في الوقت المعاصر. يرى البعض أن اللاويين حثوا الشعب على القيام، حتى يسبحوا الرب بروح ملتهبة وقلب ناري، لأن التسبيح والإنسان جالس يحمل نوعًا من التهاون مادام ليس ما يلزمه بالجلوس لأسباب صحية. * يليق بقلب المسيحي وفمه ألا يكفا عن التسبيح لله ، فلا يمجده في الفرج، ويتذمر عليه في الشدة. القديس أغسطينوس 3. تسبحة جماعية أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ وَحْدَكَ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَسَمَاءَ السَّمَاوَاتِ وَكُلَّ جُنْدِهَا، وَالأَرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا، وَالْبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا وَأَنْتَ تُحْيِيهَا كُلَّهَا. وَجُنْدُ السَّمَاءِ لَكَ يَسْجُدُ. [6] "جند السماء": يُقصد بهم الملائكة (1 مل 22: 19؛ مز 103: 20- 21؛ 148: 2). هكذا يبدأ التمجيد بالتوجه إلى الله الذي وحده هو الرب الساكن في وسط شعبه. إنه خالق السماوات وكل جنودها، والأرض وكل ما عليها. فتشترك الخليقة السماوية مع الأرضية في التسبيح له. كان الجميع يمثلون فرقة موسيقية متناغمة معًا، تقدم سيمفونية الحب لله في وحدة مفرحة ومبهجة. يرى البعض أنه توجد سماء ثالثة كما جاء في 1 كو 12: 2. وأن العهد القديم يشير إلى ثلاثة أقسام للسماء: السماء التي تطير فيها الطيور، والسماء التي توجد فيها الكواكب، وأخيرًا السماء التي يوجد فيها عرش الله والتي تدعى سماء السماوات [13]. * أيها العالي غير المفحوص الجالس على المركبة، أعطني كلمتك لأكرز على الأرض كلها بأنك غير محدود. أيها الخفي العالي عن العلويين الحاملين لك، ليتك تختارني، فأرتل لك بين الأرضيين المخلصين لك. أيها الأزلي العارف بذاته وحده، كيف لا يخدمك لساني بالترنم بخيراتك؟ أيها المخوف الذي تخجل منه الشمس أن تنظر إليه، فلينظر فيك العقل، ويتحرك بعظمة تمجيدك... أيها المحمول من الكاروبيم، والذي لا يقدر الأرضيون أن يتكلموا عنه، تكلَّم فيَّ من أجل مراحمك التي فيك. أيها العظيم فوق صفوف السمائيين، أرني دهشك غير المفحوص لأتكلم عنك... أيها المبارك بحركات العجلة الناطقة، حرك أصواتي لتُخرج تمجيدك غنيًا... الفم عاجز عن تمجيدك أيها الرب العلي؛ اصنع لي فمًا جديدًا يصلح للترتيل لك. لتنطق فيَّ الشفة المختارة التي وعدت بها في الأنبياء، فتنطق بقول مدهشٍ عن ألوهيتك، وذلك بالحب الذي هو المعلم، وكلي الحكمة... العالم صغير، لا تكفيك الأماكن؛ أين يمضي لكي يطلبك...؟ أنت قريب لِمَنْ يطلب أن يلتصق بك... القديس مار يعقوب السروجي أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ الإِلَهُ الَّذِي اخْتَرْتَ أَبْرَامَ، وَأَخْرَجْتَهُ مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ، وَجَعَلْتَ اسْمَهُ إِبْرَاهِيمَ. [7] غيرّ الله اسم "أبرام" وتعني "الأب الممجد" إلى "إبراهيم" أي "أب الجموع" (تك 17: 4-5). في التسبيح لله نحسب معاملاته مع كل البشرية كأنها معاملات مع الكنيسة الحاضرة، بل ومع كل عضوٍ فيها. بدأوا هنا بإبراهيم الذي يعتزون به كأبٍ روحيٍ، أب جميع المؤمنين. إن كان الله قد غيّر اسمه، فعوض كونه أبًا فحسب، صار أبًا للجميع، أي اتسع قلبه للجموع، هكذا يتقدم كل مؤمنٍ لله كي يهبه ما وهب أبيه إبراهيم، نوعًا من الحب الذي يحتضن إن أمكن البشرية كلها. بهذا يتأهل المؤمن للتمتع ببركات العهد الجديد في استحقاقات دم المسيح. * لم يكن ممكنًا عندما كان لا يزال "أبرام" يحمل اسم ميلاده الجسدي أن يتقبل عهد الله وعلامة الختان. لكنه عند ترك بلده وأقرباءه تجاوب مع قرابة أكثر قدسية سُلمت إليه في ذلك الحين. أولًا قال له الله: "لا يُدعى اسمك بعد أبرام، بل يكون اسمك إبراهيم" (تك 17:5). عندئذ للحال تقبل الميثاق مع الله وقبل الختان كعلامة للإيمان، الأمر الذي لم يستطع أن يناله حين كان لا يزال في بيت أبيه، وفي علاقة جسدية، وكان يُدعى أبرام . العلامة أوريجينوس القديس أمبروسيوس وَقَطَعْتَ مَعَهُ الْعَهْدَ أَنْ تُعْطِيَهُ أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ، وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ، وَتُعْطِيَهَا لِنَسْلِهِ. وَقَدْ أَنْجَزْتَ وَعْدَكَ، لأَنَّكَ صَادِقٌ. [8] "أمينًا": نادرًا ما تُستخدم عن أفراد، مثل موسى (عد 12: 7). كان إبراهيم أمينًا في إيمانه بأن الله يهبه ابنًا (تك 19: 6)، وفي رغبته الجادة لتقديم ابنه ذبيحة (تك 22). "لأنك صادق": تشير هنا إلى قداسة الله وأمانته بالرغم من عدم استحقاقنا (إش 6: 1-5؛ لو 5: 8). الله الأمين في مواعيده، يود أن يسكب روح الأمانة في مؤمنيه، فيسمع المؤمن الصوت الإلهي يباركه: "كنت أمينًا في القليل، أقيمك على الكثير". 5. خروج بني إسرائيل وَرَأَيْتَ ذُلَّ آبَائِنَا فِي مِصْرَ، وَسَمِعْتَ صُرَاخَهُمْ عِنْدَ بَحْرِ سُوفٍ [9] سمح الله لآبائهم بمذلة العبودية في أرض مصر، ليصرخوا إلى الله القادر وحده أن يسمع أنات القلب وصرخاته الخفية، ويقدم لهم خلاصًا عجيبًا! قيل: "فقال الرب إني رأيت مذلة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم. فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة" (خر 3: 7-8). شتان بين صراخ سدوم وعمورة وصراخ بني إسرائيل، فقد قيل عن الأولين: "وقال الرب إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر، وخطيتهم قد عظمت جدًا" (تك 18: 20). * الصراخ هنا ليس كصراخ أهل سدوم، الذي يعني الشر بلا خوف ولا خجل . القديس أغسطينوس وَعَلَى جَمِيعِ عَبِيدِهِ، وَعَلَى كُلِّ شَعْبِ أَرْضِهِ، لأَنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ بَغُوا عَلَيْهِمْ، وَعَمِلْتَ لِنَفْسِكَ اسْمًا كَهَذَا الْيَوْمِ. [10] الآيات والعجائب هنا تخص أحداث الخروج، خاصة الضربات العشر (خر 7: 3؛ تث 4: 34؛ 6: 22؛ 7: 19). إن كان الله قد سمح لهم بمذلة العبودية لفرعون، فقد كان قادرًا في لحظة أن يخلصهم منها، لكنه سمح بالضربات العشر لأجل فرعون ورجاله، لعلهم يدركون خطأهم ويقدمون توبة. أعلن الله طول أناته على الأشرار حتى التزم فرعون أن يعترف أن الله بار وأنه هو ورجاله قد أخطأوا في حق الله! بحكمة عجيبة، في طول أناة مع محبة للبشرية يخطط الله لصالح البشرية. إن كان قد أطال الله أناته على فرعون المستبد الطاغية، فكم بالأكثر يطيل أناته على شعبه، حتى يرجعوا إليه بالتوبة. * اعتدنا أن نغني بالتسبحة: "الله أمين بلا خداع!" لهذا يلزمنا أن نؤمن دون شك بخصوص فرعون أنه قد صار قاسيًا من أجل طول أناة الله وليس من أجل قوته. هذه الحقيقة نعرفها بوضوح مما قاله عندما عوقب، معترفًا أن العدالة ألزمته بالقول: "الرب هو البار، وأنا وشعبي الأشرار" (خر 9: 27). بأية مشاعر يشتكي المسيحي أن الله ظالم، إن كان الملك الشرير يقول إنه البار؟ الأب قيصريوس أسقف آرل وَفَلَقْتَ الْيَمَّ أَمَامَهُمْ، وَعَبَرُوا فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ، وَطَرَحْتَ مُطَارِدِيهِمْ فِي الأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ فِي مِيَاهٍ قَوِيَّةٍ. [11] حوّل الله البحر الذي كان يقف عائقًا أمامهم، للهروب من وجه فرعون إلى أداة لخلاصهم، إذ شقه، وجعل من المياه سورًا عن يمينهم ويسارهم يصد أمواجه وتياراته العنيفة. أما مطاردوهم فهلكوا في ذات البحر الذي عبروا في وسطه شعبه. إنه يحرك الطبيعة لحساب مؤمنيه، أحيانًا على خلاف قوانينها. يقول المرتل: "شقَّ البحر فعبَّرهم، ونصب المياه كندٍ" (مز 78: 13). ويقول الرسول: "فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم اجتازوا في البحر" (1 كو 10: 1). "بالإيمان اجتازوا في البحر الأحمر كما في اليابسة، الأمر الذي لما شرع فيه المصريون غرقوا" (عب 11: 29). ويقول إشعياء النبي: "هكذا يقول الرب الجاعل في البحر طريقًا، وفي المياه القوية مسلكًا. المخرج المركبة والفرس الجيش والعز، يضطجعون معًا، لا يقومون. قد خمدوا. كفتيلة انطفأوا" (إش 43: 16-17). كما خلصهم من عبودية فرعون، هكذا حررهم من السبي البابلي، وكلاهما تهيئة للحرية التي تمتعنا بها حيث عبر بنا المخلص من العبودية لإبليس إلى حرية مجد أولاد الله. * لقد أعاق عجلات مركباتهم حتى لا يستطيعوا أن يتعقبوا الشعب أو يهربوا من البحر. لكنهم لم يخافوا الرب الذي ظهر لهم، ولا ارتدعوا بواسطة عجلاتهم المعوقة. في جسارة ساقوا مركباتهم بكل عنفٍ . القديس مار أفرام السرياني القديس أغسطينوس يركز هنا على القلب الذي يتشدد ويتقوى بالتأمل في المجد الإلهي، والنعمة الإلهية الدائمة، وبهذا يصرخ في الداخل طالبًا العون الإلهي. وَهَدَيْتَهُمْ بِعَمُودِ سَحَابٍ نَهَارًا، وَبِعَمُودِ نَارٍ لَيْلًا لِتُضِيءَ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. [12] "وهديتم بعمود سحاب" (خر 13: 21-22؛ عد 14: 14؛ تث 1: 33). لم يقف أمر خلاصهم عند عبورهم البحر الأحمر وهلاك فرعون، لكنه رافقهم كل الطريق يهديهم بعمود سحاب في النهار يظللهم من الحر، وعمود نور بالليل يبدد الظلمة، ويكشف لهم الطريق. الله في محبته يود أن يرافق مؤمنيه نهارًا وليلًا، يقودهم ويرشدهم، حتى يدخل بهم إلى كنعان السماوية. 8. تسليم الشريعة وَنَزَلْتَ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ وَكَلَّمْتَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَعْطَيْتَهُمْ أَحْكَامًا مُسْتَقِيمَةً، وَشَرَائِعَ صَادِقَةً فَرَائِضَ وَوَصَايَا صَالِحَةً. [13] في وسط البرية وهبهم شريعته، سلمها لموسى النبي لكيما يَتَشَكَّل الشعب بما يليق به كعروسٍ سماويةٍ، تحمل سمات عريسها. حقًا كانت الوصية بالنسبة لهم صعبة، لكنها كشفت أخطاءهم وهيأتهم أو قادتهم إلى المسيح المخلص الذي يعطي للوصية عذوبة فائقة، ويهبنا بَّره. "لأن غاية الناموس هي المسيح للبّر لكل من يؤمن" (رو 10: 4). * إشراق مجيء المسيح بإنارة ناموس موسى ببهاء الحق يرفع البرقع الذي يُغطّي حرف الناموس ويُغلق عليه، وذلك لكل من يؤمن به ويخفي في داخله هذه الأمور الصالحة . العلامة أوريجينوس يحدثنا القديس مار يعقوب السروجي عن الناموس أنه يقي البشر من المضرات. * وضع الناموس وأعطى الوصية ليقيهم من المضرات بالفرائض. وعندما تحفظ الحرية ذاتها بالبرّ، يرفع الترابَ إلى قمة العلو، لأنه قد تبرر. ولهذا أنزل موسى اللوحين من جبل سيناء، ليحيا العالم بالناموس الروحي. وبما أن حياة البشر هي عزيزة عليه، فقد علّمهم كيف يحيون ببرٍّ. وإذ أحبهم كثيرًا أرسل ابنه، ليقيمهم من السقوط الذي كانوا فيه. * إن الناموس النيَّر الذي نزل من جبل سيناء لطرد ظلام الوثنية من الخليقة، كان ينتهز كل الوسائل ليبرهن أن للعالم خالقًا... الشعب المثقف كان ماسكًا الناموس كضوءٍ. القديس مار يعقوب السروجي * تلك احتقرت ذلك العزيز في ذلك البهاء، وهذه الطاهرة تبعت الابن بالجهالة. لم ينزل عندها بواسطة الملائكة، كما (نزل) على سيناء، ولم يرتل لها بأبواق السماويين.ولا بالنواميس، ولا بالضباب، ولا بالغيوم، ولا باللهيب، ولا ببروق اللهيب. ولا بتدخين البيت حيث حلّ، إنما نزل ابن العزيز على الأرض بالتواضع. ظهر للإنسانية بالأقماط، والجوع، والعطش، والنوم، والتعب، والحاجة. وهو يُجرب من قبل الشيطان في البرية الخربة، ويُسمى رئيس الشياطين من قبل غير المؤمنين. وتهبّ عليه أمواج الشكوك من كل الجهات، ويُذم لأنه كان يأكل مع الخطاة. وهم يصرخون به، لأنه كان يختلط مع العشارين، ويطالبونه بأن يدفع الجزية للملك. ولم يكن له موضع ليسند إليه رأسه، ولم يكن يُزيح إلا على عفو عار فقط. وهو متمنطق بإزار على حقويه مثل عبد، ويغسل أرجل التراب التي جبلتها يداه. وهو يُباع مِن قِبَل أصحاب الدار الذين كانوا يرافقونه، ويكفر به الأمناء الذين يتبعونه. وهو يُسْاَل مِنْ قبل الحاكم مثل الجاني، ويُجلد بالسياط مثل المذنب. وهو يحتضن العمود في المحكمة، ويشرب العذابات، وهو لابس ثياب العار من قبل المجانين. لما ضفر الدنسون إكليل الأشواك على رأسه، ولما كان يُلطم ويُسأل: من ضربك؟ ولما كان يحمل على كتفه خشبة الصليب ويخرج، ويداه ورجلاه مسمرة من قبل الضالين. ولما كان يُقترع على ثيابه لمن ستكون، ولما قُدمت له المرارة والخل على الإسفنجة. ولما جُرح جنبه بالرمح بدون شفقة، ولما كان يُحنط ويُلفّ ويُقبر، مبارك ذكاؤها. القديس مار يعقوب السروجي وَعَرَّفْتَهُمْ سَبْتَكَ الْمُقَدَّسَ، وَأَمَرْتَهُمْ بِوَصَايَا وَفَرَائِضَ وَشَرَائِعَ عَنْ يَدِ مُوسَى عَبْدِكَ. [14] "سبتك المقدس" (خر 20: 8-11؛ 31: 13-17؛ تث 5: 15). يبدو أن اليهود أهملوا حفظ يوم الرب في أرض السبي، وحتى بعد عودتهم إلى أورشليم لم يحفظوه. بعد أن تحدث عن الشرائع والأحكام الإلهية بصفة عامة، يتحدث هنا عن وصية حفظ السبت بصفة خاصة، ويدعوها "سبتك المقدس". فإن كانت كلمة "سبت" تعني "راحة"، فإن الله يقدم وصيته لا ليصدر أوامر ونواهٍ، وإنما ليستريح فيهم، بكونه أبًا سماويًا يتمتع أولاده بسمة القداسة، فيسكن فيهم، ويستريحون هم فيه وبه، لأنه هو راحتهم وسلامهم وفرحهم ومجدهم. * "استراح الله في اليوم السابع". كانت نبوة تنظر إلى المسيح وهو متعب جسميًا في الجمعة ليستريح من تعب الصليب يوم السبت. لما أعطوه ليشرب الخل على الصليب ذاق وقال: "قد أكمل"... ها قد كمل الآلام، قد كُمل درب الصليب... لم يبطل من عمل دربه (في اليوم السابع) عندما دخل عند الموتى. لأن السبت لا يبطل الأعمال... لم يبطل المسيح فيه من درب تفقده، لأنه صار كارزًا للنفوس المحبوسة في الجحيم... شعر به كل الموتى، وتعامل في تعليمه المليء حياة مع النفوس التي تمردت على تعليم نوح البار. صار المسيح جنينًا ليستقبله الأجنة (يوحنا المعمدان في بطن أمه)، وصار ميتًا ليستقبله الموتى... كانت أليصابات عاقرًا وكان الجحيم عاقرًا. من حضنين عاقرين استقبلاه آدم ويوحنا (المعمدان). آدم من الجحيم، ويوحنا من أليصابات. ما صنعه ربنا بين الموتى في يوم السبت يفوق الوصف، ولا يستطيع اللسان أن يردده. فزع الجحيم أمامه يوم دخله، كما تفرغ المدينة أمام الملك الذي يدخل ليحرر من فيها. في نفس يوم السبت هذا لما استراح من آلام الصليب حيث كان دربه يسير في عمل الخلاص، لأن غاية مجيئه هي أن يدخل ويحل الأسرى من جب الهلاك... لما سار وأتى من عند الآب إلى البتول، ومن البتول إلى المذود... وصُلب بين فاعلي شرور، واحتمل بإرادته كل ما تكلم عنه الأنبياء، فإنه جاز في هذه الأمور لأجل هذا العمل الذي أنجزه يوم السبت في الجحيم. (الرسالة الثالثة والعشرون) * في السبت الحزين كان ابن الأحرار بين الموتى، وفي الأحد كان يُزيح (يُزف بموكبٍ) من قبل أفواج المستيقظين (السمائيين). الجمعة بددت مصاف الرسل بالسيف، وهذا اليوم أبهج وجمع التلمذة. البارحة كان الرسل مختبئين في الكمائن، واليوم خرجوا ليروا الانبعاث بعجب. البارحة الهزيمة والتبعثر والاختفاء، واليوم الركض والتجمع والتبشير. القديس مار يعقوب السروجي وَأَعْطَيْتَهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِجُوعِهِمْ، وَأَخْرَجْتَ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ لِعَطَشِهِمْ، وَقُلْتَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا وَيَرِثُوا الأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتَ يَدَكَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا. [15] يسمح الله لنا في طريق برية هذا العالم أن نجوع ونعطش، لنختبر عذوبة الشبع؛ فهو لا يتركنا في الطريق معتازين إلى شيءٍ. إنه هو شبعنا في هذا العالم والدهر الآتي. "خبز من السماء" (خر 16: 4؛ 10-35؛ مز 78: 24؛ 105: 40، يو 6: 32،51، 58). "ماء من الصخرة" (خر 17: 6؛ عد 20: 8؛ مز 105: 41). * العطايا الإلهية لم تُلَيِّن عناد قلوبهم. أتريد أن أوضح لك هذا بأمثلة من جميع الأمم؟! أية عطايا قُدِّمتْ لليهود (عند خروجهم من مصر)؟ ألم تقم المخلوقات المنظورة كلها بخدمتهم، وأُعطيتْ لهم وسائل جديدة وفريدة للحياة؟ فإنهم (في البرية) لم يكونوا يذهبون إلى سوق، إنما يأخذون ما يُشترَى بمال مجانًا، ولم يفلحوا أرضًا، ولا استخدموا محراثًا ولا مهَّدوا الأرض للزراعة، ولا ألقوا بذورًا، ولم يحتاجوا إلى أمطار ورياح أو فصول للسنة للزراعة، أو أشعة شمس أو شكل معين للقمر أو طقس معين، ولا شيء من هذا القبيل. إنهم لم يعدّوا الأرض لدرس الحنطة، ولا درسوا حنطة، ولا استخدموا مذراة لفصل الحنطة عن القش، ولا طاحونًا ولا فرنًا ولا أحضروا خشبًا أو نارًا في بيت. ولم يحتاجوا إلى أدوات للعجن... ولا أي نوع آخر من الأدوات الخاصة بالنسج والبناء وصنع الأحذية، بل كانت كلمة الله هي كل شيء بالنسبة لهم. لقد كانت لهم مائدة لم تعدها يد بشرية، أُعدتْ بدون جهادٍ أو تعبٍ. لأنه هكذا كانت طبيعة المن، إنه جديد، وطازج، ولا يحملهم أية مشقة أو جهاد . * صار المسيح كل شيء بالنسبة لكم: المائدة والملبس والمنزل والرأس والأصل. " فإنكم جميعا الذين اعتمدتم قد لبستم المسيح" (غل 27:3). انظروا كيف صار ملبسكم؟ أتريدون أن تعرفوا كيف صار طعامكم؟ يقول المسيح: "كما أنا حيّ بالآب هكذا من يأكلني يحيا بي" (يو58:6)؟ وقد صار منزلكم: "من يأكل جسدي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو57:6). ويظهر أنه هو أصلنا وأساسنا عندما يقول: "أنا هو الكرمة وأنتم الأغصان" (يو5:15)، لكي يظهر أنه أخوكم وصديقكم وعريسكم، يقول: "لا أعود أدعوكم عبيدًا، إذ أنتم أصدقائي" (يو15:15). مرة أخرى يقول القديس بولس: "قد خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو2:11). وأيضا "ليكون بكرا بين إخوة كثيرين" (رو29:8). لم نصر فقط إخوته بل أولاده، إذ يقول: "هاأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله" (إش 18:8). لم نصر أولاده فقط بل وأعضاءه وجسده (اكو27:12). إن كانت هذه الأمور التي أشرت إليها غير كافية لتبرهن على حبه ولطفه اللذين يظهرهما لنا، يقدم لنا شيئًا آخر أكثر تقربًا من هذه عندما يتحدث عن نفسه أنه رأسنا (أف 22:1-23) . القديس يوحنا الذهبي الفم وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِوَصَايَاكَ [16] "صلبوا رقابهم" مجاز مأخوذ عن قيادة الثور العنيد الذي يقاوم من يقوده. * غالبا ما كان الشعب الجاحد غير الأمين يحتقر موسى، وكاد أن يرجمه، ومع هذا فإنه باللطف وطول الأناة صلى إلى الرب لأجلهم (عد 14: 13) . الشهيد كبريانوس القديس باسيليوس الكبير وَأَبُوا الاِسْتِمَاعَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَجَائِبَكَ الَّتِي صَنَعْتَ مَعَهُمْ، وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ. وَعِنْدَ تَمَرُّدِهِمْ أَقَامُوا رَئِيسًا لِيَرْجِعُوا إِلَى عُبُودِيَّتِهِمْ. وَأَنْتَ إِلَهٌ غَفُورٌ وَحَنَّانٌ وَرَحِيمٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ فَلَمْ تَتْرُكْهُمْ. [17] "أبوا الاستماع" (1 صم 8: 19؛ إر 11: 10). "لم يذكروا عجائبك" (مز 6: 22). "إله غفور" (مز 130: 4؛ دا 9: 9). يا للعجب كثيرًا ما يفضل الإنسان العودة إلى العبودية لأخيه الإنسان العنيف الطاغية والعاجز عن التمتع بحرية مجد أولاد الله الصانع العجائب. هنا يشير إلى ما ورد في عد 14. فقد تذمر كل الشعب على موسى وعلى هرون، وقالوا: "ليتنا مُتنا في أرض مصر، أو ليتنا مُتنا في هذا القفر. ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف. تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة. أليس خيرًا لنا أن نرجع إلى مصر؟ فقال بعضهم لبعض، نقيم رئيسًا ونرجع إلى مصر" (عد 14: 2-4). * أنا الخاطي على الدوام أحتاج دومًا إلى علاج. * كلما قبلناه (بالتناول) نعلن موت الرب. بالموت نعلن غفران الخطايا. إن كان سفك الدم من أجل غفران الخطايا، فيليق بي دائمًا أن أقبله لكي يغفر دومًا خطاياي. القديس أمبروسيوس مَعَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا لأَنْفُسِهِمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا وَقَالُوا: هَذَا إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ، وَعَمِلُوا إِهَانَةً عَظِيمَةً [18] إذ تمردوا على الله مخلصهم، ونسوا عجائبه معهم، تمرغوا في الفساد، وفي خيانة خطيرة أقاموا لأنفسهم تمثال العجل (خر 32: 4-8؛ تث 9: 16) إلهًا لهم، وحسبوه مخلصهم من أرض مصر. بإرادتهم صلبوا رقابهم ضد الله مخلصهم، واحنوها للتمثال الذهبي، عجل أبيس يستعبدون أنفسهم له. * الذي يتمرغ في حفر الوحل، ويغرق فيها، يسقط في شباك الخيانة. لأن الشعب جلس ليأكل ويشرب، وطلبوا أن تُصنع لهم آلهة [30]. القديس أمبروسيوس أَنْتَ بِرَحْمَتِكَ الْكَثِيرَةِ لَمْ تَتْرُكْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُمْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا لِهِدَايَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلاَ عَمُودُ النَّارِ لَيْلًا لِيُضِيءَ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. [19] كلمة "رحمة" تُنسب "للرحم" التي تحمل معنى المشاعر العميقة الحانية نحو من هم أعزاء علينا أو يحتاجون إلى مساندتنا [31]. الله في طول أناته احتمل عنادهم وتصرفاتهم غير اللائقة، فلم يحرمهم من عمود السحاب نهارًا وعمود النور ليلًا. وَأَعْطَيْتَهُمْ رُوحَكَ الصَّالِحَ لِتَعْلِيمِهِمْ، وَلَمْ تَمْنَعْ مَنَّكَ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ، وَأَعْطَيْتَهُمْ مَاءً لِعَطَشِهِمْ [20] "روحك الصالح": لقد وهب الله السبعين شيخًا الروح نفسه الموهوب لموسى، وصاروا يحملون معه ذات الأثقال، وتنبأوا. تفرغوا بعد ذلك لتدبير أمور الشعب الذي كان يتزايد في شره وعدم التقوى (عد 11: 24-25). وَعُلْتَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا. لَمْ تَبْلَ ثِيَابُهُمْ وَلَمْ تَتَوَرَّمْ أَرْجُلُهُمْ. [21] "لم يحتاجوا" (تث 2: 7؛ 8: 4). "ثيابهم لم تَبْلَ" (تث 29: 5). * أما ثيابهم وأحذيتهم وأبدانهم فقد فقدت ضعفها الطبيعي. فثيابهم وأحذيتهم لم تبلَ بعامل الزمن وأرجلهم لم تتورم رغم كثرة السير. ولم يذكر قط أن بينهم كان أطباء أو دواء أو أي شيء من هذا القبيل. وهكذا قد انتُزع كل ضعف من بينهم. فقد قيل: "فأخرجهم بفضة وذهب ولم يكن في أسباطهم عاثر (هزيل)" (مز 105: 37)... أشعة الشمس في حرارتها لم تضربهم، لأن السحابة كانت تظللهم وتحيط بهم كمأوى متحرك يحمي أجساد الشعب كله. ولم يحتاجوا إلى مشعل يبدد ظلام الليل، بل كان لهم عمود النار كمصدر إضاءة لا يُنطق به، يقوم بعمليْن: الإضاءة بالإضافة إلى توجيههم في طريق رحلتهم... قائدًا هؤلاء الضيوف الذين بلا عدد في وسط البرية بدقة أفضل من أي مرشد بشري. ولم يرحلوا فقط على البرّ بل وفي البحر كما لو كان أرضًا يابسة... فقد قاموا بتجربة جريئة تخالف قوانين الطبيعة. إذ وطأوا البحر الثائر، سائرين فيه كما على صخر يابس صلب. فإذ وضعوا أقدامهم فيه صارت مادته كالأرض اليابسة... وإذ وصل إليه الأعداء عاد إلى ما كانت عليه طبيعته، فصارت للأولين مركبة وللأعداء قبرًا... فقام البحر الذي لا يفهم بدور مُحكَمٍ كأعقل وأذكى إنسان، قام مرة بدور حارس، ومرة أخرى بدور منتقم، مُعلِنًا هذا العمل المتناقض في يوم واحد . القديس يوحنا الذهبي الفم القديس ديديموس الضرير 12. في أرض الموعد وَأَعْطَيْتَهُمْ مَمَالِكَ وَشُعُوبًا وَفَرَّقْتَهُمْ إِلَى جِهَاتٍ، فَأمْتَلَكُوا أَرْضَ سِيحُونَ وَأَرْضَ مَلِكِ حَشْبُونَ، وَأَرْضَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ. [22] بقوله "إلى الجهات" ربما يشير إلى عبر الأردن، فقد قادهم طول رحلة البرية، ووهبهم ممالك وأمم شرق وغرب الأردن. لم يكن بالأمر السهل لشعب بلا خبرة عسكرية منذ نشأتهم في أرض مصر، يمارسون رعاية الغنم في وادي النيل دون دخول في معارك مع قبائل أو شعوب أن ينالوا نصرات مستمرة، فامتلكوا الكثير حتى أرض سيحون، وأرض ملك حشبون، وأرض عوج ملك باشان. سيحون: ملك أموري حاول أن يمنع اليهود من المرور في أرضه، وهم في طريقهم إلى أرض الموعد، فانهزم جيشه، ووزعت أرضه على أسباط إسرائيل (عد 21: 21-29). صار عبرة لمن يقاوم الله وشعبه. وكما يقول المرتل: "الذي ضرب أممًا كثيرة، وقتل ملوكًا أعزاء؛ سيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان وكل ممالك كنعان، وأعطى أرضهم ميراثًا. ميراثًا لإسرائيل شعبه" (مز 135: 10-12). حشبون: عاصمة مُلك سيحون ملك الأموريين. كانت أصلًا للموآبيين، استولى عليها سيحون، ثم أخذها بنو إسرائيل بقيادة موسى النبي (عد21: 25-26). تعرف حاليًا باسم حسبان. تقع على الحدود بين سبطي جاد ورأوبين. عوج: ملك الأموريين في باشان، من سلالة الرفائيين. كان طويل القامة، جبار بأس، له سرير من حديد ضخم. ذبحه بنو إسرائيل في أذرعي، واحتلوا مملكته. وَأَكْثَرْتَ بَنِيهِمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأَتَيْتَ بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي قُلْتَ لآبَائِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا وَيَرِثُوهَا. [23] تحقق وعد الله لإبراهيم (تك 22: 17؛ 26: 4) فَدَخَلَ الْبَنُونَ وَوَرِثُوا الأَرْضَ، وَأَخْضَعْتَ لَهُمْ سُكَّانَ أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ، وَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِهِمْ مَعَ مُلُوكِهِمْ وَشُعُوبِ الأَرْضِ، لِيَعْمَلُوا بِهِمْ حَسَبَ إِرَادَتِهِمْ. [24] دخول نسله إلى أرض الموعد (تك 22: 17؛ 26: 4؛ خر 32: 13؛ تث 1: 8؛ 10: 22). "أخضعت لهم سكان أرض الكنعانيين" (تث 9: 3؛ قض 1: 4) مع ملوكهم (تث 7: 24؛ يش 11: 12، 17) وَأَخَذُوا مُدُنًا حَصِينَةً وَأَرْضًا سَمِينَةً، وَوَرِثُوا بُيُوتًا مَلآنَةً كُلَّ خَيْرٍ وَآبَارًا مَحْفُورَةً وَكُرُومًا وَزَيْتُونًا وَأَشْجَارًا مُثْمِرَةً بِكَثْرَةٍ. فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَسَمِنُوا وَتَلَذَّذُوا بِخَيْرِكَ الْعَظِيمِ. [25] هذه القائمة الخاصة بالأراضي والمدن والبيوت إلخ. تتفق مع القائمة الواردة في عهد سيناء وتجديده كما ورد في (تث 6: 10- 11؛ يش 24: 13) تشير المدن المحصنة إلى أريحا ولخيش وحاصور. الآبار المحفورة: لما كان المطر نادرًا في أغلب أيام السنة، لهذا كان كل بيت يلحق به بئر أو مخزن مياه تجمع فيه مياه الأمطار (2 مل 18: 31؛ أم 5: 15). حوالي سنة 1200 ق.م. تم إنشاء مخازن المياه للانتفاع بالأمطار التي تتساقط على تلال يهوذا. أهم أشجار فلسطين كانت الزيتون والتين والتفاح واللوز والجوز والتوت والجميز والرمان (تث 8: 8؛2 مل 18: 32). أما أشجار النخيل فكانت تنمو في وادي الأردن. عندما دخلوا كنعان حذر الله شعبه من قطع أية شجرة للفاكهة. كان لديهم من المحاصيل ما يشبعهم ويبهج حياتهم. وَعَصُوا وَتَمَرَّدُوا عَلَيْكَ، وَطَرَحُوا شَرِيعَتَكَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ الَّذِينَ أَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ لِيَرُدُّوهُمْ إِلَيْكَ، وَعَمِلُوا إِهَانَةً عَظِيمَةً. [26] بالنسبة لوضع الشريعة وراء ظهورهم وقتل الأنبياء راجع (1 مل 18: 4؛ 19: 10، 14؛ 2 أي 24: 20- 22، إر 26: 20- 23) مرتكبين تجاديف خطيرة. كما جاء في التقاليد الأولى الله يستمر في العطاء وإسرائيل كان مستمرًا في الجحود. * "ليس نبي مقبولًا في وطنه" (لو 4: 24). إذ كانت عناثوت وطن إرميا (إر 11: 21) لم تُحسن استقباله. وأيضًا إشعياء وبقيَّة الأنبياء، رفضهم وطنهم أي أهل الختان... أما نحن الذين لا ننتسب للعهد بل كنَّا غرباء عن الوعد، فقد استقبلنا موسى والأنبياء الذين يعلنون عن المسيح، استقبلناهم من كل قلوبنا أكثر من اليهود الذين رفضوا المسيح، ولم يقبلوا الشهادة له . العلامة أوريجينوس وَفِي وَقْتِ ضِيقِهِمْ صَرَخُوا إِلَيْكَ وَأَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ سَمِعْتَ وَحَسَبَ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ أَعْطَيْتَهُمْ مُخَلِّصِينَ خَلَّصُوهُمْ مِنْ يَدِ مُضَايِقِيهِمْ. [27] أعطاهم مخلصين ينقذونهم من مضايقهم مثل جدعون ويفتاح وشمشون، إذ كانوا قادة حرب جبابرة. وَلَكِنْ لَمَّا اسْتَرَاحُوا رَجَعُوا إِلَى عَمَلِ الشَّرِّ قُدَّامَكَ، فَتَرَكْتَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ، فَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ رَجَعُوا وَصَرَخُوا إِلَيْكَ. وَأَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ سَمِعْتَ وَأَنْقَذْتَهُمْ حَسَبَ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ أَحْيَانًا كَثِيرَةً. [28] يسجل لنا سفر القضاة دورات مستمرة متكررة من عمل الله للخلاص ثم راحة الشعب فتمردهم، فالسماح بمضايقين لهم، وإذ يصرخوا يرسل لهم الله قاضيًا يخلصهم، وتبدأ حلقة جديدة متكررة. * الخطية ثقيلة جدًا، تحتاج إلى مراحم عظيمة . القديس جيروم وَأَمَّا هُمْ فَبَغُوا وَلَمْ يَسْمَعُوا لِوَصَايَاكَ، وَأَخْطَأُوا ضِدَّ أَحْكَامِكَ الَّتِي إِذَا عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا. وَأَعْطُوا كَتِفًا مُعَانِدَةً وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا. [29] فَاحْتَمَلْتَهُمْ سِنِينَ كَثِيرَةً، وَأَشْهَدْتَ عَلَيْهِمْ بِرُوحِكَ عَنْ يَدِ أَنْبِيَائِكَ، فَلَمْ يُصْغُوا فَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِ شُعُوبِ الأَرَاضِي. [30] وَلَكِنْ لأَجْلِ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ لَمْ تُفْنِهِمْ، وَلَمْ تَتْرُكْهُمْ لأَنَّكَ إِلَهٌ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ. [31] 13. اعتراف بالخطايا وَالآنَ يَا إِلَهَنَا الإِلَهَ الْعَظِيمَ الْجَبَّارَ الْمَخُوفَ حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ، لاَ تَصْغُرْ لَدَيْكَ كُلُّ الْمَشَقَّاتِ الَّتِي أَصَابَتْنَا، نَحْنُ وَمُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَكَهَنَتَنَا وَأَنْبِيَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِكَ، مِنْ أَيَّامِ مُلُوكِ أَشُّورَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [32] بعد هذا العرض المطول لتاريخ معاملات الله مع شعبه وإن كان لم يشر إلى فترات مملكة شاول وداود وسليمان، ينتقل إلى الموقف الحاضر. فيمزج التاريخ الماضي بالحاضر، ليصير حديثه حيًا وعمليًا. فإن الله العامل في التاريخ لازال يعمل وهو القدير والحافظ العهد (تث 7: 9؛ 1 مل 8: 23، 2 أي 6: 14). لقد صار الأمر خطيرًا منذ الغزو الأشوري، فالضيقات المتوالية حلت على كل الفئات من الملوك والرؤساء حتى رجال الكهنوت والأنبياء وعامة الشعب. * يحمل الإيمان جانبين: الحب والخوف، كل يكمل الآخر. إنني لا أخاف الأب كخوفي من الحيوان المفترس، إذ أخافه وأكرهه، لكنني أخاف الأب وأحبه في نفس الوقت. كذلك عندما أخاف العقاب إنما هو حب لنفسي خلال الخوف. فمن يخاف أن يعصى أباه إنما يحب نفسه طوبى للذي له الإيمان، فإنه يحمل الحب والخوف معًا . القديس إكليمنضس السكندري وَأَنْتَ بَارٌّ فِي كُلِّ مَا أَتَى عَلَيْنَا، لأَنَّكَ عَمِلْتَ بِالْحَقِّ وَنَحْنُ أَذْنَبْنَا. [33] مع مرارة الضيقة يعترف نحميا أن الله بار، وما حل بالجميع هو ثمر طبيعي للإثم. وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا وَكَهَنَتُنَا وَآبَاؤُنَا لَمْ يَعْمَلُوا شَرِيعَتَكَ. وَلاَ أَصْغُوا إِلَى وَصَايَاكَ وَشَهَادَاتِكَ الَّتِي أَشْهَدْتَهَا عَلَيْهِمْ. [34] مرة أخرى يعترف نحميا أنه كان يمكن أن يتقدس الكل فبين أيديهم كل الإمكانيات، لكن الجميع أبوا أن ينصتوا إلى وصايا الله وشهاداته. وَهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ فِي مَمْلَكَتِهِمْ، وَفِي خَيْرِكَ الْكَثِيرِ الَّذِي أَعْطَيْتَهُمْ، وَفِي الأَرْضِ الْوَاسِعَةِ السَّمِينَةِ الَّتِي جَعَلْتَهَا أَمَامَهُمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْ أَعْمَالِهِمِ الرَّدِيئَةِ. [35] كثيرًا ما ينشغل الإنسان بالبركات التي يهبه الله إياها عن الله نفسه، فنتكل على ممتلكاتنا وثروتنا لا على واهبها. يقصد بخير الله صلاحه، فإنه كل ما يقدمه لنا هو من قبيل صلاح هو حبه. أما وقد جاء الصالح إلينا في الجسد، وحل بيننا فإننا إذ نتحد به ننعم بروح الصلاح، ونصير أيقونة له. أما الأرض التي وهبهم إياها فواسعة أشارة إلى السماء المتسعة لكل المؤمنين وسمينة أو خصبة أشارة إلى السماء التي تفيض علينا بثمر الفرح والسلام. هَا نَحْنُ الْيَوْمَ عَبِيدٌ، وَالأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتَ لآبَائِنَا، لِيَأْكُلُوا أَثْمَارَهَا وَخَيْرَهَا هَا نَحْنُ عَبِيدٌ فِيهَا [36] من يأكل الخطية ويشربها يسقط في فخاخٍ، فتنحل إرادته وتضعف، ويجد نفسه عبدًا لها في مذلةٍ، لا يقدر الخلاص منها، بل يعطش إليها، لا نعجب من هذا، فإن من يستخدم المخدرات كلما استخدمها يصير بالأكثر أسيرًا في فخاخها، ويزداد بالأكثر تعلقه بها. * كل شخصٍ: يهودي أو يوناني، غني أو فقير، صاحب سلطة أو في مركز عام، الإمبراطور أو الشحاذ، "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" [34]. إن عرف الناس عبوديتهم يرون كيف يقتنون الحرية. المولود حرًا ويسبيه البرابرة يتحول من حرٍ إلى عبدٍ، وإذ يسمع عنه شخص آخر يتحنن عليه ويتطلع أن لديه مالًا فيفديه، يذهب إلى البرابرة ويعطيهم مالًا ويفدي الرجل. إنه بالحق يرد له الحرية، إذ ينزع الظلم... إني أسأل الذي تمتع بالفداء: هو أخطأت؟ يجيب "أخطأت". إذن لا تفتخر بنفسك أنك قد اُُفتديت، ولا تفتخر يا من افتديته، بل ليهرب كليكما إلى الفادي الحقيقي. أنه جزئيًا يُدعى الذين تحت الخطية عبيدًا، إنهم يدعون أمواتا. ما يخشاه الإنسان حلول السبي عليه الذي جلبه الإثم عليه فعلًا. لماذا؟ هل لأنهم يبدون أنهم أحياء؟ هل أخطأ القائل: "دع الموتى يدفنون موتاهم" (مت 8: 22)؟ إذن فكل الذين تحت الخطية هم أموات، عبيد أموات، أموات في خدمتهم، وخدام (عبيد) في موتهم . القديس أغسطينوس وَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى أَجْسَادِنَا وَعَلَى بَهَائِمِنَا حَسَبَ إِرَادَتِهِمْ، وَنَحْنُ فِي كَرْبٍ عَظِيمٍ. [37] من هم هؤلاء الملوك الذين يتسلطون على أجسادنا وبهائهمنا إلا الشهوات والخطايا التي نفتح لها باب الفكر والقلب، فتتسلم قيادة إنساننا الداخلي وتستعبدنا حسب أهوائها. وكما كتب الإنجيلي يوحنا: "أجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: 34). * إنه عبد، يا ليته لإنسان بل للخطية! من لا يرتعب أمام مثل هذه الكلمات؟ الرب إلهنا يهبنا - أنتم وأنا - أن أتكلم بتعبيرات لائقة عن هذه الحرية، باحثًا عنها، وأن أتجنب تلك العبودية... يا لها من عبودية بائسة! عندما يعاني البشر من سادة أشرار يطلبون على أي الأحوال تغيير السيِّد. ماذا يفعل عبد الخطية؟ لمن يقدم طلبه؟ إلى من يطلب الخلاص...؟ أين يهرب عبد الخطية؟ فإنه يحمل (سيِّدته، أي الخطية) أينما هرب. لا يهرب الضمير الشرير من ذاته، لا يوجد موضع يذهب إليه. نعم لا يقدر أن ينسحب من نفسه، لأن الخطية التي يرتكبها هي في داخله. يرتكب الخطية لكي يحصل على شيءٍ من اللذة الجسدية. لكن تعبر اللذة وتبقى الخطية. ما يبتهج به يَعبر، وتبقى الشوكة خلفها. يا لها من عبودية شريرة...! لنهرب جميعًا إلى المسيح، ونحتج ضد الخطية إلى الله بكونه مخلصنا. لنطلب أن نُباع لكي ما يخلصنا بدمه. إذ يقول الرب: "مجانًا بُعتم وستخلصون بدون مالٍ" (إش 52: 3). تخلصون بدون ثمن من جانبكم؛ هكذا يقول الرب، لأنه هو دفع الثمن لا بمالٍ بل بدمه، وإلاَّ بقينا عبيدًا معوزين . القديس أغسطينوس * إن غلبتنا الشهوات الجسدية وصرنا عبيدًا لها في هذه المعركة لا نكون حاملين لعلامة الحرية، ولا لعلامة القوة، ونُستبعد من النضال ضد القوات الروحية كغير أهلٍ وكعبيدٍ بكل ما يسببه ذلك من ارتباك. لأن "كل من يفعل الخطية هو عبد للخطية" (يو 34:8). هكذا يصفنا الرسول بمثل هذه التسمية "زناة". "لم تصبكم تجربة إلا بشرية". (1 كو13:10). لأننا إن لم نهدف لإدراك قوة الفكر لن نكون أهلًا للدخول في صراع أشد ضد الشر على مستوى أعلى، إن كنا لم ننجح في إخضاع جسدنا الضعيف الذي يقاوم الروح . القديس يوحنا كاسيان * تهبنا المعمودية المقدسة حرية كاملة، ومع ذلك فللإنسان مطلق الحرية والإرادة، إما أن يُستعبد مرة أخرى لرباطات شهوانية، أو يبقى حرًا في تنفيذ الوصايا. فإن التصقت إحدى الشهوات بالفكر، فهذا يكون من عمل إرادتنا الخاصة، وليس رغمًا عنا. إذ يقول الكتاب أنه قد أُعْطِيَ لنا سلطانًا "هادمين ظنونًا" (2 كو 10: 5). ويكون الفكر الشرير، بالنسبة لمن يهدمونه، علامة على حبهم لله وليس للخطية. لأن وجود الفكر الشرير ليس فيه خطية، إنما تكمن الخطية في حديث العقل معه حديث ودٍ وصداقةٍ. فلو أننا لسنا مغرمين بالفكر الشرير، فلماذا نتباطأ نحن فيه؟ إذ ما نبغضه من كل القلب، يستحيل أن تطيل قلوبنا الحديث معه إلاَّ إذا كان لنا شركة خبيثة معه! الأب مرقس الناسك وَمِنْ أَجْلِ كُلِّ ذَلِكَ نَحْنُ نَقْطَعُ مِيثَاقًا وَنَكْتُبُهُ. وَرُؤَسَاؤُنَا وَلاَوِيُّونَا وَكَهَنَتُنَا يَخْتِمُونَ. [38] إذ يقدم الشعب توبة جماعية يلتزم بتجديد العهد أو الميثاق مع الله. إذ اعترف الشعب أنهم كآبائهم كسروا العهد مرة ومرات، ولم يظهروا الأمانة مقابل أمانة الله وطول أناته عليهم، طلبوا أن يُسجل قطع العهد كتابة، ويوقع عليه رؤساؤهم واللاويون والكهنة ويختمونه، حتى يكون شاهدًا عليهم في المستقبل إن أرادوا كسره من جديد. إن كان الله قد وهب آباءهم أرض الموعد، وطرد أمامهم الأمم والشعوب ليعيشوا في كمال الحرية، لكن الخطية ربطتهم من جديد في قيود العبودية، حتى وإن وجدوا في أرض الموعد. صار الإنسان في حاجة لا إلى تغيير المكان، بل إلى تجديد الأعماق ليتمتع بحرية مجد أولاد الله . من وحي نح 9 لأرجع إليك يا عظيم في المراحم * هب لي يا رب أن أصوم عن كل شيءٍ، فأنت هو شبعي وكفايتي. لست أعيش في حرمان، مادمت أنت تملأ كل فراغي. أقتنيك، فلا أعتاز إلى شيءٍ. * لأقوم من تهاوني، وأجلس عند قدميك مع مريم أخت لعازر ومرثا. أسمع صوتك، وأتمتع بعذوبة وصيتك. حملك حلو، ونيرك هين. وصيتك تلهب كل أعماقي بنار حبك. اشترك مع كل الخليقة في التسبيح لك. يا أيها الخالق المبدع في حبه، يا أيها المخلص الفاتح أبواب سماواته لنا. ماذا نرد لك من أجل كثرة إحساناتك. * أعود إلى الماضي، فأرى التاريخ كله بين يديك. وهبت أبي أبرام اسمًا جديدًا، فنال أبوة نحو كل المؤمنين، وساراي صارت أمًا للجميع. هب لي حبًا لكل إنسانٍ في العالم. هيئني فاحمل أيقونتك يا أيها الحب! * لم تدع آبائي معوزين شيئًا. أغدقت بالمراحم عليهم. قدمت لهم أكثر مما سألوا، وفوق ما احتاجوا. كنت على الدوام طويل الأناة معهم، أما هم فقدموا الجحود والتذمر. صليبك ينزع عني جحودي. صليبك يحملني إلى أحضانك. صليبك يحررني من عبودية الخطية! * أنقذت شعبك من عبودية فرعون، وحررته من سبي بابل، وها أنت تحرر مؤمنيك من عبودية إبليس! بك أجحد إبليس وكل قواته. بك أتمتع ببِّرك وأحيا معك. بك أتمتع بنصرات لا تنقطع * لأرجع إليك والتصق بك. ليقودني روحك القدوس، ويجدد على الدوام أعماقي، يرفعني من مجدٍ إلى مجدٍ، إلى يوم لقائي معك! |
||||
|