رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المعرفة الآتية من الله (1: 17- 18 أ) حين توسّل بولس من أجل هذه الجماعات، طلب الحكمة الحقيقيّة. وقد بدت منذ البداية بشكل موهبة ننالها ونعمة مجانيّة من الله. ولا يستطيع أن يعطيها إلا "إله ربنا يسوع المسيح وربّ المجد" (آ 17). إن هذه الألقاب الليتورجية (رج 1: 3؛ روم 15: 6؛ 2 كور 11: 31) تجد مكانها الأصلي في صلاة. ولكن بولس قد أدخلها هنأ كباعث على الثقة بالله. لسنا فقط أمام إله الآباء، أو إله موسى، بل "إله ربنا يسوع المسيح"، الذي كشف عن ذاته به (بالمسيح) وفيه. لا يدخل بولس في لاهوت مجرّد حول كيان الله. بل هو يعود إلى الحدث الذي طبع بطابعه تاريخ العالم، إلى هذا الحدث الذي يجب أن يكون أساس ثقتنا بالله. وسمّي الله أيضاً "إله المجد". لا شكّ في أن كيانه هو في المجد السماوي. ثم أنه يفيض بقدرته العجيبة شعاع كيانه الذي يستطيع وحده أن يمنح المعرفة والوحي. وإذ أراد بولس أن يحدّد واقع المعرفة هذا، ضمّ إليه كلمة "روح" (آ 17). فعطيّة الروح تميّز الأزمنة المسيحانية (أش 11: 2؛ يو 3: 1- 5). وهي تطبع بطابعها منعطف التاريخ الذي فيه يتدخّل الله بشكل حاسم في العالم. وحين استعمل بولس هذه العبارة دلّ على أن قدرة الله ما زالت تعمل، وأن هذا التبدّل ليس وليد مجهود الإنسان. فالله يتدخّل في عالم البشر لينشىء مشاركة تكمل يوماً بعد يوم، بين الله والبشر. فروح المسيح الذي هو موهبة مجانيّة من الربّ، يتيح لنا أن نلج سّر الله، أن ندخل إلى وحيه الذي هو حكمة (أي: صرفة قصده) وتأوين للسّر. فالجسد (أو البدن واللحم والدم) الذي يدلّ على الإنسان المتروك لنفسه، يعارض الروح ولا يستطيع أن يحقّق هذه المعرفة. إن بولس يجعل نفسه طوعاً في تيّار العهد القديم المواجه للاعتبارات الهلنستيّة. وإن استعمل المفردتين "حكمة" و"وحي" فقد استعملهما في خطّ التيّارات اليهودية المرتبطة بعالمَي الحكمة والجليان. فالمعرفة هي حكمة من حيث إنها تتيح لإنسان أن يتعرّف إلى مشيئة الله، أن يميّز ما هو حقّ، وما يجب أن يعمل في وقت محدّد. هنا تظهر الحرّية المسيحية التي هي توافقُ حبّ مع مخطّط الله من أجل خلاص العالم. وهذه الحكمة التي هي موهبة روح الله، التي تشرك الإنسان في الوحي، هي في خدمة معرفة الله. وقد أكّد بولس مراراً أن معرفة الله تفترض الإيمان والمحبّة أو بالأحرى تتضمّنهما (3: 17 ي؛ 4: 13؛ كو 2: 2). إذن، ليست معرفة الله علماً مجرّداً وخطبة عن الله. إنها خبرة إيمان ومحبّة، ومشاركة مع الله الذي يوحّد الكائن الحيّ ويوحّد معه أعماله. أما سبب هذه المعرفة فهو أن "عيون القلب قد استنيرت" (آ 18). عبارة تدهشنا للوهلة الأولى، ولكنها مأخوذة من تقليد ليتورجي قديم (مز 18: 9؛ نح 9: 8؛ با 1: 2). فتجاه تقسية القلب التي ترفض التعرّف إلى حضور الله في العالم، نحن أمام استنارة العقل الذي يلتقي بالله في معبده أو في شريعته. والفعل في صيغة الماضي الكامل، يدلّ على أن بولس يفكّر في حدث مضى واستمرت نتيجته باقية: في الواقع، إنه يحيلنا إلى التوبة العمادية. فبالعماد تبدّل قلب الإنسان، تبدّل كائنه الحميم الذي منه تخرج القرارات. فالإنسان الذي كان ظلمة (4: 18؛ رج 1: 21) قد صار نوراً (2 كور 4: 6). إذن، نقطة الإنطلاق هي استنارة أسراريّة في قلب الحياة التي تصبح وجوداً واعياً: وهي تعبرّ عن نفسها مدى العمر. هذه المعرفة التي أعطيت في بدء التوبة العماديّة، وعبرّت عنها خبرة حياة الإيمان والمحبّة، هي توسّع يصلح لأن يكون موضوع توسّل. |
|