رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يعقوب والتأديب «لَمَّا فَرَغُوا مِن أَكْلِ القَمحِ .. أن أَبَاهُم قَالَ لَهُمُ: ارجِعُوا اشترُوا لَنا قَلِيلاً مِنَ الطَّعَامِ» ( تكوين 43: 2 ) لقد كانت الخسائر التي كابَدها يعقوب والتجارب التي كان عليه مواجهتها ضمن ”كل الأشياء“ التى عملت معًا لخيره ( تك 35: 8 ، 19، 22، 29؛ 37: 31-35؛ رو8: 28). لكن مُعاملات الله التأديبية مع بطريركنا لم تأتِ بثمر البر للسلام في الحال – لكنها أتَت به ”فيما بعد“ أو ”أخيرًا“ ( عب 12: 11 ). أما أولاً فلا نرى إلا مقاومة الجسد. فعندما رجع بنو يعقوب من مصـر، بعدما اشتروا القمح، لم يكن معهم شمعون. والأسوأ من ذلك أنهم أخبروا أباهم أن سيد صوامع التخزين في مصر، طالَبهم بالإتيان ببنيامين معهم عند رجوعهم ثانيةً. فاستمع إلى انفجار الكدَر الخارج من شفتي يعقوب عند سماعه تلك الأخبار: «فَقَالَ لَهُم يَعقُوبُ: أَعدَمتمُونِي الأَولاَدَ. يُوسُفُ مَفقُود،ٌ وَشَمعُونُ مَفقُودٌ، وَبِنيَامِينُ تَأخُذُونَهُ. صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ!» ( تك 42: 36 ). مسكين يعقوب! إنه ينظر إلى الأمور التي تُرى، لا إلى التي لا تُرى، ويمشي بالعيان لا بالإيمان. لم يبدو له أن لله قصدًا حكيمًا من وراء كل تلك الأحداث بل حكَم ”بِحسِّه الواهن“. لكن قبل أن ننطق بالحُكم على يعقوب، دعونا نتذكَّر الكلمة المذكورة في رومية 2: 1 «لِذلِكَ أَنتَ بِلاَ عُذرٍ أَيُّهَا الإِنسَانُ، كُلُّ مَن يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيرَكَ تَحكُمُ عَلَى نَفسِكَ. لأَنَّكَ أَنتَ الَّذِي تَدِينُ تَفعَلُ تِلكَ الأُمُورَ بِعَينِهَا!». إلا أن يعقوب لم يستمر على هذه الحالة طويلاً، بل إن ما ذُكر عنه بعد ذلك نرى فيه روحًا أفضل: «وَكَانَ الجُوعُ شَدِيدًا فِي الأَرضِ. وَحَدَثَ لَمَّا فَرَغُوا مِن أَكلِ القَمحِ الَّذِي جَاءُوا بِهِ مِن مِصـرَ، أَنَّ أَبَاهُم قَالَ لَهُمُ: ارجِعُوا اشترُوا لَنَا قَلِيلاً مِنَ الطَّعَامِ» ( تك 43: 1 ، 2). فالانفراجة التي حصلوا عليها من رحلة بنيه الأولى إلى مصر، والقمح الذي أتوا به من هناك سرعان ما نفذ، وكان الجوع لم يَزَل ”شَدِيدًا فِي الأَرْضِ“؛ فحرَّض يعقوب بنيه «ارجِعُوا اشترُوا لَنَا قَلِيلاً مِنَ الطَّعَامِ». ألا تدُّل هذه الكلمة ”قَلِيلاً“ على التأثير المُبارك لمعاملات الله التأديبية معه؟ فعدم الإيمان والجَشَع كانا ليرغبا في الكثير من الطعام للتخزين بطول المجاعة، لكن يعقوب اكتفى ”بالقليل“؛ فلم نَعُد نراه كسابق عهده؛ أنانيًا وطماعًا، بل يسعى أن يكون لمَن قلَّ مخزونه، نصيبًا أيضًا مثله. وطالما كان المستقبل مجهولاً، فهو يثق بالله. |
|