هناك عامل آخر يجب أخذه في الاعتبار وهو المناخ، فهل صار المناخ أقل ملاءمة عنه في الأزمنة الكتابية؟ ولا شك أن تقدير الظروف منذ أربعة آلاف عام مضت، أمر شديد التعقيد، فالأوضاع قديمًا تختلف اختلافًا كبيرًا عنها حاليًا. فلعل البيئة ضمت حينئذ أنواعًا من الحيوانات لم تعد موجودة الآن وهي الأنواع التي يمكنها أن تعيش في ظروف الرطوبة العالية، ولعلها لم تتضمن الأنواع التي تلائمها ظروف الجفاف.
وترى إحدى المدارس العلمية أن قطع الأشجار له أثر ضار على المناخ، وبخاصة على الأمطار، بينما تؤدي زراعة الأشجار إلى تحسن تلك الظروف، فالأرض ذات الغطاء الشجري الكثيف تتيح استغلال الماء بطريقة أفضل - كما أن الغابة الواقعة على قمة تل أو جبل تساعد على هطول المطر من السحب، ولكنه تأثير هامشي يمكن التغاضي عنه.
ويقول من يؤمنون بأن فلسطين لم تعد الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا - كما كانت في القديم - إن هناك تحولًا مستمرًا نحو مناخ أكثر جفافًا. ومما يزيد الأمر غموضًا أن شمالي صحراء النقب كان مأهولًا قي فترتين - على الأقل - طويلتين ومتباعدتين. ولكن تكاد الأدلة المتاحة أن تجمع على عدم حدوث تغيرات ذات قيمة في الأحوال المناخية، وإن الغطاء النباتي في مختلف المناطق مازال كما كان عندما وقعت أعين الآباء الأوائل على أرض كنعان. أما التقلص الشديد في مساحة ونوعية الغطاء النباتي، فما هو إلا نتيجة مباشرة أو غير مباشرة للأنشطة البشرية.
وبالنسبة لصحراء النقب، فقد أعاد علماء النبات والزراعة بناء السدود الترابية التي كانت في عهد النبطيين في "أودات"، واستخدموا نفس نظامهم في الري لإقامة المزارع والبساتين مما يدل على أن المطر الآن لا يقل عما كان عليه وقتئذ.
وثبات المناخ يفترض ثبات الغطاء النباتي، وبالتالي ثبات المجموع الحيواني، مما ييسر تفسير الأمور، مهما كان تأثير الإنسان معقدًا ومدمرًا عبر الأزمان.