|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تسبحة شكر من أجل الملكوت بنهاية الأصحاح السابق ينتهي الجزء الخاص بتهديدات إشعياء النبي بالخراب الذي يحل بالأمم بسبب البعد عن الله وعصيانه ومقاومته، أما الأصحاحات 25-27 فتُقدم تسابيح الخلاص وتعلن مقاصد الله من جهة التأديب، كما تكشف عن مدى اشتياق الله نحو كرمه المشتهاة ودعوته شعبه للتمتع بالوليمة العظيمة وتحطيم قوى إبليس. الأصحاح 25 (إش 25) يمثل تسبحة من أجل عمل الله مع شعبه الذي يردهم من السبي ويهلك أعداءهم (من بينهم موآب)، كرمز لعمله الخلاصي في العهد الجديد حيث يُقيم ملكوته، واهبًا الحرية لشعبه والغلبة على قوات الظلمة. يدخل بنا هذا الأصحاح إلى ملكوت العهد الجديد حيث يظهر الرب قادمًا ليُقيم مملكته السماوية في حياة البشر. هذا ما أعلنه القديس يوحنا المعمدان في بدء خدمته قائلًا: "توبوا فأنه قد اقترب منكم ملكوت السموات"، أما الملك نفسه فقال: "ملكوت الله داخلكم" (لو 7: 21). لقد رفض الجاحدون الملك المسيا، ومع هذا فلا يكف الملك عن أن يدعو كل البشرية إلى ملكوته قائلًا: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28). إنها دعوة مفتوحة للجميع عبر كل الأجيال. تسبحة حمد لله: 1 يَا رَبُّ، أَنْتَ إِلهِي أُعَظِّمُكَ. أَحْمَدُ اسْمَكَ لأَنَّكَ صَنَعْتَ عَجَبًا. مَقَاصِدُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ. 2 لأَنَّكَ جَعَلْتَ مَدِينَةً رُجْمَةً. قَرْيَةً حَصِينَةً رَدْمًا. قَصْرَ أَعَاجِمَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَدِينَةً. لاَ يُبْنَى إِلَى الأَبَدِ. 3 لِذلِكَ يُكْرِمُكَ شَعْبٌ قَوِيٌّ، وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ. 4 لأَنَّكَ كُنْتَ حِصْنًا لِلْمِسْكِينِ، حِصْنًا لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ، مَلْجَأً مِنَ السَّيْلِ، ظِّلًا مِنَ الْحَرِّ، إِذْ كَانَتْ نَفْخَةُ الْعُتَاةِ كَسَيْل عَلَى حَائِطٍ. 5 كَحَرّ فِي يَبَسٍ تَخْفِضُ ضَجِيجَ الأَعَاجِمِ. كَحَرّ بِظِلِّ غَيْمٍ يُذَلُّ غِنَاءُ الْعُتَاةِ. انفتحت عينا إشعياء النبي على ملكوت المسيح ففاض قلبه تهليلًا وانطلق لسانه يُسبح الله من أجل عمله الخلاصي؛ بعدما تنبأ عن التأديبات المُرّة صار مرتلًا يُقدم مزامير حمد لله. أما سرّ تسبيحه وحمده لله فهو: أ. تحقيق كلمات الله ومواعيده الأمينة الصادقة: "يا رب أنت إلهي أُعظمك، أحمد اسمك لأنك صنعت عجبًا، مقاصدك منذ القديم أمانة وصدق" [1]. لقد أدرك النبي أن سرّ الخلاص يكمن في مواعيد الله الأمينة وعمل يديه العجيبة. لهذا يعلق القديس إيرناؤسعلى هذه التسبحة قائلًا: [نرى هنا أننا لا نخلص بأنفسنا بل بعون الله]. نسبح الله ونحمده من أجل مقاصده الإلهية الأزلية العجيبة، فمنذ القديم مهتم بخلاصنا، قبل أن نوجد، لأننا كنا في فكره، موضع حبه. ب. إبادة الشر (بابل): "لأنك جعلت مدينة رجمة، قرية حصينة ردمًا، قصر أعاجم أن لا تكون مدينة، لا يبُنى إلى الأبد" [2]. خلاصنا بالذراع الإلهي يتحقق بالقضاء على الشر، أي على مدينة بابل المتعجرفة والمملوءة ارتباكًا، المحتضنة بضد المسيح. وكأن سرّ تسبيحنا هو قيام مملكة المسيح الذي يُلازمه انهيار مملكة إبليس المقاوم للحق وتحطيم لمدينته وهدم لقصره. لعل المدينة هنا تُشير إلى سيطرة عدو الخير على الجماعة، والقرية تُشير إلى سيطرته على جماعة أقل مثل الأسرة، والقصر يُشير إلى تملكه على القلب، فان عدو الخير يعمل على كل المستويات ليملك خلال الجماعة أو الأسرة أو الفرد... ومسيحنا أيضًا يُقاومه على كل المستويات ليهدم كل أثر لمملكته. أما دعوة النفس التي يُسيطر عليها العدو "قصر الأعاجم" أو "قصر الغرباء" فلأن عدو الخير بملائكته يحتلون النفس كغرباء وأعاجم، يملكون ما ليس لهم؛ إنها خليقة الله الصالحة التي تسللوا إليها. لعل أيضًا هدم المدينة أو القرية أو القصر يُشير إلى هدم إنساننا القديم بكل أعماله لأجل التجديد المستمر لإنساننا الداخلي على صورة خالقه (2 كو 4: 16). ج. الكرازة: مما يفرح القلب ويملأه تسبيحًا أن قيام مملكة المسيح الداخلية مع هدم مملكة عدو الخير فينا يصحبه شهادة أو كرازة لعمل الله وإنجيل خلاصه، فتُجتذب نفوس كثيرة لتقوم كنيسة قوية لا من جهة العدد وإنما من حيث مسيحها القدير الحالّ فيها. يقول النبي: "لذلك يكرمك شعب قوي، وتخاف منك قرية أمم عُتاة" [3]. تتهلل نفوسنا بشعب الله القوي الذي يحمل فيه قوة قيامته الغالبة للموت، فيعيشون كنفوس عتاة (جبابرة بأس) يمارسون المخافة الإلهية. وكما قيل عنهم: "فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا" (حز 37: 10)، "مرهبة كجيش بألوية" (نش 6: 10). حينما تنهار فينا مدينة بابل وتتحطم قرية إبليس الحصينة ويخرب قصره، يملك الرب ليُقيم منا شعبًا قويًا مرهبًا للعدو... ما هو هذا الشعب المرهب إلاَّ تقديس النفس والجسد والفكر والكلمات والعواطف حتى ظل الإنسان؟! ألم تهرب الأمراض من ظل بطرس الرسول (أع 5: 15)؟! ألم تخرج الشياطين والأرواح الشريرة لمجرد رؤية عصائب الرسول بولس؟! د. إنصاف المظلومين: "لأنك كنت حصنًا للمسكين، حصنًا للبائس في ضيقه، ملجأ من السيل، ظلًا من الحرّ، إذ كانت نفخة العتاة كسيل على حائط كحر في يبس (جفاف) تخفض ضجيج الأعاجم..." [4-5]. تئن البشرية من قانون الظلم الذي سادها منذ دخلت إليها الخطية لهذا يتقدم الله نفسه كسرّ تعزية عملية، يسند كل نفس جريحة، مقدمًا نفسه قوة وحصنًا للمسكين والبائس وقت الضيق، ملجأ من السيول (العواصف)، وظلًا من الحر بينما تكون نفخة الإنسان الجبار مثل عاصفة ضد حائط. وكأن الله في حبه الفائق ورعايته الأبوية يُقدم نفسه لمؤمنيه حسب احتياجاتهم، يصير لهم كل شيء من أجل سلامهم وبنيانهم وشبعهم، فهو القوة والحصن والملجأ والسحابة المظلمة والخبز النازل من السماء إلخ... |
|