|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
محبَّتكم لجميع الإخوة تحدَّث بولس عن إيمان الجماعة، واعتبر أنَّ هذا الإيمان يرتبط بالمحبَّة (أف 1: 15). فالإيمان الذي يجعلنا نرى ما لا يُرى، يساعدنا على التلاقي مع الذين حولنا، بطريقة تدفعنا إلى أن نرفع آيات الشكر إلى الله (آ16). وقدَّم لنا الرسول برنامجًا كاملاً في إطار الجسد الذي نؤلِّفه. قال: »كما أنَّ لنا أعضاء كثيرة في جسد واحد، ولكلِّ عضوٍ منها عمله الخاصّ به، هكذا نحن في كثرتنا، جسدٌ واحد في المسيح. ولكنَّنا أعضاء بعضنا لبعض« (رو 2: 4-5). هناك تفاعل داخل الجسد الواحد، بحيث لا يستطيع الواحد أن يستغني عن الآخر. لا تستغني العين عن اليد، والأذن عن الرجل. كلُّ عضو له مهمَّته في الجسد، وعمله من أجل خير الجماعة كلِّها، لا من أجل خير العضو وحده. وهكذا »تهتمُّ الأعضاء كلُّها بعضها ببعض. فإذا تألَّم عضو، تألَّمت معه جميع الأعضاء. وإذا أُكرم عضو، فرحَتْ معه سائر الأعضاء« (1كور 12: 25-26). في مثل هذه الحالة، كيف يمكن أن تكون المحبَّة غائبة؟ فالحياة التي تمرُّ في عضو تصل إلى سائر الأعضاء. والروح الذي ينعش الواحد منّا، يصل إلى الكنيسة كلِّها. ولكن ما لا نجده في جسد الإنسان، تلك الصورة التي استقاها الرسول من عالم الفلاسفة اليونان، ولاسيَّما الرواقيّين، نجده في الكنيسة أي جسد المسيح. فالأعضاء في الجسد تسير بحسب الغريزة، مثل آلة دقيقة الصنع، حيث كلُّ غرض يأخذ مكانه. أمّا على مستوى الكنيسة، أو الرعيَّة، أو الدير، أو المدرسة، أو أيَّة جماعة، فكلُّ فرد حرٌّ في تصرُّفه، فيكون »الشقاق« (آ25)، وتحلُّ الأنانيَّة محلَّ التفكير بالغير والتضحية من أجل الإخوة. إذا كان الله بذل نفسه عنّا، فكيف لا نبذل نحن نفوسنا من أجل إخوتنا؟ »فما فعلنا إلاَّ ما كان يجب علينا« (لو 17: 10). كيف يمكن أن نعيش هذه المحبَّة مع الإخوة؟ بما أنَّ لكلِّ أخ موهبة خاصَّة به، يُطلَب منه أن يُنمي هذه الموهبة لكي تكون خدمته بلا عيب. كما يُفرَض عليه أن يكتشف الموهبة التي عند أخيه. وإذ يضع كلُّ واحد المحبَّة التي وُهبت له في خدمة الجميع، يكون عائشًا المحبَّة. فالوزنة التي وُهبَت لي، لم تكن يومًا لكي أخفيها في الأرض (مت 25: 26). عندئذٍ أكون »ذلك الخادم الشرّير، الكسلان«. وإذ أعرف ما عندي وما به أقدر أن أكون حاضرًا في الجماعة، وأعرف ما عند أخي من موهبة، أدخل في سرِّ الله وفي قلب الكنيسة حيث »كلُّ واحد ينال موهبة يتجلّى فيها الروح للخير العام« (1كور 12: 7). ويفصِّل بولس المواهب. لي موهبة التعليم، أعلِّم. لي موهبة الوعظ أعظُ. لي موهبة الرئاسة، أكون رئيسًا. هل الكلُّ يريد أن يكون رئيسًا؟ وعلى من يترأَّسون؟ إذا قوبلت الرئاسة بالعين، فأيُّ جسد يكون جسدنا إن كان كلُّه عينًا؟ ولم يكن فيه أذن ولا فم ولا يد ولا رجل؟ ونحسب بعض المرّات أنَّ الأعضاء التي نحسبها مهمَّة، هي الأكثر شرفًا لدى الله. هذا خطأ كبير. وفي أيِّ حال، مفهوم الإنجيل غير مفهوم العالم. في الإنجيل، الأوَّل يكون الآخر، كالراعي الذي يسير وراء خرافه ليجمعهم ويدخلهم إلى الحظيرة. والكبير يكون الأصغر. والمترئِّس يكون الخادم. ذاك ما قال يسوع لتلاميذه بعد أن غسل لهم أرجلهم: »أنتم تدعونني معلِّمًا وربٌّا، وحسنًا تفعلون لأنّي هكذا أنا. وإذا كنتُ أنا الربُّ والمعلِّم غسلت أرجلكم، فيجب عليكم أنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أرجل بعض« (يو 13: 13-14). حين يعيَّن كاهن في الرعيَّة، يُدعى »خادم الرعيَّة«، لا رئيس الرعيَّة. ومثاله يسوع الذي جاء ليَخدم لا ليخدمه الناس. جاء ليبذل حياته عن الكثيرين، عن البشريَّة كلِّها (مر10: 45). وهو الذي قال: »ما من حبٍّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه« (يو 15: 13). وهو الذي دعا نفسه الراعي الصالح. قال: »أضحّي بحياتي في سبيل خرافي« (يو 10: 15). من أحبَّ خرافه، لا يعاملها كالأجير الذي يعمل قدر أجرته. ولا هو يهرب حين يرى الذئب آتيًا، والخطر مقبلاً، أهكذا يتبع المسيح حاملاً صليبه، سائرًا في خطاه (مر 8: 35)؟ والأسقف يوقِّع: الحقير، أي الصغير. وهو يستعدُّ لأن يقتبل المذلَّة من أجل المؤمنين الموكَّلين إلى رعايته. إن حسب نفسه أنَّه الكبير، سمع كلام العذراء مريم، تلك الخادمة الوضيعة، تُنشد: »حطَّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين« (لو 1: 52). ويمكن أن يسمع صوت الربِّ يقول له إن هو خان الأمانة: »أذكر من أين سقطت« (رؤ 2: 5). أمّا في التراث السريانيّ فهو ܢܝܣܝܐ الطاهر والنقيّ على مثال يسوع المسيح الذي تنشده الليتورجيّا: ܢܝܣܝܐ ܘܩܕܝܫܐ الطاهر والقدّوس الساكن في ديار النور. وهو في النهاية، الطيِّب الذكر، بسبب ما تركه بعد موته من أعمال تمجِّد الله، على مثال ما قال الرسول لتيموتاوس أسقف أفسس: »تكون خادمًا صالحًا للمسيح يسوع، متغذِّيًا بكلام الإيمان والتعليم الصحيح« (1تم 4: 6). ثمَّ »تحفظ الوصيَّة منزَّهًا عن العيب واللوم إلى يوم ظهور ربِّنا« (1تم 6: 14). وأسقف رومة، قداسة البابا، يُدعى: خادم خدّام الله. عبد عبيد الله. هذا يعني أنَّه قريب جدٌّا من الربّ. وفي المعنى الأصليّ: هو صُنعتُه. هو اختاره من بطن أمِّه ودعاه إلى خدمته، كما دعا بولس الرسول نفسه (غل 1:15). فكلُّ رسول في الجماعة، حديث العهد، ينتبه إلى نفسه، »لئلاّ تسيطر عليه الكبرياء فيلقى العقاب الذي لقيَه إبليس« (1تم 3: 6). بولس دعا نفسه »عبد يسوع المسيح« (رو 1: 1). هو الرسول والمرسل، وعمله عمل السفير الذي يكون أمينًا للسفارة التي أرسل فيها. وهو الوكيل الذي يحاول أن يعطي إخوته الطعام في حينه. ذاك هو معنى ܡܕܒܪܢܐ يُقال في الأسقف الداخل إلى الكنيسة، ولاسيَّما في زيارة قانونيَّة للرعيَّة. عرف »أن يحسن تدبير بيته، وبالتالي تدبير الكنيسة« (1تم 3: 5). ويُقال أيضًا في المجلس الذي يوجِّه مسيرة الرهبانيَّة. كلُّ وحد منهم هو أب »مدبِّر«. ويُعطى الألقاب، ويحافظ عليها حتّى بعد نهاية خدمته. فالمدبِّر يكون في موضع القيادة. فيكون مثل القائد في الجيش الرومانيّ. يسير في المقدِّمة حيث الخطر. لا في المؤخِّرة حيث يموت الجميع ليحموا حياته. وهو الذي يسوس الجماعة بحكمة آتية من عند الله. هكذا تظهر محبَّته لإخوته الذين يعملون كلُّ واحد في ديره، في رعيَّته. بهذه الطريقة يستطيع أن يقول إنَّه يعمل في قلب التدبير الخلاصيّ. هنا تبرز شخصيَّة بولس الرسول. أتى إلى تسالونيكيّ. هدَّده الخطر. أجبر على ترك المدينة، ولكنَّه أرسل إلى الجماعة هناك »تيموتاوس أخانا، والعامل مع الله في بشارة المسيح ليشجِّعكم ويقوّيكم« (1تس 3: 1). هكذا يعيش تيموتاوس المحبَّة الأخويَّة، وهكذا يدلُّ الرسول أنَّه يحمل همَّ الكنائس. قال: »ولمّا فرغ صبرنا«. ثمَّ قال في آ5: »ولهذا أرسلت، حين فرغ صبري، من يستخبر عن إيمانكم«. وتحدَّث في 2كور 11: 28 عن همِّ الكنائس، فقال: »فمن يضعف وأنا لا أضعفُ معه؟ ومن يقع في الخطيئة وأنا لا أحترق من الحزن عليه؟« (آ29). محبَّة الرسول بولس صارت مثالاً لكلِّ واحد منّا. كم تعذَّب من أجل الرسالة. قال: »عانيتُ الكدَّ والتعب والسهر الدائم والجوع والعطش والصوم الكثير والبرد والعري« (آ27). ونذكر هنا مثلين من تقاليدنا. مات القدّيس شربل ليلة الميلاد، سنة 1898. وفي الليلة عينها مات البطريرك يوحنّا الحاجّ. كيف تصرَّف الرهبان في ذلك الوضع؟ لا شكَّ في أنَّ شربل الذي كان اسمه يوسف من قرية بقاعكفرا، لا يستحقُّ كلَّ هذا الاهتمام، وهو الذي عاش شبه مجهول في محبسة على الجبل. هو اقتدى بيسوع الذي عاش في الناصرة، يعمل بيديه ويحرق قلبه بصلاة على مذبح الربّ. والقدّيس نعمة الله، أستاذ اللاهوت للرهبان، ومن تلاميذه القدّيس شربل، طلب منه أخوه أن يأتي إلى المحبسة مثله. فقد كانوا يعتبرون أنَّ المحبسة قمَّة القداسة في الدير. رفض القدّيس نعمة الله. ما أعطيَ موهبة الانزواء في المحبسة كما سوف يفعل القديس شربل، بل أعطي مهمَّة التعليم، فقام بها في اجتهاد. ويا ليته ترك لنا بعض ما علَّمه. ولكنَّ ما كتبه ما كان »بحبر على ورق« (2يو 12)، بل في القلوب والضمائر والأفكار (رج رو 2: 15). |
|