مثال من الكتاب
أيوب والسياج الإلهي
عندما تتأمل قصة أيوب، تجد أن الشيطان وضع قلبه للشكاية على أيوب وإيقاع الضرر به. وهذا عن طريق مراحل متدرجة:
أولاً: اشتكى أمام الرب عليه، «هل مجانًا يتقي أيوب الله؟» (أيوب1: 9) وهو أيضًا يشتكي علينا وعلى إخوتنا نهارًا وليلاً.
ثانيًا: مَدّ يده، بعد سماح الرب له، وضرب كل ممتلكاته (البقر والغنم والجمال).
ثالثًا: أرسل ريحًا شديدة صدمت زوايا البيت الأربع فسقطت على أبنائه، فماتوا جميعًا.
رابعًا: ضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته، عندما رأى أنه رغم كل ما سبق لم يُخطئ أيوب.
خامسًا: حاربه بأفكار اليأس، مستغلاً امرأته حين قالت له «أنت متمسك بعد بكمالك؟! بارك الله ومُت» (أيوب2: 9).
سادسًا: هيّج أصحابه عليه، فاتّهموه بأنه يتلقى العقاب من الله بسبب شره. حتى أن أيوب قال عنهم مُعزّون مُتعبون وأطباء بطّالون.
سابعًا: أسقطه في الرثاء لنفسه. فعندما فتح فاه سبّ يومه ولعن اليوم الذي وُلد فيه.
وهكذا، أخي القارئ، قد يستخدم الشيطان معك بعض هذه الأساليب؛ ليجعلك تخاف وترتعب، وتحزن وتكتئب. ولكن حينما نتأمل أيضًا بعمق في تجربة أيوب نجد أن معاملات الله معه تجعلنا نطمئن ونفرح.
والآن دعنا نتأمل حماية الرب لأيوب من مكايد الشيطان المختلفة.
أولاً: هناك سياجًا إلهيًا مباركًا مضروبًا حول أيوب وبيته وكل ما له من كل ناحية، باعتراف الشيطان نفسه، وحتى إن كان أيوب لا يراه.
ثانيًا: الرب يحامي عن أيوب أمام شكاية إبليس عليه، فقد قال الرب للشيطان «هل جعلت قلبك على عبدي أيوب لأنه ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر» (أيوب1: 8). فالرب يشفع فينا في كل حين أمام شكاية الشيطان علينا.
ثالثًا: الشيطان لم يستطع أن يمسّ أيوب أو يمد يده عليه إلا عندما سمح الرب له بذلك. فحياتنا ليست متروكة لعبث الشيطان، بل محفوظة في يد الآب السماوي. «لكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك» (لوقا21: 18)، «بل شعور رؤوسكم أيضًا جميعها محصاة» (لو12: 7).
رابعًا: الرب لم يسمح لإبليس أن يفعل بأيوب ما يشاء، ولكنه وضع له حدًّا لا يتعداه، حتى يضمن سلامته ونجاته. فقد قال للشيطان «وإنما إليه لا تمد يدك» (أيوب1: 12). وفي المرة الثانية قال له «ولكن أحفظ نفسه» (أيوب2: 6).
خامسًا: استخدم الرب حرب إبليس على أيوب لتنقية حياته وتقوية إيمانه. فقد قال أيوب «إذا جربني أخرج كالذهب» (أيوب23: 10). فكل ما فقده أيوب خلال حرب الشيطان هو اتكاله على بره الذاتي.
سادسًا: لم يترك الرب أيوب فريسة لأفكاره الشخصية وكلام امرأته وهجوم أصدقائه عليه، بل تكلم إليه من العاصفة ومتّعه بشركته وتعليمه، حتى هتف أيوب قائلاً: «قد علمت أنك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك أمر... بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني» (أيوب42: 2، 5).
سابعًا: رفع الرب وجه أيوب وردّ سبيه، ورد له ضعفين عن كل ما استطاع الشيطان أن يُفقده إياه. ولهذا قال الكتاب «سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب» (يعقوب5: 11).
وهكذا نرى أن الرب حفظ أيوب، وحوّل كل هجوم الشيطان عليه إلى خير عظيم في حياته.
وهذا أيضًا ما يفعله معك عزيزي القارئ. فالرب أقوى من الشيطان، فلا يستطيع الشيطان أن يمسَّك، ما دمت ابنـًا لله وسكن فيك روح الله.
خلاصات عملية
لا تهوِّن من قوة إبليس، فهو ماكر وشرير، والكتاب يحذّرنا من أفكاره ومكايده. كما لا تهوِّل أبدًا من قوته، فالمسيح جرّد الرياسات والسلاطين في الصليب ظافرًا بهم فيه. لذا فإبليس عدو مهزوم.
لا تعطِ إبليس مكانًا ليهاجمك بأفكاره الشريرة. «أ حقًا قال الله؟». فلا تجعل الشمس تغرب على غيظك، أي لا تحتفظ بمشاعر سلبية، أو خطايا غير معترَف بها بداخلك.
اطرح من فكرك كل اقتناع أن إبليس يستطيع إيذائك كمؤمن. أو أنك يمكن أن تتعرض لأعمال السحر وتأثير الحسد أو اللمسة الأرضية أو سكنى الجسد، كما يعتقد الناس. فالمؤمن الذي احتمى في دم ابن الله، وسكن فيه روح الله، لا يستطيع إبليس أن يقترب منه.
خذ كل أمورك من يديّ الله، وليس من يديّ الشيطان. فعندما سمح الله للشيطان أن يمسّ أيوب، قال: «الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا» (أيوب1: 21). وعندما لطم الشيطان بولس لم يتكلم مع الشيطان، ولكنه تضرع للرب ثلاث مرات. لذا وجِّه نظرك وفكرك إلى إلهك فقط.
ثق أن هناك حماية إلهية من حولك. ولا تنظر إلى الخسارة الوقتية، لكن ثق أن إله التعويضات سيمنحك نعمة غنية، في حربك مع الشيطان. تجعلك تهتف مع بولس: «حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوى»، لأنه اختبر وعد الرب: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل» (2كورنثوس12: 9، 10).
خيمة الله قوية، وقوات إبليس لن تقوى عليها.