رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأرملة الفقيرة والمسيح الجالس تجاه الخزانة جلس المسيح تجاه الخزانة، وكانت تقع في دار النساء في الهيكل، وبجانبها دار الأمم، حيث كان يتسع المكان في هذه البقعة وحدها إلى خمسة عشر ألفاً من العابدين، ولا أعلم لماذا قصد المسيح، بهذه الأرملة، ومعها، أن يحول أنظارنا إلى هناك، حيث وضع ثلاثة عشر صندوقًا، يقدم فيها المعطون عطاياهم لله، الذي أعلمه على أية حال، أن يسوع كما يقول الكتاب في إنجيل مرقس: «جلس تجاه الخزانة، ونظر كيف يلقي الجمع نحاساً في الخزانة...» أو في لغة أخرى أنه جلس وهو قاصد أن يراقب كيف يعطي الناس عطاياهم لله، أو جلس وهو يريدنا أن نعلم أننا لا يمكن أن نعطي بعيدًا عن عينيه الفاحصتين المدققتين المراقبتين، مهما كبرت أو صغرت عطايانا على حد سواء. ولكن لماذا يهتم المسيح بمراقبة المعطين، إلى هذا الحد الدقيق العظيم من المراقبة، لا شبهة في أنه يفعل ذلك، لأن المال يلعب دوره الأعظم في حياة الناس في كل زمان ومكان، فهو الذي يكشف عن أخلاق الناس وأفكارهم وطباعهم ربما بكيفية لا نستطيع أن نجدها في مكان آخر أو مجال آخر، وقد قيل عن رجل بخيل أن نبضه كان يرتفع وينخفض تبعًا لأخباره المالية، ولم يأكل ولو لقمة صغيرة من الخبز إلا على حساب الغير، وقد نجح كما كان يزعم في جمع أموال طائلة، ولكن نجاحه، كان هو الفشل بعينه، وما أكثر الكثيرين في الأرض الذين وهم يسيرون سيرة هذا الرجل عاشوا أبشع حياة أنانية، لم تكن ضارة لحياتهم هم فحسب، بل كانت وبالا ودمارًا وخرابًا على الآخرين أيضًا من بني الإنسان. ومن الجانب الآخر ليس هناك من نية يمكن أن يتحدث بها الإنسان لمجد الله أو للآخرين قدر التصرف الكريم في المال مع القريب أو البعيد على حد سواء، ألم تسمع عن ذلك الغلام الصغير الذي كان يسير مع أبيه وأخته، وقد ركبوا قاربًا ينساب على مياه الدانوب متجهًا إلى فينا عاصمة الإمبراطورية النمساوية في ذلك الحين، وكان الغلام في ذلك الوقت في العاشرة من عمره، وكانت أخته في الثانية عشرة، وكان أبوهما رجلاً فقيرًا يرأس فرقة موسيقية متنقلة وكان مرتبه ضئيلا جداًَ، لم يتح له أن يوفر شيئًا مما يريده لولديه الصغيرين، ونظر الغلام الصغير إلى فستان أخته، وقد عصره الألم وهو يقول لأبيه: كم أود يا أبي أن تشتري فستانًا جديداً، لأختي ماريان، فقد سمعتها تصلي طالبة أن يعطيها الله مثل هذا الفستان، ولاح الألم على وجه الأب، وأسرعت الفتاة الصغيرة ماريان توبخ أخاها الذي سبب لأبيه هذا الألم النفسي الكبير وهي راضية قانعة بفستانها القديم. وزاد الطين بله، أن رجال الجمارك طالبوا الأب بضريبة على القيثارة التي يحملها، وحار الأب ماذا يعمل؟ فما كان من الغلام إلا أن أسرع وأمسك بالقيثارة وأجرى عليها يده، وإذا هي تعزف أروع الأنغام وأجملها، وإذا برجال الجمارك يجتمعون معًا، إذ لم يسمع واحد منهم مثلما سمعوا في ذلك اليوم، ورفضوا أن يأخذوا شيئًا، قائلين: إن الغلام الذي يستطيع مثل هذه الألحان، يستحق أن يكافأ، وقالوا للأب، نحن لن نأخذ منك مالا، والمال الذي تدفعه، اشتر به شيئًا لهذا الغلام العظيم، واذا بالغلام يصيح: لا يا أبي.. اشتر به الفستان لأختي ماريان، ولمعت عينا مفتش الجمرك بالدموع وهو يقول: ياله من ولد مدهش.. ماهر وطيب أيضًا، وأجاب الوالد بصوت عميق، نعم لقد كانت رغبة قلبه أن يشتري فستانًا لأخته، وهو الآن أسعد ما يكون إنه استطاع، كان هذا الغلام هو الذي عرفه العالم فيما بعد بالموسيقي العظيم ولفانج موزار! أجل وليست هناك موسيقى يمكن أن تعدل موسيقى البذل والتضحية، التي يقدمها الإنسان مما يأخذ أو يملك من مال، في مساعدة الآخرين، وخدمتهم، والقيام بأجمل وأعظم المشروعات لمجد الله وخير الإنسانية، أجل ما أعظم ما يفعل المال عندما يحسن البشر استخدامه. |
|