رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إنَّ العِلمَ بِمَن أنتَ هو البِرُّ الكامِل عظة الأحد السّابع مِن زمن الفصح الْمجيد أَيّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء في الْمَسيحِ يَسوع. هَا قَدْ بَلَغنَا الأحدَ السَّابعَ والأخير، مِنْ زَمنِ الفِصحِ الْمَجيد. وَفيهِ نَقرَأُ مِنَ الفَصلِ السّابِع عَشر، مِن بِشَارةِ القِدّيسِ يُوحَنّا الإنجيليّ، والّذي يُعرَفُ بِـ"صَلاةِ يَسوعَ الكَهنوتيّة". فَفي هَذَا الفَصل، الّذي يَسبِقُ حَدثَ اعتِقَالِ يَسوع، وَمَا تَبِعَهُ مِنْ أَحدَاثِ الْمُحاكَمَةِ وَالْمَوتِ عَلى الصَّليب، يَرفَعُ يَسوع، الكاهِنُ الأعظم، وَذَبيحَةُ الخلاص، وَحَمَلُ الْمُحرَقة، ابْتِهَالَهُ لأجلِنَا نحنُ الّذينَ عَرفنَاهُ وآَمَنَّا بِه، وَحَمَلنَا لِواءَ رِسالَتِه في العَالم، شُهودًا وَرُسُلًا للحقِّ. يَقولُ القدّيسُ إرينيوس: ((مَجدُ الله الإنسانُ الحي، Gloria enim Dei vivens homo)). أَلا إنَّ مَا يُمَجِّدُ اللهَ حَقًّا، هوَ أنْ يَتَمَجَّدَ فينَا نَحنُ تَلاميذُهُ! وَلا يَتَمَجَّدُ اللهُ فِينَا، إلّا عِندَمَا نكونُ أَحياء، فَهوَ: ﴿إلهُ أَحياء﴾ (لوقا 38:20). وَلا نَكونُ أَحياءَ، إلّا إذا حَيينا في اللهِ حَيَاةً مُثمِرَةً بالنّعمَةِ والفَضيلَة. وَلَنْ نحيَا بالنّعمَةِ والفَضيلَةِ، إلّا إذا عَرفنَا الله: مَعرِفَةَ عَلاقَةٍ مَتينَةٍ لا مُجرّدَ مَعلومَات. مَعرِفَة محبّةٍ عَميقَة لا مُجرّدَ تَديُّنٍ بِلا روح. معرِفَةَ صِدقٍ وحَقٍّ، لا مَظاهِرَ وَسَطحيّات، وَالبَاطِنُ مَملوءٌ بالشَّهَواتِ، واللهُ يَقبَعُ في قَاعِ الأولَويّات. فَيصدُق فينا قولُ النّبيِّ أَشعيا: ﴿هَذا الشَّعَب يَتَقرَّبُ إليَّ بِفَمِه، وَيُكْرِمُني بِشَفَتيه، وَقلبُهُ بَعيدٌ مِنّي﴾ (أشعيا 13:29). يَقولُ الرّبُّ في إنجيلِ هَذَا الأحَد: ﴿والحَياةُ الأبديّةُ هي أنْ يعرِفوكَ، أنتَ الإلهَ الحقَّ وَحدَك، ويَعرِفوا الّذي أَرسَلتَهُ، يَسوعَ الْمَسيح﴾ (يوحنّا 3:17). فالْمَسيحُ يا أَحبَّة قَدْ وَافَانا: ﴿لِتَكونَ الحياةُ للنّاس، وتَفيضَ فيهم﴾ (يوحنّا 10:10). وَكيفَ كَانَ ذلِك؟ كانَ: ﴿بِأنَّ اللهَ أَحَبَّ العَالمَ حَتّى إنّهُ جَادَ بابنِهِ الوَحيد، لِكي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِن بِه، بَلْ تكونَ لهُ الحياةُ الأبديّة﴾ (يوحنّا 16:3). فَمعرِفَةُ اللهِ الحَق تَقودُ إلى الحياة، والجَهلُ باللهِ الحَق تَقودُ إلى الْمَوتِ والهَلاك. تمامًا كَمَا يَقولُ الْمَزمور: ﴿قالَ الجاهِلُ في قَلبِه: "ليسَ إله". فَسَدَت أعمالُهُم وَقَبُحَت، وَليسَ مَن يصنَعُ الصّالِحات﴾ (مز 1:14). وَمعرِفَةُ اللهِ الحَقّ لَيسَ لَها إلّا طَريقٌ واحِد، أَلا وَهوَ يَسوعُ الْمَسيح: ﴿الطّريقُ والحَقُّ والحياة، لا يَمضي أَحَدٌ إلى الآبِ إلّا بِي﴾ (يوحّنا 6:14). وَمعرِفَةُ اللهِ الحَق لَيسَ لَها إلّا بابٌ وَاحِد، أَلا وَهوَ يَسوعُ الْمَسيح، الّذي هو: ﴿الباب، فَمَنْ دَخَلَ مِنّي يَخلُص﴾ (يوحنّا 9:10). وَمَعرِفَةُ اللهِ الحَق لَيس لَها إلّا سِراجُ واحِد، ألا وهوَ يسوعُ الْمسيح: ﴿نورُ العَالَم، مَن يَتبَعني لا يَمشِ في الظّلام، بَلْ يكونُ لَهُ نورُ الحياة﴾ (يوحنّا 12:8). وعَليه، كلُّ طَريقٍ تَدَّعي معرِفَةَ الله، لَيسَ الْمَسيحُ عِمادَها وَأَصلَها وَتمامَهَا، هيَ معرِفَةٌ خَاطِئَة، لِذلِكَ قَال: ﴿تأتي سَاعَةٌ يَظنُّ فيها كُلُّ مَن يَقتُلُكم أَنّهُ يُؤدّي للهِ عِبَادَة. وَسَيفعَلونَ ذلِكَ لأنّهم لَم يعرِفوا أبي، ولا عَرَفوني﴾ (يوحنّا 2:16-3). وأيضًا حَذَّرَنا فَقَال: ﴿إذا أَبغَضَكُم العَالم، فَاعْلَموا أَنَّهُ أبغَضَني قَبلَ أَنْ يُبغِضَكُم﴾ (يوحنّا 18:15). وَلوَ أَنَّ العالمَ عَرَفَ الْمَسيحَ فِعلًا: ﴿لَمَا صَلبوا ربَّ الْمَجد﴾، مِثلَمَا يَقولُ بولسُ الرّسول، في رِسَالتِهِ إلى أَهلِ قورنتوس الأولَى (8:2). وَلِذلكَ يُقول بولسُ أيضًا: ﴿إنَّ لُغَةَ الصّليبِ حَماقَةٌ عِندَ الّذينَ يسلُكون سَبيلَ الهَلاك، وأمّا عندَ الّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الخَلاص، أي عِندَنا، فهوَ قُدرةُ الله﴾ (1قورنتوس 18:1). فَهَنيئًا لَنَا أيّها الأحبة مَعرفَتُنَا يَسوعَ الْمَسيحَ الْمَصلوب، الّذي: ﴿لا خَلاصَ بِأحدٍ غيرِه، لأنّهُ مَا مِنْ اسمٍ آخرَ تحتَ السَّمَاء، أُطلِقَ على أَحدِ النّاس، نَنالُ بِه الخلاص﴾ (أعمال 12:4). يقولُ الرّب: ﴿وَأمّا هم فَلا يَزالونَ في العَالم﴾. الْمَسيحيُّ الحَقّ يَحيا في العالم، وَلكنَّهُ لا يحيَا كَمَا يحيَا العَالَم، ولا يُشاكِلُ العالم بأُسلوبِهِ وَنَهجِهِ، بَل يحيا فيهِ حياةَ أَبناءِ الله، ﴿يُضيءُ فيهِ ضَياءَ النّيراتِ في الكَون﴾ (فيلبّي 15:2)، يَتبَعُ الحقَّ وَيُصغي لِصوتِهِ (راجع يوحنّا 37:18). وَلَكِن، مَع كُلِّ أَسف، تَظلُّ الأمثِلَةُ السّيئةُ حَاضِرَة، وَعِندَها: ﴿إذا فَسَدَ الْملح، فأيُّ شَيء يُملِّحُهُ؟﴾ (متّى 13:5). |
|