لأنّ التّحرير الحقّ ليس في تغيير الممارسات المدنيّة، بل في تغيير ما وراء هذه الممارسات، وأعني بذلك نزعات قلب الإنسان. قلب الإنسان، إذا تغيَّر، يُغيِّر الممارسة المدنيّة، فيما الممارسة المدنيّة، وما يحتفّ بها من ضوابط وقوانين، أعجز من أن تغيِّر قلب الإنسان. الممارسة المدنيّة تغيِّر السّلوك الخارجيّ للإنسان. وفي الحالات القصوى للقمع والعنف يصير الإنسان باطنيًّا. يصير ممثِّلاً بامتياز. يكرهك ويتظاهر بأنّه يحبّك. يبقى طمّاعًا جشعًا ولو أدّى ما عليه من ضريبة. الإنسان بحاجة لأن يتحرّر من نزواته، كلّ شيء، بعد ذلك، في ممارسته المدنيّة، يستقيم! تغيير النّاس، ومن ثمّ أحوال النّاس، بالأنظمة السّياسيّة وهمٌ، لا بل خدعة تتعاطاها النّفوس التّائقة إلى السّلطة والعظمة والمجد. ولو أحدث تغيير النّظام بعض التّغيير في الممارسة المدنيّة، فإنّ النّاس باقون مطيّة لنزعات الحكّام والسّلاطين، وأسرى للصَورة الّتي يريدهم الحكّام والسّلاطين أن يكونوا عليها!
الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان