أهم الوثائق التي نشكر الله من أعماقنا لأنه دبر وصولها إلينا واستقينا منها هذه التعاليم الآبائية هي:
١ – حياة القديس أنطونيوس بقلم القديس أثناسيوس الرسولي.
٢ - التاريخ اللوزياكي لبالليديوس أسقف هلينوبوليس، وتنسب إليه أيضاً عدة أقوال جمعها الراهب العراقي “حنا عيسى” (أو حّنان عيشو) في القرن السابع.
٣ – تاريخ الرهبان المصريين منسوب إلى روفينوس واسمه The Historia Monachorum in Aegypto والذي ُ كتِب أصلاً باللغتين اليونانية واللاتيني.
٤ – بعض ما سجله سقراط وسوزومين في تاريخهما الكنسي.
٥ – مجموعات أقوال الآباء المسماة Apophthegmatua Patrm وسنتكلم عنها بالتفصيل.
٦ – كتابات القديس يوحنا كاسيان وهي: المجامع أو المؤسسات الرهبانية The Institutes، والمحادثات The Conferences .
وكان تأثير كتاب “حياة أنطونيوس بقلم أثناسيوس” على الحياة الرهبانية وعلى سير حياة آبائنا القديسين تأثيرًا هائلا ممتازا، وأهم شاهد على ذلك في الغرب هو القديس أوغسطينوس ، وسيرته وكتاباته معروفة، هذا الذي اقتفى إثر خطوات أنبا أنطونيوس رغم أنه لم يره! ويقول العّلامة المؤرخ “هارناك”: [لو سمِحلي أن أستخدم لهجًة قويًة، فلن أتردد عن القول إنه لا يوجد كتاب كان له أعمق تأثير خرافي في مصر وفي غرب آسيا وفي أوروبا من كتاب "حياة أنطونيوس بقلم أثناسيوس"]
ويقول عنه القديس غريغوريوسالتريتري اللاهوتي: [إن القديس أثناسيوس في هذا الكتاب ينشر دستور أو قوانين الحياة الرهبانية المثالية في شكل قصة]
أما ناشر الترجمة الإنجليزية لكتاب بالليديوس ، وهو Robert T Meyer فيقول في المقدمة: [أهم وثيقتين أصيلتين لتاريخ الرهبنة المبكِّرة في مصر، حيث نبعت الرهبنة، هما: "حياة أنطونيوس بقلم أثناسيوس" الذي كُتِب حوالي عام ٣٥٧ م "التاريخ اللوزياكي لبالليديوس" الذي كُتِب بعده بحوالي ٦٠ سنة، وقد اشتقِّ اسمه The Lausiac History من اسم الشخص الذي كُتِب من أجله وهو "لوزاس- Lausus" الياور الملكي في بلاط الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني، وترجع القيمة التاريخية على نطاقٍ واسعٍ لكلٍّ من هذين الكتابين إلى أ ّ ن مؤلِّف كلٍّ منهما كان قد عاش بنفسه فترًة في البراري المصرية، وكان يعرف جيداً الأمور التي كتب عنها، كما أن كلاً منهما يكمل الآخر ، وتعتمد روايات بالليديوس على ما كان قد رآه شخصياً أو اختبره، وعلى ما وصله من آخرين من القصص المشابهة لرواياته. وإن كانت "حياة أنطونيوس" تتركز في مصر إلا أن التاريخ اللوزياكي يصف الحياة الرهبانية ليس في مصر وحدها بل أيضاً في فلسطين وسوريا وآسيا الصغرى. والهدف من كلا الكتابين هو إنارة القارئ.
وكان القديس أثناسيوس قد أرسل كتابه ”إلى الإخوة الذين في الأرجاء الأجنبية“، إلى الأتقياء الذين كانوا يحاولون أن ينافسوا الرهبان المصريين في نسكهم وتقشفهم، وهكذا يقول: [وأنا أشعر أنكم أنتم أيضاً مجرد أن تسمعوا القصة فلن تعجبوا بالرجل فحسب، بل أيضاً سترغبون في الاقتداء به، إذ ترون في حياته نموذجاً كافياً للنسك الرهباني ... لقد رأيت أنطونيوس مرارا، وهذا ما استطعت أن أتعّلمه منه، لأنني لازمته طويلا وسكبت ماءً على يديه ...]
وقد اقتطع بالليديوس وقتا من حياته المليئة بالمشاغل كتب فيه صورا حية عن حوالي ستين قديساً وقديسة وكان هذا في وقتٍ تحررت فيه الكنيسة حديًثا من الكهوف والسراديب التي أجبرتها الإضطهادات المتوالية على الصلاة بل والمعيشة فيها، وهو عصر “ليثومانّيا” كما سماه بالليديوس، أي عصر جنون المباني الكنسية الشاهقة. ولكن بالليديوس أراد أن يعلِّم “لوزاس” دروس البناء الحقيقي، أي التأسيس النموذجي للشخصية في القلب – هيكل أو كنيسة الله الحي – على أساس سير قديسي البراري.