عزاء المؤمنين وصبرهم على الأحزان
استهل المقال كعادته فقال: سألتني يا حبيب الله يضيء عيني عقلك بروح قدسه المعزى لتفهم سرائر لاهوته، أن أعرفك ما سبب كثرة الأحزان على المؤمنين بالمسيح سيدنا، وهو قادر على دفعها عنهم. وأعرفك سبب ذلك بمعونة يسوع ابن الله الحي. وأفهم ما أذكره لك. إذا عرفنا من تأنس ابن الله وصلبه أن سبب صلبه وآلامه عدله ورحمته، وأنه من أجل العدل تأنس وتشبه بنا في كل شيء ما خلا الخطيئة، حتى خلصنا من يد عدونا بالعدل بغير ظلم.
كما أن سبب كثرة أحزان المؤمنين عدله أيضًا. فإنه قبل مجيء المسيح سيدنا، كان الفردوس مغلقًا من جراء مخالفة آدم وكان كل إنسان خاطئ أو بار يموت ينزل إلي الجحيم، من أجل آدم أبيه؛ مات آدم وأقام في الجحيم نحو خمسة آلاف سنة؛ وإبراهيم رأس الآباء أقام في الجحيم نحو ألفي سنة؛ وموسى الذي كلمه الله خمسمائة وسبعين دفعه، مثل ما يكلم الإنسان رفيقه، أقام في الجحيم نحو ألف وسبعمائة سنة، حتى تأنس المسيح سيدنا ابن الله، وفداهم بنفسه من مخالفة آدم أبيهم، وأوفى عنهم العقاب الذي كانوا مستوجبيه إلى الأبد ومات عنهم وانحدر إليهم وأصعدهم جميعهم من الجحيم إلي نعيم الفردوس، ووعد جميع المؤمنين به والحافظين لوصاياه، المتعمدين باسمه أنهم لا يعاينون الجحيم ولا ينزلون إليه؛ بل في ساعة مفارقة نفوسهم لأجسادهم يصعدون إلي الفردوس يتنعمون فيه، حيث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من الصديقين.
ثم نظر بعدله إلي ذلك إذا أعطاه للمؤمنين بغير تعب، فيكون قد ظلم آدم نوحًا وإبراهيم وموسى، لأن كل واحد من هؤلاء لم ينل النعيم إلا بعد تعبه في الجحيم هذه المدة الطويلة، لذلك فرض على المؤمنين به ناموسًا ضيقًا في الدنيا.