« الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات .. للقادر أن يخلصه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه » (عب7:5)
نلاحظ أن رئيس كهنة العهد القديم كان يخلع ثياب الكتان التي لبسها عند دخوله إلى القدس ومنه إلى قدس الأقداس، ليصنع الكفارة أمام غطاء التابوت ويضعها هناك. ثم يلبس ثيابه [ثياب المجد والبهاء]. إن تلك الثياب الكتانية هي الرمز إلى سمات البر الكامل التي اتصف بها كل « أيام جسده ». ويحلو لنا أن نتأمل طويلاً في تلك الكمالات التي شهد عنها الآب والناس، بل والتي لم يجد إبليس ثغرة فيها حتى قال في إحدى المناسبات « أنا أعرفك مَنْ أنت قدوس الله » (مر24:1) . فلعلنا نحفظ في قلوبنا ما كان يحدث للمحرقة، فبعد أن كانت تُذبح، كان يجب أن تُسلخ وتقطع إلى قطعها. أما أولاً: فلماذا كانت تُسلخ؟ الجواب: لإظهار كمال كل كيان المحرقة، هل بها نقص أو عيب أو ضعف يقلل من شحمها؟
وليس ذلك فقط، بل كانت المحرقة « تقطع » لا إلى قطع، بل « إلى قطعها ». فكل عضو يبقى في قطعه، فلا الكبد يجور أو يأخذ من الطحال، ولا الساق من الفخذ - الكل في مكانه، ليوقد كاملاً فوق النار. خُذ هذا كله واذهب به إلى جثسيمانى والجلجثة، تجد الكمال المطلق في المرموز إليه. فما كان اللاهوت ليلغى الناسوت، وما كان الناسوت ليخفى جلال اللاهوت. فإذا قال على الصليب لله القدوس « إلهي إلهي »، فإنه عندما أكمل العمل قال « يا أبتاه في يديك أستودع روحي ».
تلك هي بعض كمالات سيدنا التي أهلـّته أن يصير رئيس كهنة. ولكن هل مواضع الكمال هذه تُنسينا « الصراخ الشديد والدموع » التي صاحبت وغلـّفت « الطلبات والتضرعات »؟ هل ينساها الله؟ هل ينساها هو له المجد؟ هل ننساها نحن قديسيه؟ هل ينساها التاريخ؟ إنها محفورة في سجل الأبد. ولماذا كانت هذه كلها: هل لإعفائه من الكأس؟ كلا، بل لكي يشربها تماماً ويموت بين شقي الرحى، ويُسلـّم الروح برضاه، وتدفنه أيدي المحبة في القبر الجديد، ثم ماذا؟ هل لينساه الله في القبر؟ محال، وكقوله - له المجد - بروح النبوة « لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي، جسدي أيضاً يسكن مطمئنا » (مز9:16) .