رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المتكأ الأخير .. يعلم يسوع بما في قلب الإنسان (يو 2: 25)، يعلم بالتوق الّذي يسكننا للتقدير والإكرام. يعلم بأنّ قلقنا الأكبر وخوفنا الأعمق هو أن نُنسى، أن نُهمّش، ألاّ نعار اهتمامًا من الناس. لعلّه تأمّل وبكى مع كلمات أشعيا النبيّ حين يقول: "قالت صهيون: تركني الربّ ونسيني سيّدي... أتنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتّى ولو نسيت النساء لا أنساكِ" (أش 49: 14). يعلم أيضًا أهمّيّة أن نقدّر أنفسنا، أن نحبّ أنفسنا، هو الّذي علّمنا أنّ محبّة القريب هي على قدر محبّة الذات: "أحبب قريبك حبّك لنفسك". وربّما سكنت صلواته كلمات الله في أشعيا: "قد صرت كريمًا في عينيّ" (أش 43: 4). فإن كان الربّ عارفًا بما يسكن في قلوبنا من شوق إلى الحبّ، لمَ يدعونا إلى المكان الأخير؟ ربّما لأنّه يرى مأساة البشر، كيف أنّنا شوقنا إلى الحبّ يتحوّل، لقلّة إيماننا بحبّ الله لنا، إلى صراع على السلطة والسيطرة. يرى كيف أنّ أنبل ما فينا، أعني عطشنا إلى الله، يتشوّه فيصير عنفًا ومنافسة على الأماكن الأولى. يرانا نحسد واحدنا الآخر، نقارن أنفسنا بالآخرين، نسعى إلى تملّك ما وهبه الله لنا من خيرات ومواهب، فنخسر ما هو أعظم من المواهب كلّها ومن الخيرات كلّها، نخسر قدرتنا الإلهيّة على أن يحبّ بعضنا بعضًا. غريب أمرنا ما أقسى قلوبنا: نطلب أن نكون "مثل الآلهة"، يحسب الناس لنا حسابًا، نغري الناس بمحاسننا، نشتري احترام الناس لنا بما نظهره من قدرة ومن مجد، ومع ذلك نخسر ألوهيّتنا الحقيقيّة، أي قدرتنا على الحبّ، لأنّنا نغرق في مقارناتنا ومنافساتنا. لأنّنا نسينا أنّ "ابن الإنسان أتى لا ليُخدم بل ليخدم، ويفدي بنفسه جميع الناس" (مر 10: 45). ربّما يدعونا الربّ إلى المكان الأخير، لأنّ المؤمن الواثق من حبّ الله له لم يعد يخشى أن يُنسى، لم يعد يخاف على ذاته. يمكنه أن يلقي السلاح ويتخلّى عن المنافسة، لأنّه عرف أنّه غير قابل للمقارنة، هو فريد في عيني إلهه. مثل يسوع الّذي "كان يعلم أنّ الآب جعل كلّ شيء في يديه، وأنّه من الله خرج وإليه يمضي" (يو 13: 3) فجعل يغسل أرجل تلاميذه "متّخذًا صورة العبد" (فيليبي 2: 7) واثقًا من حبّ الآب له. المتواضع ليس من يظنّ أنّه أقلّ من الناس، بل من خرج من المقارنة مع الناس، لأنّه بين يدي الآب الّذي "يرى في الخفية" (متّى 6: 6) ولم يعد يهمّه ما يعجب الناس. لا تهمّه المكافأة الّتي تأتيه من البشر، وإنّما يهمّه أن يكون على صورة إلهه، يصنع الخير حبًّا بالخير، لا بالمكافأة. هذا معنى القراءة من العبرانيّين: لأنّنا لم نقترب من مجد ملموس كما شعب العهد الأوّل، وإنّما اقتربنا من الإله الحيّ الّذي لا يُرى، نستطيع أن نخرج من الخوف ومن المقارنات. كما سمعنا في القراءة الأولى أيضًا: "ازدد تواضعًا لما ازددتَ من عظمة." في النهاية، إن دعانا الربّ إلى الموضع الأخير، فذلك لأنّه هو نفسه اتّخذ لنفسه ذلك الموضع. صاحب البيت يكرم الضيف، وأمّا هو فيضع نفسه في الموضع الأخير. في ملكوت الله لسنا الضيوف بل أصحاب البيت، وحيث يكون ربّ البيت، نكون معه... في الموضع الأخير. بقلم الأب داني يونس اليسوعيّ |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الذي يهرب من الرئاسات والمناصب، يحب المتكأ الأخير |
فضيلة (المتكأ الأخير) |
ما أجمل المتكأ الأخير |
ماأجمل المتكأ الأخير!!! |
المتكأ الأخير |