رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"إن أخطأ إليك أخوك، فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربِحت أخاك"
( مت 15:18 ) التفسير : هذا السلوك الذي أوصانا به السيِّد ليس مجرّد عمل أخلاقي يلتزم به المؤمن، لكنّه في جوهره هو اختفاء في شخص السيِّد المسيح، فلا يرى المؤمن أخاه يسيء إليه، إنّما يسيء إلى نفسه وإلى تمتّعه بالأبديّة، فيذهب ليعاتبه لا بمعنى أنه يودّ تأكيد خطأه، أو ينتظر أن يعتذر له،وإنما يذهب إليه حاملاً فكر المسيح لكي يقتنيه بالحب للمسيح كعضوٍ حيٍّ في جسده، ينقذه من الخطأ ويربحه كعضوٍ معه في ذات الجسد. يذهب إليه منفردًا حتى لا يتحوّل العِتاب إلى نوعٍ من التشهير، ولكي يعطي له الفرصة لمراجعة نفسه بلا عناد؛ يذهب إليه ليحمله إلى التوبة لله لا للاعتذار له. بهذا يطلب المؤمن سلامة حياة أخيه في الرب وليس معاقبته. لهذا يقول السيِّد إنك بهذا تربح أخاك، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [إنه لم يقل أنك تنال انتقامًا كافيًا بل تربح أخاك، مظهرًا وجود خسارة مشتركة لك وله بسبب العداوة، إذ لم يقل "يربح نفسه" بل "تربح (أنت) نفسه" مظهِرًا أن الخسارة قد لحقت قبلاً بالاثنين، الواحد خسر أخاه والآخر خسر خلاصه.] حقًا لقد أراد السيِّد أن يدخل بتلاميذه إلى حياة الغفران للآخرين، بعيدًا عن روح الانتقام والكراهيّة التي تحجبنا عن ملكوت السماوات. ويُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على ذلك بقوله: [عندما تُفكِّر في الانتقام، انظر أنك تنتقم من نفسك لا من الآخرين، إذ تربط خطاياك لا خطايا أخيك... أي شيء أكثر خطورة من أن تكون منتقمًا، إن كان هذا ينزع عنك عطيّة الله العُظمى؟!] ويرى نفس القدّيس أن الذي يُخطئ إلينا ويظلمنا، إنّما يسبّب لنا نفعًا عظيمًا إن احتملناه بحب، إذ يقول: [لا تقل أنه شتمك وافترى عليك وصنع بك شرورًا بلا حصر، فإنه بقدر ما تعدّدت هذه الأمور وبكونها صادرة عنه، تُعلن أنه نافع لك. إنه يقدّم لك فرصة لغسل خطاياك، وقدر ما تَعظُم الأضرار التي يصُبَّها عليك، يكون سبب لنوالك غفرانًا عظيمًا للخطايا.] وكما يقول: [إننا نعاقب أنفسنا بكراهيّتنا للآخرين، كما نستفيد بحبّنا لهم.]لماذا نذهب للمخطئ ولا ننتظر مجيئه؟يجيب القدّيس يوحنا الذهبي الفم: لأنه ليس بالأمر السهل أن يذهب من ارتكب الخطأ ليعتذر لأخيه وذلك بسبب الخجل وارتباك وجهه. يطالب (السيِّد) الذي أُصيب بالخطأ ليس فقط بالذهاب إلى أخيه، وإنّما يذهب بطريقة بها يُصحّح ما قد حدث، فلم يقل له: اذهب اتَّهمه أو انصحه أو أطلب منه تصفية الحساب معه، وإنما (عاتبه) مخبرًا إيّاه بخطئه، وما هذا إلا تذكيره بما أخطأ به. اخبره بما حلّ بك على يديه، بطريقة لائقة كمن يقدّم له العذر، ويسحبه بغيره نحو المصالحة.] ذهابنا إلى المخطئ بمفردنا لمعاتبته لكي نربحه في الحقيقة ليس إلا اقتداءً بالسيِّد المسيح نفسه، فقد جاء إلينا من سمواته ليعاتبنا بالحب، ويدفعنا بعمله الخلاصي للتوبة لكي يربحنا له كأعضاء جسده المقدّس. إنه لم ينتظرنا نذهب بل جاء إلينا! هذا فإن الوصيّة التي يقدّمها لنا السيِّد لا يمكننا أن نكمِّلها ما لم نحمله هو في داخلنا فنسلك سلوكه ونحمل فكره فينا. ولكن، إن لم يسمع المخطئ منّا فماذا نفعل؟"وإن لم يسمع فخذ معك أيضًا واحدًا أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أوثلاثة، وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة، وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عِندك كالوثني والعشّار" [16-17]. حينما نأخذ معنا واحدًا أو اثنين ينبغي ألا يكون الهدف تأكيد خطأه والشهادة ضدّه وإنما لإقناعه، فنكون كالطبيب الذي يرى المرض يتزايد فيُّصرّ على تقديم دواء أكثر مرارة وأشد فاعليّة، ليس لأجل المرارة في ذاتها، وإنما من أجل شفائه. فإن لم يأتِ هذا التصرّف بثمر نُخْبر الكنيسة، لا كمن يشتكيه أمام المحكمة، وإنّما كمن يُخبر، لتهتم به وتعالجه بحكمة. داود النبي وهو نبي تقي ومشهود له من الله نفسه وحكيم، عندما أخطأ لم يُدرك خطأه حتى تلقَّفته الكنيسة في شخص ناثان النبي، لتُعيد له بصيرته التي أفسدتها الخطيّة، وتردّ له فكره وحكمته. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [ألا ترى كيف أنه يفعل هذا ليس من أجل العقوبة العادلة، وإنّما بقصد الإصلاح؟! لهذا لم يوصه من البداية أن يأخذ معه اثنين، وإنما بعد أن يفشل بمفرده، ولا أن يرسل إليه الجماعة ضدّه وإنما يرسل إليه اثنين أو واحدًا، فإن احتقر هذا التصرّف عندئذ فقط يحضره للكنيسة.] أخيرًا إن لم يسمع من الكنيسة، رافضًا أمومتها، يكون قد رفض أبوة الله نفسه فيُحسب كالوثني والعشّار. إنه يلزم تجاهله، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: لأن مرضه قد صار غير قابل للشفاء. إذن برفضه الكنيسة يَحرم الإنسان نفسه من العضويّة في جسد المسيح، ويصير من حق الكنيسة أن تربطهإذ يكمّل السيِّد كلماته هكذا: الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض، يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء [18]. إنه يربط نفسه بنفسه برفضه الفكر الكنسي، وتلتزم الكنيسة أن تربطه ليس تشفيًا فيه، وإنما لحفظ بقيّة الأعضاء من فساده لئلا يتسرب إليهم، كما تُعزل الخميرة الفاسدة عن العجين كله، أو يُبتر العضو الفاسد. وإن كان هذا الأمر لا يتمّ باستهتار أو بتسرّع. فإنه ليس سهلاً أن يقبل إنسان بتْر عضو من جسده إلا بعد استخدام كل وسيلة ووسيلة لعلاجه، وحينما يجد جسده كلّه في خطر يلتزم تسليمه للبتْر. أقول أنه ما أصعب على قلب الكنيسة أن ترى إنسانًا. يُلقي بنفسه خارجًا ويُلزمها بربطه، أنها تبقى منتظرة من يومٍ إلى يومٍ رجوعه لكي تحِلُّه فيجد بابها مفتوحًا له. لهذا يذكر السيِّد الربط أولاً فالحَل، ليعطي للمربوطين رجاءً في الحَل، وليلهب قلب الكنيسة نحو حلّ المربوطين فلا تستكين من جهة خلاصهم حتى وإن كانوا قد ألقوا أنفسهم بأنفسهم خارج أبوابها. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما |
وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه |
إن أخطأ إليك أخوك |
إن أخطأ إليك أخوك |
"وإن أخطأ إليك اخوك لفأذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما " |