رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حرب ختاميّة أمر الله موسى النبي أن يقاتل المديانيّين الذين أجروا نسوة شريرات لعثرة بني إسرائيل، وذلك كآخر فصل في جهاد موسى النبي. مقاتلة المديانيّين: 1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «اِنْتَقِمْ نَقْمَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ، ثُمَّ تُضَمُّ إِلَى قَوْمِكَ». 3 فَكَلَّمَ مُوسَى الشَّعْبِ قَائِلًا: «جَرِّدُوا مِنْكُمْ رِجَالًا لِلْجُنْدِ، فَيَكُونُوا عَلَى مِدْيَانَ لِيَجْعَلُوا نَقْمَةَ الرَّبِّ عَلَى مِدْيَانَ. 4 أَلْفًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ تُرْسِلُونَ لِلْحَرْبِ». 5 فَاخْتِيرَ مِنْ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ أَلْفٌ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ. اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مُجَرَّدُونَ لِلْحَرْبِ. 6 فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى أَلْفًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ إِلَى الْحَرْبِ، هُمْ وَفِينْحَاسَ بْنَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ إِلَى الْحَرْبِ، وَأَمْتِعَةُ الْقُدْسِ وَأَبْوَاقُ الْهُتَافِ فِي يَدِهِ. 7 فَتَجَنَّدُوا عَلَى مِدْيَانَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ وَقَتَلُوا كُلَّ ذَكَرٍ. أراد الله أن يختم موسى النبي حياته وجهاده بحرب غايتها "التقديس" بإبادة العثرة التي حطمت الشعب. لم يكن هدف الحرب هجوميًا ولا سلب غنائم لكنه أراد قتل الذين انصاغوا لكلمات بلعام فأجّروا نساء يحاربن الشعب بجمالهن والتنجس معهن يجب أن يقاتلوا حتى لا تتكرر العثرة. وكان ذلك إشارة إلى ضرورة بتر العثرة في حياة المؤمنين حتى يعيشوا بروح الغلبة والنصرة. هذا هو نهاية كل عمل لموسى النبي قبل أن يصعد إلى جبل عباريم ويرى الأرض المقدسة من بعيد. إنه غاية عمل الناموس يكشف العثرة ويسند في الجهاد ضدها لكنه لا يقدر أن يهب البرّ ولا أن يعبر بالمؤمنين إلى حدود الأرض المقدسة. إنه يبعث فينا روح الجهاد ويرتفع بنا خلال الظلّ والرمز لنرى السموات من بعيد، لكنه عاجز أن يحملنا إليها. أما ملامح هذا الجهاد الروحي المقدس فهو: أولًا: نزع العثرة: يقول العلامة أوريجينوس: [العثرات التي أُلقيت لأبناء إسرائيل سببها مكيدة المديانيّين، الذين استأجروا النساء لسلب قلوبهم حتى يخطئوا أمام الرب، فكابد بنو إسرائيل عقابًا على ارتكابهم الخطيئة، أما المديانيّون إذ سببوا السقوط في الخطيئة صاروا موضع عقوبة أشد، نتعلم من هذا أننا إذ نُعثر الآخرين فيسقطوا نكون في حالة أشرّ من ارتكابنا الخطيئة هذا ما يعلمنا إياه الرب بقوله: "خير له لو طوّق عنقه بحجر رحى وطُرح في البحر من أن يُعثر أحد هؤلاء الصغار(279)" (لو 17: 2)]. ثانيًا: حين سقط الشعب في الخطيئة انهزم إسرائيل بغير محاربين ظاهرين، إذ لا نسمع عن حرب بينه وبين المديانيّين والموآبيّين، لكن أربعة وعشرون ألفًا ماتوا بالوبأ بغير حرب (عد 25: 9). ولولا غيرة الكاهن فينحاس على المقدسات لفني الشعب كله (عد 25: 11). أما الآن وقد تقدَّس الشعب فلا حاجة لخروج رجال الحرب البالغين أكثر من ستمائة ألف رجل وإنما يكفي اختيار ألف رجل عن كل سبط ليخرج الاثنا عشر ألف رجل فيغلبوا وينتصروا. فهي ليست حرب العدد الكبير ولا الإمكانيات الحربيّة من أسلحة وتخطيطات عسكريّة، إنما هي قوة التقوى والقداسة على الشر والخطيئة. يقول العلامة أوريجينوس: [لم يحصل على النصرة بكثرة عدد الجند وإنما بواسطة برّه وتقواه... فقد قيل: إذا اتَّبعوا ناموس الرب، واحد فقط يطارد ألفًا واثنان يجعلان ألفين يهربون (لا 26: 8)(*). هكذا ترى أن قديسًا واحدًا فقط في صلواته يكون أقوى من جيش لا يُحصى من الأشرار(**). صلاة البار تخترق السماء، فكيف لا نحصل على النصرة على الأرض؟ لهذا يلزمك أن تبحث أولًا عن برّ الله (مت 6: 33)، فإننا إن وجدنا واحتفظنا به نخضع كل الأعداء بشرط أن نكون لابسين درع البرّ، ممنطقين أحقاءنا بالحق، نحمل خوذة الخلاص وسيف البرّ، نحمل فوق الكل ترس الإيمان الذي به نقدر أن نطفيء جميع سهام الشرير الملتهبة (أف 6: 14-17)... بهذه الأسلحة ينهزم كل معسكر الشياطين وجيشه ونرنم بثقة، قائلين: "إن نزل عليَّ جيش لا يخاف قلبي، وإن قامت عليَّ حرب ففي ذلك أنا مطمئن" (مز 27: 3)]. ثالثًا: إن كان رقم (12) يشير إلى ملكوت الله على الأرض، حيث يملك الثالوث القدوس في كل جهات المسكونة (3×4) فإن رقم (1000) يشير إلى الحياة السماويّة لأن يومًا عند الرب كألف سنة. إذن فرقم (12.000) يشير إلى ملكوت الله السماوي على الأرض، هذا الذي له الغلبة على روح الشرّ والعثرة. من ينضم إلى العضويّة في مملكة المسيح الروحيّة، حاملًا السمات السماويّة ينهزم أمامه إبليس وكل جنوده. رابعًا: لم نسمع في هذه الحرب عن قيادات عسكريّة ولا استعدادات بالأسلحة لكننا نقرأ: "فأرسلهم موسى ألفًا من كل سبط إلى الحرب هم وفينحاس بن ألِعازار الكاهن إلى الحرب وأمتعة القدس وأبواق هتاف في يده" [7]. كانت طاقات الحرب هي الألف رجل أي الحياة السماويّة التي تسمو على الخطيّة وترتفع فوق كل إغراءاتها، تحت قيادة فينحاس الكاهن الغيور على مقدسات الله الذي يشير إلى العبادة الناريّة بالروح القدس والملتهبة بلا انقطاع، وأمتعة القدس خاصة تابوت العهد الذي يشير إلى حضرة الله كسرّ تقديسنا ونصرتنا، وأبواق هتاف تشير إلى كلمة الله إذ هي "حيّة وفعَّالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته" (عب 4: 12). هذه هي الإعدادات الحقيقيّة للغلبة في الحرب الروحيّة: الحياة بفكر سماوي، العبادة الملتهبة غير المتقطعة، والشعور بحضرة الله الدائمة، التمسك بكلمة الله. خامسًا: كانت الحرب موجهة ضد "كل ذكر". قُلنا أن الذكر يشير إلى الفكر أو العقل أو النفس كما أن الأنثى تشير إلى الجسد أو العمل أو العاطفة. ففي حربنا ضد الخطيّة نصوِّب سِهامنا الروحيّة ضد كل فِكْر شرير، هذا الذي يفسد النفس والجسد معًا. نحن لا نعادي الجسد بل نقاوِم الفكر المُفْسِد له ولعواطفه وأحاسيسه. |
|