منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 27 - 02 - 2023, 04:31 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,288

أيوب | نقده لقسوة أصدقائه

نقده لقسوة أصدقائه

حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ،
وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ [14].
يوبخ أيوب أصدقاءه على عنفهم وقسوتهم. حقًا لم يتكلم سوى أليفاز، لكن ظهرت علامات القبول والموافقة من الصديقين الآخرين. يشعر أيوب أن قسوتهم صارت علة جديدة ليتمنى الموت، لأنه أية راحة له في هذا العالم إن كان أصدقاؤه الذين جاءوا ليعزوه صاروا معذبين له؟
إنه من حق الإنسان الحزين أن يُقدم له المستريحون عطفًا، ويظهروا له محبة خالصة، ويطيبوا خاطره، ويستمعوا إلى شكواه، ويمزجوا دموعه بدموعهم. هذا ما يليق بهم كأعضاء مع الحزين في ذات الجسد الواحد.
من لا يقدم حنوًا للمتألم يكون قد ترك خشية القدير، أي فقد مخافة الرب لأنه كيف تثبت محبة الرب ومخافته فيمن لا يبالي بآلام أخيه (1 يو 3: 17)؟
الشدائد هي محك الصداقة؟ تكشف الأصدقاء بالحق ممن يدعون الصداقة. "الأخ للشدة يولد" (أم 17: 17).
* توجد وصيتان للحب: محبة الله ومحبة قريبنا. بحب الله يصير لمحبة القريب وجودها. وبمحبة القريب تتشدد محبة الله. فمن لا يبالي بمحبة الله بالحق لا يعرف شيئًا عن كيفية محبة القريب، وحين نتقدم بأكثر كمالٍ في محبة الله نرضع لبن الحب نحو قريبنا.
لأن محبة الله تلد محبة القريب، لذلك عندما تحدث الرب بصوت الناموس ونطق بالكلمات: "تحب قريبك" سبق ذلك قوله: "تحب الرب إلهك" (مت 37:22؛ تث 5:6، 10، 12)... مرة أخرى محبة الله تتقوى بحب قريبنا، وقد شهد يوحنا بذلك إذ يقول: "من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟" (1 يو 20:4)... بهذا يقول بحق حكيم: "لا يمكن معرفة صديق وقت الرخاء، ولا يمكن أن يختفي عدو وقت المحنة" (ابن سيراخ 8:12).
البابا غريغوريوس (الكبير)
* لا يكفي أن نظهر رحمة، وإنما يليق بنا أن نقدّمها باتساع، بروح سمِحة، وليس فقط بروح سمِحة بل بروح فرحة مبتهجة...
وقد ركّز على نفس النقطة بقوّة عندما كتب إلى أهل كورنثوس ليحثّهم على الاتساع، إذ يقول: "من يزرع بالشح فبالشح أيضًا يحصد، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضًا يحصد" (2 كو 9: 6). ولكي يصحّح مزاجهم يقول: "ليس عن حزنٍ أو اضطرارٍ" (2 كو 9: 7)... فإنك إن حزنت وأنت تصنع رحمة فأنت قاس وعنيف.
إن كنت حزينًا كيف تقدر أن تسند الذين هم في حزن...؟ هذا هو السبب في قوله "الراحم فبسرور"، لأنه كيف يكون حزين الملامح من يتقبّل الملكوت؟! من يبقى كئيب النظرة وهو ينال غفران خطاياه؟ إذن لا تفكّر في إنفاقك المال (عمل الرحمة)، بل في الفيض الذي تناله خلال الإنفاق. فإن كان الذي يبذر يفرح مع أنه يبذر وهو غير متأكد من جهة الحصاد، كم بالأكثر من يُفْلِح السماوات؟ فإنك تعطي إنما القليل لتنال الكثير... بالفلسين حُسبت الأرملة أنها فاقت من قدّم وزنات كثيرة وذلك بسبب روحها المتسع.
* يرتبط القوي بالضعيف فيسنده، ولا يسمح بهلاكه.
مرة أخرى إن ارتبط بشخص متكاسل يقيمه ويدفعه للعمل. قيل: "أخ يعينه أخ هو مدينة قوية". هذه لا يفوقها بعد المسافة ولا السماء ولا الأرض ولا الموت، ولا أي أمر آخر، إنما هي أقوى وأكثر فاعلية من كل الأشياء. هذه وإن صدرت عن نفسٍ واحدةٍ، قادرة أن تحتضن كثيرين دفعة واحدة.
اسمع ما يقوله بولس: "لستم متضايقين فينا بل متضايقين في أحشائكم. كونوا أنتم أيضًا متسعين" .
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "الصديق الأمين دواء الحياة" (ابن سيراخ 6: 16).
لا يوجد علاج مؤثر في شفاء الأوجاع مثل الصديق الصادق الذي يعزيك في ضيقاتك، ويدبرك في مشاكلك، ويفرح بنجاحك، ويحزن في بلاياك. من وجد صديقًا هكذا فقد وجد ذخيرة. فالصديق الأمين لا شبيه له، فوزن الذهب والفضة لا يعادل صلاح أمانته (انظر ابن سيراخ 6: 14، 15).
* بحق ليكن لك صديق تدعوه "نصف نفسي".
* لا توجد صداقة حقيقيّة، ما لم تجعلها كوصلة تلحم النفوس، فتلتصق معًا بالحب المنسكب في قلوبنا بالروح القدس.
* لا يوجد علاج مؤثر لشفاء الآلام مثل الصديق الصادق الذي يعزيك في ضيقاتك.
القديس أغسطينوس


أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ،
مِثْلَ سَاقِيَةِ الْوِدْيَانِ يَعْبُرُون َ[15].
إذ جاءوا معًا ليعزوه، وبقوا سبعة أيام وسبع ليالِ صامتين، كان ينتظر منهم كلمة تعزية تطفئ اللهيب الداخلي، لكنهم انقضوا عليه بوحشية كمن يغدرون به، يكيلون له الاتهامات الباطلة، ويصبون على جرحه ما يلهبه، بدلًا من تقديم زيت يلطف من التهابه.
* قرب معارفي لم يسندوا احتياجاتي". ذلك لمجرد تجاهل الله له جعل أقرباءه يستخفون به وسط مثل هذه الآلام. ففي كل مرة يبتعد الله، يُحرم الإنسان من ملجأه، ويصير الكل ضده معادين له. يقول لم يعرفني أحد في محنتي. لكن هذا في خطورة ان "كل الذين اعتادوا أن يكرموني صاروا الآن ضدي". هذا أمر سيء للغاية أن يسحق الشخص تحت قدميه إنسانًا منبطحًا. يبدو لي أنه كان يلمح بذلك إلى أصدقائه الذين كانوا معه.
* لو لم يكن شريرًا ما كان قد صار لكم عدوًا. إذن اشتهوا له الخير فينتهي شرّه، ولا يعود بعد عدوًا لكم. إنه عدوّكم لا بسبب طبيعته البشريّة وإنما بسبب خطيّته!
القديس يوحنا الذهبي الفم
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن أيوب يشبه أصدقاءه بالخائفين من الجليد الذي يتجمد من أسفل ويسقط عليهم الثلج النازل من أعلى. أنهم يطأون بأقدامهم من حلت بهم المحن الزمنية الأرضية، إذ يطلبون مجد العالم، ولا يدركون أنه ستحل بهم العقوبة السماوية كثلجٍ ساقطٍ عليهم لا يستطيعون الهروب منه.
* لنتبعه وهو مُضطهد وهارب من عناء مقاوميه، حتى أننا نحن أيضًا "نصعد إلى جبلٍ ونجلس معه". فنرتفع إلى نعمة مجيدة، أسمى من كل شيءٍ، ونملك معه. وكما قال بنفسه: "أنتم الذين تبعتموني في تجاربي متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده في التجديد، تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت 19: 28؛ لو 22: 28).
القديس كيرلس الكبير


الَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ الْبَرَدِ،
وَيَخْتَفِي فِيهَا الْجَلِيدُ [16].
جاءوا في مظهر الغدير الذي يقدم ماءً للظمآن، فقدموا له ماءً محملًا بالطين، ويختفي فيه الجليد، لا يمكن شربه.
يئن أيوب من تعزيات أصدقائه العكرة، المملوءة وحلًا. فإنه من فضلة قلوبهم الترابية يقدمون وحلًا. ومن برود محبتهم يقدمون ثلجًا. هكذا كل نفس تضع رجاءها في تعزيات البشر، لا تتقبل إلا وحلًا وجليدًا. التي عوض أن تروي النفوس المجروحة، تحطمها بما تخفيه من الفكر الترابي الزمني، ومن البرود الروحي.
أما من يتقبل تعزيات الروح القدس التي ترفع النفس إلى السماء، وتحررها من وحل هذا العالم، وتهبها حرارة الروح. فيتحول قلبه الترابي بماء الروح إلى فردوسٍ سماوي. ينزع الروح من داخله كل محبة للأرضيات، فيترنم: "أَجلسنا معه في السماويات". يبدد كل برود للنفس، واهبًا لهيب الحب الفائق، لا تستطيع كل مياه العالم أن تطفئه.
* يسمى (الروح القدس) المعزي، لأنه يعزي ويفرح الذين في الشدائد.
القديس مقاريوس الكبير
* لقد دَعي الروح القدس الذي سيرسله بالمعزي، ملقبًا إياه هكذا بسبب عمله، لأنه ليس فقط يعطي راحة لمن يجدهم مستحقين، ويخلصهم من كل غمٍ واضطرابٍ في النفس، بل في نفس الوقت يمنحهم فرحًا أكيدًا لا ينحل. يسكن في قلوبهم فرح أبدي حيث يقطن الروح القدس.
* يستحيل أن ينال أحد نعمة الله ما لم يكن له الروح القدس، الذي فيه كل عطايا الله.
القديس ديديموس الضرير
* حينما تمتلئ النفس من ثمر الروح تتعرّى تمامًا من الكآبة والضيق والضجر، وتلبس الاتساع والسلام والفرح بالله، وتفتح في قلبها باب الحب لسائر الناس .
القديسمار اسحق السرياني
* مملكة طاهر النفس داخل قلبه، والشمس التي تشرق فيها هي نور الثالوث القدوس، وهواء نسيمها هو الروح القدس المعزي، والسكّان معه هم طبائع الأطهار الروحانيين، وحياتهم وفرحهم وبهجتهم هو المسيح ضياء الآب...
* من نظر في ذاته إلى ربنا، وامتزجت نفسه بنوره، يمتلئ قلبه بالفرح.
الشيخ الروحاني


إِذَا جَرَتِ انْقَطَعَتْ،
إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا [17].
يشٌَبه أيوب أصدقاءه بجدول ماء، صار بسبب الحرارة جافًا، ليس فيه نقطة ماء للشرب. فإذ يعرج إليه المسافرون مترجين أن يرووا ظمأهم وظمأ حيواناتهم، فيتركون طريق السفر ويذهبون إليه إلى مسافات بعيدة حتى يكادوا أن يتوهوا عن الطريق، إذ بهم يفاجئون بجفافه، فيحل بهم الخزي.
لم يقف الأمر عند وجود طين في مياه الغدير، وإنما سرعان ما تجف، يذهب إليها أيوب ليشرب، فيجد جدول ماءٍ جاف.
ماذا يقصد بكلمة "حميت"؟ يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن هؤلاء الذين تسقط عليهم التأديبات تصير أذهانهم حامية، ملتهبة بنيران الندامة غير المثمرة، لأنهم لا يفكرون في الأبديات، بل هم مشغولون بالمجد الزمني. فندامتهم تحطمهم بالأكثر، ويذوبون في مكانهم.
* "الذين يرتعبون أمامي، انظروا فقد طرحوني إلى أسفل مثل جليدٍ أو ثلجٍ كثيفٍ الذي عندما يذوب عند الاقتراب من الحرارة يتعذر تمييزه". يقول: كأن الأحزان قد ضغطت عليّ من كل جانب، وصار الخاضعون لي وأصحابي ضدي. فإنه ليس فقط قانون الحب قد أبطل، وإنما حتى المهابة التي تقود إلى الطاعة قد زالت. وأما أنا الذي أصارع مع محنٍ وانفعالاتٍ عنيفةٍ، فقد صرت كثلجٍ مجمدٍ، وعندما يحل فصل الحر ينحل ويزول ولا يبقى له أثر. لا يترك أية علامات وراءه لأن الملك -الذي هو أنا- جالس على مزبلة. واللابس الأرجوان قد صار عاريًا تمامًا خارج المدينة. إنه يجلس في الخارج ليقضي الليل، هذا الذي كان قبلًا يقطن مساكن فاخرة، كانت منازله مغشاة بالذهب والفضة بفيضٍ. هذا الذي كان محاطًا بخدمٍ كثيرين، الآن صار مهجورًا. الذي له أبناء كثيرون وأكاليل موروثة، فجأة صار في دمار، فقد كل غنى بيته.
الأب هيسيخوس الأورشليمي
* هذا الثوب الذي لبسته يا إنسان داخل المعمودية سداه نور، ولحمته روح، وهو لهيب. لقد أعده لك الآب، ونسجه لك الابن، وحاكه لك الروح. في داخل المياه نزلت ولبسته إلهيًا. لقد قدم الثالوث النار بالمعمودية ليحرق الإثم ولكي تحيا النفوس مع الله.
مار يعقوب السروجي


تَحِيدُ الْقَوَافِلُ عَنْ طَرِيقِهَا،
تَدْخُلُ التِّيهَ فَتَهْلِكُ [18].
تحول جدول الماء عن المحتاجين إليه، فلا يجد العطشى ماءً للشرب. هكذا ابتعد الأصدقاء بتعزياتهم بعيدًا عن أيوب، فصاروا كمجرى ماء يهرب من الظمأى. أما الروح القدس المعزي فيروي النفس ويشبعها، فلا تحتاج إلى شيءٍ.
* من المعلوم يا إخوتي أن كلًا منا يطلب راحته وفرحه، إلا أنه لا يطلب ذلك كما يجب، ولا حيثما يوجد. فالأمر يتوقف على تمييز الفرح الحقيقي من الفرح الكاذب، وبالعكس فإننا غالبًا ما نُخدع بخيالات الفرح الباطل والخير الكاذب.
فالبخيل والمتجبر والشره والشهواني، كل منهم يطلب الفرح، إلا أن هذا يضع فرحه في جمع غنى وافر، وذاك في شرف الرتب والكرامات، وهذا في المآكل والمشارب اللذيذة، وذاك في إشباع شهواته النجسة. ليس منهم من يطلب فرحه كما يجب، ولا حيثما يوجد، من ثمَّ لا يجده أحد منهم بالرغم من أن الكل يشتهونه.
كل ما في العالم لا يقدر أن يُشبع النفس ويُخوِّل لها فرحًا حقيقيًا، فلماذا إذًا تتعب أيها الإنسان الغبي، وتطوف باطلًا في أماكن كثيرة متوقعًا أن تجد خيرات تملأ بها نفسك وتُرضي بها جسدك؟! أحبب خيرًا واحدًا يحوي جميع الخيرات، ففيه وحده تجد الكفاية.
استرح إلى الخير الواحد العظيم العام، ففيه الكفاية عن كل شيء.
وأما أنتِ يا نفسي فباركي الرب الذي يُشبع بالخيرات عمرك (مز 103: 2، 5).
القديس أغسطينوس


نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ.
مَوَاكِبُ سَبَأ رَجَوْهَا [19].
تطلعت قوافل تيماء وسبأ، قوافل تجار تلك البلاد الموجودة في صحراء العرب، نظرت إلى المياه، وترجت أن تشرب منها، لكنها خزت إذ هربت منهم.
يطلب الطوباوي أيوب أن نتأمل سبل تيماء وطرق سبأ.
ويرى البابا غريغوريوس (الكبير)أن تيماء تترجم بالريح الجنوبية، وسبأ تترجم "شبكة". فلإنسان الذي لا ينشغل بالأبديات إنما كمن تهب عليه الريح الجنوبية الحارة، فتجعل حياته منحلة كما بفعل الحرارة، وتصير قدماه كمن قد أُمسكتا في شبكة أو تقيدتا بقيود الزمنيات.


خَزُوا فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّين.
جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا [20].
إذ يتجه المسافرون في البرية نحو جدول مياه معروف، يشعرون براحة لأنهم واثقون أنهم يجدون ماءً للشرب، لكن تتحطم ثقتهم تمامًا حين يجدونه جافًا. هذا هو موقف أيوب نحو أصدقائه الذي كان يظن أنه يجد تعزياته فيهم، فإذا بهم يقدمون كلمات جافة وقلوبًا بلا حب، فيخيب أمله تمامًا من جهتهم.
كانت ثقته عظيمة أن يشرب من مياه الجدول في وسط البرية. لكن طمأنينته ظهرت باطلة.
لقد جاء الأصحاب إلى أيوب وخجلوا، وكما يقول البابا غريغوريوس (الكبير) إنهم لم يستطيعوا أن يهزوا فكر القديس بنقدهم العنيف المرّ.
هذه هي مشاعر الطوباوي أيوب أن أصحابه قد صاروا في خزي، إذ فشلوا بكل افتراءاتهم أن يدخلوا به إلى اليأس، بل هم أنفسهم صاروا في ارتباك بجنون غباوة عنفهم.
* "يخزون فيما أنا أترجى". عندما يصوب الأشرار شرورهم إلى الصالحين، إذ يرون رجاءهم الداخلي يهتز يتهللون، لأن خداعهم قد أثمر. إنهم يحسبون نشر أخطائهم أعظم ربحٍ اقتنوه، إذ يفرحون حين يهلك زملاؤهم. ولكن إذ يتأصل رجاء الإنسان الصالح في الداخل ولم يهتز وينحنِ إلى الأرض بالشرور الخارجية تخزى نفوس الأشرار، لعجزهم البلوغ إلى أعماق الذين في محنة، ويخجلون، إذ يظهر أن عنفهم بلا هدف.
البابا غريغوريوس (الكبير)
في رأي الأب هيسيخيوس الأورشليمي أن أيوب يقول لهم: "انظروا مقاطعاتكم الخاضعة للجزية أو إلى جيرانكم كما إلى طرقكم. فإنكم بالتأكيد تدركون أنهم إذ ظنوا أنهم أكثر شهرة من غيرهم إلا إنهم مستحقون للوم. "يغطيهم العار، هؤلاء الذين يتكلون على مدنهم وغناهم، هذه التي كانت لدى أيوب بفيضٍ. وإذ أصيب بالتجارب نزع الله عنه كل هذا، لهذا فإن ثقتهم فيما هو لهم خطأ، فعن قريب يبطل كبرياؤهم ويهلك تشامخهم.


فَالآنَ قَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهَا.
رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ [21].
يؤكد أيوب لأصدقائه أنهم صاروا هكذا مثل هذا الغدير المخادع الذي لا يروي أحدًا ولا يهب تعزية، بل يقدم سرابًا وخداعًا... هذه هي تعزيات البشر الباطلة، إنها كلا شيء!
"رأيتم ضربة ففزعتم". كأنه يقول: حين كنت في رخاء كنتم تلاطفونني في وقتٍ لم أكن فيه محتاجًا إلى ملاطفتكم. وإذ حلت بي الضربة، فزعتهم وقدمتم لي مرارة عوض الكلمات العذبة، ونقدٍ لاذع عوض التعزيات.
* "الآن قد جئتم ورأيتم ضربتي ففزعتم"... كأنه يقول في وضوح: "لقد خشيت الله عندما كنت مدعمًا بالرخاء، ولم أشعر بجراحات الضربة. أما أنتم فلم تخشوا الله بالحب، إنما ارتعبتم منه فقط خلال ضربات العصا.
البابا غريغوريوس (الكبير)


هَلْ قُلْتُ: أَعْطُونِي شَيْئًا،
أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ارْشُوا مِنْ أَجْلِي؟ [22]
وإن كان قد افتقر إلى حالة العدم، لكنه لم يستجدِ منهم شيئًا، ولم يثقل عليهم في شيءٍ، ولا طلب مالًا، ولا كبَّدهم أية نفقات، فلماذا يأخذون هذا الموقف المؤلم؟


أَوْ نَجُّونِي مِنْ يَدِ الْخَصْم،ِ
أَوْ مِنْ يَدِ الْعُتَاةِ افْدُونِي؟ [23]
لم يسألهم أن ينقذوه من عدو أو من يد عتاة، ولا سألهم أن يدفعوا فدية لإنقاذه. هكذا كان أيوب عفيف النفس، حتى عندما بلغ إلى أمّر حالات الفقر.


عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ،
وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ [24].
لقد اختلف أيوب معهم في الرأي، إلا أنه لم يعاند، بل كان مستعدًا أن يقبل الحق إن كان مخطئًا، إذ يقول: "علموني فأنا أسكت، وفهموني في أي شيء ضللت".
في وسط الضيق متى قام أحد بتوبيخنا، خاصة إن كان متحاملًا علينا، يصعب أن نصغي إليه أو نقبل مشورته، مركزين أنظارنا نحو تحامله الشرير واستغلال ضيقتنا لتحطيمنا. أما أيوب ففي وسط الضيقة يعلن لأصدقائه أنه مستعد أن ينصت ويسمع، بل وإن ابرزوا خطأ في حياته يصحح من حاله.
يا لها من صورة رائعة لنفسية وإن اضطربت بسبب مرارة الكوارث المتلاحقة، لكنه يحمل هدوءً داخليًا، واستعدادًا عجيبًا لقبول مشورة أصدقائه مهما كانت نياتهم.
* "علموني" ها أنتم ترون أيوب يصغي إليكم في صمت. في أحزاني هل أنا متمرد؟ أما أشعر بفيضان المحنة؟ لست منغلقا على قبول المشورات. إن كنتم تدحضوني لأني مخطئ، فسترونني مسرعًا نحو إصلاح الموقف.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
* هذا معناه: لم أطلب منكم شيئًا في الماضي، ولا طلبت منكم الآن، وأنتم قد جئتم بناء على مبادرة من جانبكم لكي تجدوني وتعزوني. فلماذا تتعاملون معي كعدوٍ؟ "علموني فأسكت؛ إن كنت أخطئ في شيء ما اخبروني".
على أي الأحوال، حتى تحت هذه الظروف لست أرفض التعلم مادمتم تنطقون بما هو نافع. وسأصمت إن نطقتكم بكلمات مقبولة.
بالتأكيد لا يقدرون أن يقدموا اتهامات واضحة، إنما مجرد حدس وتخمينات.
إذ كانت حياة الشخص مملوءة بالفضائل بوضوح، كان يليق بهم ألا يروا في التأديبات ما يقولونه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
الله وحده مطلق الكمال، يعلِّم المسكونة ولا يحتاج إلى التعلُّم. أمَّا نحن كرعاة إذ نخدم بالله الساكن فينا، يلزمنا أن يتسع القلب دائمًا، ويستمر في الاتساع ليأخذ من الله، وتفوح بالأكثر رائحة المسيح فينا، لأنَّه مهما عظم اتِّساع قلبنا فهو ليس إلاَّ نقطة صغيرة بالنسبة لِلُجَّة محبَّة الله وفيضه اللانهائي.
فالراعي - ولو كان بطريركًا - إن لم يكن دائم التعلُّم يقف نموه ويظهر جموده ويُعثر شعبه عن النمو الروحي.
وبقدر ما يخشع تحت أقدام الرب، ويفتح قلبه له في الصلاة والدراسة في الكتاب المقدَّس، وبقدر ما يصغي دائمًا بكل قلبه ليتعلَّم في كل أمر أحكام الله، ينمو في شركته وتنمو معه رعيَّته أيضًا.
* إنَّني لا أقدر على الهروب من عمل التعليم مادام الكهنوت قد ألقي على عاتقي، رغم محاولتي الهروب منه.
وإنَّني أرغب في الجهاد في التعلُّم حتى أكون قادرًا على التعليم.
لأنَّه يوجد سيِّد واحد (الله) الذي وحده لا يتعلَّم ما يعلِّمه للجميع.
أمَّا البشر فعليهم أن يتعلَّموا قبل أن يعلِّموا، ويتقبَّلوا من الله معلِّمهم ما يعلِّمون به الآخرين.
القديس أمبروسيوس
* اقرأ الكتب المقدَّسة باستمرار، فلا ترفع الكتاب المقدَّس قط عن يدك. تعلَّم ما ستعلِّمه للآخرين، ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، لكي تكون قادرًا أن تعظ وتوبخ المناقضين (1 تي 3: 4)، "وأما أنت فاثبُت على ما تعلَّمت وأيقنت، عارفًا ممَّن تعلَّمت". كن مستعدًا دائمًا لمجاوبة كل من يسألك عن الرجاء الذي فيك" (1 بط 3: 15).
القديس جيروم
مَا أَشَدَّ الْكَلاَمَ الْمُسْتَقِيمَ،
وَأَمَّا التَّوْبِيخُ مِنْكُمْ، فَعَلَى مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ [25]
لم يسترح أيوب لأسلوبهم في معالجة الأمر، فكان يليق بهم أن يحاوروه بروح الحب والاستقامة. أما أن يستخدموا أسلوب النقد والتوبيخ على افتراضات وظنون لا أساس لها، فهذا ليس للبنيان.
* "حسنا! تبدو كلمات الإنسان الحق بلا قيمة". يقول: يبدو لي إني عاجز عن أن أقود المعركة، لأن خصومي يقاومونني، ولأنه إذا قيل الحق وأعلن عنه بصراحة، ليس من يصغي إليه. فإن كلمات الإنسان البار تبدو بلا قيمة لكل أحد.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "إذ تبدو كلمات الإنسان الحق باطلة". إنها باطلة بالنسبة للذين ليسوا حقًا. ولكن إذ أتطلع إليكم لا أعرف من تخدمون؟!
الأب هيسيخيوس الأورشليمي


هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ،
وَكَلاَمُ الْيَائِسِ لِلرِّيحِ! [26]
التوبيخ بروح العنف وفي قسوة لن يثمر.
* "لست أسألكم كلمة أو قوة، ولا توبيخكم يجعلني أن أكف عن النطق". نعم، فإنه وإن كان يليق بكم أن تحكموا في قضيتي حسب الظروف الحاضرة، فإني لا أتوسل إليكم... "فإنني لست أطلب قوة منكم"... لا أعبأ بأصوات حديثكم هذا بجانب أنكم تهاجمون الأيتام، وتسيئون إلى أحد أصدقائكم. إنه يقول لهم بأنه ليس للعداوة ولا للصداقة تأثير عليكم. على أي الأحوال، إن رغبتم دعوني أعود إلى قولي: "إني لا أطلب شيئا". فإنكم حتى إن أخذتم موقف المقاومة أكرر مرة أخرى: ضميري لا يثور عليَّ.
القديس يوحنا الذهبي الفم


بَلْ تُلْقُونَ عَلَى الْيَتِيمِ،
وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ! [27]
إذ يتطلع أيوب إلى تصرفاتهم مع الأيتام كما مع أصدقائهم يستطيع أن يكرر: "إن ضميري لن يوبخني بكلماتكم".
يشبههم وهم يوبخونه بينما هو في حالة مرة وفي كارثة، كمن يذل يتيمًا عاجزًا عن صد الإهانات.
حسب أيوب نفسه وقد فقد أولاده كاليتيم الذي يفقد والديه، يحتاج إلى حنوهم فيتشبهون بالله، إذ هو "أبو اليتامى وقاضي الأرامل" (مز 68: 5).
ما يحزنه أنهم وهم أصدقاء له ينصبون فخًا يسقط فيه، عوض مساندته ليخرج من فخ التجارب المتلاصقة.
* "نعم، أنتم تسحقون وتبذلون الجهد لتدميري". إنه يظهر نفسه كم هو ضعيف، إذ يدعو نفسه "يتيمًا". عندما تجرح المحبة لن تنزع الحب، لذا يشكو في الحال أنهم يدمرونه، ومع هذا يشهد أنه صديقهم.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* يجب على كل راهبٍ (إنسانٍ) ينشد الكمال ويرغب في أن يجاهد قانونيًا في قتاله الروحي، أن يتخلص من خطية الغضب والسخط بأكملها، وأن ينصت للتحذير الذي يُوجهه إليه "الإناء المختار"، قائلًا: "ليُرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث" (أف 31:4). وحين يقول: "ليُرفع من بينكم كل غضب" لا يستثني أحدًا مهما كان، لما تقتضيه الضرورة أو لما هو نافع لنا، وإذا احتاج الأمر، فينبغي فورًا أن يُعالج أي أخ مخطئ بطريقة لا يكون من شأنها أن تجعله شبيهًا بشخصٍ ذهب يعالج مريضًا بحمى خفيفة فورط نفسه بغضبه وسخطه فيما أدى به إلى فقد بصره وبصيرته. ذلك لأنه ينبغي على من يريد أن يشفي جرح شخصٍ ما أن يكون سليمًا مُعافى، لا يشكو من أي ضعف، لئلا تُوجه إليه عبارة الإنجيل: "أيها الطبيب اشف نفسك" (لو 23:6)، ولئلا وهو يرى القذى الذي في عين أخيه لا يرى الخشبة التي في عينه. إذ كيف يرى حتى يخرج القذى من عين أخيه، ذاك الذي في عينه خشبة الغضب؟ (مت 7: 3-5)
القديس يوحنا كاسيان


وَالآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ،
فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لاَ أَكْذِبُ [28].
كان أيوب صادقًا مع نفسه كما مع الغير، لهذا سألهم أن يتفرسوا فيه ويعيدوا النظر في الأمر، فإنه لا يكذب ولا يخدع أحدًا.
كأنه يقول لهم: لا تتصيدوا بعض كلماتي، تطلعوا إلى وجهي، فإني وإن كنت قد لعنت يوم الحبل بي ويوم ميلادي، الأمر الذي تتصيدونه، لكنني لم أجدف على إلهي.
تفرسوا في قروحي فإنها لا تُحتمل، فما ينطق به لساني ليس بدون مبررٍ. إنني لست أخاصم إلهي.


اِرْجِعُوا. لاَ يَكُونَنَّ ظُلْمٌ.
ارْجِعُوا أَيْضًا. فِيهِ حَقِّي [29].
يعود فيكرر مطالبًا إياهم بإعادة التفكير، يسألهم أن يرجعوا إلى أنفسهم ولا يتحاملوا عليه، فيروا حقه، فإن كان لم يقدر أن يحتفظ بهدوئه فلا يعني هذا أنه فقد استقامته ونبله.


هَلْ فِي لِسَانِي ظُلْمٌ،
أَمْ حَنَكِي لاَ يُمَيِّزُ فَسَادًا؟ [30]
يسألهم هل نطق بلسانه كلمة فيها تجديف على الله. أي إثم يتهمونه به؟ أليس ما نطق به يتكافأ مع ما يعانيه من مرارة.
* عندما نفضح خطية أخينا يفضح الله خطيتنا، وعندما نخبر الناس عن جريمة أخينا يفعل الله معنا هكذا.
أحد آباء البرية
* احفظوا ألسنتكم. وذلك بأن لا تقولوا عل إخوتكم شرًا. لأن الذي يقول على أخيه شرًا يغضب الله الساكن فيه. ما يفعله كل أحدٍ برفيقه فبالله يفعله.
القديس مقاريوس الكبير
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أيوب | رد الرب على كل الاتهامات الموجهة ضده من أصدقائه
أيوب | يطلب ن أصدقائه أن يتراءفوا عليه
أيوب | لومه أصدقائه على قسوتهم
وجد أيوب أن الحديث مع أصدقائه بلا نفع
خيبة أمل أيوب من جهة موقف أصدقائه


الساعة الآن 02:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024