قصة القناة التى لم يحتمل النظام جرأتها
إنها صدفة، ويا لمساوئ الصدف!
صدفة أن يتم إغلاق قناة دريم بعد أيام قليلة من إذاعتها حلقة من برنامج العاشرة مساء، تقديم وائل الإبراشى، وبها تقرير عن تحويل الرئيس مرسى لابنه مبلغ مليونى دولار عبر البنك المركزى.
صدفة أن يتم إغلاق القناة بعد عدة حلقات استضاف فيها وائل الإبراشى نماذج من الأصوليين الذين يريدون هدم الآثار وتسويد العيشة على من يعيشونها فى مصر.
صدفة أن يتم إغلاق القناة بعد أيام من رفع الإعلامية جيهان منصور قضية ضد القيادى الإخوانى عصام العريان نتيجة للسب والقذف الذى تعرضت له على يد الرئيس السابق لحزب الحرية والعدالة.
صدفة أن يتم إغلاق القناة بعد أن طلبت حكومة الإخوان «هدنة» تتوقف خلالها القناة عن انتقاد الجماعة، وهو ما رفضته القناة وصممت على استكمال مسيرتها التى اختارتها بحريتها، ولا تريد أن تفقدها فتفقد معها الحرية.
إنها صدفة، سنصدق هذا، وسنصدق أيضا من يلوحون بالوضع المالى للدكتور أحمد بهجت مالك القناة، ويحاولون ربطه بالأمر، رغم أن هذه نقرة وتلك نقرة، فإذا كان الرجل، كرجل أعمال، يعانى من أزمات مالية، أو لا يعانى، فما علاقة هذا بالقناة؟ وما ذنب الإعلام كى يدفع الثمن؟ ولماذا قرار الإغلاق؟
إنها صدفة أن تكتشف وزارة الإعلام فجأة، أن هناك قناة مخالفة، اندهشوا من أن القناة تبث من خارج مدينة الإعلام، اندهشوا وأصابتهم الصدمة، وهم الذين يحلون ضيوفا على القناة وبرامجها، ويتقاضون على ذلك مقابلا، ويذهبون بأرجلهم إلى استوديوهات القناة، ويبتسمون أمام الكاميرات، اندهشوا من أن القناة تبث من هذه الاستوديوهات، فهل كانوا يظنون أنفسهم فى مدينة الإنتاج الإعلامى وهم لا يشعرون؟
ثم يأتى السؤال: هل قناة دريم منفردة هى التى تخالف اللوائح؟ احترام القانون واجب، هذا مؤكد، لكن القانون يبقى بلا احترام مادام مفتقدا للعدل، هكذا تعلمنا. وإذا أردنا تطبيق القانون، فليكن ذلك من خلال الأصول، لم لا تجمع القنوات المخالفة، وتنذرها، ثم تطبق القانون مرة واحد فى يوم واحد على الجميع؟
لماذا تنظر بعين واحدة لقناة مثل دريم، بينما العين الأخرى عوراء لا ترى الجزيرة التى تبث من ميدان التحرير؟
ولماذا هذه المخالفة بالذات التى تستحق العقاب الفورى البات الذى لا رجعة فيه ولا نقض ولا إبرام؟ هل عقدت القنوات المدينة مثلا تسوية مديوناتها؟ هل تدفع القنوات إيجار استوديوهاتها بانتظام؟
لماذا هذه المخالفة ولماذا هذه القناة؟
هل لأنها القناة التى افتتحت الحديث عن المسكوت عنه قبل عشر سنوات؟ ولأنها احتضنت المعارضين للنظام، الكاسرين للصمت المحتجين منذ برنامج «على القهوة» الذى كان إبراهيم عيسى يمارس من خلاله مشاغباته؟ (بالمناسبة إبراهيم ينتظر الدور فى مسلسل التكميم كما ننتظره جميعا).
هل لأنها القناة التى امتلكت من الجرأة أن تبث حوار هيكل الذى افتتح مسلسل فضح التوريث، والبعض يرى أن هذه الجرأة مازالت مستمرة؟
هل لأنها القناة التى اعتادت تقديم البرامج الساخنة سياسيا، التى تقدم وجبة الكواليس كما هى دون تجميل؟
هل لأنها قناة لم تهادن اللحى ولم ترتد الحجاب الفكرى، ولم تسر فى ركاب السائرين مع النظام الجديد، ولم ترفع لافتة «مات الملك.. عاش الملك»، وقررت منذ اللحظة الأولى لتولى الفاشية الدينية حكم مصر أن تتصدى لها بمنتهى الوضوح والقوة؟
إنها إذًا صدفة!
إن كل ما يمكنك سماعه من مبررات لإغلاق القناة مهما بدا حقا، فإنه الحق الذى يراد باطل، ويدل على أن الإخوان يتبعون سياسة مبارك بالحرف، ربما لأنهم جزء من هذا النظام الذى لم يسقط بعد، وربما لأنهم لا يعرفون عنه بديلا.
فما أشبه إجراء متولى عبد المقصود بإجراءات أنس الفقى، إنهم يعيدون تلك الفترة التى شهدت إغلاق القنوات بحجج إجراءات ولوائح وإيجارات وتراخيص وما إلى ذلك، فهل يعيدون ما بعد هذه الفترة من إسقاط النظام؟
وقتها ستكون صدفة، ووقتها ستكون محاسن الصدف.
الفجر