رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إبراهيم .. "إبراهيم خليلي" (إش 41: 8) ما هو الدين في كلمة واحدة؟!!.. هذا هو السؤال الذي اختلفت إجابات الناس عليه في كل جيل وعصر، ومن ثم نشأت الأديان المختلفة المتعددة في كل مكان وزمان؟!!.. وقد أغرق الإنسان في العصور القديمة بحثاً عن الله حتى وصل إلى الحال التي قيل فيها: "إنه وجد الله في كل شيء إلا الله نفسه".. أو في لغة أخرى: إنه تاه في طريق البحث عن الله، وبينما هو يظن أنه عثر عليه، كان غارقاً في الظلام أسير الوهم والضلال والوثنية والتعاسة والشرود الأبدي.. وفهم الدين فهماً خرافياً معكوساً مقلوباً بالتمام،.. فالدين عنده هو اتجاه الإنسان إلى الله، والتقرب منه فزعاً ورهبة وخوفاً وزلفى، مما جعله يعيش وهم يتخيل الطقوس والفرائض والوصايا التي يتحتم عليه أن يتممها لكي يصل إلى الله ويقترب منه،.. مع أن لب الدين وجوهره لا بحث الإنسان عن الله، بل بحث الله عن الإنسان، وليس اقتراب الإنسان من الله، بل اقترب الله إلى الإنسان، وليست هذه هي الحقيقة الجديدة الطارئة على فهم الإنسان في العهد الجديد، بل هي الحقيقة العظيمة القديمة التي فهمناها من السطور الأولي في العهد القديم في الكتاب المقدس، ففي الوقت الذي اختبأ فيه آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، سمعا صوته ماشياً ينادي عند هبوب ريح النهار، قائلاً لآدم: "أين أنت؟!!".. وعندما غرق العالم في دياجير الظلام والوثنية بعد الطوفان، وأراد الله أن يحفظ الدين الحقيقي سعى هو إلى رجل في الأرض، قبل أن يسعى هذا الرجل إليه، وأنشأ علاقة بالرجل، قبل أن ينشيء الرجل هذه العلاقة معه، وجاء الدين في كلمة واحدة هي كلمة الحب"،.. ولعله مما يدعو إلى العجب كل العجب، أن الله هو يفرق على لسان إشعياء بين الوثنية والدين الحقيقي قال: "نظرت الجزائر فخافت أطراف الأرض وارتعدت. اقتربت وجاءت. كل واحد يساعد صاحبه ويقول لأخيه تشدد، فشدد النجار الصائغ. الصاقل بالمطرقة الضارب على السندان قائلاً عن الألحام هو جيد. فمكنه بمسامير حتى لا يتقلقل وأما أنت يا إسرائيل عبدي يا يعقوب الذي اخترته نسل إبراهيم خليلي الذي أمسكته من أطراف الأرض ومن أقطارها دعوته وقلت لك أنت عبدي اخترتك ولم أرفضك".. وهل لا يتعجب المرء أن الله وهو يصف العلاقة بإبراهيم يقول: "إبراهيم خليلي".. وكأنما الله يعتز بهذه الصداقة ويفاخر بها،.. أجل.. لو جاء هذا القول منسوباً إلى إبراهيم لما بدا غريباً أو عجيباً إذ هو فخر الصعلوك بالملك، وفخر من هو لا شيء بمن هو كل شيء،.. لكن أن يأتي معكوساً ومن الله ذاته، فهو العجب كل العجب، وهو الدين في صحته وعمقه وحقيقته، خطوة الله إلى الإنسان، وعلاقة الله بالإنسان، علاقة الحب والمودة، وهو إن شئنا الدقة حقيقة المفهوم المسيحي لمعنى الدين في كلمة "الحب" "الصداقة مع الله"، وهو مفتاح حياة إبراهيم كلها، والترجمة العظيمة لها جملة وتفصيلاً، ولعلنا بعد هذا يمكن أن نتعرف على قصته على وجه دقيق شامل فيما يلي: |
24 - 05 - 2013, 02:18 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم وصداقة الله الجاذبة
ذهب أحدهم لزيارة كناس إنجليزي، وكان هذا الكناس مريضاً في كوخه، وسأله الزائر: هل زارك أحد اليوم، وأجاب الكناس: نعم زارني غلادستون، وكان غلادستون في ذلك الوقت رئيس وزراء بريطانيا، عندما كانت امبراطورية لا تغرب عنها الشمس كما يقولون،.. ولم يصدق السامع القول، إذ بدا له أنه غير قابل للتصور أن غلادستون يأتي إلى كوخ رجل كناس ليعوده في مرضه،.. ولكن هذه كانت الحقيقة إذ أن غلادستون تعود أن يرى الرجل في كل صباح في الشارع، وكان يحييه، وإذ لاحظ غيابه سأل عنه، وإذ علم أنه مريض زاره في كوخه الصغير الحقير. قيل إن سيدة حرمت في غرفة جلوسها على مقعد أن يجلس عليه أحد، لأنه في زيارة الملكة فيكتوريا لمنزل السيدة جلست على هذا الكرسي، فأصبح محرماً أن يجلس أحد في المكان الذي جلست فيه الملكة.. هل رأيت لفتة غلادستون للكناس أو لفتة الملكة لمواطنة إنجليزية، وكم قوبلت بالذهول والاحترام والإجلال، للفارق الواسع بين الزائر والمزار، فكم يكون الأثر أعمق وأبعد وأجل وأعظم، إذ حدث هذا بين الله "والإنسان" على الصورة التي حدثت بين المولى عز وجل، وبين إبراهيم الذي قال ذات مرة لسيده: "قد شرعت أكلم المولى وأنا تراب ورماد".. لن تستطيع أن تعثر على مفتاح حياة إبراهيم، ولن تستطيع أن تفهم شخصيته وخلاله وطباعه وسجاياه، قبل أن نقف أمام عبارة صغيرة عظيمة، قالها استفانوس في استهلال كلامه في سفر الأعمال: "ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم".. وكلمة "إله المجد" تعني أن الله ظهر متجلياً لإبراهيم في هيئة رائعة مجيدة،.. وإن هذا الظهور سيطر على إبراهيم وسلب لبه وحياته، وقاده طوال حياته على الأرض بما يشبه الجاذبية المغناطيسية، التي لا تدع للإنسان في قوتها أية مقاومة أو ممانعة أو توقف أو تردد، بل إن هذا الظهور كان جليلاً وعظيماً، إلى الدرجة التي جعلته يرى التبر تراباً إلى جانب الله، ويقدم على رحلته الخالدة التي غيرت لا مساره هو وحده، بل مسار الجنس البشري كاملاً، حتى يعود المسيح ابنه المبارك إلى الأرض، ويسيطر عليها، لمجد الله عندما يخضع الكل له ليكون الله الكل في الكل!!.. نحن لا نعلم على أية صورة ظهر الله لإبراهيم في أور الكلدانيين، هل ظهر له كما ظهر بعد ذلك في كنعان عندما زاره في خيمته ومعه ملاكان؟ أو ظهر له في رؤيا؟، أو ظهر متكلماً كما يظهر الرجل مكلما صاحبه وجهاً لوجه؟، لكن المؤكد أن هذا اللقاء العظيم بين إبراهيم والله كان فيه الله على صورة مجيدة، لعلها صورة السيد في التجلي عندما صاح بطرس –وقد نسى إزاءها الحياة، والعالم، والحاضر والمستقبل: "جيد يا رب أن نكون ههنا".. مع الفارق الملحوظ أن إله "المجد" في كلا الحالين لم يبق على من ظهر له في حالة سكون أو متعة، في أور الكلدانيين، أو على رأس الجبل، بل دعاه إلى الحركة في رحلة المجد العظيمة، في الرسالة المباركة التي وضعت عليه،.. وإذا كان إبراهيم قد دعى "أبا المؤمنين" فإنها الصورة عينها في كل لقاء بين الله والمؤمن في رحلة الحياة على هذه الأرض،.. هل تذكر ذلك المثال الألماني العظيم الذي دعته بلاده يصنع تمثالاً عظيماً ليسوع المسيح، وظل ثماني سنوات، حتى أبدع تمثالاً رائعاً آية في الإبداع والجمال؟.. عندما رأى الناس هذا التمثال الرائع،.. عادوا فطلبوا منه أن يصنع تمثالاً آخر "لفينيس" آلهة الجمال.. فرفض وقال: "إن الذي ينظر إلى وجه يسوع المسيح لا يستطيع أن ينظر إلى وجه آخر بجواره".. أجل وستضحى فينيس على ما يتصورون من جمالها المذهل قبحاً وتشويهاً، إلى جانب رب الجمال يسوع المسيح.. وإذا كان أوغسطينس، بعد أن تجاوز الثلاثين من عمره، قد صاح عندما جاء إلى الله: "أيها الجمال القديم، وما تزال حديثاً كم تأخرت في حبك".. فكم يقول إبراهيم الذي لا نعلم قصته في صدر الشباب، والذي التقى بالله وهو في السبعين من عمره.. على أي حال إن الذين يلتقون بالله، سيؤخذون بجماله، وسيبقى هذا الجمال الينبوع الدافق طوال حياتهم لما يمكن أن يتمتعوا به من سعادة وبهجة حتى يقولوا مع تشارلس كنجسلي وهو في ضجعة الموت: "كم هو جميل الرب.. كم هو جميل؟!!". |
||||
24 - 05 - 2013, 02:18 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم وصداقة الله الصانعة
كان اسم إبراهيم الأول "ابرام" أو "الأب المرتفع" وغير الله اسمه وأعطاه اسم "إبراهيم" أو "أب جماهير" وهو الجيل العاشر من نوح، وإذا صح حساب الأسقف أشر فإن مولده يقع بين 2008ق.م. أو 1996 ق.م.، وأنه ولد بعد الطوفان بثلاثمائة واثنتين وخمسين عاماً، أو بعد موت نوح بعامين،.. وأنه هاجر في السبعين من عمره وأنه يقع في منتصف المسافة بين آدم والمسيح،.. ولن نستطيع أن ندرس بعمق خلاله وصفاته، دون أن نرى أثر الصداقة الإلهية في حياته، وكيف فعلت هذه الصداقة فعلها العظيم القوي فطبعت فيه من الصفات، وأصلت فيه من المباديء ورسخت من الأفعال، ما يمكن أن يجعله "نموذجاً" "وأباً"، للمؤمنين، في كل العصور، حتى يأتي النموذج الأعلى والكامل الذي ترك لنا مثالاً لكي نتبع خطواته، والذي لا يمكن أن يحف به قصور أو ضعف أو هنة أو تخاذل لم يبدأ منها للأسف مع ذلك الرجل العظيم أبو المؤمنين إبراهيم!!.. |
||||
24 - 05 - 2013, 02:18 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم المهيب الطلعة
لم يعطنا الكتاب وصفاً لجمال إبراهيم الجسدي، وإن كان من المتصور أنه كان على حظ كبير من هذا الجمال، وإذ كانت زوجته وأحفاده قد وصفوا مرات متعدد بالجمال البارع،.. فمن التصور العكسي، أنه هو مورث هذا الجمال على النحو الكبير، وأنه كان متين البنيان مهيب الطلعة، لا تستخفه العين، أو تقتحمه النظرة، بل هو كما وصفه الحثيون: "اسمعنا يا سيدي أنت رئيس من الله بيننا".. وغير خاف أن هذا الجمال لم يكن الجمال الجسدي، بل هو ذلك الجمال العظيم المهيب، الذي يجبر الآخرين على الخضوع والخشوع والاحترام،.. أو كما يصوره الخيال الوثني، في الإلياذة والأوديسة عندما تنزل الآلهة لتضفي على من تريد أو من تحب نوعاً من البهاء الإلهي، لا يملك البشر أن يغضوا الطرف عنه أو يحتقروه.. وهو في الصحيح ما نطلق عليه في لغة الكتاب: النعمة التي يعطيها الله ويسبغها في عيون الآخرين نحو المؤمنين، فتمتليء نفوسهم من الحب والرفق والحنان والرضى عليهم، دون أن يملكوا لذلك سبباً أو تعليلاً، سوى القول: "إن أرضت الرب طرق إنسان جعل أعداءه يسالمونه".. وبهذا عاش إبراهيم طوال حياته وتجواله مهيباً في كل مكان وأينما حل ورحل!!.. |
||||
24 - 05 - 2013, 02:19 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم الحالم
لقد خرج إبراهيم من أور الكلدانيين نتيجة رؤية أو حلم، ولقد عاش حياته بأكملها وهو يحلم بمملكة عظيمة وشعب أكثر من نجوم السماء كثرة، وكالرمل الذي على شاطيء البحر الذي لا يعد، بل لقد طرق هذا الحلم الأرض كلها، إذ بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض، وعاش إبراهيم سعيداً بهذا الحلم وقد تحولت أور الكلدانيين، على ما كانت عليه من حضارة، وعظمة في ذلك التاريخ، إلى صحراء بجانب واحة حلمه، أو أصداف بجوار ماس رؤياه، أو عدم بجوار غنى المجهول الذي يلوح أمامه. ومن المحقق أن هذا الحلم هو القوة التي رفعت أبا المؤمنين، فوق كل ما لاقى في الأرض، من واقع قاس مروع بغيض، وهو القوة التي ترفع رواد الطرق في الحياة البشرية فوق كل متاعب وآلام ومعاناة،.. وهل كان من الممكن لكولمبس، أن يندفع صوب المجهول، دون أن يحلم بشاطيء آخر عظيم على الطرف الآخر من المحيط الأطلنطي، أو "لبرفورث" وهو يناضل من أجل العبيد، أو "لنوكلن" وهو يدخل الحرب الأهلية. لولا هذه الرؤيا التي يحلم فيها الإنسان بحياة أكثر حرية وجمالاً وسعادة وإشراقاً من كل ما يعاني من تعاسات في هذه الأرض!!. |
||||
24 - 05 - 2013, 02:19 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم المؤمن
هذا الرجل المهيب الطلعة، الواسع الرؤى والأحلام،.. لم تكن أحلامه مجرد أوهام أو خيالات، تراود ذهنه، كمن يحاول الهروب من الواقع البغيض، إلى عالم خيالي، إن لم يجده صاحبه، فلا أقل من أن يتصوره، عند انفصام الشخصية، أو الإدمان على مسكر أو مخدر،.. لقد كان إبراهيم مؤمناً بالصديق الذي ظهر له، وبالرؤيا التي وضعت أمام عينيه،.. والإيمان كما عرف الكتاب هو: "الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى"،.. وثقة إبراهيم هنا لا تتدانى أو تتراخى أو تتزعزع، بل كان إبراهيم هنا نموذجاً من أعلى النماذج التي عرفها أولاده المؤمنون على اختلاف عصورهم وأجيالهم في الأرض،.. بل لعل هذه الصفة كانت الصفة الأشهر، إذا نظرنا إليه أباً للمؤمنين، أو كما يقول دكتور فردريك ف. شانون: "لقد منح الله أبناءه من البدء هبات متنوعة وكثيرة، إذ كان موسى عبقرياً في الناموس، ويشوع في الحرب، وداود في الترنم، وأنجلو في النحت، وسافونا رولا في الإصلاح، وشكسبير في الشعر، وبيتهوفن في الموسيقى، ووبستر في الفصاحة، والكثيرين ممن ظهروا كنجوم لامعة في جلد التاريخ، كل وما أخذ من موهبة من الله، غير أن إبراهيم الكلداني كان يتميز بعطية الإيمان، إذ كان يرى غير المنظور، ويلمس غير الملوس،.. واثق الخطى وهو يدلف في رحلته العتيدة، تجاه المدينة الخالدة، مدينة الله التي لابد أن يجدها، يوماً ما وفي مكان ما بيقين لا يتزعزع".. |
||||
24 - 05 - 2013, 02:19 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم الجسور
وإبراهيم بهذا المعنى هو نموذج قل أن يظهر له ضريب أو مثيل في الجسارة بين من يطلق عليهم "المغامرين" في هذه الأرض "أو" "الرواد".. لم يكن إبراهيم قصبة تهزها الريح، بل ذلك الإنسان الجسور، الذي تملكته فكرة، واستولت عليه عقيدة، فخرج لا يلوي على شيء،.. ومع أن الرحلة لم تكن معالمها كاملة، إذ: "خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي" إلا أنه كان على اليقين، أنه ذاهب في الطريق الأفضل، وإلى الهدف الأعلى والأمجد والأسمى،.. ومن ثم اندفع بأقوى قوة تدفع الإنسان صوب المجهول، وقد ولى ظهره الوطن والصحاب والأرض، ومن غير تردد أو شبهة عبر الفيافي والقفار، أو من غير لفتة هنا وهناك حتى يصل إلى الأرض التي وعد بها، مهما طال به الطريق، أو امتد به الزمن، وفي الحقيقة إن مغامرة الإيمان هي أعظم المغامرات في حياة الناس في هذه الأرض، وإذا كان الجنرال جوردون –وهو يصف انجلترا- قد قال: "إن انجلترا لم يصنعها الحكام بل صنعها المغامرون".. فإن الحقيقة أقوى وأعظم وأجل في حياة أبطال الإيمان، من الذين صنعوا التاريخ المسيحي ومدوا مملكة الله على الأرض بين الناس،.. إن رحلة إبراهيم العظيمة لا يمكن أن يصفها إلا مغامر جسور، وقد وقف أبو المؤمنين بذلك على أعلى ربوة في جسارة الإيمان وهو يتطلع إلى الأرض التي رحل إليها، والمدينة التي ما يزال أبناؤه يسعون إليها: "وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها وأقروا بأنهم غرباء ونزلاء في الأرض، فإن الذين يقولون مثل هذا يظهرون أنهم يطلبون وطناً فلو ذكروا ذلك الذي خرجوا منه لكان لهم فرصة للرجوع".. ولم نكن بعد ذلك نراه عجباً، وهو يدخل بغلمانه الثلاثمائة والثمانية عشرة في معركة يعجز عن مواجهتها ملوك سدوم وعمورة ومدن الدائرة، وهزموا وأسروا واستطاع إبراهيم أن يحول الهزيمة إلى النصر، وأن يسترد لوطاً ابن أخيه والأسرى والأسلاب،.. وهيهات أن يفعل هذا إلا المقدام المغوار الجسور!!.. وهذه الجسارة كما أشرنا ترجع أساساً إلى الصداقة المتمكنة بينه وبين الله القادرة على كل شيء والمساعد، والمعين!!.. |
||||
24 - 05 - 2013, 02:19 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم السموح النفس المتعفف
ومن عاش في صداقة مع الله، ستتسع حياته أمام الصديق أو العدو، القريب أو البعيد، على حد سواء، وذلك الذي أغناه الله في كل شيء وأدرك أن ما يتمتع به، هو عطية الله أولاً وأخيراً،.. هذا الإنسان سيصرفه غنى الله عن غنى الناس، ومال الله عما يتصور الناس أنه مالهم وحقهم دون غيرهم من البشر، وهنا تحضر واقعتان، تخلى فيهما إبراهيم عن حقه، في أروع صور النفس المسحة المتعففة المترفعة الغنية،.. أما الأولى فمع ابن أخيه لوط، والثانية مع ملك سدوم، وفي كلا الحالين، وبكل المعايير المعروفة في ذلك التاريخ كان من حق إبراهيم أن يأخذ ما يريد أو ما يشاء، ففي النزاع بين ورعاة مواشي لوط ورعاة مواشي إبراهيم كان من حقه –وهو الأصل، والأكبر، والذي جاء بلوط معه- أن يختار، ولكنه اختار السماحة والتعفف، وترك للوط أفضل مراعي وأبهج المروج، في سبيل الحب، والإخاء، والسلام، والإيثار لابن أخيه. وكان مثلاً رائعاً في طرح الماديات للإبقاء على المعنويات، وفي اللقاء مع ملك سدوم، كان من حقه كمنتصر في الحرب أن يجمع كل الأسلاب،.. ولكن ملك سدوم رأى شيئاً ربما كان عنده أدعى إلى العجب، من انتصار إبراهيم على الملوك الذي حاربهم، وهو انتصار إبراهيم على نفسه أمام أسلاب في قبضة يديه، يرفضها، ويركلها بقدميه، في الوقت الذي يسيل فيه لعاب الآخرين على الفتات منها،.. وهنا ضرب مثل رائع وعجيب لغنى النفس المترفعة المتعففة،.. من الحق أنه رائع أن تتمسك بحقك، فتحافظ عليه، ولكن قد يكون أروع وأعظم أن تتخلى عن الحق للحفاظ على المعاني التي يمكن أن تقود الآخرين للتعرف على مجد الله أمام الآخرين!!.. كان الدرس الذي يريد أن يعلمه إبراهيم لملك سدوم أن الغنى والثروة والقوة والجاه والنفوذ هي عطايا يمنحها الله للإنسان الذي يستند إليه، وكما أعان الله إبراهيم في المعركة وأعطاه النصر العجيب، فإن الله وحده هو الذي يغني البشر، وهو الذي يعطي إبراهيم ثروته وغناه وكل ما يملك،.. وهو لا يرغب أن يكون مديناً لأحد بهذه الثروة، حتى ولو كان شراك نعل، لأن الله أعطاه ويعطيه كل شيء بغنى للتمتع!!.. آه هل يتعلم أبناء إبراهيم من المؤمنين كيف يكون التعفف السمح المتعالي الذي يمد أصوله إلى نهر الله الواسع العظيم الفياض دون الاتجاه إلى الناس أو انتظار عطائهم، شح هذا العطاء أو كثر!!.. |
||||
24 - 05 - 2013, 02:19 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم الكريم المضياف
وتظهر هذه الصداقة في ضيافة من أمسى وأروع الضيافات، التي بها أضاف إبراهيم الله والملائكة وهو لا يدري،.. والصداقة مع الله تعلم دائماً الكرم،.. إذ أن الله كريم، بل هو أساس كل جود وسخاء وكرم،.. أليس هو الذي يعطي بسخاء ولا يعير؟ أليس هو الذي يمد يده في كل صباح إلى الأشرار والأخيار، وينهمر بعطاياه كالوابل، إلى الجميع من أدنى المخلوقات وأشر الخطاة إلى أعظم الناس، وأروع القديسين؟ كتب شاعر غربي يصف كرم رجل اسمه يوسف قائلاً: هذه خيمتي، يقول يوسف، لكنها ليست لي إذ هي لله، فادخل إليها وكن سالماً!! واقتسم من غير مقابل كل ما في خزنتي إذ أني أنا ملكه ذلك الذي يبني خيامنا، ويغطينا في الليل والنهار بسقفه اللامع ولم يقل قط لا لمن يطرق بابه!!.. هل سمعت عن حاتم الطائي، كواحد من أحفاد إبراهيم، وهو يوقد في الليل النار ليهتدي إليها من بعيد الضارب في الصحراء؟.. وهل سمعت أن حاتم كانت مسرته الكبرى أن يطرق داره في الليل أو النهار غريب أو ضعيف؟ قال لواحد من عبيده ذات مساء في الليل البارد القاسي: أوقد فإن الليل ليـــل قــر والريح يا غلام ريح صــر فإن أتى ضيف فأنت حر أي أنه سيعطي العبد حريته إذا طرق داره طارق في الليل القاسي الشديد البرد،.. وكان إبراهيم أبا لحاتم الطائي ولغيره، وكان النداء الإلهي وما يزال: "لا تنسوا إضافة الغرباء لأنه أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون".. |
||||
24 - 05 - 2013, 02:20 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إبراهيم ..(موضوع متكامل)
إبراهيم المطيع
دعا الله إبراهيم إلى المجهول ومع أن إبراهيم لم يعرف من مطلع الطريق إلى أين ينتهى به المطاف، لكنه مع ذلك خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي،.. وكان إبراهيم هنا أدنى إلى الصغير الذي يكفيه أنه يسير بصحبة أبيه، دون أن يعلم إلى أين ستنتهي رحلة هذا الأب، أو الابن الذي تجده يركب الطائرة مع أبويه اللذين قد يكونا في طريقهما مهاجرين إلى آخر الأرض،.. ولكن الصغير لا يعني بالتخطيط أو الترتيب أو الإعداد أو تنفيذ متطلبات الرحلة، إنما يكفيه أنه مع أب وأم يهتمان به، ويعلمان أين يذهبان. كان إبراهيم واثقاً من قائد الرحلة، والمخطط لها، ومنفذها، وأنه كلي القدرة والمحبة والحكمة، وهيهات أن يتركه أو يغفل عنه أو ينساه أو يهمله،.. ومن ثم كان إبراهيم كمن يحمل أمراً مختوماً لا يجوز له فتحه أو معرفة وجهته إلا في الزمان أو المكان المحددين والمعنيين لفض المختوم،.. وكان إبراهيم مثالاً رائعاً للطاعة الكاملة من غير تردد أو تمهل أو تحفظ.. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
موضوع متكامل عن احد الشعانين |
موضوع متكامل عن عيد الأم |
موضوع متكامل عن الصليب |
أبونا إبراهيم أبو الآبـاء (موضوع متكامل) |
الاتضاع (موضوع متكامل) |