طوبَى لآل التوك توك
الجمعة 29-06-2012 08:24
بالرغم من أن آخر ما كنتُ أرجوه لمصرَ هو أن يحكمَها الإخوان، وبالرغم من ظنّى، وظنّ كثيرين، وبعضُ الظنّ إثم، أن فوز الإخوان بالحكم حكمة سياسيّة، أكثر منه قراراً شعبياً، كيلا تحترقَ مصرُ، لا سيما بعد تهديد الإخوان الغليظ، وها قد حكموا وقُضِىَ أمرٌ علينا قبولُه. ولأن المثقفين والشعراءَ لا مكانَ لهم إلا على يسار الحاكم، وكما جلس الليبراليون على يسار الملك لويس السادس عشر، فأطلقوا الثورة الفرنسية، فيما كان النبلاءُ ورجالُ الدين ينعمون بمقاعد اليمين، فإن علىّ أن أبرحَ مربعَ الليبرالية المتسامح، لأنتقل إلى مربع اليسار المُنتقِد، إلى أن تنهضَ مصرُ من عثرتها، بإذن الله.
وبعد، فطوبَى لسائقى التوك توك. وطوبَى للهند العظيمة التى ابتكرت التوك توك (ريكشا). ولو كان غاندى نفسه حيّا، ما خصّ ابتكارَ بلاده بأطيب الذكر، كما فعل رئيسُ مصرَ فى أول بيان يخرج به على شعبه! لكنّا نُقدّرُ أن الرئيسَ يناصرُ مَن ناصروه فى التصويت، من أبناء الشعب الطيب، فردّ لهم التحيةَ بأحسن منها. مع أنه لو بحث عن ابتكار مصرىّ ليُحيّيه، بدل الابتكار الهندى، لوجد الكثير: الورق، القلم، الموسيقى، العمارة، النحت، التشكيل، وغيرها الكثير. كلّها ابتكارات مصرية وجب على الرئيس تحيتها، جوار التوك توك. لهذا كنّا نأمل أن يتذكر رئيسُ مصرَ الكُتّابَ والمبدعين والمثقفين من أصحاب القلم، مثلما تذكّر سائقى التوك توك. أم تُراهم لم يناصروه، فسقط عنهم واجبُ التحية؟
مسحَ الرئيسُ مصر أفقيّا جغرافيّا، فذكر كل محافظاتها، ورأسيّا فذكر كلَّ المهن والوظائف. لكن التوك توك أربكنا ذِكرُه، لأنه عربةٌ طائشة يقودُها غالباً أطفالٌ مُتسرّبون من التعليم، أو عاطلون مستهترون بأرواح الناس وآداب المرور، فكان مدهشاً أن يُحييهم الرئيس، كأنما بذلك يشجّع التسرّبَ من التعليم والقيادةَ دون رخصة! وننتظر منه أن تختفى الظاهرتان على يديه بإذن الله.
كنا ننتظرُ أن نسمع، فى بيانه التاريخىّ الأول، شيئاً عن التعليم، فى بلد مُثقل بالجهل والأمية.. عن البحث العلمى، فى بلد يستهلكُ ولا يُنتج، لأن العلماءَ، إن وُجدوا، يُحارَبون ويُسخَرُ منهم.. عن الثقافة وحرية التعبير، فى بلد صدّرَ للعالم الحضارةَ والثقافةَ والفنونَ قبل آلاف السنين، والآن تحارَبُ على أرضه الحضارةُ والثقافةُ والفنون!
رجونا أن نسمع عن إعادة الاعتبار لكنز مصرَ الأبدىّ: الآثار.. تمنينا وعداً ببناء (عقل) المجتمع، الذى اهترأ. انتظرنا أن نسمع وعداً بحلّ كارثة العشوائيات، أطفال الشوارع، المرأة المعيلة! إلا أننا لم نسمع سوى «برومو» الحملة الانتخابية الذى سمعناه لأسابيعَ قبل الانتخابات، وحفظناه عن ظهر قلب.. ذاك الذى يبدأ وينتهى ويعجّ بنداء: «أهلى وعشيرتى»!
مصرُ، يا جماعة الإخوان المسلمين، دولة استثنائية بكل المقاييس. فنرجو أن تكون الجماعة التى تحكمنا، واعية بهول تلك المسئولية الضخمة.
حماكِ الله يا مصر.
الوطن