لماذا اختار المسيح موت الصليب
لماذا اختار السيد المسيح الموت على الصليب كأداة للخلاص؟ ألم يكن بإمكانه أن يخلص البشر بطريقة أخرى دون أن يقاسي هذه الآلام الكبيرة؟
والجواب واضح، فقد كان بإمكان السيد المسيح أن يفدينا بطريقة أخرى لكنه فعل ذلك ليعلمنا الدروس الثمينة التالية:
1- أمثولة خالدة في الحب: لأن البشر أجساد، أراد الله أن يبرهن لهم عن حبه بطريقة محسوسة لكي يفهمهم جسامة المعصية، فاستعمل الصليب وموت ابنه عليه، وبذلك غسلهم بدمه الزكي.
2- لكي يبين للبشر مدى قيمة النفس البشرية وأهميتها، فهي خالدة تستحق ثمناً غالياً وهو دم ابن الله لأنه "ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه".
3- لكي يوجز لنا أن الصليب هو "موجز وملخص الإنجيل"، فالمسيح لا يكتفي بالكلام فقط بل طبق تعاليمه بالعمل. علم المحبة وطبقها إلى أقصى الحدود: "لا تكن محبتنا بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق".
4- لكي يعلمنا بأن الصليب هو "منهل قوة". نعم الصليب أداة ضعف وعار، ولكنه بنفس الوقت رمز القوة والغار، فإننا نفتخر بصليب يسوع المسيح كما يقول القديس بولس، وبذلك نردد مع الفيلسوف بسكال: "إني أحب الصليب بسبب يسوع المصلوب عليه، وأحب يسوع بسبب صليبه الذي احتمله من أجلي".
5- وقعت البشرية بسبب وقوع آدم وحواء في تجربة الشيطان بالأكل من "شجرة معرفة الخير والشر" التي نهاهما الله عن أكلها، وقد استعمل الله صليب الخشب، شجرة الخلاص الجديدة، لكي ينتصر على الشيطان في المعركة التي سقط فيها أبوينا الأولين، وبذلك أصبحت شجرة العثار خشبة انتصار، ومن نفس الداء أعطى الدواء والشفاء.
6- هناك قاعدة لاهوتية تقول: "إن الإهانة على قدر المهان، والتكفير يجب أن يكون على قدر الإهانة وعلى مستوى المهان"، من هنا كان يجب أن يكون المخلص على مستوى القدرة للقيام بالمصالحة المطلوبة، لأن الخطيئة هي خطيئة عصيان والمهان هو الله بالذات، ولا يستطيع أي بشري أن يجري المصالحة بين البشرية والله إلا بتكفير لائق بمستوى الله، فكان يجب أن يموت المسيح ويكفر عن الجميع.
أخيراً، إذ ننظر إلى خشبة الصليب المقدس التي عليها صلب سيدنا يسوع المسيح، نرى فيها درساً بليغاً في الحب الذي يجذب القلوب "وأنا إذا ارتفعت عن الأرض جذبت إليَّ الناس أجمعين"، وإذ نسجد له "نسجد لك أيها المسيح لأنك بصليبك المقدس خلصت العالم"، نطلب منه أن يحول آلامنا وصلباننا إلى أداة خلاص ومصدر حياة: "إن حبة الحنطة التي تقع في الأرض، إن لم تمت، تبقى وحدها، وإذا ماتت، أخربت حباً كثيراً".