أسئلة شبابية وإجابات كتابية
القس آنجيلوس اسحق
مقدمة
نواصل معكم .. أحبائنا الشباب والشابات إجابة أسئلتكم المرسلة إلينا أو المطروحة علينا في الاجتماعات المتنوعة.. مع شكري وتقديري لثقتكم الغالية ومحبتكم الكبيرة لمجلة رسالة الكنيسة التي تشبع كل جوع روحي، وتسدد احتياج نفسي أو فكري أو ثقافي..
وقد اشترك معنا في إعداد إجابات الأسئلة في هذا العدد آباء وخدام لهم من الخبرة الروحية والدراسة اللاهوتية القدر الكبير .. الرب يعوضهم أجراً صالحاً سمائياً.
الإكتئاب
س: وصلنا من الأخ ( .. ) لقد عانيت مؤخراً من فقدان علاقة حميمية، وفقدان للعمل، وفقدان للشهية.. وبدلاً من أن ألجأ للرب قضيت معظم وقتي أسأل نفسي لماذا جئت إلى هذا العالم؟
لم تعد لدي القدرة على الصلاة فقد بدا لي كما لو أن الصلاة بلا فائدة وبلا حياة بالنسبة لي، فأنا لا أعرف إن كان الله موجوداً أم لا؟!
وإذا كان موجوداً فأنا لا أحبه لأنه سمح لكل هذا أن يحدث في حياتي.. ؟ أنا أشعر بالشفقة على ذاتي والغضب على نفسي، ومازلت أشعر باليأس .. هل من رجاء لي؟
ج: يكشف كلامك يا عزيزي عن مدي الألم والظلام والبرودة التي تمتلئ بها أيامك، فقد بدا لي كما لو أن سحب الاكتئاب قد زحفت إلى نفسك لدرجة أنك لا ترى أي بادرة أمل. ولكن على الرغم من أنك لا تشعر بأن هناك رجاء لقلبك إلا أن الرب يؤكد لك أنه يوجد رجاء، فهو يعلمك كم أنت مهم بالنسبة له عندما يقول في سفر أرميا "لأني عرفت الأفكار التي أنا مفتكر بها عنكم.. أفكار سلام لا شر لأعطيكم آخرة ورجاء".
من المؤكد أن هناك رجاء لحياتك وأنك عزيز جداً في عينيه "لأني أنا الرب إلهك إذ صرت عزيزاً في عيني وأنا قد أحببتك".
الله يحبك جداً جداً ويريد أن يزيل سحب الإكتئاب المظلمة ليحيطك بنور حبه.
ما هو الاكتئاب؟
يعد الاكتئاب كلمة شاملة تغطي مشاعر كثيرة تتأرجح بين عدم الرغبة في فعل شئ إلى الإحساس باليأس التام. أما من الناحية النفسية فالاكتئاب هو الحالة التي يشعر فيها القلب بالضغط وعدم القدرة على الإحساس بالفرح.
وسُحب الاكتئاب تظلل لشخص روحاً ونفساً وجسداً.
ما سبب الاكتئاب؟ ينتج الاكتئاب من عدة مشاكل في المجالات المختلفة لحياة الإنسان، فيتكون كل شخص منا من ثلاثة أجزاء كما نرى في رسالة تسالونيكي الأولى " لتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم..:. لهذا فإنه عندما تحدث مشكلة في أي جزء من هذه الأجزاء الثلاثة يمكن أن تتسبب في حدوث مشاكل في الجزئيين الآخريين لأن هذه الأجزاء مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً.
أولاً علاج الجسد (واجه السُحب)
أ- اعرض نفسك على طبيب.. تعد استشارة الطبيب أمراً هاماً لكي تنقشع عنك سُحب الاكتئاب هذه.. يمكن أن تساهم الكثير من المشكلات الجسمانية في الشعور بالاكتئاب، فعلى سبيل المثال يُعد اختلال وظائف العقل الكيميائية أحد الأسباب الأساسية في الشعور بالاكتئاب.
ومن بين أهم أمراض الاكتئاب التي تحتاج استشارة طبيب نفسي متخصص:
1- الاكتئاب الشديد Major Depression
يعاني فيه الإنسان من الاحساس الزائد بالحزن لفترات طويلة (أكثر من شهرين متواصلين) مما يعوق قدرته على العمل أو الدراسة، وبسبب اضطراب في النوم والأكل ويفقد الإنسان قدرته على الاستمتاع بأي شئ.
من بين أعراض الاكتئاب:
حزن مستمر قد يثاحبه قلق
احساس بالتشاؤم واليأس
فقدان الاهتمام والسعادة في هواياته وأنشطته، وفقدان الشهية للطعام والجنس.
الإحساس بأن عقله فارع .. الإحساس بأنه لا يساوي شئ
البطء في الحركة والعمل
صعوبة في التركيز واتخاذ القرار والتذكر
اضطراب في النوم (قلة النوم - الاستيقاظ باكر جداً - أو النوم الكثير)
(يقوم من النوم صباحاً مكتئب غير قادر للذهاب للعمل، وليس عنده الرغبة في عمل شئ).
3- الاكتئاب ثنائي القطبية Bipolar Disorders
وهو يتميز بالتحول من السعادة المفرطة إلى الاكتئاب الشديد بدون سبب، وقد يكون الانتقال بين المستويين مفاجئاً أو تدريجياً.
أثناء وجود المريض في حالة الاكتئاب يغلب عليه الإحساس بالضيق الشديد والإرهاق، وعند تحوله إلى الهوس فإن الشخص يكون في حركة دائبة ويتكلم كثيراً جداً ولا يتحكم في رغباته وتزداد عنده الرغبة الجنسية بدن ضابط أو في هذه الحالة لا يحتاج فقط لإرشاد روحي عن التعفف وضبط الشهوات وإنما بالأكثر للعلاج النفسي الذي يجب أن يسبق الإرشاد الروحي أو يصاحبه.
الحقيقة أن مرض الاكتئاب الشديد يؤدي إلى سلب الإنسان إحساسه بأي معنى أو طعم لكل ما في الحياة.. وهنا يجب أن نفرق بوضوح بين الزهو في أمور هذا العالم بسبب غنى محبة ربنا، وبين كراهية العالم بسبب الاكتئاب..
إن الزهو في أمور هذا العالم الناتج عن شبع روحي حقيقي يصاحبه فرح في الداخل ينعكس على ملامح الوجه وطريقة التعامل مع الآخرين، وطول الآناة ولطف وإيجابية واستعداد للعطاء.. أما الإنسان المكتئب فلا يملك في داخله إلا إحساس مستمر بالضيق يصاحبه عبوس الوجه وجفاء في التعامل مع الآخرين.
ب- قاوم الاكتئاب من الناحية الجسمانية
حافظ على القيام بجدول محدد: اشترك في أنشطة الكنيسة واقبل دعوات الآخرين لك حتى لو كنت تشعر بعدم الرغبة في قبول هذه الدعوات.
مارس التمرينات الرياضية يومياً.. على الرغم من أنه ربما ينتابك شعور بالتعب إلا أن ممارسة رياضة المشي السريع لمدة 30 دقيقة ستزيد من مواد كيميائية معينة ستساعدك على التخلص من الاكتئاب.
استمع إلى موسيقى تسبيح مسيحية (ترانيم وألحان - قداس - ...).
اقض وقتاً تتعرض فيه للشمس.. فقد أشارت الأبحاث إلى أن عدم التعرض للشمس يزيد الاكتئاب.
احرص على تناول وجبات منتظمة في أوقات محددة حتى تتمكن من الإبقاء على طاقتك حتى لو كنت لا تشعر بحاجتك إلى الطعام واعلم أن الإفراط في تناول السكريات يؤدي حتما إلى الإكتئاب.
نظم مواعيد نومك.. احرص على عدم النوم أثناء النهار وتجنب شرب المواد المنبهة التي تحتوي على مادة اتلكافيين بعد الساعة الرابعة بعد الظهر. ومارس التمرينات الرياضية يومياً واحرص على أخذ حمام دائماً، وشرب كوب لبن قبل ميعاد النوم.
احرص على الاستيقاظ في ميعاد محدد كل يوم وضع خطة للمهام التي يجب أن تنجزها كل يوم والتزم بهذه الخطة لتساعدك على التكيف مع الاستيقاظ المبكر ومقاومة الاكتئاب.
ثانياً: علاج النفس (إزالة السُحب)
تتألف النفس التي يطلق عليها لفظ الشخصية أحياناً من عقلك وإرادتك وعواطفك. وعادة ما تشعر النفس بالاكتئاب بعد شعورها بالضياع حيث يشعر القلب بنوع من أنواع الضغط عندما تفقد علاقة مهمة في حياتك وبعد مضي فترة من الزمن يجب أن يُشفى القلب من هذا الضغط ولكن إن لم يستعد القلب حالته الطبيعية فهذا معناه أنه يعاني من الاكتئاب.
ولابد لك أن تثق أن قلبك يسيتعيد حالته الطبيعية مرة أخرى.
عواطفك .. واجه مشاعرك
عادة ما يشعر هؤلاء الذين لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بالاكتئاب فيختفي السبب الأساسي للشعور الاكتئاب تحت مشاعر الضياع ولكن تجاهل المشاعر أو أفكارها لم يجعل هذه المشاعر تفارق النفس أي أن هذه المشاعر قد دفنت حية في أعماق النفس حيث تزداد سوءاً وتبث السم في كل أجزاء الجسم لهذا تعد مواجهة المشاعر أمر حيوي.
تعال بحزنك وألمك وقلقك وغضبك وخوفك إحباطك ليسوع.. اسكب قلبك أمامه واستقبل منه التعزية فهو الوحيد الذي يفهم عمق الألم الذي تشعر به "لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننار رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه".
ذهنك.. رتب أفكارك
إنك في حاجة ماسة إلى أن تملآفكرك بفكر الرب.. املأ ذهنك برؤية الرب ووعوده..
تذكر هذه الآية "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم". لهذا عليك أن تكتب بعض الآيات على أوراق صغيرة ومنفصلة، وتقرأها عدة مرات في اليوم.
فعندما تلهج في كلمة الله ستكتشف ما هو هدف الله من وراء السماح بهذا الإحساس المؤلم بالضياع وفقدان الكثير من العلاقات.
فهذه العواصف التي تهب على حياتك لا تهب بالصدفة، فمن خلال الكتاب المقدس يمكنك أن تبين تميز كيف أن الاكتئاب يمكن أن يفعل ما يلي:
1- يحذرك من أن هناك أمراً ما هطأ "قبل أن أذلل أنا ضللت اما الآن فحفظت أقوالك".
2- يكشف عن ضعفك.. قال الرب "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل".
3- يجعلك تعتمد على الله "لاتخف لأني معك لا تتلفت لأني إلهك قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين بري".
4- تهذب من شخصيتك "ها أنذا قد نقيتك وليس بفضة. اخترتك في كور المشقة".
5- يزيد من صبرك ونضجك "احسبوه كل فرح يا اخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين أن امتحان ايمانكم ينشئ صبراً وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شئ".
6- يزيد من حنوك على الآخرين "الذي يعزينا في كل ضيقاتنا حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى بها نحن من الله".
إرادتك .. اختر الاعتماد على من فداك
عادة يشعر الذين يعانون من الاكتئاب لفترات طويلة بأن الحياة قد حرمتهم من الاختيار فيشعرون بأنهم منساقون في وسط العاصفة وليس لهم أي حق في الاختيار، ولكن هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة، فعلى الرغم من امتلاء الحياة بالكثير من الأشياء التي تثبط العزيمة والتي لا يمكن تجنبها، إلا أنه يمكن تجنب السماح لعقلك بأن يمتلئ بما يثبط من عزيمتك فهذا هو اختيارك وهو ممارسة لإرادتك.
فمع بداية مثل هذه الأحداث يمكنك أن تختار بين الاعتماد على نفسك أو الاحتماء بالله والاعتماد عليه، فقط قال يسوع "لاتضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي".
يمكنك أن تضع ثقتك في الله بشأن حياتك فالله قادر..
صلاة: ياربي .. من يعرف أعماقي مثلك .. أنا محتاج إليك لتكون أنت قوتي لأن قوتي غير كافية.
نفسي الضعيفة تناديك.. اسندني يارب فأخلص.. ياربي يسوع كن سيداً على حياتي.
إني أسلم إرادتي وذهني لك في اسمك الثمين أرفع صلاتي.. آمين
ثالثاً: الروح (انتصر على السُحب)
الله سدد احتياج إيليا..
تعد روحك البشرية مصدراً لشعورك العميق بالاحتياج الداخلي إلى الحب والتميز والأمان. فقد خلق الله روحك البشرية لتكون مسكن للروح القدس.. لهذا فإن لم يسدد أحد هذه الاحتياجات فسيزحف الاكتئاب إلى روحك كما حدث مع إيليا النبي فعلى الرغم من أن الله استخدمه استخدام عظيم إلا أنه هرب لحياته عندما هددته إيزابل ووقع في فخاخ الاكتئاب والرغبة في الافتخار وصرخ قائلاً "قد كفى الآن يارب خذ نفسي".. فلم يشعر إيليا بأنه محبوب ومميز وآمن عندما كان خائفاً ومذعوراً إلا أن الله لم يغضب منه، لكنه سدد له احتياجه.
لقد كان إيليا مكتئب جسداً ونفساً وروحاً لهذا فقد وفر له الله الطعام والراحة أولاً ثم عالج الله نفسه (عقله وإرادته وعواطفه) عندما أوضح له الله بأسلوب لطيف أنه يحتاج إلى الطاعة.. فعلى الرغم من أن إيليا كان قد فقد ثقته في الرب لفترة من الوقت إلا أن الله سدد له احتياجه الروحي.. الله يريد أن يتعامل معك بنفس الأسلوب الذي تعامل به مع إيليا.
الله سيسدد احتياجك
من السهل أن تركز على مشاكلك الحالية وأن ترى العالم بنظارة سوداء بدلاً من أن ترى هدف الله الرائع فإذا كنت لا ترى إلا صراعاتك فسيبدو لك كما لو أن هذه العواصف لن تنتهي ولكن إن ثبتّ عينيك على الرب الذي هو فوق مشاكلك سترى كيف ينظر الله لك فهو يحبك بشدة ويرى أنك مميز ويمنحك الأمان في ذراعيه المفتوحتين بالحب لك.
يقول "كراع يرعى قطيعه بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات".
قد لا تكون لديك القدرة على التمسك به لكنه سيتمسك بك فهو ملجأك وأمانك وأنت مهم جداً للرب، فحتى لو كنت أنت هو الشخص الوحيد الذي يحيا في هذا العالم كان يسوع سيمنحك حياته فأنت قيمة وفائدة عظيمة لأنك ابنه.
وستشرف شمس الله عليك وستنفذ أشعتها إليك بغض النظر عن ظلام السُحب التي تمر على حياتك وعن الاكتئاب الذي تشعر به.
"لماذا أنتِ حزينة يا نفسي ولماذا تئنين فيّ.. ترجي الله لأني بعد أحمده خلاص وجهي وإلهي".
