منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 05 - 11 - 2022, 05:49 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,315

وصايا طوبيت لابنه طوبيّا



وصايا طوبيت لابنه طوبيّا


في الأصحاح الأول: كشف طوبيت عن التزام المؤمن أن يواجه التجارب الصادرة من الخارج، بالتصاقه بالرب وممارسته الشريعة لا في حرفية قاتلة، بل بالروح تتحوَّل التجارب إلى فرص رائعة لتمتُّعه بانتصارات باهرة.
في الأصحاح الثاني: مع إبرازه قسوة التجارب الصادرة من جسده كما من أسرته، لكن هذه التجارب أيضًا تتحوَّل لبنيانه والكشف عن ملكوت الله في داخله.
في الأصحاح الثالث: أوضح طوبيت أن التجارب تجمع المؤمنين المُقيمِين في بلاد مختلفة وبعيدة عن بعضها، فيصيروا أشبه بأُسرة واحدة. في المظهر يبدو أن كل مؤمنٍ في عزلة عن إخوته. لكن بالصلوات والعبادة الصادقة تنطلق صلواتهم معًا، ويتحقَّق فيهم قول الرب: إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم. خلال التجارب نتذوَّق بركة الضيقات، إذ نتلامس مع الكنيسة الجامعة المتألقة بالمصلوب القائم فيها، فنختبر الحياة المقامة في الرب.
في الأصحاح الرابع: طلب كل من طوبيت وسارة المتألمان أن يأمر الرب بأن تنطلق نفسيهما من جسديهما ليتمتَّعا بالموضع السماوي وينظرا وجهه. لقد ظن طوبيت حسب فكره البشري أن هذا هو الحل لخروجه من التجارب التي لحقته. هذا ما دفعه أن يستعد للرحيل من هذا العالم. لقد سُمِح له بهذا الإحساس لا ليسقط في اليأس، وإنما ليكون دومًا مستعدًا لذلك. بهذا قدَّم لنا طوبيت المتألم مثلاً عمليًا في حياتنا لا أن نشتهي الخروج من العالم بروح الضعف واليأس، وإنما بروح الفرح والرجاء في الالتقاء مع القدوس السماوي.
ماذا فعل طوبيت للاستعداد للرحيل؟
1. اهتم بالجيل الجديد (ابنه) ليُقَدِّم له وديعة الفضة التي قال عنها المرتل: كلام الرب كلام نقي كفضةٍ في بوطة في الأرض ممحصة سبع مرات (مز 12: 6). لقد حفظ غابيلوس وديعة الفضة في أكياس مختومة. هكذا يليق بنا أن نحفظ كلام الله بدون غشٍ لتقودنا وتقود الأجيال القادمة بغير انحراف يمينًا أو يسارًا.
2. دعا طوبيت ابنه وأوصاه أن يُكرم أمه بعد موته ودفنه، ولا يتركها جميع أيام حياته، ويعمل على إرضائها ولا يُحزِنها، وأن يتذكَّر المخاطر التي تعرَّضت لها من أجله وهو في أحشائها، ويدفنها بجانبه في القبر نفسه [3-4].
تُرَى من هي هذه الأم التي يلزمنا أن نكرمها ونحرص ألا ننفصل عنها غير كنيسة المسيح، حواء الجديدة، أُم كل حي، نكرمها لما احتملته منذ بدء انطلاقها في يوم الخمسين (أع 2). بقيت في كل الأجيال الأم المصلوبة التي لم يَقْبَلها العالم كما لم يَقْبَل رأسها ربنا يسوع المصلوب. لنسمع لصوتها، ولا نحزنها بالانحراف عن وصية عريسها الرب يسوع المصلوب. نذكر المخاطر التي تتعرَّض لها منذ قيامها إلى يومنا هذا. دماء الشهداء التي لا تتوقَّف تكشف عن حيوية الكنيسة المتألمة. يُطالِبنا أن ندفنها معه في قبره، فكل القبور الأخرى كانت دنسة، كل من يقترب إليها يحتاج أن يتطهر، أما القبر الذي نزل إليه جسد الرب القدوس، فصار مصدر القداسة التي تقيم منا قديسين في المسيح بروحه القدوس.
3. بعد أن أوصاه بقبول وديعة الفضة، وبتكريم أمه، يسأله ألا يتعدَّى وصايا الرب، وأن يعمل البرّ بنعمة الرب ويرفض السلوك في سبل الإثم [5-6].
4. الاتحاد بامرأة من نسل شعبه، وليس بامرأة غريبة. من هي هذه الزوجة الصالحة والمرأة الغريبة؟ الأولى هي الالتصاق بالحكمة الإلهية، والثانية هي تجاهل الحكمة الإلهية والالتصاق بالحكمة البشرية في تشامخٍ. الأولى هي الالتصاق بالوصية الإلهية، والثانية هي الاعتداد بالذات وتجاهل الوعود الإلهية.

1. طوبيت يستعد للرحيل [1 -3]

في ذلكَ اليَوم، تَذَكَّرَ طوبيتُ الفضة الَّتي كان قد أَودَعَها عند (غابيلوس) جَبَعئيلَ في راجيسِ بميدِيا [1] وقالَ في نفسِه: "لقد تمنيتُ الموت، فلِمَا لا أَستَدْعي طوبِيَّا ابني لأُطْلِعُه عنها قَبلَ أَن أَموت؟" [2] فاستدعاه وقالَ له:
كان طوبيت يظن أن الله سيحل مشكلته بأن يموت، لكن الله كان يُعِدّ له نهاية أروع. فالله يعطينا "أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر" (أف 20:3).
القول: "تذكر طوبيت الفضة" يبرز أن هذا الأمر كان كما في طي النسيان لأنه محب للعطاء ومساندة الغير. ومن جهة أخرى كان الهدف الإلهي لرحلة رئيس الملائكة رافائيل ليس مجرد ردّ الوديعة، إنما لكي يقدم لطوبيا الفتاة المقدسة للزواج منها، وأيضًا يقدم لسارة الزوج المقدس. وخلال هذا الزواج المقدس تتمكَّن الأسرتان من السلوك في الربّ باستقامة.
يؤكد طوبيت البار أنه في نفس اليوم الذي قدَّم صلاته للربّ وقدَّمت سارة صلاتها، اختار الله رئيس الملائكة رافائيل لخدمة الأسرتين. وكأن السماء قد تحرَّكت، أصبح الأمر بيد الله نفسه أولاً وأخيرًا. الصلاة لله بروح التسبيح والصراحة والانسحاق يستجيب لها الربّ سريعًا.
تحرَّكت السماء من أجل الأسرتين اللتين كانتا في ضيقٍ، وتمنَّى طوبيت الرحيل من الأرض واللقاء مع الله، إله المتألمين والمحتاجين والمنبوذين. الله هو المُدَبِّر والعامل في حياة مؤمنيه المتألمين، غير أنه لا يعمل في المتهاونين.

الأمور التي شغلت طوبيت

أولاً:اهتم طوبيت بأن يكمل رسالته قدر المستطاع حتى النفس الأخير من حياته.
ثانيًا: لم يكن قبلاً مشغولاً بالفضة التي أودعها عند غابيلوس، في هذه الفترة تذكَّر هذه الوديعة من أجل ابنه وأيضًا زوجته، حتى لا يتركهما في عوزٍ واحتياجِ.
ثالثًا: لعله خشي أن يكون في قلب طوبيا أي ضيق من جهة والدته، من أجل تعييرها لوالده طوبيت، لذلك أوصى ابنه أن يهتم بها ويعمل على إرضائها حتى بعد موتها، بل يدفنها مع رجلها، مذكرًا إياه رعايتها له منذ حملت به في أحشائها.
رابعًا: كما اهتم طوبيت بخلاص نفسه وراحة نفسية كل من ابنه وزوجته، كذلك اهتم بخلاص ابنه، مُقَدِّمًا له النصائح التالية:
‌أ. أن يذكر الربّ في جميع أيامه.
‌ب. أن يحرص على حفظ الوصية الإلهية.
‌ج. الاهتمام على وجه الخصوص بالصدقة قدر ما يستطيع، ليُقَدِّمها هدية ثمينة لله نفسه.
‌د. أن يحب إخوته، وهنا يقصد كل سبط نفتالي، ويتزوج من بناتهم ليس كمن هو مُلزم خلال الوصية، وإنما لأنه محب لإخوته ومحب للعفة والطهارة.
‌ه. يحرص ألاَّ يسقط في الكبرياء، فالكبرياء تُفسِد حياة الإنسان وتجعله متراخيًا بطالاً في عوزٍ ومجاعة.
* أبغض العظمة، لأنها الثمرة المملوءة موتًا. لأن آدم أكل منها في عدن، وأعطته الموت. وبها سقط الشيطان من البدء. بها سقط بيت آدم من الفردوس.
ليس عند الله شيء بخس ومكروه مثل حب العظمة، والتشامخ بالكبرياء.
القديس مار يعقوب السروجي
‌و. يكشف له عن الالتزام باليقظة والحكمة، فالحب للآخرين لا يعني التهاون في السلوك بالحق.
‌ز. بالحب لا يفعل بأحدٍ ما لا يقبله لنفسه.
‌ح. وضع الخبز والأطعمة على قبور الذين عاشوا مُحِبّين للفقراء، حتى في دفنهم في القبور يجد الجائعون طعامًا لهم فوق قبورهم.
‌ط. دعا ابنه للتسبيح الدائم في كل حينٍ، وطلب نعمة الله القادرة وحدها أن تهبه الإرادة الصالحة حسب مشورة الله.
‌ي. يدعوه ألاَّ يخف من الفقر، فمن ينعم بمخافة الربّ ويهرب من الإثم ويطلب رضا الله لن يفتقر قط.
باختصار قَدَّم طوبيت لابنه وصية وداعية تمسّ كل جوانب حياته (4: 2-11):
1. بدأ بالأسرة، إذ أوصاه: "ادفن جسدي وأكرم والدتك... ادفنها بجانبي."
2. الاهتمام بخلاص نفسه: "احذر أن ترضى بالخطية، وتتعدَّى وصايا الربّ إلهنا... التمس مشورة الحكيم دائمًا... وبارك الله في كل حينٍ."
3. الاهتمام بالفقراء والمحتاجين: إذ أوصاه بحفظ الوصية الإلهية طالبه بترجمة الإيمان إلى عملٍ.
"كن رحيمًا على قدر طاقتك... لأن الصدقة تُنَجِّي من كل خطية ومن الموت...
وكل من خدمك بشيءٍ فأوفه أجرته لساعته...
كل ما تكره أن يفعله غيرك بك، فإياك أن تفعله أنت بغيرك."
4. الربط بين المحبة لله ومحبة القريب، خاصة الفقراء. "ليكن الله في قلبك جميع أيام حياتك... ولا تحوِّل وجهك عن فقير، وحينئذ فوجه الرب لا يُحوَّل عنك."

2. تكريم الأم [3 -4]

"يا ابني عندما أموت ادفني، ولا تتجاهل أمك، كِّرمها جَميعَ أَيَّام حَياتِك، واعمل على إرضائها ولا تُحزِنهاَ. [3] يا ابني أُذكُر المَخاطِرَ الَّتي تَعَرَّضَت لَها من أَجلِكَ وأَنتَ في أحشائِها. وعندما تموت، ادفِنْها إِلى جانِبي في القَبْرِ نَفْسِه. [4]
كان طوبيت يهتم بدفن القتلى المطروحين في الشوارع مهما كلفه الأمر، وطلب من ابنه أن يهتم بدفنه ودفن والدته في نفس القبر.
كان ترك الجسد دون دفن يُعدّ عارًا. ففي معركة داود مع جليات الجبار يذكر الكتاب المقدس: "َقَالَ الْفِلِسْطِينِيُّ لِدَاوُدَ: تَعَالَ إِلَيَّ، فَأُعْطِيَ لَحْمَكَ لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. فَقَالَ دَاوُدُ: أَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ بِسَيْفٍ وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ. وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ إِلَهِ صُفُوفِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ عَيَّرْتَهُمْ. هَذَا الْيَوْمَ يَحْبِسُكَ الرَّبُّ فِي يَدِي فَأَقْتُلُكَ وَأَقْطَعُ رَأْسَكَ. وَأُعْطِي جُثَثَ جَيْشِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ هَذَا الْيَوْمَ لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَحَيَوَانَاتِ الأَرْضِ، فَتَعْلَمُ كُلُّ الأَرْضِ أَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ لإِسْرَائِيلَ. (1 صم 17: 44-46)
اهتم اليهود كثيرًا بأجساد موتاهم، وعظام أجدادهم، فإبراهيم أبدَى اهتمامًا ملحوظًا بجسد سارة امرأته، ويوسف أوصى بحمل عظامه من مصر.
تختلف طريقة إكرام الميت من شعب إلى آخر، فالهنود، يحرقون أجساد موتاهم ليضعوا رمادهم في زجاجة يحتفظون بها، بينما أبغض اليهود عادة حرق الجثث. وتقوم بعض القبائل في مجاهل أفريقيا بذبح المحتضرين منهم ليأكلوا لحومهم كأفضل طريقة لإكرامهم بدلاً من دفنهم بعد موتهم وتعرض جثثهم للإهانة من الدود والتعفّن، ولكي بذلك تختلط اللحوم، لحوم الأحياء ببعضها البعض وتصبح البطون هي القبور![1]
يا ابني أُذكُر المَخاطِرَ الَّتي تَعَرَّضَت لَها من أَجلِكَ وأَنتَ في أحْشائِها. وعندما تموت، ادفِنْها إِلى جانِبي في القَبْرِ نَفْسِه [4].
أوصى طوبيت ابنه بضرورة إكرام والدته، بسبب تعبها في ولادته وتربيته، ويقول الربيين إن العلاقة كانت قد ساءت جدًا بين الآباء والأبناء إلى الحد الذي اعتبروه سببًا في طرد بني إسرائيل من أرض الموعد لأنهم لم يسلكوا حسب الوصية "اكْرِمْ ابَاكَ وَأمَّكَ لِتَطُولَ أيَّامُكَ عَلَى الارْضِ." (خر 20: 12) ومن ثم فقد تعرَّضوا للسلب والنهب، ومن هنا فقد كان ومازال إكرام الوالدين والاهتمام بهم، هو تعبير عن الوفاء وعن الرغبة في أن يُكرم الشخص هو أيضًا من أولاده.
3. حفظ الوصية الإلهية [5- 6]

واذكُرِ يا ابني الرَّبَّ إلهنا، جَميعَ أَيَّامِكَ، ولا تَرْضَ ِأَن تُخطئ وتَتَعَدَّى وَصاياه. اِعمَل البِرِّ جَميعَ أَيَّامِ حَياتِكَ، ولا تَسلُكْ سُبُلَ الإِثْم [5]، فإِن عَمِلتَ بالحَقّ، نَجَحتَ في أعْمالِكَ [6].
إذ قامت دبورة جدة طوبيت بتربيته وإرشاده، هكذا اهتم هو أيضًا بتربية ابنه وإرشاده حتى النفس الأخير من حياته. جاءت وصاياه تتناغم مع الوصايا الوداعية المذكورة في الكتاب المقدس (تك 47: 29-49: 33؛ يش 22: 24؛ أي 28-29).
أوصى الله بني إسرائيل بحفظ وصاياه: ""فضعوا كلماتي هذه على قلوبكم ونفوسكم، واربطوها علامة على أيديكم، ولتكن عصائب بين عيونكم" (تث 11: 18).
أخذ اليهود هذه النصيحة بطريقة حرفية، فكانوا يصنعون لهم علبة صغيرة من الجلد، لها طرفان من السيور، حيث توضع العلبة على الجبهة ثم تثبت عن طريق السيور من الخلف، وفي العلبة يضعون رقائق من الجلد كتب عليها أربع قطع من الشريعة وهي: وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إنَّهُ لِي. وأيضًا: "وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: اذْكُرُوا هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، فَإنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أخْرَجَكُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَا. وَلا يُؤْكَلُ خَمِيرٌ. الْيَوْمَ أنْتُمْ خَارِجُونَ فِي شَهْرِ أبِيبَ. وَيَكُونُ مَتَى أدْخَلَكَ الرَّبُّ أرْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ الَّتِي حَلَفَ لآبائك أنْ يُعْطِيَكَ أرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً أنَّكَ تَصْنَعُ هَذِهِ الْخِدْمَةَ فِي هَذَا الشَّهْرِ. سَبْعَةَ أيَّامٍ تأكل فَطِيرًا وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ عِيدٌ لِلرَّبِّ. فَطِيرٌ يُؤْكَلُ السَّبْعَةَ الأيَّامِ وَلا يُرَى عِنْدَكَ مُخْتَمِرٌ وَلا يُرَى عِنْدَكَ خَمِيرٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ. "وَتُخْبِرُ ابْنَكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: مِنْ أجْلِ مَا صَنَعَ إلَيَّ الرَّبُّ حِينَ أخْرَجَنِي مِنْ مِصْرَ. وَيَكُونُ لَكَ عَلامَةً عَلَى يَدِكَ وَتَذْكَارًا بَيْنَ عَيْنَيْكَ لِتَكُونَ شَرِيعَةُ الرَّبِّ فِي فَمِكَ. لأنه بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أخْرَجَكَ الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ. فَتَحْفَظُ هَذِهِ الْفَرِيضَةَ فِي وَقْتِهَا مِنْ سَنَةٍ الَى سَنَةٍ" (خر 13: 1-10)، "وَيَكُونُ مَتَى أدْخَلَكَ الرَّبُّ ارْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ كَمَا حَلَفَ لَكَ ولآبائك وَأعْطَاكَ إيَّاهَا أنَّكَ تُقَدِّمُ لِلرَّبِّ كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ وَكُلَّ بِكْرٍ مِنْ نِتَاجِ الْبَهَائِمِ الَّتِي تَكُونُ لَكَ. الذُّكُورُ لِلرَّبِّ. وَلَكِنَّ كُلَّ بِكْرِ حِمَارٍ تَفْدِيهِ بِشَاةٍ. وَانْ لَمْ تَفْدِهِ فَتَكْسِرُ عُنُقَهُ. وَكُلُّ بِكْرِ إنْسَانٍ مِنْ أوْلادِكَ تَفْدِيهِ. "وَيَكُونُ مَتَى سَألكَ ابْنُكَ غَدًا: مَا هَذَا؟ تَقُولُ لَهُ: بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أخْرَجَنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. وَكَانَ لَمَّا تَقَسَّى فِرْعَوْنُ عَنْ إطْلاقِنَا أنَّ الرَّبَّ قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أرْضِ مِصْرَ مِنْ بِكْرِ النَّاسِ إلى بِكْرِ الْبَهَائِمِ. لِذَلِكَ أنَا أذْبَحُ لِلرَّبِّ الذُّكُورَ مِنْ كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ وَأفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أوْلادِي. فَيَكُونُ عَلامَةً عَلَى يَدِكَ وَعِصَابَةً بَيْنَ عَيْنَيْكَ. لأنه بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أخْرَجَنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ" (خر 13: 11-16)، اسمع يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. وَلتَكُنْ هَذِهِ الكَلِمَاتُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ على قَلبِكَ. وَقُصَّهَا عَلى أَوْلادِكَ وَتَكَلمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ. وَارْبُطْهَا عَلامَةً عَلى يَدِكَ وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ. وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلى أَبْوَابِكَ" (تث 6: 4–9)، وَتَحْفَظَ وَصَايَا الرَّبِّ وَفَرَائِضَهُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ لِخَيْرِكَ. هُوَذَا لِلرَّبِّ إِلهِكَ السَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا. وَلكِنَّ الرَّبَّ إِنَّمَا التَصَقَ بِآبَائِكَ لِيُحِبَّهُمْ فَاخْتَارَ مِنْ بَعْدِهِمْ نَسْلهُمُ الذِي هُوَ أَنْتُمْ فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ كَمَا فِي هَذَا اليَوْمِ. فَاخْتِنُوا غُرْلةَ قُلُوبِكُمْ وَلا تُصَلِّبُوا رِقَابَكُمْ بَعْدُ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ الإِلهُ العَظِيمُ الجَبَّارُ المَهِيبُ الذِي لا يَأْخُذُ بِالوُجُوهِ وَلا يَقْبَلُ رَشْوَةً. الصَّانِعُ حَقَّ اليَتِيمِ وَالأَرْمَلةِ وَالمُحِبُّ الغَرِيبَ لِيُعْطِيَهُ طَعَامً وَلِبَاسً. فَأَحِبُّوا الغَرِيبَ لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي. إِيَّاهُ تَعْبُدُ، وَبِهِ تَلتَصِقُ، وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ. هُوَ فَخْرُكَ وَهُوَ إِلهُكَ الذِي صَنَعَ مَعَكَ تِلكَ العَظَائِمَ وَالمَخَاوِفَ التِي أَبْصَرَتْهَا عَيْنَاكَ" (تث 11: 13-21)، حيث كانوا يلبسونها أثناء العبادة، وأمّا المتشددون فكانوا يلبسونها طوال الوقت.
كذلك كانوا يثبتون هذه الشرائط الجلدية على الذراع اليسرى بالقرب من القلب، ثم يقومون بتثبيتها بشرائط من الجلد أيضًا، تلف بطريقة تكون حرف الشين العبري حتى يصل آخر طرف الشريط الجلدي عند الأصبع (البنصر) وكانت العلبة التي توضع على الجبهة يرسم على كل من جانبيها حرف الشين العبري أيضًا، وهو الحرف الأول من كلمة شاداي ومعناها "القوي" وهي أحد ألقاب يهوه في العهد القديم، كما كان طرفا السيور الجلدية لعبة الجبهة يثبتان في العلبة، باثنتي عشر (غرزة) على عدد أسباط بني إسرائيل (ستة في كل جانب) وتسمّى هذه العلبة تيفيلين Tefillin وفي العبرية (توتابوت) ومعناها (عُصابة) وهي التي كان المسيح يقصدها في (وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ مت 23: 5) عندما وبَّخ الفريسيين على ريائهم، فعلى الرغم من أنهم يبالغون في صنعها إلاّ أنها كانت دليل ظاهري فقط على تقواهم، وكانت التيفيلن تُرتدَى بصلوات خاصة.
إلى اليوم يضع بعض اليهود ما يُسمَّى بالمزوزا المقدسة mezuzah على قوائم أبوابهم، وهي تضم حافظة بها قطعة من جلد الماعز منقوش عليها عبارات من سفر التثنية، من أجل مباركة الله للبيت، ويعتبرها البعض أنها علامة على أن سكان البيت يهود.
لهذا يوصي طوبيت ابنه بأن يجعل الله في قلبه ولا يتعدَّى الوصايا، فإن الذي يعمل الحق هو االله (راجع إر 5: 1، 2) يستدر عطف الله وعفوه ويستحق بركته، شأنه في ذلك شأن الآباء الذين وضعوا ثقتهم في الله وعملوا بالبرّ فباركهم الله .
4. الصدقة [7- 11]

تَصَدَّقْ مِن مالِكَ لكل صانعي البرّ، ولا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقيرٍ ما عندما تعمل الرحمة، فوَجْهُ اللهِ لا يُحوَّلُ عنكَ [7].
إِن كانَ لَكَ كَثير فاعمل منه رحمةً، وإِن كانَ لكَ قَليل فاعمل من القليل رحمةً، ولا تَخَفْ، [8] فإِنَّكَ تَذَّخِرُ لَكَ كَنْزًا حَسَنًا إِلى يَومِ العَوَز [9].
لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُنجِّي مِنَ المَوت، ولا تَدَعنا ندخل في الظُّلمَة [10]. الصَّدَقَةُ هدية ثمينَةٌ لِصانعيها في حضرة العَلِيّ [11].
التعليم عن مكافأة الصدقة والأعمال الصالحة هنا [7] مطابق لما ورد في (دانيال 4: 24).
اهتم طوبيت بأن يوصي ابنه بالصدقة. وكأنه اختبر مقدًما ما قاله السيد المسيح فيما بعد: "لأني جعت فأطعمتموني... بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي الأصاغر فبي فعلتم" (مت 35:25-40).
شعر طوبيت في صدقاته أنه يُقابِل الله شخصيًا، فأراد ألا يحرم ابنه من هذه البركة.
يقول طوبيت إن الصدقة تنجّي من كل خطيئة ومن الموت، إذ يحفظه الله حتى لا يسقط في الخطايا، وإن سقط يسامحه بأن يوجه قلبه للتوبة.
ركَّز طوبيت على ممارسة ابنه للصدقة بسخاء، وفي نفس الوقت بحكمة وتدبير حسن.
* الأحرى بك أن تكون أبًا لأبنائك مثل طوبيت... أوصِ أبناءك كما أوصى طوبيت ابنه، قائلاً:
"اسمع يا ابني لأبيك. اعبد الرب بالحق وابتغي عمل مرضاته. وأوصِ ابنك بعمل العدل والصدقات، وأن يذكر الله ويباركه كل حينٍ بالحق وبكل طاقاته" (راجع طو 14: 10، 11).
وأيضًا قوله: "وأنت فليكن الله في قلبك جميع أيام حياتك، واحذر أن ترضى بالخطيئة وتتعدَّى وصايا الرب إلهنا.
تصدَّق من مالك، ولا تُحَوِّل وجهك عن فقيرٍ، حينئذ فوجه الرب لا يحول عنك.
كن رحيمًا على قدر طاقتك. وإن كان لك كثير فابذل كثيرًا، وإن كان لك قليل فاجتهد أن تبذل القليل بنفسٍ طيبة. فإنك تدخر لك ثوبًا جميلاً إلى يوم الضرورة. لأن الصدقة تُنَجِّي من كل خطيئة ومن الموت ولا تدع النفس تصير إلى الظلمة (جهنم). الصدقة في نظر الله العلي هي هدية صالحة لكل من يُقَدِّمها (طو 4: 5-11) .
القديس كبريانوس
* الصدقة عطية صالحة تغسل كل دنسٍ ونجاسةٍ .
* تمنع الشريعة إقراض الشخص بربا، وهذا مختلف عن الحالة هنا.
طوبيت لم يطلب ربا، بل حذَّر ابنه ألاَّ يعصي وصية الربّ، وأن يُقَدِّم صدقات من ماله، لا أن يطلب ربا، كما طلب منه ألاَّ يُحَوِّل وجهه عن أي فقيرٍ.
من ينصح هكذا يرفض الربا عندما يُقرض .
القديس أمبروسيوس
* الصدقة في حد ذاتها لا تقدر أن تكفر الخطية، وإنما هي تعلن عن قلب قبل الخلاص.
القديس أغسطينوس
وقد جعل القديس يوحنا الذهبي الفم هذه الآية، محورًا لكثير من عظاته عن الرحمة والشفقة بالمساكين، ذاكرًا في إحدى عظاته عن الصدقة، أنها نجت طابيثا من الموت (أع 9) وأمّا مَنْ يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ صُرَاخِ الْمِسْكِينِ فَهُوَ أَيْضًا يَصْرُخُ وَلاَ يُسْتَجَاب (أم 21: 13)[6].
ويربط القديس يوحنا الذهبي الفم، بين الصدقة ونعمة البصر، قائلاً: [متى رُحِم الأعمى يبصر من يرحمه ويقوده بيده ويذهب به إلى ملكوت السماوات، فذاك الذي يتعثّر هنا وهناك ويقع في الحفر، قد صار لك مرشدًا ومرتقي تصعد به إلى السماء .]
يُنظر إلى الظلمة هنا [10] أنها تعني جهنم، كما ورد في (مت 8: 12؛ 22: 13؛ أف 6: 12).
يتمتَّع الكل بنور الشمس، البار مع الشرير، أما النور الإلهي الذي يهب استنارة داخلية، ويتمتَّع الإنسان بروح الحكمة والتمييز، فهذا هبة خاصة لمن يلتصق بالله ويَقْبَل وصاياه ويحفظها.
يقول القديس أغسطينوس: [النور يشرق على الشخص البار. ما هو النور الخاص بالرجل البار أو المرأة البارة؟ يوجد نور مُعَيَّن لا يشرق على الظالم، يختلف عن النور الذي يشرق على البار والشرير على السواء (مت 5: 45). الذي سوف يعترف الأشرار في النهاية أنه لم يشرق عليهم قط: "دون شك قد ضللنا عن طريق الحق. لم يشرق علينا نور البرّ، ولم تشرق الشمس علينا (حك 5: 6). بينما يبتهجون بالنور العام يستلقون في ظلمة القلب. ماذا يفيدهم أن يروا نور النهار، إن كانت أذهانهم لا تقدر أن ترى النور البعيد؟
كان طوبيت أعمى، ومع هذا علَّم ابنه طريق الله. أنتم تعرفون أن هذا حقيقي، إذ نصح طوبيت ابنه: "أعط صدقات يا ابني، لأن الصدقة تنجّيك من الرحيل إلى الظلمة" بينما كان المتحدث نفسه في الظلمة (بسبب عماه). ألا ترى من هذا أنه يوجد نور مختلف يشرق على الشخص البار، والبهجة الصالحة التي ينالها مستقيمو القلب؟ ]
* قَدَّم الأعمى نصيحة لاقتناء النور والتمتُّع به. يقول: الصدقات لا تسمح بالذهاب إلى الظلمة.
دُهِش ابنه وقال: ماذا يا أبي ألم تقدم صدقات حتى أنك تتكلم وأنت أعمى، ألست أنت في ظلمة؟ ومع هذا تقول: "الصدقات لا تسمح بالدخول إلى الظلمة"؟
لكن لا، فقد عرف حسيًا ما هو النور، الذي يتحدث عنه مع ابنه. لقد عرف تمامًا ما رآه في داخل الإنسان. بسط الابن يده لأبيه ليساعده على السُكنَى في السماء .
القديس أغسطينوس
5. العفة والطهارة [12- 13]

احترس يا ابنيَ من كُلِّ فسقٍ، واهتم أن تتخذ امرأة مِن نَسْلِ آبائِكَ. لا تتخِذِ امرأة غَريبةً ليست مِن سِبْطِ أَبيكَ، لِأَنَّنا أبناء الأَنْبِياء. أذكر يا ابني نُوحًا وإبراهيمَ وإسحقَ ويَعْقوب، آباءَنا مُنذُ القِدَم، أِنَّهم جَميعًا اتخذوا نِساءً من إِخوَتهم، فنالوا البَرَكَةَ في أَولادِهِم، ونَسلُهُم يَرِثُ الأَرض [12].
والآنَ، يا ابني، أَحِبَّ إِخوَتَكَ ولا يتكبِرْ قَلبِك على إِخوَتكَ أبناء وبنات شعبك، بل اتخذ زوجة مِنهن، لأن في الكِبْرِياءِ خَرابٌ وطيش عظيم، وفي البِطالَةِ فَقْرٌ وعَوَزٌ شَديد، لِأَنَّ البِطالةَ أُمُّ المَجاعة [13].
مع اهتمامه أن يكون بيت طوبيا مقدسًا، بزواجه فتاة من سبطه ليعيشا معًا في مخافة الرب، اهتم طوبيت بالالتزامات الأسرية. لقد اختلف طوبيت مع حنة زوجته بخصوص الجدي الذي قُدِّم لها هدية، لكن محبتهما لبعضهما البعض لم تُمسّ بسبب هذا الخلاف.
اهتم طوبيت أيضًا بأن تُدفَن زوجته معه في نفس القبر، فلا تنفصل جثتاهما بعد الموت، كما لم ينفصلا عن بعضهما البعض في حياتهما.
اهتم أيضًا باختيار زوجة من نفس سبطه لابنه طوبيا.

البطالة

يجب أن نعمل مادامت لنا قدرة على العمل، "يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أعمال الذي أرسلني مَا دَامَ نَهَارٌ" (يو 9: 4). كما أن لذّة الحياة تكمن في البذل والعطاء لا في الأخذ والاستهلاك، بغض النظر عن احتياج الإنسان لعائد عمله، فمن الرائع أن يكون لكلّ إنسانٍ دور في الحياة، كذلك فإن البطالة تجلب على صاحبها الفقر والهوان والمعاناة من مشاكل الفراغ. يقول ابن سيراخ: "اثبت على عهدك، واهتمّ به، وابلغ الشيخوخة في عملك" (سي 11: 18). فالمؤمن لا يتوقَّف عن العمل حتى الشيخوخة، بل وهو على سرير الموت، حيث لا يستطيع أن يعمل بيديه أو يتكلم بلسانه، ينطلق قلبه للحديث مع الله بلغة الصمت، ويطلب لا لنفسه وعائلته فحسب، بل من أجل خلاص العالم كله.
6. المحبة الأخوية العملية [14- 18]

لا تُبَتْ أُجرَةُ إِنْسانٍ ما يَعمَل عِندَكَ، بلِ ادفَعْها في الحال، وإِن خضعت للهِ تُكافأ. كُنْ متَيَقِّظًا يا ابني في جَميعِ أَعْمالِكَ، وحكيمًا في جَميعِ تَصَرُّفاتِكَ [14] وكُلُّ ما تَكرَهُه لا تَفعَلْه بِأَحَدٍ. لا تَشرَبْ خَمْرًا حتَّى السُّكْر، ولا يُرافِقْكَ السُّكْرُ في الطَريق [15]. مِن خُبزِكَ أَعْطِ الجائِع، ومِن ثِيابِكَ للعُراة. مِن كُلِّ ما تَوَفَّرَ لَكَ تَصَدَّق، وإِذا تَصَدَّقتَ فلا تَندَمْ عَينُكَ [16]. أَفِضْ خُبزَكَ على قُبورِ الأَبْرار، ولا تُعْطِ الخاطِئين شيئًا [17]. التمس مَشورةَ كُلِّ رَجُل حَكيم، ولا تَحتَقِرْ رأيًا سديدًا [18].
بقوله: "كُنْ متَيَقِّظًا يا بُنَيَّ في جَميعِ أَعْمالِكَ، وحكيمًا في جَميعِ تَصَرُّفاتِكَ" [14] يتناغم مع ما قاله بولس الرسول فيما بعد: "من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 12:10). وما قاله الحكيم: "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 18:16).
الحب هو القانون الذهبي في المعاملات، لذلك يقول: "كُلُّ ما تَكرَهُه لا تَفعَلْه بِأَحَدٍ مِنَ النَّاس". هذا من الجانب السلبي، أما الجانب الإيجابي فقد وضعه لنا السيد المسيح في شريعته الجديدة على الجبل بقوله: "فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ، افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هَذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ. (مت 7: 12)
قَدَّم لنا طوبيت أمثلة عملية لممارسة الحب الأخوي، فالمحبة تتناغم مع الطهارة والعفة كما تتناغم مع محبتنا لله.
* هذه الوصية إن أشارت إلى محبتنا لله فإنها تُحَطِّم كل رذيلة، وإن أشارت إلى محبة القريب، فإنها تُبطل كل الجرائم. فإنه لا يريد أن يدنس مسكنه، لهذا يليق به ألاَّ يدنس مسكن الله الذي هو نفسه. ولا يرغب أحد أن يؤذيه آخر، وبالتالي يلزمه ألاَّ يؤذي أحدًا .
القديس أغسطينوس
* إنكم تفضلون الكراهية عن اللطف (مز 52: 5). هل تطلبون برهانًا بأن الشخص الشرير يمكن أن يرى كل من الكراهية واللطف؟ هنا نجد ذلك. لماذا مثل هؤلاء الأشخاص يشتكون عندما يعانون من الظلم؟ لماذا في هذه الحالة يُبالِغون في الظلم ما استطاعوا بينما يوصون باللطف ويشجبون المقاوم في معاملته لهم بطريقة شريرة وفي نفس الوقت يفضل الكراهية عن اللطف؟ ليت مثل هؤلاء الناس يحكمون على أنفسهم، يقضون ضد سلوكهم من خلال خبرتهم. فإن أطاعوا فقط حكم الكتاب المقدس: "تحب قريبك كنفسك" (مر 12: 31) و"كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أيضًا بهم" (مت 7: 12)، فإنهم في داخلهم شهادة أنه يلزمهم أن يعاملوا الآخرين بما يشتهون أن يُعامَلوا به .
القديس أغسطينوس
بنود وصية الحب الأخوي

أولاً: المحبة الأخوية تثبت روح التواضع، فلا يتشامخ إنسان على إخوته.
ثانيًا: إن كان الكبرياء يُفسِد إمكانية العمل في جدية وبحكمة، بالتالي إن مارس المتكبر عملاً ما يكون بلا ثمرٍ، لهذا يربط طوبيت بين الكبرياء والبطالة، وبالتالي بين الكبرياء والعوز الشديد. لا يجد ما يروي نفسه، ويُشبع قلبه وفكره.
ثالثًا: لا يظلم إنسانًا، فإن استأجر أحدًا يدفع له الأجرة في ذات اليوم دون تأجيل.
رابعًا: لا يشرب خمرًا حتى السُكر؛ كان الخمر والزيت والزيتون... مواد تُستخدَم في العلاج، لكن يلزم استخدامها باعتدال. وإن أخطأ إنسان وسكر، فلا يخرج خارج بيته.
خامسًا: لا يساعد الأشرار بتقديم صدقة تُستخدَم في الشرّ كالعنف.
سادسًا: الارتباط بالحكماء لأخذ المشورة، وليس للتظاهر بأنه منضم لجماعة الحكماء.
سابعًا:"ضع خبزك على قبر البار، ولا تعطيه للخاطئين" (طو 4: 17). يبدو أن هذه العادة تشير إلى تقديم صدقات عن أرواح المنتقلين تُعطَي للفقراء والمحتاجين. وطوبيت يشير لابنه، أن الأفضل له أن ينفق أمواله بهذه الطريقة فيستفيد بها الفقراء، عن أن ينفقها في جلسات وولائم مع الأشرار.
كثير من المُجَرَّبين والمتألمين يطلبون صلوات الإنسان البار، حتى بعد موته فيلجأون إلى قبره. فعندما يضع الإنسان خبزه على قبر البار، ينتفع به الفقراء والمتألمين. أما من يعطي خبزه للأشرار، فيشاركهم في ممارسة الشرور. فعمل الرحمة هنا يتم بدون حكمة وبلا تمييز.
* مكتوب: "أعطِ الإنسان التقي ولا تساعد الخاطئ". الجزء الأخير من العبارة يبدو كمن يمنع عمل الخير، إذ يقول: "لا تساعد الخاطئ". لذلك يلزم أن نفهم الخاطئ هنا أنه يُمَثِّل الخطية، فلا تعين الخاطئ على ممارسة الخطية .
القديس أغسطينوس
ثامنًا: لا يقبل المؤمن الربا من الدائن الذي اقترض عن احتياج.
* كذلك ليت الإنسان المسيحي إن كان لديه مالاً، يعطيه كمن لا يسترده بعد، أو على أي الأحوال يأخذ أصل المبلغ الذي أقرضه. بفعله هذا ينال نعمة ليست بقليلةٍ. وإلاَّ يكون من يقرض كمن يخدع وليس من يساعد. فإنه أية قسوة أكثر من أن تعطي مبلغًا صغيرًا وتطلب أن يرد الضعف؟ ذاك الذي لا يستطيع أن يرد المبلغ البسيط كيف يمكنه أن يرد ضعف المبلغ؟
ليكن طوبيت نموذجًا لنا، الذي لم يطلب قط المبلغ الذي أقرضه سوى في نهاية حياته، حتى لا يكون قد غشّ وريثه (طوبيا) وليس أن يطلب ربا عند استرداد ماله (طو 4: 21).
الأمم غالبًا ما تتحطَّم بسبب الربا، إذ يُسَبِّب هذا خرابًا عامًا .
القديس أمبروسيوس

7. الرب واهب الإِرادةَ الحَسَنة [19]

باركِ الرَّبَّ إِلهَكَ في كُلِّ حين، واسأله أَن تَكون طُرُقُكَ قويمة فتنجح سُبُلُكَ ومَقاصِدُكَ. فلَيسَتِ الفِطنَةُ لأيةِ أُمَّة، وإنما الرَّبَّ نفسه هو الذي يُعْطيهِمِ كل الصالحات. وهو يَذل مَن يَشاءُ. والآن، يا ابني تذكر وَصاياي، لا تمحيها من قَلبِكَ [19].
بعد أن قَدَّم وصايا عملية للحب الأخوي، يؤكد أن ما يطلبه المؤمن ليس مجرد ممارسات حرفية، وإنما أن يحرص على إدراك إرادة الله في حياته كما في ممارساته. فإن كان ربّ المجد قد أعلن: "أنا هو الطريق" (يو 14: 6) فإن من ينحرف يمينًا أو يسارًا عن السلوك في الربّ لن يتمتع برضا الربّ، وتتحوَّل حتى الفضائل إلى رذائل، ويسقط الإنسان تحت التأديب الإلهي.
8. عِندَكَ خَيراتٌ كثيرة [20- 21]

والآن أُعلِمُكَ يا ابني، بأَنِّي أَودَعتُ غابيلوس بنَ جَبْري عَشرَةَ وزناتَ مِنَ الفِضَّةِ في راجيس بميدِيا [20]. فلا تَخَفْ يا ابني، لأننا اَفتَقَرْنا. سيكون عِندَكَ الكثير، إن كُنتَ تَخافُ اللهَ، وتَهرُبُ مِن كُلِّ خَطيئة، وتَصنعُ ما هو مرضي أمامَه. [21]"
ختم طوبيت وصاياه لابنه بالكشف عن الغِنَى الحقيقي، حتى لا يظن أن مجرد استلامه الوديعة التي عند غابيلوس ونواله الكثير من والديّ سارة صار بالحق غنيًا. فالغِنَى الحقيقي هو اقتناء خالق المسكونة، واهب العطايا.
من وحي طوبيت 4

وصية وداعية لطوبيا!
* لم تُعلن يا ربّ لطوبيت أنه حان وقت رحيله من العالم.
تركته في تصوّراته أنه سيرحل سريعًا،
فيستعد للخروج من العالم،
ويفتح قلبه ليُقَدِّم كل خبراته لابنه الوحيد.
جاءت وصيته تكشف عما في قلب طوبيت لنا جميعًا،
فنشتهي أن نقتدي به.
لا يخفي الأب عن ابنه شيئًا في أعماقه متى شعر بأنه حان وقت رحيله إلى الفردوس.
* هب لي يا ربّ أن أشعر على الدوام أن لحظات رحيلي قد اقتربت.
إنها الساعة الأخيرة،
فلا أخفي معاملات الله معي عن أحبائي.
* جاءت الوصايا الوداعية كنزًا يلزمنا أن نقتنيه.
أول وصية لابنه: "يا بني عندما أموت ادفني".
ماذا يعني بهذه الوصية سوى أن يشعر الابن أن أباه عاد إلى التراب الذي خُلِق منه؟!
لا تفتخر بي أنني كنت بارًا،
فبرّي لن ينفعك ما لم تسلك أنت ببرّ المسيح!
إني أُحِبّك وأصلي لك في الفردوس،
لكن لا تنتفع بصلاتي ما لم تتقدَّم للعمل بفرحٍ وسرورٍ.
جهادك بنعمة الله هو مسرتي!
* تذكر الكنيسة التي ولدتك في مياه المعمودية بعمل روح الله القدوس!
إنها تألمت كثيرًا من أجلك!
إنها عروس المسيح المصلوبة!
أنت عضو فيها، فلتكن متهللاً على الدوام بعريسك السماوي المصلوب.
* احفظ الوصية الإلهية، إنها ليست ثقيلة،
بل على الدوام تهبك فرحًا ورجاءً في الميراث الأبدي!
* حينما تقدم صدقة لمحتاج،
اذكر أن يد الربّ ممتدة لتأخذ مما أعطاك.
* لا تستصعب وصية العفة والطهارة والقداسة،
لأن الذي يُقَدِّم لك الوصية،
يقودك بروحه القدوس لتكون أيقونة للقدوس.
* اقتن الحب، وتشبَّه بمُحِبّ البشر.
لتحب أحباءك ومقاوميك،
* اقتن الإرادة الصالحة،
فواهبها يشتهي أن يُقَدِّمَها لك مجانًا.
* اذكر أن كنزك ثمين،
هو ربّ المجد يسوع المخفي في قلبك وعبادتك وسلوكك وكلماتك.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أكد طوبيت لابنه أن نبوات الأنبياء الخاصة بدمار نينوى
قدَّم طوبيت لابنه طوبيا وصيتين وداعيتين (طو 4، 14)
ختم طوبيت وصاياه لابنه بالكشف عن الغِنَى الحقيقي
قَدَّم طوبيت لابنه وصية وداعية تمسّ كل جوانب حياته
أَكَّد طوبيت في وصيته لابنه أن الصدقة تُنَجِّي من الموت


الساعة الآن 05:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024