رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مَن يكذب.. مرسى أم مخيون؟ لو أحصينا عدد الغزاة الذين وردوا على مصر عبر تاريخها كله، لهالنا الرقم: إغريقا على رومان، حيثيين على ليبيين، هكسوسا على بطالمة، هيلينيين على فرس، عربا على أتراك، صليبيين على تتار، فرنساويين على إنجليز، ألمانا على إسرائيليين، لكن ولا غازٍ من هؤلاء تمكن من «هز» وخلخلة الدولة المصرية، الأقدم فى تاريخ البشرية، ولم يتصور مصرى واحد فى أسوأ كوابيسه أن ثمة خطرا يمكن أن يقتلع هذه الدولة أو يمس وجودها كما عرفها الناس فى الدنيا بأسرها. وحين كان «يتقول» البعض، ويشتط به الخبل أو العبث ويتحدث عن تفكيك الدولة المصرية أو تقسيمها، كنا نشاور عليه ونسخر منه «العبيط أهو»! وفجأة وفى أقل من ثمانية أشهر من حكم الرئيس محمد مرسى، تجسد دخان الخيال والعبث على أرض الواقع تجسيدا مخيفا، وانقلب الوهم المستحيل إلى طائر رخ متوحش يحلق فى سماء الأرض الطيبة! قطعا لا أقصد الانفلات الأمنى ولا التسيب الأخلاقى ولا دعوات الانفصال فى بعض محافظات القناة والوجه البحرى، فهذا نوع من الغضب الأعمى من أعصاب «شايطة» وعقول مرتبكة، ومرهون بظرف خاص وبيئة مضطربة.. وكلها ظواهر تعمل فوق سطح الأرض، نراها ونفكر فى طرائق صدها وردعها وكسرها! لكن الخطر الذى أتحدث عنه، خطر يتحرك تحت جلودنا، يتسلل فى دمائنا، ينساب من حدقات عيوننا، أشبه بسرطان خبيث لا علاج له لو تمكن منا.. وهو خطر أخونة الدولة! وأخونة الدولة غير إدارة الدولة سياسيا بكوادر من حزب الأغلبية وهذا حق، فالأخونة هى ربط الدولة بالجماعة من رأسها ومفاصلها، بالسطو على الوظائف القيادية الفنية والوظائف الوسطى فى الوزارات المختلفة والمؤسسات وشركات قطاع الأعمال.. الوظائف السياسية من وزراء ومستشارين ونواب وزراء ورئيس حكومة ورئيس دولة ومحافظين مربوطة بوشائج قوية مع صندوق الانتخابات، فإذا تغير مزاج الناخبين وميولهم ومال التصويت إلى حزب مختلف عن الحزب الحاكم، تختفى الوجوه التى تشغل هذه الوظائف وتحل محلها وجوه جديدة، لكن تظل القيادات الفنية فى أماكنها، لأن وظائفها لا ترتبط بحزب أو بأجندة سياسية، مثل وكلاء الوزارات، مديرى العموم بها، رؤساء مجالس إدارات المؤسسات والشركات العامة، رؤساء الأقسام فى الإدارات المختلفة، سكرتيرى العموم بالمحافظات، رؤساء الجامعات، عمداء الكليات، رؤساء القنوات التليفزيونية العامة.. إلخ.. هؤلاء هم طاقة التشغيل على أرض الواقع ولا يعنيهم غير الأداء المهنى الصرف، بعيدا عن أى حزب.. وضحكت جماعة الإخوان على عموم المصريين، ولعبت معهم لعبة الثلاث ورقات، ادعت أنها لن تشكل حكومة من الجماعة، وهى تضمر تغيير بنية الدولة المصرية من تحت. الناس على السطح تشتبك مع حكومة فاشلة يقودها شخص متعاطف مع الإخوان ومعه بضعة وزراء ليسوا من الجماعة، وربما ليسوا من التيار الدينى، فتظهر الصورة أمام العامة كما لو أن الجماعة «زاهدة» فى الحكومة، ولا مانع لديهم من تكوين حكومة من أطياف مختلفة، على أن يشغل الوزراء الإخوان فيها الوزارات التى على صلة وثيقة بالناس، وتؤثر فيهم كالإدارة المحلية والإعلام والتموين والتعليم والصحة والشباب والمالية. وكان العائق الوحيد أمام الأخونة هو «تقاليد» الدولة المركزية، التى اكتسبتها مصر عبر قرون طويلة، ونحن نسميها الروتين والبيروقراطية، ولم يكن هناك حل سوى تفكيك هذه الدولة وإحداث حالة سيولة، بالدهس على القانون وتشويه المؤسسات الفاعلة، ومن خلالهما يمكن التخلص من القديم ليحل جديد إخوانى بديلا عنه، وهو ما كشفه الدكتور يونس مخيون علنًا أمام الناس جميعا، وفى حضور رئيس الجمهورية متحديا بالأسماء والوظائف (١٣ ألف وظيفة)، ولم يرد الرئيس، مع أن الرئيس أنكر ذلك قبل يومين فى حوار ما بعد منتصف الليل مع عمرو الليثى.. إذن نحن أمام موقف صعب: إما الرئيس يكذب وإما الدكتور مخيون هو الذى يكذب، وفى الديمقراطيات لا يجوز للرئيس أن يكذب ويظل فى منصبه، كما حدث للرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون فى فضيحة ووتر جيت، فهو ودع منصبه، ليس لأنه تجسس على الحزب المنافس له، ولكن لأنه كذب على الشعب الأمريكى حين سُئل عنها! وإذا كان الرئيس مرسى يزعم أنه ديمقراطى فأمامه واحد من سبيلين: إما التقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد الدكتور يونس مخيون لنشره أكاذيب تهدد استقرار الوطن، وإما يعتذر إلى الشعب المصرى الذى يحبه ويكاد يموت نفسه من أجله، ويغادر مكتبه؟! وأتصور أن الرئيس مرسى لن يفعل هذا ولا ذاك، لأن مصر لم تعد فى نظره دولة، كما أن الجماعة تديرها بقاعدة معروفة ومعلنة: «طز فى مصر وأبو مصر»! |
|