ومن الجدير بالملاحظة أن الكنيسة لم تتمسك بعقائدها الأخرى بهكذا إصرار ولم تعلم بهكذا وضوح كما فعلت بعقيدة الوحي. مثلاً كان ولا يزال يوجد فرق في الرأي بين المذاهب من جهة تعاليم الكتاب عن المعمودية والعشاء الرباني والتعيين السابق وعدم إمكانية الخاطئ أن يعمل أعمالاً صالحة والاختيار والكفارة والنعمة. ولكن بما أن الكتاب المقدس يعلم عقيدة الوحي بوضوح بالغ، نرى أن الكنيسة قد اتفقت بحكم فطري على أن الكتاب المقدس هو جدير بالثقة وأن كل تعاليمه هي نهائية.
بينما كانت هذه العقيدة تعد جزءاً لا يتجزأ من الإيمان المسيحي التاريخي، وبما أنها ما زالت إلى اليوم راسخة في قوانين الكنائس، فمن الواضح أن المشككين قد شنوا عليها غارات خطيرة. وربما لم يحدث تغيير بهذا المقدار في تاريخ الكنيسة المعاصر مثل الابتعاد المدهش عن الإيمان بسلطة الكتاب المقدس. حتى أنه في بعض الأوساط الإنجيلية التي كانت في عصر الإصلاح قد اتخذت سلطة الكتاب المقدس كأساس لعقائدها، نشاهد ميلاً كبيراً لإهمال كلمة الله.
هذا الإهمال المعاصر بخصوص التعاليم الصحيحة والكتابية هو على الأرجح السبب الرئيسي للتردد والنزاع الداخلي اللذين يجابهان المؤمنين. فالجهل بخصوص ماهية عقيدة الوحي أو فقدان الآراء الواضحة لا يؤول إلا إلى البلبلة. فالكثيرون اليوم هم مثل أناس أقدامهم على رمل متحرك ورؤوسهم في ضباب لا يعرفون ما هو إيمانهم عن الوحي وسلطة الكتاب المقدس.
وقد ابتدأ الكثير من هذا التردد وعدم الإيمان يخيم على القلوب من جراء ما يسمى بالنقد العالي الذي كان شائعاً في القرن التاسع عشر، ذلك النقد الذي أعطى بعضهم الجرأة على التصريح بأن عقائد الكنيسة التاريخية عن كون الكتب المقدسة موحى بها يجب أن يعدل عنها! فمن ثمَّ السؤال الملح: هل يمكننا بعد أن نظل واثقين بالكتاب المقدس وان ننظر إليه كدليل عقائدي وكمعلم ذي سلطة، أم يجب أن نجد أساساً جديداً للتعليم وبالنتيجة ننشئ نظاماً جديداً بالكلية للعقيدة المسيحية؟