رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حماقة نابال: إذ انتهت مراسيم الجنازة نزل داود إلى برية فاران [1]، وهي برية متسعة تكاد تكون مقفرة من السكان، جنوب اليهودية، يحدها شرقًا أرض أدوم وجنوبًا برية سيناء وغربًا برية شور. جاء في الترجمة السبعينية أنه ذهب إلى "معون"، وهي تبعد نحو ميل واحد عن الكرمل وثمانية أميال جنوب حبرون. وجود داود ورجاله في المنطقة كان باعثًا للسلام والطمأنينة خاصة بالنسبة للرعاة إذ كانوا يتعرضون لهجمات العمالقة والفلسطينيين، بجانب هجمات الحيوانات المفترسة. كان داود ورجاله أشبه بسور يحمي المراعي هناك خاصة مراعي نابال الذي كان غنيًا جدًا، له ثلاثة آلاف من الغنم وألف من الماعز. وقد عبر رعاته عن دينهم لداود ورجاله بحمايتهم لهم، إذ قال أحدهم: "الرجال محسنون إلينا جدًا فلم نؤذ ولا فُقد منا شيء. كل أيام ترددنا معهم ونحن في الحقل، كانوا سورًا لنا ليلًا ونهارًا كل الأيام التي كنا معهم نرعى الغنم" [15-16]. أما اسمه "نابال" فعبري معناه "جاهل" (مز 14: 1). وكما قالت زوجته أبيجايل عنه لداود كي تصرف عنه غضبه: "لأن كاسمه هذا هو، نابال اسمه والحماقة عنده" (1 صم 25). مسكينة هذه الزوجة التي اقترنت برجل اتسم بالحماقة والجهالة. اضطرت أن تعترف بحماقته في مرارة نفس، لتنقذه وتنقذ حياتها وأيضًا تخلص داود من غضبه ورغبته للانتقام لنفسه. ليتنا نحن أيضًا إذ قبلنا الجهالة قرينًا لنا نعترف بذلك أمام ابن داود مخلص نفوسنا "الحكمة" ذاته ليحل في قلوبنا نازعًا ظلمة الجهل من أعماقنا. يحذرنا سليمان الحكيم في سفر الأمثال من الجهل قائلًا: "الابن الحكيم يسر أباه والابن الجاهل حُزن أمه... الحكماء يذخرون معرفة، أما فم الغبي فهلاك قريب... فعل الرذيلة عند الجاهل ضحك" (أم 23: 10-11). للأسف كان هذا الرجل الأحمق من نسل كالب الذي سكن حبرون وما جاورها (يش 15: 13)، أي جاء من أصل شريف، لكن الأصل لا يشفع فيه، إذ قيل عنه: "وأما الرجل فكان قاسيًا ورديء الأعمال" [3]. سمع داود أن نابال يجز غنمه [4] وكان هذا الوقت يُحسب وقت فرح وأكل وشرب وعطاء بسخاء، لذا أرسل إليه داود يقول له: "حييت وأنت سالم وبيتك سالم وكل مالك سالم، والآن قد سمعت أن عندك جزّازين. حين كان رعاتك معنا لم نؤذهم ولم يُفقد لهم شيء كل الأيام التي كانوا فيها في الكرمل. اسأل غلمانك فيخبرونك - فليجد الغلمان نعمة في عينيك لأننا قد جئنا في يوم طيب. فأعطِ ما وجدته يدك لعبيدك ولابنك داود". لقد خدموا نابال إذ حفظوا ماله من الوحوش اللصوص دون مقابل، ولم يرد داود أن يأخذ شيئًا بغير رضاه. لذا أرسل في هذه المناسبة يطلب ما تجود به يده، وقد طلب بأدب ووداعة كابن يتحدث مع أبيه. وقد طلب من رسله ألا يزيدوا شيئًا عن كلامه [9] حتى لا يخطئ واحد منهم بكلمة فظَّة فتنسب لداود. قابل نابال هذا اللطف بغلاظة قلب وإساءة إذ تجاهل السبب الذي لأجله يعيش داود طريدًا، معللًا ذلك بأقسى الألفاظ، حاسبًا إياه إنسانًا متمردًا على سيده الملك، فلا يستحق خيرًا لأنه خارج عن القانون [10-11]. كشف أسلوب إجابته عن طمعه، إذ يقول: "أآخذ خبزي ومائي وذبيحي الذي ذبحت لجازيّ وأعطيه لقوم لا أعلم من أين هم" [11]. إذ سمع داود من غلمانه ما قال نابال أدرك كيف تحدث باستخفاف محتقرًا إياه، كما شعر أنه طماع ظلم غلمان داود الذين قاموا بحراسته بأمانة وشجاعة. ثار داود وغضب، فطلب من رجاله أن يتقلد كل واحد سيفه وتقلد هو أيضًا سيفه وخرج معه حوالي 400 رجل وترك مائتين مع الأمتعة. داود الذي اتسم بضبط النفس والتواضع، الآن في لحظات ضعفه كاد أن يقترف جريمة لو تمت لأحزنت قلبه كل بقية أيام حياته، ولصارت عثرة لشعبه عندما يتولى الحكم. |
|