تاج الخليقة
وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (تكوين 1: 26)
الإنسان، هو الاسم الذي أطلقه الله على أسمى خلائقه وهو بالعبرية "آدم" وهذه الكلمة ليست اسماً علماً كقايين أو هابيل ولو أنها استعملت أحياناً كذلك كما في سفر أخبار الأيام الأول 1: 1، و "آدم" كلمة عبرية ترجمت بكلمة "إنسان".
وكلمة "آدم" لا تعني "الرجل" أي للتمييز بين الذكر والأنثى. فهناك كلمة أخرى للدلالة على هذا المعنى أما آدم فإنها تعني كلا الجنسين الرجل والمرأة. أي أنها أطلقت لتعني الجنس البشري وهذا واضح في عبارة سفر التكوين 1: 27: "فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى خلقهم."
قد ترددت الحقيقة ذاتها في سفر التكوين 5: 1 – 2: "يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله ذكراً وأنثى خلقه وباركه ودعا اسمه آدم يوم خلق" أما المعنى الجذري للكلمة فهو "التراب الأحمر" وقد يدل هذا على حقيقة خلقه من تراب الأرض.
والقصة الواردة في سفر التكوين تظهر عدة حقائق عن البشر. مصدر الإنسان
من أين جاء الإنسان؟ إزاء هذا السؤال يقف العلم دون جواب شاف. إن النظريات العديدة التي وضعت جواباً عن هذا السؤال لم تزد عن كونها نظريات لا برهان على صحتها. ولكن الجواب الصحيح عن هذا السؤال يقدم لنا عن طريق الإعلان الإلهي بمفرده وهذا الجواب هو أن الله خلقه. وفي سفر التكوين 1: 27 يتردد ذكر خلق الله للإنسان ثلاثة مرات.
1- حقيقة الخلق
ورد في قصة التكوين ثلاثة أوصاف لخلق الإنسان. الوصف الأول في تكوين 1: 27 وفيه حقيقة خلقه. والثاني في تكوين 2: 7 ويصف كيفية خلقه. والثالث في تكوين 2: 21 – 22 ويبين كيفية خلق المرأة. ووردت قصة خلق الإنسان مرة أخرى في تكوين 5: 1 – 2.
2- كيفية الخلق
بينما نرى حقيقة خل الإنسان تتردد عدة مرات نجد الطريقة التي بها صنع الله الإنسان غير واردة بوضوح. إن معظم ما نعرفه مدون في سفر التكوين 2: 7 "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية".
لقد اشتملت عملية الخلق على مرحلتين. المرحلة الأولى مرحلة خلق الجسد "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض" أي أن الجسد صنع من مواد موجودة آنفاً. وبالإمكان تحليل جسد الإنسان والتثبت من نسبة المواد التي يركب منها. أما كيف جبل الله جسد الإنسان فغير واضح.
المرحلة الثانية من خلق الإنسان تشير إلى روحه أو طبيعته الروحية "ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية" وهذا بالطبع يعني أكثر من الحياة التي منحت للحيوانات إن الله قد منح الإنسان شيئاً من ذاته.
فيما نورد هذين الرأيين في خلق الإنسان، علينا ألا نفكر بأن الله قد جمع كرمة من التراب ثم مثل بها شكل إنسان ثم نفخ فيها الحياة! ففي وصف هذا الأمر يقول دلتش "إن صنع الإنسان من التراب ونفخ نسمة الحياة فيه يجب ألا يفهما فهما ميكانيكياً كأنما الله بنى أولاً شكلاً آدمياً من التراب ثم نفخ نسمة الحياة في هذه الكتلة الترابية التي صنعها على هيئة الإنسان جاعلاً منها كائناً حياً ... وبقدرته الإلهية الغلابة قام الإنسان من التراب وفي ذات اللحظة التي بها أصبح التراب بقوة الله الخلاقة الغلابة على شكل إنسان منح نسمة الحياة الإلهية وخلق كائناً حياً. وهكذا لا يمكننا القول أن الجسد خلق قبل الروح.
أما أصحاب نظرية النشوء والارتقاء، فيدعون بالطبع، بأن الخليقة كلها هي نتيجة أجيال طويلة من التطوير. وبأن الإنسان تطور من الحيوانات الدنيا إلى ما هو عليه الآن. أما أصحاب نظرية النشوء والارتقاء الماديون فيحذفون الله من حسابهم بالمرة. بينما يعتقد البعض الآخر بأن جميع مراحل التطوير تمت بتوجيه من الله. على كل فإن أصحاب هذه النظرية – النشوء والارتقاء – غير متفقين بعضهم مع البعض ونظريتهم هذه بدلاً من أن تحل الأشكال وتجلو الغموض زادتها تعقيداً وغموضاً. إن المسيحي العادي مقتنع ومتأكد بأن الله خلق الإنسان وله في هذا كل الكفاية.
طبيعة الإنسان
ما هي طبيعة هذا المخلوق، الإنسان، الذي خلقه الله على مثاله؟
1- مزدوجة – جسد وروح
إن للإنسان كما تبين لنا من البحث السابق طبيعة مزدوجة جسدية وروحية. أي أن للإنسان جسداً ونفساً يقول بعض علماء الكتاب المقدس بأن للإنسان طبيعة ثلاثية تتألف من جسد ونفس وروح. ففي رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 23 كتب بولس "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح". وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يقول: "إلى مفرق النفس والروح" (4: 12). وبناء على هذا التفسير فإن كلمة "النفس" تشير إلى الإنسان ككائن حي أو كائن ذي وعي ذاتي بينما تدل الروح على انه كائن ذو إدراك بوجود الله.
على أية حال فإن كلمتي "روح" و "نفس" غير مميزتين بوضوح في الكتاب المقدس ويظهر أحياناً أنهما استعملتا مترادفتين. والدكتور أهـ سترونغ يقول "إن طبيعة الإنسان ليست بيتاً مؤلفاً من ثلاث طبقات بل بيت من طبقتين تحوي الطبقة العلوية منه نوافذ تطل على ناحيتين، نحو الأرض ونحو السماء".
إن الوصف الوارد في سفر التكوين يظهر لنا أن للإنسان طبيعة مزدوجة الجسد والنفس. والجسد والنفس يتحدان فيؤلفان شخصية واحدة. ومع أن النفس هي الجزء الأهم في الشخص فإن الجسد يجب ألا يحتقر بل على العكس يجب أن يحترم لقيمته الحقة ولكرامته. إن جسد المسيحي قد دعي هيكل الروح القدس "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم" (1 كورنثوس 6: 19 – 20). يجب ألا نهمل الجسد أو نسيء استعماله بل علينا أن نحفظه طاهراً معافى قوياً لخدمة الله.
2- على صورة الله
ينفرد الإنسان بين جميع الخلائق في أنه يحمل صورة الله. "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تكوين 1: 26) لا يظهر أن هناك فرقاً واضحاً بين "صورة" و "مثال"، فالإنسان مخلوق على شبه الله. فكيف صنع الإنسان على شبه أو مثال الله؟ هذا بالتأكيد لا يعني أنها مشابهة جسدية لأن الله روح بلا شكل جسدي فالمشابهة أذن في طبيعته الروحية.
يقترح الدكتور ملنـز ثمانية أشياء تظهر كون الإنسان مخلوقاً على صورة الله. له طبيعة مفكرة، وطبيعة أدبية، وطبيعة عاطفية، وإرادة، وكيان حر، وميل إلى البر، وتسلط على الخلائق الدنيا، وخلود.
ويمكننا جمع هذه تحت ثلاث نقاط رئيسية:
(1) الشخصية: الإنسان كائن ذو عقل ووعي ذاتي وإرادة حرة. أما الحيوانات الدنيا فلها حياة ولكن ليس لها شخصية. لها غرائز خاصة تقودها إلى عمل أشياء معينة، ولكن ليس لها المقدرة على التفكير والتخطيط كما يقول المرنم: "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم" (مزمور 32: 9).
الإنسان كائن حر، متمتع بالقدرة على اختيار الطريق التي يسلكها. إن الله لا يرغمه على أن يكون باراً، كما أنه لا يردعه عندما يختار الطريق الخاطئة، وحق الاختيار هذا قسم من الصورة الإلهية الكائنة في الإنسان.
وبما أن الإنسان كائن عاقل ذو وعي ذاتي وذو إرادة حرة فهو قادر على أن يقيم علاقات مع أخيه الإنسان وكذلك مع الله. وبما أنه شخص فهو لذلك يستطيع أن تكون له شركة مع الآخرين كما يستطيع أن تكون له شركة مع الله.
(2)الناحية الأخلاقية: إن كون الإنسان على مثال الله يعني أن الإنسان ذو طبيعة أخلاقية. فهو قادر على التمييز بين الخير والشر كما أن له الحق في أن يختار أياً منهما وهذا أمر لا ينطبق على الحيوانات الدينا. إذ أنه ليس لها أية حاسة للتمييز بين الخير والشر.
كان الإنسان عندما خلقه الله كاملاً بأخلاقه ودون أية خطية وبعد خلق الإنسان قيل: "ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً" (تكوين 1: 31). لقد كان الكل كما أراده الله أن يكون بما في ذلك الإنسان فالله الكامل لا يمكنه أن يخلق كائناً غير كامل.
(3) الخلود: إن الإنسان المخلوق على صورة الله، هو كائن خالد. بينما إن الشبه بالله أمر روحي وليس أمراً جسدياً. فالخلود لا ينطبق على جسد الإنسان لكنه ينطبق على روحه. فالجسم يموت ولكن للروح كياناً دائماً. وقد قال الحكيم في وصفه الموت: "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جامعة 12: 7). أي أن الجسم يموت وأما الروح فتبقى حية.
وبما أن الإنسان كائن خلقي عاقل فقد سلطه الله على كل خلائقه "وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تكوين 1: 28).
ومرة أخرى نقرأ في المزمور 8: 4 – 6 هذه العبارة: "فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده. وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله. تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه".
وبما أن الإنسان قد خلق على مثال الله، فهناك كرامة لشخصيته الإنسانية لا بد وأن تحترم. فقد رأى الله مناسباً أن يمنح بعض الناس مواهب وسجايا أكثر مما منح غيرهم ولكن هذا لا يعني بحال أن المنعم عليهم يحق لهم أكثر من غيرهم أن يحتقروا من هم دونهم نعماً وسجايا. فالكل مخلوق على صورة الله وعلى هذا الأساس يجب أن يعاملوا. فلا موضع لاستعباد البشر مباشرة أو غير مباشرة. ليس في العلاقات البشرية أي مكان للنظرية القائلة بجواز تحكم فئة صغيرة بمصائر جماهير البشر دون اعتبار لإرادتهم. وإن الإنسان ليس سوى سن أو برغي في آلة كبيرة. لذا يقول بطرس أنه تعلم درساً قيماً في قيصرية وهو "أن الله لا يقبل الوجوه" (أعمال 10: 34).
مسكن الإنسان
إن وصف المسكن الذي أعده الله للإنسان موجود في سفر التكوين 2: 8 – 17 فهو جنة من غرس الله ذاته "وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذي جبله" (تكوين 2: 8).
1. موقعه
ينظر بعض طلاب الكتاب المقدس إلى قصة الخليقة بكاملها نظرتهم إلى قصة رمزية فالجنة بالنسبة لهم شيء رمزي ترمي إلى بعض الحقائق الخاصة. ولكن القصة كما يرويها الكتاب المقدس تمثل حقائق واقعة. كانت الجنة واقعة حتماً في عدن شرقاً. إن لفظتي "عدن" و "الجنة" ليستا لفظتين مترادفتين "فعدن" ومعناها "السرور" هي البلاد التي جعلت فيها الجنة. أما أين تقع هذه البلاد فليس واضحاً تماماً، ولو أن الوصف المعطى والأنهار المذكورة تشير إلى أنها واقعة في أواسط آسيا.
2. المعيشة فيه
في تلك الجنة التي غرسها الله حيث الوفرة والجمال "وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل" (تكوين 2: 9) غرس الله شجرتين عجيبتين – شجرة الحياة، التي جعلها لخلاص الإنسان من الموت لو لم يخطئ، وشجرة معرفة الخير والشر التي جعلت لامتحان مقدار ولاء الإنسان لله. "وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 2: 17).
3. عمل الإنسان
لم يكن للبطالة محل في برنامج لله للإنسان "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تكوين 2: 15). لم يكن الإنسان ليأكل من ثمار الجنة ويتمتع بجمالها فقط. بل كان عليه أن يعمل فيها ويحفظها. لم يكن مقصد الله مطلقاً أن يعيش الإنسان بطالاً، لا في هذه الحياة ولا في الأخرى. وفي هذا المعنى يقول الرائي في أجمل ما كتب من أوصاف عن البيت السماوي وفي آخر فصل من فصول الكتاب المقدس ما يلي: "وعبيده يخدمونه" (رؤيا 22: 3).
سقوط الإنسان
لم يبق الإنسان على حالته الأولى كاملاً وبلا خطية. فقد عصى الله فسقط من علياء حالته السعيدة وفي الأصحاح الثالث من سفر التكوين وصف لسقوطه.
1. عامل السقوط
إن القصة حسب ما يرويها الكتاب المقدس تقول إن الحية هي العامل "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله فقالت للمرأة ... " (تكوين 3: 1). أما كون الشيطان هو العامل الأساسي في التجربة فوارد إذ أنه قيل عنه فيما بعد "فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله" (رؤيا 12: 9).
أما كيف كان شكل الحية ومظهرها وميزاتها الخاصة قبل السقوط فهو على الراجح أمر غامض. يصورها البعض مخلوقاً جميلاً يسير منتصباً لا زاحفاً على الأرض والكتاب المقدس يقول أنها كانت أدهى الحيوانات وأمكرها. ولهذا السبب بالذات اختار الشيطان الحية وسيطاً للتجربة.
فمن هو الشيطان؟ يقول الكتاب المقدس إنه رئيس الأرواح الشريرة الكثيرة العدد. أما من أين جاء هذا العدد الضخم فإن ما نعرفه عنه لا يعدو النـزر القليل من الآيات الواردة في الكتاب المقدس، التي تذكر شيئاً عن هذه الأرواح نستنتج منها أنها كائنات مخلوقة كانت في يوم من الأيام بلا خطية. وتحت قيادة الشيطان عصوا الله فطردوا من حضرته.
ويقول الكتاب المقدس عن سقوطهم "والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم" (يهوذا 6). وبطرس يقول "لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء" (2 بطرس 2: 4). وقال يسوع لرسله: "رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء" (لوقا 10: 18).
أما سبب سقوط الشيطان وملائكته فغير مذكور. ويبين بولس أنه الكبرياء "لئلا يتصلف فيسقط في دينونة إبليس" (1 تيموثاوس 3: 6).
وهكذا أصبح الشيطان عدو الله الأول وقد قاد أنصاره لمحاربة الله بكل طريقة ممكنة. لذلك عندما خلق الله الإنسان بدأ الشيطان يسعى ليجلب عليه الخراب. وكانت طرقه ذات الطرق التي يستعملها إلى اليوم. استعمل الخبث مخفياً شخصيته مستشيراً الشهوات والرغائب، بعث الشك حول صلاح الله، مكذباً ومناقضاً كلمة الله.
اقترب الشيطان من الامرأة التي كما يظهر كانت أكثر تصديقاً له. وقد استسلمت للتجربة وأكلت من الثمرة المحرمة. ثم إنها أغرت آدم ليشترك معها في عصيانها لله وهنا يقول بولس: "إن المرأة أغويت ولكن الرجل لم يغو. لأنه كان يعرف ما هو فاعل كل المعرفة. وآدم لم يغو ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي" (تيموثاوس 2: 14).
ومن الطبيعي أن يثار السؤال التالي وهو لماذا سمح الله للخطية أن تأتي إلى العالم؟ ولن نجني إلا القليل من تفحصنا لدوافع الله ومقاصده ولكن يمكن القول أن الإنسان، ما لم تكن له الفرصة في الخيار بين الصواب والخطأ، لا يمكن أن يكون مخلوقاً حراً. إذ بذلك يكون صلاحه إجبارياً.
2. نتائج السقوط
لقد نتج من خطية الإنسان وعصيانه ثلاث نتائج مفجعة:
(1) للرجل والمرأة: من جراء سقوطهما شوه الرجل والمرأة صورة الله فيهما، وخسرا شركتهما مع الله. امتلأ آدم وحواء بالخوف والخجل وحاولا أن يختبئا من وجه الله. وقد حلت بهما لعنة.
"وقال للمرأة تكثيراً أكثر أتعاب حبلك بالوجع تلدين أولاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" (تكوين 3: 16).
"وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاً وحسكاً تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها" (تكوين 3: 17 – 19).
وطرد الرجل والمرأة من الجنة: "فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها" (تكوين 3: 23).
ولكن العاقبة المرعبة لخطيئة الإنسان يمكن جمعها كلمة واحدة "الموت" "لأنك يزم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 2: 17) وهذا الموت كان موتاً جسدياً وموتاً روحياً أيضاً.
منذ اليوم الذي عصى به الإنسان الله أصبح مخلوقاً ميتاً. إن جسده لم يمت يوم أخطأ بالذات، ولكنه أصبح عرضة للمرضى والوهن التي تنتهي إلى الموت.
إلا أن الإنسان قد مات روحياً منذ اليوم الذي أخطأ فيه ضد الله. إن الموت لا يعني توقف الحياة ولكنه يعني الانفصال أو الانحلال.
الموت الطبيعي يعني انفصال الروح عن الجسد. وقد وصف بأنه تسليم للروح "وأسلم إبراهيم روحه ومات" (تكوين 25: 8).
والموت الروحي هو انفصال النفس عن الله. وكل البشر في حالتهم الطبيعية أموات روحياً. والإيمان هو انتقال من الموت إلى الحياة. "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" (يوحنا 5: 24). هذا وسنتوسع في بحث هذا الموضوع في الفصل التالي.
(2) للجنس البشري. إن الإنسان بسقوطه لم يجلب الدمار على نفسه فحسب بل على ذريته أيضاً. وبما أن آدم هو أبو الجنس البشري فتأثير خطيته قد تعداه إلى نسله. لأنهم أصبحوا ورثة لطبيعته الساقطة.
هذه الحقيقة ظاهرة بوضوح في العهدين القديم والجديد فقد قال داود: "هائنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" (مزمور 51: 5). لم يتهم داود أمه بالخطية ولكنه يعلن أنه قد ولد بطبيعة فاسدة والعهد الجديد يبين هذه الحقيقة بوضوح أجلى.
نجد في الفصل الخامس من الرسالة إلى أهل رومية هذا التعبير "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (عدد 12) و "لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد" (عدد 17). "فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة" (عدد 18) "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة" (عدد 19).
وفي أفسس 2: 3 يقول بولس "الذين نحن أيضاً جميعاً تصرفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً".
ومن جراء الخطية أصبح الإنسان فاسداً بطبيعته وبعد سنين عديدة قال يسوع: "هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة. وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة" (متى 7: 17 – 18) وهكذا فإذا كان رأس الجنس البشري فاسداً فإنه لا يستطيع أن يثمر إلا نسلاً فاسداً.
إن البراهين على صدق هذه الحقيقة غير قائمة في الأسفار المقدسة فحسب، ولكن يمكن أن نبرهن على صحتها باختباراتنا الخاصة.
لقد ظل أبناء آدم يحملون طبيعتهم الفاسدة. ولم يكن ميل سلالته للتحسين ولكن ميلهم كان للفساد الخلقي حتى "رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم" (تكوين 6: 5).
وكذلك كانت السلالات المتعاقبة فلم تنتج صالحاً واحداً "الله من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله. كلهم قد ارتدوا معاً فسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (مزمور 53: 2 – 3). كل مولود يأتي هذا العالم لا يلبث حتى تظهر عليه مظاهر الطبيعة الشريرة.
"الفساد الكلي" هو تعبير استعمل لوصف حالة الجنس البشري. وهذا لا يعني أن الإنسان فاسد كل الفساد وأن لا أثر للخير فيه، ولا يعني أيضاً أن الكل متساوون في الخطية، ولكننا نعني أن الكيان بأسره مصاب بالخطية، وأن طبيعة الإنسان بكاملها قد أصيبت بضربتها.
وهنا لا بد أن يبدر سؤال هو: ما هي حالة الأطفال الذين يموتون أطفالاً أو قبل بلوغهم سن الرشد؟ هل يهلكون؟ لقد آمن بهذا الإيمان بعض الناس قبل مدة من الزمن. وقد يكون هذا الاعتقاد – اعتقاد هلاك الأطفال الذين يموتون إن لم يعمل شيء لهم – هو الذي قاد إلى معمودية الأطفال.
نحن نعتقد أن الذين يموتون قبل بلوغهم سن الرشد يخلصون إن كانوا معمدين أو غير معمدين. فهم غير خاضعين للدينونة إلى أن يبلغوا سن الرشد. فليس لماء المعمودية أية فاعلية لتطهير الطبيعة الفاسدة. والذين يموتون في حالة الطفولة يخلصون برحمة الله ونعمته. وقد أكد داود هذا الرأي بخصوص ابنه الصغير الذي مات فقال "أنا ذاهب إليه وأما هو فلا يرجع إلي" (1 صموئيل 12: 23).
أما كيف ومتى يخلص الطفل الصغير فغير واضح في الأسفار المقدسة. وفي هذا المعنى يقول الدكتور ا.هـ سترونغ "بما أنه ليس من دليل على أن المواليد الذين يموتون أطفالاً يتجددون قبيل موتهم، إما بواسطة خارجية أو بغيرها فمن الممكن إذاً أن عملية التجديد تحدث بواسطة الروح بما يتعلق بروح الطفل بعد النظرة الأولى التي يرى بها المسيح في الحياة الأخرى".
"وكما أن بقايا الفساد الطبيعي في المسيحي تستأصل، ليس بالموت ولكن عند الموت برؤية المسيح والاتحاد به، كذلك فإن اللحظة الأولى التي يعود بها الطفل إلى وعيه تطابق ذات اللحظة التي يرى بها المسيح المخلص الذي يتمم التقديس الكامل لطبيعته".
(3) لبقية الخليقة. هناك آيات كتابية تشير إلى أن لعنة خطيئة الإنسان قد حلت على كل الخليقة.
حلت اللعنة على الحيوانات. فقد قال الله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك" (تكوين 3: 14). إن جميع المملكة الحيوانية قد تأثرت بهذه السقطة فأصبح الوحش ضد الوحش، يسعى كل للفتك بالآخر وتمزيقه. إذ أنه من المؤكد أن الوحوش لم تخلق هكذا منذ البدء.
وكذلك حلت اللعنة بالخليقة المادية. فقد قال الله لآدم: "لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاً وحسكاً تنبت لك" (تكوين 3: 17 – 18). كما أن بولس يقول في رسالته إلى أهل رومية 8: 20 – 22 "إذ أخضعت الخليقة للبطل ليس طوعاً بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء لأن الخليقة نفسها أيضاً ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن".
وكما أن الخليقة قد سقطت بأسرها تحت لعنة الخطية، كذلك فإنه سيكون لها نصيب في أمجاد الفداء. ولهذا فإن أشعيا في وصفه لحكم المسيح المجيد يقول: "فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معاً وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً. ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان. لا يسوءون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر" (أشعياء 11: 6 – 9).
وفي تفسير هذه الفقرة السابقة يقول الدكتور الكسندر مكلارن: "إننا لا نستطيع القطع في موضوع معرفتنا به قاصرة، كما أننا لا نستطيع التأكد من مقدار الرمزية في هذه الصورة الحلوة، يكفينا أنه لا بد من أن يأتي يوم فيه يعيد ملك البشر وسيد الطبيعة السلام والوئام بين الاثنين كما يستعيد تلك الموسيقى العذبة التي سيعزفها كل مخلوق إلى ربه العظيم".
أما الرائي فيقول في وصف عجيب لواحدة من رؤاه. "وكل خليقة ما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين" (رؤيا 5: 13).
ولكن لا بد من الرجوع إلى ما يذكرنا به الدكتور مكلارن وهو "أننا لا نستطيع القطع في موضوع معرفتنا به قاصرة".