رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرِّيَاء بين القول والفعل (متى 23: 3-4) إن الكلمة اليونانية ὑποκριτά (مُراءٍ تعني «مُجيبا) تشير إلى ممثل مسرحي. ومع الوقت، أصبحت الكلمة تشير إلى كل شخص يمثِّل دورًا لخِداع الآخرين. كان يهوذا الإسخريوطي مرائيًا، شخصًا يتظاهر بغير ما هو عليه، شخصًا يُخفي دوافعه الرَّديئة وراء مظهرٍ من الإخلاص (متى 26: 47-50). فكان يسوع هنا يستخدم ولا شك الكلمة الآرامية חָנֵף، التي تعني عادة في العهد القديم " فاسق، كافر ": فالمرائي يصبح في مصاف الكافرين. ويستبدل الإنجيل الرابع لقب مراءٍ بلقب أعْمى: إن خطيئة الكَتَبَة والفِرِّيسيِّينَ، تقوم على قولهم "إننا نرى" في حين أنهم عُمْيان (يوحنا 9: 40). يصيب الرِّيَاء الإنسان ويجعله يظهر للنَّاس بصورة غير حقيقية ليَخدع الغير في نِّفاق وكَذْب، ربما لكَسْب وُدّ الغير أو لإظهار بصورة التَّقوى والمحافظة على القيم لينال المديح والتَّبجيل والمَجد البَاطل. والرِّيَاء من أخطر أنواع الكَذب، لانَّ المُرائي يكذب ليخدع الغير، ويتقمَّص شخصية غير شخصيته، ويخدع البسطاء وقد يصدِّق نفسه ويحيا في ازدواجية لا تعطي فرصة للتوبة والرجوع إلى الله. والرِّيَاء في مدلولها الأكبر هو عدم مطابقة الفكر واللسان وعندئذ فهو كذب وغش وخداع (هوشع 4: 7). وكل هذه رجس عند الله (أمثال 12: 22). أدان السيد المسيح المرائيين، وأعلن أن الرِّيَاء لا بُدَّ أن ينكشف والخَفِي لا بُدَّ أن يظهر. لأنه لن يستطيع المُرائي أن يخدع كل النَّاس وفي كل وقت، ولن يستطيع أن يهرب من حُكم الله الدَّيان العَادل والذي كل شيء مكشوفٌ أمامَه، كما يقول صاحب المزامير "لأنه ليس كلمة في لساني إلاّ وأنت يا ربّ عرفتها كلّها" (مزمور 139-4). وفي النَّهاية سيُفضَح الرِّيَاء كما أعلن يسوع " فَما مِن مَستُورٍ إِلاَّ سَيُكشَف، ولا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سَيُعلَم" (متى 10: 26)، وقد سبق وأعلن الملك الحكيم سليمان " لأًنَّ اللهَ سيُحضِر كُلَّ عَمَلٍ فيَدينُ كُلَّ خَفِي، خَيرًا كانَ أَم شَرًّا" (الجَّامعة 12: 14). اعترف يسوع بدور الكَتَبَة والفِرِّيسيِّينَ الجَّالسون على كُرسِيِّ موسى بالرغم من ريائهم، فهم يقومون بتعليم النَّاس الدِّين والنَّاموس، وأوصى النَّاس بالاستماع إليهم فيما يقولون في الشَّريعة، فالشَّريعة هي تَّعبير عن مشيئة الله، كما جاء واضحًا في تصريحاته "َافعَلوا ما يَقولونَ لَكم واحفَظوه" (متى 23: 3أ). لكن يسوع كشف عما في سرِّهم من الرِّيَاء وحَذّر من سلوكهم ومن روح الفِرِّيسيّة المُنافقة، فأعلن لتلاميذه قائلا "لكِن أَفعالَهم لا تَفعَلوا، لأَنَّهم يَقولونَ ولا يَفعَلون" (متى 23: 3ب). يقوم هذا النَّقد لغياب المنطق في تعليمهم، فقد كانوا يعرفون الكتب المقدسة، ولكنَّهم لم يعيشوا بمقتضاها "يَقولونَ ولا يَفعَلون" (متى 23: 3)، ويتبادر إلى الدهن هنا مثل الإبْنَين(متى 21: 28-32)، الموجَّه إلى الفريسيين، حيث يتمَّ تشبيههم بالان الذي يقول "نعم" للآب: ولكنه بعد ذلك لا يذهب للعمل في الكرم. والمُرائي، أشبه بممثل على مسرح ὑποκριτά، يواصل تمثيل دوره بقدر ما تكون مكانته ذات شأن وكلمتُه مُطاعة (متى 23: 2 -3). لم يدنْ يسوع المسيح دائمًا ما كانوا يعلّمون به، ولكنَّه أدان ما كانوا عليه من الرِّيَاء. حيث أن خطيئة الفِرِّيسيِّينَ تكمن في ممارساتهم الشَّريرة أكثر من تعليمهم، لأنَّهم، هم أنفسهم، لم يمارسوا ما يعظوا به. لذا قال يسوع المسيح عنهم "أَيُّها المُراؤُون، أَحسَنَ أَشَعْيا في نبوءته عَنكم إِذ قال: هذا الشَّعْبُ يُكرِمُني بِشَفَتَيْه وأَمَّا قَلبُه فبَعيدٌ مِنِّي"(متى 15: 7-8). يقولون انهم يُحبّون الله، لكنّهم لا يراعون وصاياه، أمروا النَّاس بإطاعة التَّقاليد التي يتناقلونها لكنَّهم لا يعملون هم بها، يقولون انهم يُحبُّون القريب، لكنهم يظلمونه، يُلقنون الآخرين دروسًا في الوداعة، وهم يستعلون على الآخرين، كما جاء في مثل الفريسي والعشار "فانتَصَبَ الفِرِّيسيُّ قائِماً يُصَلَّي فيَقولُ في نَفْسِه: الَّلهُمَّ، شُكراً لَكَ لِأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاس السَّرَّاقينَ الظَّالمِينَ الفاسقِين، ولا مِثْلَ هذا الجَّابي"(لوقا 18: 11)، ويطالبون النَّاس بدقائق النَّاموس وحرفيته، وهم بعيدون عن تطبيقه كما وصفهم يسوع: "أَيُّها القادَةُ العُميان، يا أَيُّها الَّذينَ يُصَفُّونَ الماءَ مِنَ البَعوضَةِ ويَبتَلِعونَ الجَمَل" (متى 23: 24) ويحمّلون النَّاس أحمالا ثقيلة من النَّاموس، ولا يحملون من النَّاموس شيئًا. يبطلون وصيّة الله تحت وطأة تقاليدهم الإنسانية (متى 15: 1-20(. وينصح القدِّيس كارلُس بُرُّومِيُوس كهنته بقوله: " عَظْ بحياتكَ وأخلاقِك. وإلاَّ إذا رآك الناس تقول شيئًا وتعمل عكسه هزُّزوا رؤوسَهم واستخفُّوا بكلامك." ( من أعمال كنيسة ميلانو، 1599، 1171). تظاهر الكَتَبَة والفِرِّيسيُّون أنَّهم معلمون لشريعة الله، لكنَّهم في الواقع ملأوا عقول النَّاس بتعاليم بشرية تحوِّل انتباههم عن الله. أصرّ الكَتَبَة والفريسيون بتزمُّت على حرفيَّة الشَّريعة، أي تطبيقها في الأعمال فقط، مدقّقًين في بنودها كلِّها بدون ترك أيِّ مجال لعمل الروح. لكنهمَ أنَّهم تجاهلوا المبادئ الأساسيَّة التي تعكس المحبة والرحمة، والتواضع ونكران للذات؛ وكانوا يتظاهرون علنًا بأنَّهم أتقياء ومُتعبدون لله، لكنَّهم في الواقع، كانوا مملوئين سوءا وخبثًا. ولم تنسجم أفعالهم مع أقوالهم قط "فجَميعُ أَعمالِهم يَعمَلونَها لِيَنظُرَ النَّاسُ إِلَيهم" (متى 23: 5). كم نحتاج في هذه الأيام أن نحيا حياة الشَّفافية والصدق والأمانة أمام الله والقريب والاعتماد فقط على رحمة الله. |
|