نبوات حزقيال النبي عن مصر
سبق إرميا النبي فأنذر يهوذا من الاتكال على الذراع البشري (مصر) مشبهًا إيّاها تارة بالفتاة المسبية، وأخرى بالعجلة المسمنة للذبح، وكالحية الخارجة من الغابة فتقتلها فؤوس الحطّابين، والشجرة التي تحطمها الفؤوس. الآن يحذر حزقيال النبي الشعب المسبي في بابل من الالتصاق برجاسات العبادة الوثنية المصرية.
أولًا: النسران العظيمان (حز17)
يشبِّه الله مصر وبابل بنسرين عظيمين، يرسلهما الله على شعبه لتأديبهما. والعجيب أنه يقدم نفسه كنسورٍ تحملهم بالحب إلى الأحضان الإلهية، قائلاُ: "وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ" (حز4:19).
ثانيًا: فرعون التمساح الكبير
يعتمد فرعون مصر مع رجاله على نيل مصر الذي جعل مصر خصبة، لهذا شبهه بالتمساح الكبير الرابض في وسط أنهاره (حز3:29) فقد اشتهر نهر النيل بالتماسيح. يظن فرعون أنه خالق النهر لحساب نفسه، يجلس في النهر كما في عرشه ليدافع عن الأمم المحيطة به المتحالفة معه. دعا الله فرعون "التمساح الكبير"، ربما لأن المصريين قد عبدوا التماسيح فصاروا تماسيح، ودُعي ملكهم "التمساح الكبير". من يعبد الحجارة يصير حجرًا، ومن يعبد الباطل يصير باطلًا، ومن يعبد الله الحق يصير "حقًا" ويتمتع بشركة الطبيعة الإلهية.
ماذا يفعل الله مع هذا التمساح المتكبر الذي يظن أنه خالق النهر لحساب ذاته؟! يقول: "أجعل خزائم في فكيك، وألزق سمك أنهارك بحرشفك، وأطلعك من وسط أنهارك، وكل سمك أنهارك ملزق بحرشفك. وأتركك في البرية أنت وجميع سمك أنهارك. على وجه الحقل تسقط فلا تجمع ولا تُلم. بذلتك طعامًا لوحوش البرية ولطيور السماء" (حز4:29،5).
إذ ظن بكبرياء قلبه أن ما فيه من قوة ورخاء إنما هو صنعة يديه، لهذا يحرمه من هذه النعم، ويطرده من وسط أنهاره، ليموت كما تموت السمكة خارج المياه. وإذ ظن أن كل شيء إنما خُلق لخدمته، يعمل الكل لحسابه، لهذا يُلقى في البرية، يموت وليس من يسأل عنه ولا من يدفنه، يصير فريسة لوحوش البرية وطعامًا لطيور السماء! وإذ جمع حوله الكثيرين يحتمون به أو يحاربون معه يصيرون كالسمك الملتصق بحراشيفه، سواء كانوا أممًا أو قوادًا، أو مركبات أو جيشًا، ينالون نفس مصيره. هكذا يفقده الكبرياء خيراته وكرامته بل وحياته، ويذل حتى الملتصقين به المتكلين عليه. وقد قيل إن فرعون هذا خرج ليحارب أهل القيروان الذين طردوا صديقه أريكيوس Aricius ملك ليبيا، ويرده إلى ملكه، لكن المصريين ثاروا عليه في غيبته فلم يعد هو ولا قواده إلى مملكته وألقى في البرية معهم.
عين تمساح، لوياثان
ومما يلاحظ هنا أن تأديب فرعون والسمك الملتصق بحراشيفه كان بتركهم يموتون في البرية لتأكلهم وحوش البرية وطيور السماء، هذه أبشع ميتة يكرهها المصريون الذين كانوا يخافون على الجثمان، وبنوا السراديب لحفظها حتى متى عادت الروح تلبس جسمها مرة أخرى.
هذا هو عمل الكبرياء في حياة إبليس الذي كان ينتسب إلى أكبر طغمة سمائية، ففقد بكبريائه السماء ليسقط إلى الهاوية، وعوض الصداقة الإلهية دخل في العداوة مع الله، وعوض المجد السماوي دخل إلى الذل الدائم، تحطم وحطم معه كثيرين من ملائكته وأيضًا من البشريين! بذات الداء، سقط أبوانا الأولان من الفردوس وحُرما من الوجود الدائم في الحضرة الإلهية، وورَّثا نسليهما كل تعب وشقاء! لقد طُردنا من نهر الحياة، وألقينا في برية هذه الحياة لنموت روحيًا ونصير غنيمة لكل وحوش البرية (شيطان الظلم والقسوة) وطيور السماء (شيطان الكبرياء).
في الاصحاح 32 يقول: "أشبهت شبل (أسد) الأمم وأنت نظير تمساح في البحار" (حز2:32). ظن في نفسه أسدًا يحمى الأمم من ملك بابل ولم يدرك أنه مجرد تمساح حبيس نهره، لا يقدر أن يخرج من أرض مصر لينقذ أورشليم أو غيرها من يدَّىْ بابل. لقد ظن أنه قادر على الإنقاذ فأثار ملك يهوذا، وعندما حوصرت أورشليم لم يقدر أن يخلصها، صار كمن يعكر الماء برجليه فلا يستريح ولا يترك غيره في راحة. هذا هو "التمساح الكبير الرابض في وسط أنهاره".
في الأصحاح 29 كان التمساح الكبير يفتخر بنفسه قائلا: "نهري لي وأنا عملته لنفسي" (حز3:29). هذه الروح المتعجرفة لم تحطم التمساح وحده بل حطمت السمك المتعلق بحراشيفه. تدفق بأنهار كبريائه على أنهار الآخرين فعكرها برجليه (حز2:32). لهذا صارت دينونته قاسية ومرة، جلبت على غيره أيضًا الموت. فقد بسط الرب شبكته ليصطاد هذا التمساح مع الأسماك، (الشعوب) الكثيرة المقتدية به أو المتعلقة بحراشيفه (حز3:32، 4:29).
أما تأديبات الرب الواردة في الاصحاح 32 للتمساح الكبير فهي:
أ - يكرر ذات العقوبة الواردة في الأصحاح 29. إنه يخرجه من نهره، موضوع افتخاره وعجرفته، ويطرحه على الأرض اليابسة ليموت مع السمك المتعلق به، ويصير فريسة لطيور السماء وحيوانات البرية.
ب - إذ يعتز هذا التمساح الكبير بنيله وما يجلبه من فيضان يعطى خصوبة للأرض ويغنيها بالخيرات، لهذا عوض فيضان الماء يفيض الله بدم التمساح على الأرض حتى يبلغ إلى الجبال وتمتلئ منه الوديان (حز6:32). يحول الكبرياء الماء دمًا، فينسكب دم المتكبر يحمل رائحة موت يشمئز منها الكل: الجبال العالية كما الوديان المنخفضة. عوض كلمات الافتخار التي تجتذب الكثيرين ليحتموا فيه، تفوح رائحة الموت فينفر الكل منه.
ج - إذ يخرج دمه منه يصير هذا التمساح الكبير جيفة نتنة ملقاة على الجبال وفي الأودية. بعد أن كان يظن في نفسه سندًا للآخرين إذا به يصير ثقل نتانة يريد الكل أن يتخلص منه. يصيره هو ومن حوله "أسرى" في أراضٍ لا يعرفونها (حز9:32).
د - لا تقف دينونته عند هلاكه هو. وهلاك الشعوب المتعلقة به، وتحويل مياه النهر إلى دم مميت، وصيرورته ثقلا تريد الجبال والأودية التخلص من جيفته النتنة، وإنما تبلغ فاعلية كبريائه إلى الشمس والقمر والكواكب الأخرى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.إذ قيل: "وعند إطفائي إياك أحجب السموات وأظلم نجومها، وأغشى الشمس بسحاب، والقمر لا يضئ ضوءه. وأظلم فوقك كل أنوار السماء المنيرة، وأجعل الظلمة على أرضك يقول السيد الرب" (حز7:32،8).
إنها صورة مرة لعلامات النهاية كما أعلنها السيد المسيح نفسه (مت 29:24)، ولعلامات ضد المسيح (رؤ 12:8). كأن دينونة الإنسان المتكبر إنما هي عربون الدينونة الكبرى، وظل لعصر ضد المسيح!
ما هذه السموات التي يحجب نورها إلا فقدان الإنسان كل فكر سماوي وعدم تذوقه للحياة الأبدية؟! ما هذه النجوم التي تظلم إلا الطاقات الروحية الداخلية وحواس الجسد؟! عوض أن تكون سر استنارة داخلية بالروح القدس تصبح سر ظلمة النفس وهلاكها. يغشى الشمس بسحاب، إذ لا تعود النفس ترى مسيحها -شمس البر- مضيئًا فيها؛ ولا يضيء القمر إذ لا يكون للحياة الكنسية بعبادتها وكرازتها أثرًا عليه، أما الأرض التي تغشاها الظلمة فهي جسد الإنسان، عوض أن يكون هيكلا مقدسًا مستنيرًا بالرب يصير موضع ظلمة.
في اختصار تحطم الكبرياء الإنسان تمامًا، تفقده المسيح شمس البر، والكنيسة القمر المضىء، وتحطم طاقاته الداخلية وتفسد قلبه وجسده، وتظلم كل أفكاره! تصير السماء والأرض بالنسبة له مظلمتين، الشمس والقمر كأن لا وجود لهما؛ والنجوم تتساقط في داخله.
ه - أمام هذا الخراب الشامل للنفس والجسد كما للفكر والقلب تسري حالة من الرعب والرعدة في الشعوب الكثيرة بملوكهم، إذ قيل: "وأحير منك شعوبًا كثيرين ملوكهم يقشعرون عليك اقشعرارًا عندما أخطر بسيفي قدام وجوههم فيرجفون كل لحظة كل واحد على نفسه يوم سقوطك" (حز10:32). هلاك المتكبر يرعب قلوب الخطاة إذ يشعرون أن دينونتهم قد اقتربت.
ثالثًا: فرعون مصر عكاز قصب لبيت إسرائيل
يشبه فرعون مصر بعكاز قصب لبيت إسرائيل (حز6:29)، فهو كالعصا لكنها من القصب (البوص) إذ يتكئ عليها الإنسان تنكسر، أما المتكئ عليها فيتمزق كتفه ويضعف. عوض أن تسنده تحطم طاقاته، كقول إشعياء النبي: "فإن مصر تعين باطلا وعبثا لذلك دعوتها رهب الجلوس" (إش7:3). لقد شجع فرعون مصر صدقيا الملك ليثور ضد بابل ويخون العهد ويحنث بالقسم، فضاع الملك وتحطمت أورشليم وكل مدن يهوذا وانهزم فرعون.
رابعًا: فرعون كممثل للشيطان، يومه يوم غيمٍ
حينما طلب الرب من حزقيال النبي التنبوء ضد فرعون مصر، لم يوجه الدعوة إلى فرعون أن يولول ولا إلى كل شعب مصر، إنما وجهها دعوة عامة إلى العالم الوثني كله، بكون فرعون مصر يمثله في ذلك الحين، فيقول "ولولوا يا لليوم" (حز2:30). ودعا يوم فرعون "يوم الرب"، لأنه تأديب من قبل الرب لجميع الأمم. لهذا قيل: "من صوت سقوطه أرجفت الأمم عند إنزال إياه إلى الهاوية مع الهابطين في الجب" (حز16:31)، "يرجفون (ملوك شعوب كثيرة) كل لحظة، كل واحد على نفسه في يوم سقوطك" (حز10:32). هكذا يدوي خبر سقوطه في العالم كله، وترتجف له كل الخليقة.
ومما يجب ملاحظته أن فرعون هنا يشير إلى "الشيطان" بكونه المحرض على عصيان الكلمات النبوية، الذي يظن في نفسه أنه صاحب سلطان قادر أن يسند الكثيرين. وكما يقول العلامة أوريجينوس: "في رأيي أن بعض أسماء الشعوب أو الملوك التي نقرأ عنهم في الكتاب المقدس تخص بلاشك الملائكة الأشرار أو السلاطين المضادة مثل فرعون ملك مصر ونبوخذنصر ملك بابل وأشور".
إن كان فرعون، كرمز للشيطان، يظن في نفسه أنه صاحب سلطان تلجأ إليه الأمم الأخرى وتحتمي فيه، فإن الله يعلن هزيمته النفسية، وتحطيمه بالخوف. لقد جعل يومه "يوم غيم" (حز2:30). فالغيم أو السحاب علامة المجد الإلهي، يغطى الجبل المقدس أو الخيمة المقدسة أو الهيكل إعلانًا عن دخول الإنسان في أسرار غير منظورة لا يمكن إدراكها، أما بالنسبة للشيطان أو فرعون فالسحاب يمثل حالة من الظلمة، من خلالها لا يقدر أن يتصرف ولا يعرف ماذا يفعل. إن كان قد ظن نفسه قائدًا، فإنه في الظلمة يسلك فيعثر ويتعثر معه الملتصقون به والمحتمون تحت جناحيه. لهذا يقول: "في ذلك اليوم يخرج من قبلي رسل في سفن لتخويف كوش المطمئنة، فيأتي عليهم خوف عظيم كما في يوم مصر، لأنه هوذا يأتي" (حز9:30). إن أقرب دولة له هي "كوش" التي ربما قصد بها النوبة، وأيضًا بعض مناطق في آسيا. على أي الأحوال ملأ الرعب قلب فرعون، بل وقلب أقرب مملكة له كانت تحتمي تحت ظله، فماذا يكون مصير الأمم الأخرى البعيدة؟! الذي يرعبهم هو الرب نفسه: "يخرج من قبلي رسل في سفن لتخويف كوش المطمئنة" لأنها تركت الرب ولجأت إلى فرعون.
مقابل الكبرياء والعجرفة، حل الخوف والرعدة بفرعون وكل الدول المحيطة به والمحتمية فيه. وعوض غناه وثروته قائلًا: "نهري لي وأنا عملته لنفسي" (حز3:29،9)، تصير الأنهار يابسة (حز12:30). وعوض ملكه وسلطانه تُسلم أرضه للأشرار الغرباء (حز12:30). عوض الطمأنينة والراحة يضرم الرب نارًا وتفقد مملكته رجاءها، إذ تخسر شبابها في الحرب، وبناتها في السبي! كان يظن في نفسه إلها، هوذا تتحطم أوثانه وعبادته (حز13:30).
لابد لمملكة إبليس أن تنتهي، تزول مهابته وخشيته المخادعة، وتنهار كل إمكانياته ويلقى في النار الأبدية مع كل الذين تبعوه واحتموا به.
خامسًا: تحطيم ذراعي فرعون
إذ تحدث عن الخراب الذي حل بمدنه الحصينة بدأ يتحدث عن ذراعه كيف أصابها جرح مميت لا يُمكن شفائه (حز20:30-23)، فلا يعود يقدر أن يحمل سلاحًا لا للدفاع عن نفسه ولا عمن احتموا فيه. في نفس الوقت يشدد الله ذراعي ملك بابل ويجعل السيف في يده لتأديب فرعون مصر فتسقط يداه ويشتت شعبه (حز24:30-26)! هذه صورة للعمل الشيطاني المقاوم للتدبير الإلهي إذ ينتهي بالفشل الكامل، مهما ظهر في البداية ناجحًا.
سادسًا: فرعون شجرة الأرز الساقطة
إن كانت شجرة الأرز العالية المتشامخة تبلغ قمتها السحاب (حز3:30)، فذلك يشير إلى حياة الكمال والتقديس التي وهبها الله للإنسان، إذ بهما يدخل إلى أسرار الملكوت ويعاين الأمجاد الإلهية المخفية، وإن كانت كثرة الأغصان تشير إلى قوة الحب ليتسع القلب للجميع، فإن كليهما، أي "القداسة والحب" هما عطية الروح القدس الذي يعمل فينا من خلال مياه المعمودية المقدسة، إذ يقول: "فلذلك ارتفعت قامته على جميع أشجار الحقل وكثرت أغصانه وطالت فروعه لكثرة المياه إذ نبت" (حز5:30). ففي مياه المعمودية ننبت كغصن جديد في الكرمة الحقيقية وبالروح الإلهي ننمو على الدوام في استقامة إلى فوق وبكثرة الأغصان عرضًا. لهذا يقول الأب مار اسحق السرياني: "إن صنع معك خيرًا، علنًا أو خفية، فتأكد أن المعمودية والإيمان هما الوسيطان لهذا الخير، إذ بهما قد دعيت إلى الأعمال الصالحة في المسيح يسوع [11]". كما يقول القديس يعقوب السروجي في ميمر له عن المعمودية: "المعمودية تكتب اسمك فوق في السماء، في بيعة الأبكار، فتصير ابنًا للأب الجالس في الأعالي!" هكذا يجمع المؤمن الحقيقي بين الجمال الروحي والعلو والسمو، والقوة والحب... حتى يفوق كل الأشجار الأخرى، بل وتحسده.
يركز سفر حزقيال النبي على خطيئة الكبرياء كسر للسقوط. يقول: من أجل أنك ارتفعت قامتك، وقد جعل فرعه بين الغيوم، وارتفع قلبه بعلوه، أسلمته إلى يد قوىِّ الأمم فيفعل به فعلًا، لشره طردته" (حز10:31،11). كأن الله يشتهى أن يراه وقد ارتفعت قامته وبلغت قمته داخل السحاب (الغيوم)، لكن إذ ارتفع قلبه بتعاليه، سقط من علو قامته ونزلت قمته من السحاب. كثيرون ارتفعت قامتهم الروحية ودخلوا إلى أسرار الله الخفية، كما حدث مع القديسة مريم محتفظين بقلب متواضع. لقد سبحت العذراء الله قائلة: "أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتواضعين". لهذا حذرنا الآباء من الكبرياء والمجد الباطل أو الزهو كما حثونا على التواضع. يقول القديس يوحنا الدرجي: "التواضع هو السلم السماوي، الذي يستطيع أن يرفع النفس من هوة الآثام إلى السماء". "إذ كان كبرياء بعض الملائكة حولهم إلى الشياطين (إش 12:14 الخ 6:3)، فبلا شك يستطيع التواضع أن يجعل من الشياطين (النفوس الساقطة) ملائكة، لهذا فليتشجع الذين سقطوا [12]".
* افتح عن عينيْ قلبي،
فأدرك أسرار حبك،
وأتمتع بعظم رعايتك!
* يقويني ذراع البشر كنسرٍ يود أن يحملني.
لكنه حتمًا يعود فيفترسني.
أما أنت أيها النسر الإلهي،
فتحملني بالحب إليك.
لتهلك كل نسور العالم،
وأقتنيك أيها النسر الفريد في حبه وقوته.
* يتشامخ ذراع البشر كتمساح في نهر.
تمسك الأسماك بحراشيفه.
لكنه يموت في البرية ومعه كل من التصق به.
يصير جثة نتنة ليس من يحتمل رائحتها.
أما أنت فأعظم من كل سلطان،
التصق بك واتحد بطبيعتك،
وأصير واحدًا معك.
* لماذا أتكئ على عصا العالم؟!
إنه قصبة تنكسر فارتمي أرضًا.
لأتكئ على صليبك، خشبة الحياة!
تحملني إلى سمواتك،
وترفعني إلى أبديتك!
* يود العالم أن يغطيني بسحابة،
يحول حياتي إلى ظلمة،
ويحجب شمس البر عني!
لأتمتع بسحابة مجدك،
فتنحل كل خطاياي الثقيلة،
وارتفع إلى سحابة بهائك!
* ذراع العالم يتحطم،
وليس من يضمد جراحاته.
أما ذراعك فيحمل جراحات الحب الشافية.
لأتمتع بذراعك الرفيعة، يا مخلص العالم!
* يتشامخ العالم كشجرة أرز عالية وقوية.
لكنها سرعان ما تسقط وتفقد كل قوتها.
هب لي تواضعك فهو وحده يرفعني.
أنت تنزل الأعزاء عن الكراسي،
وترفع المتواضعين!