شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
ملوك الأول 12 - تفسير سفر الملوك الاول
الآيات 1-24:- وذهب رحبعام إلى شكيم لانه جاء إلى شكيم جميع إسرائيل ليملكوه. ولما سمع يربعام بن نباط وهو بعد في مصر لانه هرب من وجه سليمان الملك واقام يربعام في مصر وارسلوا فدعوه اتى يربعام وكل جماعة إسرائيل وكلموا رحبعام قائلين. أن اباك قسى نيرنا واما أنت فخفف الآن من عبودية ابيك القاسية ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك. فقال لهم اذهبوا إلى ثلاثة أيام أيضًا ثم ارجعوا إلى فذهب الشعب. فاستشار الملك رحبعام الشيوخ الذين كانوا يقفون أمام سليمان أبيه وهو حي قائلًا كيف تشيرون أن ارد جوابا إلى هذا الشعب. فكلموه قائلين أن صرت اليوم عبدًا لهذا الشعب وخدمتهم واحببتهم وكلمتهم كلاما حسنا يكونون لك عبيدا كل الأيام. فترك مشورة الشيوخ التي اشاروا بها عليه واستشار الاحداث الذين نشاوا معه ووقفوا امامه. وقال لهم بماذا تشيرون انتم فنرد جوابا على هذا الشعب الذين كلموني قائلين خفف من النير الذي جعله علينا ابوك. فكلمه الاحداث الذين نشاوا معه قائلين هكذا تقول لهذا الشعب الذين كلموك قائلين ان اباك ثقل نيرنا واما أنت فخفف من نيرنا هكذا تقول لهم أن خنصري اغلظ من متني ابي. والان ابي حملكم نيرا ثقيلا وأنا ازيد على نيركم ابي ادبكم بالسياط وأنا اؤدبكم بالعقارب. فجاء يربعام وجميع الشعب إلى رحبعام في اليوم الثالث كما تكلم الملك قائلًا ارجعوا إلى في اليوم الثالث. فاجاب الملك الشعب بقساوة وترك مشورة الشيوخ التي اشاروا بها عليه. وكلمهم حسب مشورة الاحداث قائلًا ابي ثقل نيركم وأنا ازيد على نيركم ابي ادبكم بالسياط وانا اؤدبكم بالعقارب. ولم يسمع الملك للشعب لأن السبب كان من قبل الرب ليقيم كلامه الذي تكلم به الرب عن يد اخيا الشيلوني إلى يربعام بن نباط. فلما راى كل إسرائيل أن الملك لم يسمع لهم رد الشعب جوابا على الملك قائلين اي قسم لنا في داود ولا نصيب لنا في ابن يسى إلى خيامك يا إسرائيل الآن انظر إلى بيتك يا داود وذهب إسرائيل إلى خيامهم. واما بنو إسرائيل الساكنون في مدن يهوذا فملك عليهم رحبعام. ثم ارسل الملك رحبعام ادورام الذي على التسخير فرجمه جميع إسرائيل بالحجارة فمات فبادر الملك رحبعام وصعد إلى المركبة ليهرب إلى اورشليم. فعصى إسرائيل على بيت داود إلى هذا اليومو لما سمع جميع إسرائيل بأن يربعام قد رجع ارسلوا فدعوه إلى الجماعة وملكوه على جميع إسرائيل لم يتبع بيت داود إلا سبط يهوذا وحده. ولما جاء رحبعام إلى اورشليم جمع كل بيت يهوذا وسبط بنيامين مئة وثمانين الف مختار محارب ليحاربوا بيت إسرائيل ويردوا المملكة لرحبعام بن سليمان. وكان كلام الله الى شمعيا رجل الله قائلا. كلم رحبعام بن سليمان ملك يهوذا وكل بيت يهوذا وبنيامين وبقية الشعب قائلا. هكذا قال الرب لا تصعدوا ولا تحاربوا اخوتكم بني إسرائيل ارجعوا كل واحد إلى بيته لأن من عندي هذا الأمر فسمعوا لكلام الرب ورجعوا لينطلقوا حسب قول الرب.
رحبعام أمه عمونية وكان عمره 41 سنة حين ملك ويبدو أن أبوه لم يربيه حسنا فلم يتعلم من حكمة أبيه فالحكمة لا تورث بل هي عطية من الله، ولأن أبوه كان للأسف مشغولا بأشياء أخرى. وهو ترك لذلك مشورة الشيوخ لأنه استحسن الغنى والسيطرة على الشعب فلم تكن فيه روح الرعاية والخدمة لشعبه. وكان الشيوخ هم الذين شرحوا له المعنى الحقيقي للملك وأنه خدمة للشعب وفي (1) ذهب رحبعام إلى شكيم وهذه بداية المؤامرة أن يدعوا رحبعام لشكيم أي في وسط إسرائيل. وفي (3) أرسلوا فدعوا يربعام. فهم تظاهروا بأنهم يريدون أن يملكوا رحبعام في شكيم حتى يكون معزولا وسط إسرائيل بعيدا عن جيشه في يهوذا. فهم يخططون للانفصال من أول وهلة. وكانت البداية طلبهم أن تخفض الضرائب ولاحظ أنهم إشتكوا من سليمان لأنه أرهقهم بالضرائب ولم يشتكوه لأجل عبادته الوثنية وهم إشتكوه بالرغم من كل التقدم والخير والازدهار الذي حققه لإسرائيل فهو بأموالهم حصن البلاد. ولكن جشع هذا الشعب جعلهم دائمى التذمر بل اهتموا برخائهم المادي ولم يبالوا بحياتهم الدينية ونلاحظ في رد الشباب إن خنصرى أغلظ من متنى أبى = الخنصر هو الإصبع الضعيف (الإصبع الرابع) والمتن هو وسط الإنسان أو خاصرته والمعنى أن أبى كان جالسا عليكم بخاصرته وأرهقكم أما أنا فخنصرى أشد من ابى الجالس عليكم فما بالكم لو جلست أنا عليكم. فإن كان هو يؤدبكمبالسياط فأنا سأؤدبكم بالعقارب = وربما قصد بالعقارب نوع من القسوة أو نوع من السياط ذات الكرات الحديدية التي تمزق الجلد وتقطعه. والله لم يرشد أو يلين قلب هذا الملك لأن الأمر كان من قبله. ولأنه لم يستشر الله بل الناس فقط.
آية (16) إلى خيامك يا إسرائيل تحمل معنى الامتناع عن المفاوضات. الآن أنظر إلى بيتك يا داود = أي أن أسرة داود وممثلها رحبعام لا تملك سوى سبط يهوذا بيت داود الساكنون في يهوذا = مثل شمعون وبنيامين وباقي الأسر من أسباط إسرائيل الذين فضلوا أن يبقوا بجانب الهيكل ومن هنا بدأ الانشقاق وأصبحت المملكة مملكتين. أرسل أدورام = دليل عدم حكمته فالتسخير ورموزه مكروهين لدى الشعب. ولقد امتنع رحبعام عن الحرب طاعة لأوامر الرب على فم النبي شمعيا ولكنها كانت طاعة وقتية بدليل (1 مل 30:14) ونلاحظ أن الانفصال كما كان عقوبة لرحبعام وبيت يهوذا كان عقوبة لإسرائيل فهم بوثنيتهم كانوا لا يستحقون وجود الهيكل بينهم فبالانفصال حرموا من الهيكل. ولاحظ رحبعام في إجاباته المتكبرة هو نفسه يهرب مذعورا بعد ذلك.
الآيات 25-33:- وبنى يربعام شكيم في جبل افرايم وسكن بها ثم خرج من هناك وبنى فنوئيل وقال يربعام في قلبه الآن ترجع المملكة إلى بيت داود. أن صعد هذا الشعب ليقربوا ذبائح في بيت الرب في اورشليم يرجع قلب هذا الشعب إلى سيدهم إلى رحبعام ملك يهوذا ويقتلوني ويرجعوا إلى رحبعام ملك يهوذا. فاستشار الملك وعمل عجلي ذهب وقال لهم كثير عليكم أن تصعدوا إلى اورشليم هوذا الهتك يا إسرائيل الذين اصعدوك من ارض مصر. ووضع واحدًا في بيت ايل وجعل الاخر في دان. وكان هذا الأمر خطية وكان الشعب يذهبون إلى أمام احدهما حتى إلى دان. وبنى بيت المرتفعات وصير كهنة من اطراف الشعب لم يكونوا من بني لاوي. وعمل يربعام عيدا في الشهر الثامن في اليوم الخامس عشر من الشهر كالعيد الذي في يهوذا واصعد على المذبح هكذا فعل في بيت ايل بذبحه للعجلين اللذين عملهما واوقف في بيت ايل كهنة المرتفعات التي عملها. واصعد على المذبح الذي عمل في بيت ايل في اليوم الخامس عشر من الشهر الثامن في الشهر الذي ابتدعه من قلبه فعمل عيدا لبني إسرائيل وصعد على المذبح ليوقد. وبنى شكيم = أي جعلها تكبر وعمل سورا لها لتكون عاصمة له ثم تركها إلى فنوئيل ثم إلى ترصة (17:14) جبل أفرايم = اسم لأفرايم لأنها أرض جبال. وكون أن يربعام يصنع هياكل غير هيكل أورشليم ليمنع الشعب من الذهاب لأورشليم فهذا يعتبر حكمة عالمية سياسية لكنها شيطانية نفسانية فهي ضد رأى الله. وهذا العمل أغاظ الله جدًا بل صارت هذه الخطية لها اسم خطية يربعام ابن نباط الذي جعل إسرائيل يخطئ ولاحظ أنه لم يصدق وعد الله بأن الله سوف يثبت بيته فاعتمد على حكمته البشرية. وفي (28) فاستشار الملك = هو استشار كبار الشعب الذين من حوله إذا هي خطية جماعية. عجلى ذهب = هو لم يقصد أن يجعلها عبادة وثنية بل قصد عبادة الله لكن في صورة مصورة واستخدم لذلك صورة الآلهة المصريين. فالمصريين يعبدون الإله أبيس في صورة العجل.
ولكن العامة لا يستطيعون أن يميزوا بين المعبود والواسطة ولذلك سريعًا ما انحرفت هذه العبادة للعبادة الوثنية. بيت إيل - دان= أقصى جنوب وأقصى شمال إسرائيل كهنة من أطراف الشعب = وفي 2 أي 14،13:11. إن الكهنة واللاويين تركوا مسارحهم وأموالهم وانطلقوا إلى أورشليم لأن يربعام وبيته رفضوهم وكلمة أطراف الشعب أي من عامة الشعب وليس من الرؤوس. وكان يربعام يعين الكهنة ليكونوا تحت إمرته 1 مل 33:13. وفي آية (32) يذكر بيت إيل فقط ولم يذكر دان لأن بيت إيل مقدس الملك وبيت الملك. وأصعد علىالمذبح = أصعد بنفسه وليس عن طريق الكهنة. فهو طرد الكهنة الذين اختارهم الرب وهو الآن الذي يعين الكهنة فلماذا لا يقدم هو الذبائح وهو جعل من نفسه رئيس للكهنة * ألا يتفق ما فعله يربعام مع من ينادون الآن بأنه لا كهنوت وكل المسيحيين كهنة.
والله لم يعاقبه بالبرص مثل عزيا فكل العبادة غير مقبولة عند الله ، والهيكل لا يعتبر هيكل لله والمذبح ليس مذبح لله فهو إذًا لم يقدم شيء لله ولم يتعدى على هيكل الله الذي حدده الله. ولنلاحظ أن يربعام صنع عبادة له وللشعب حسب أهوائه وليس حسب إرادة الله ونحت لله صورة بحسب قلبه، يربعام اخترع دين سياسي وخدع الشعب بمظهر الملك الطيب الذي يبحث عن راحة شعبه ولا يريد لهم التعب في أن يسافروا إلى أورشليم فيجعل لهم مكانا قريبا لهم في بيت إيل للعبادة.
بل مكانين وكل واحد يذهب للمكان الأقرب له بل هو اخترع عيدا آية (32).
وعموما لا ننسى أن عبادات سليمان الوثنية كانت هي البداية والباب لكل هذه الانحرافات وهذه العبادات.