رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البَرَص نَجَاسَة: ليس البَرَص مرضًا فحسب، إنَّما هو أيضًا نجاسة مُعدية بحسب الشَّريعة، وقد اعتُبر هذا المرض منذ القديم رمزًا للخطيئة ونجاستها، حتى سُمِّي الشِّفاء منه "تطهيرًا". فالبَرَص قاتل، يملأ النَّفس نجاسة، ورجاسة، فسادًا، لذلك كان هذا المرض هو الوحيد الذي يفرض على المُصاب به أن يعْتزل عن جميع النَّاس، حتى عن أهل بيته، وعن مدينته، ويذهب للعيش مع غيره من البُرَص لغاية شفائه أو موته. وإنْ دخل مدينة يُجازَى بأربعين جلدة. وكان اليهود يعتبرون الأبْرَص كأنَّه ميِّت، يتنجس من يلمسه. وكان الأبْرَص مجبورًا أن يمارس فروض الحداد من تمزيق ثيابه، والكشف عن رأسه، وتغطية فمه، وترك الاغتسال، وما أشبه، وأن يُحذِّر كل إنسان من الاقتراب منه بصراخه الدَّائم: "نجس! نجس!" (الأحبار 13: 34). إنَّ البَرَص كالخطيئة تُعزلنا عن بعضنا، وعن الله بالذّات. هل يمكننا أن نتخيّل المعاناة العميقة لشخصٍ يتآكل جسديًّا وهو بالإضافة إلى ذلك، مُحتقَر ومنبوذٌ اجتماعيًّا؟ كان الأبْرَص يُعتبر نَجسًا: كل شيء أو شخص يلمسه يتنجَّس، ولا يستطيع أن يشارك في العبادة ولا في الحياة الاجتماعيَّة. وكان معزولاً أي ممنوع الاقتراب منه، ولا يحقُّ لأي إنسانٍ أن يلمسه. وكانت الأوساط اليهوديَّة تحرم الأبْرَص من حقوقه المَدنيَّة مع عزله عن المجتمع، كما جاء في الشَّريعة "ما دامَت فيه الإِصابة، يَكونُ نَجِسًا، إِنَّه نَجِس. فلْيُقِمْ مُنفَرِدًا، وفي خارِجِ المُخَيَّمِ يَكونُ مُقامُه " (الأحبار 13: 46)، لذلك يُنبذ الأبْرَص من الجماعة لحين شفائه وتطهيره الطقسي، وتقديم ضحيَّة عن الخطيئة (الأحبار 13-14). وجاءت كلمات الحاخامات عن المُصابين بالبَرَص تُعلن نظرتهم إليهم كأنَّهم موتى، ليس لهم حق الحياة وسط الجماعة المقدَّسة. ويعلق العلامة أوريجانوس على إقامة الأبْرَص خارج المحلة بقوله: "كل دنسٍ يلقي الإنسان خارج مجمع الأبرار، أنه ينفيه بعيدًا عن الجماعة ويَعزله عن موضع القديسين. أمَّا مناداته: نجسًا نجسًا، فإشارة إلى دنسه الدَّاخلي ودنسه الخارجي، أو دنس النَّفس والجسد معًا". يعلن الأبرص حضوره لدى قربه من القرى والمدن بسبب خطر نقل العدوى للآخرين. لا يحسب سيّدنا يسوع المسيح البَرَص "نجاسة" بل مَرضاَ. ولا يرى في المرض لعنة بل اختبارًا. وينظر إلى البَرَص كرمز للخطيئة التي تشوّه الإنسان نفسه، وعقله وإرادته وقلبه وحريته وضميره. الخطيئة التي إذا تملّكت في الجسد، استعبدته لشهواته ولأهوائه. هذه العبوديَّة بَرَص روحي وأخلاقي يشوّه جمال النَّفس المخلوقة على صورة الرَّبّ. ويعلق القمص تادرس يعقوب: " يُنظر إلى البَرَص كرمز للخطية وثمر لها، حيث جاء الحكم على الأبْرَص أن تعلن نجاسته بقسوة، إذ يفقده طعم الحياة ويعزله تمامًا عن الجماعة المقدَّسة". ويشفي يسوع بَرَص الخطيئة وشلل الأنانيَّة ويفتح عين الإلحاد وأُذنَ اللامبالاة، وهو صاحب المعجزات الذي كان "يَشْفي الشَّعبَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة" (متى 4: 23). |
|