يقول العلامة أوريجينوس:
[يوجد في الواقع نصَّان مختلفان لتلك الآية: ففي النسخ التي تتطابق مع النص العبري: "لم أُقرض ولا أقرضوني"...
كان إرميا يكرز بالكلمة، لكن لم ينصت أحد إلى كلامه. كان مثل طبيب يبدد أدويته بسبب عناد مرضاه الذين لا يريدون اتباع علاجه ولا أخذ أدويته.
كطبيبٍ يقول: "لم أفعل صلاحًا ولم يفعل لي أحد صلاحًا". ربما يرجع سبب التناقض في هذه الآية (لأن إرميا فعل صلاحًا) إلى شعور الحب والوِدّ الذي يحمله الإنسان الذي عُمِلَ معه الصلاح تجاه الإنسان الذي عَمَل له هذا الصلاح. ينتج عن هذا أن الذي يَكرز بالكلمة يأخذ هو أيضًا صلاحًا من كلمته (أي يحصل على حب السامعين له). وكما هو مكتوب: "طوبى لمن يتكلم مع أذنٍ تسمع". أعظم صلاح يمكن أن يجنيه المعلم من السامعين له هو أنهم ينمون ويتقدمون حتى يكون له ثمر فيهم (رو 1: 13). إذ لم يحصل إرميا على ذلك الثمر (الصلاح) من اليهود، قال: "لم يفعللي أحد صلاحًا".
يوجد أيضًا صلاح آخر يمكن أن يحصل عليه كل معلمٍ متى كان تلاميذه أذكياء. إذ يمكن للمعلمين أن يصبحوا أكثر قوة وتتناقل تعاليمهم بواسطة الناس إذا كان السامعون أذكياء ولا يكتفون بمجرد سماع التعاليم إنما يتفاعلون معها ويسألون أسئلة ويستفسرون عن كل جوانب التعاليم التي يسمعونها.
لنفسر نفس الآية من النسخ الأكثر صحة "لم أصر مدينًا لأحد ولا صار أحد مدينًا لي". الإنسان الذي يعطي الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، الخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام (رو 13: 7)، والذي يؤدي جميع واجباته بصورة لا تجعله مدينًا لأحدٍ، والذي يكرم والديه كما يليق، ويكرم إخوته كما يليق بهم، ويكرم أولاده والأساقفة والكهنة والشامسة والأصدقاء ويعطي لكل إنسانٍ كرامته، مثل هذا الإنسان يمكنه أن يقول "لم أصر مدينًا لأحدٍ". أما عبارة "ولا صار أحدليمدينًا" أفسرها كالآتي:
يقول إرميا: كنت أبحث عن مصلحتهم، كنت أحاول أن أعطيهم الغنى الروحي، أما هم فلم يقبلوا كلامي، بل رفضوه حتى لا يصيروا مدينين لي، بذلك "ولا صار أحد لي مدينًا".
بذلك يكون من الأفضل للسامع أن يقبل المال الروحي المُقَدَّم من المعلم وأن يكون مدينًا، عن ألا يكون مدينًا ولا يستفيد من التعاليم].