الأقباط في عصر السلاطين المماليك 1250م – 1587:
- وضع الأقباط
كان وضع الأقباط سيئًا للغاية في نهاية عصر الأيوبيين وبداية عصر المماليك للأسباب السابق ذكرها، إلا أننا نضيف سببًا آخر، وهو سوط الحروب الصليبية (حروب الفرنجة) الذي لم يصب المسلمين بقدر ما أصاب الأقباط بشكل مباشر وغير مباشر.
فموجة اضطهاد الأقباط الأخيرة كانت عميقة وكبيرة وطويلة، فقد بدأت منذ عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي وانحسرت شيئًا ما في نهايته لترتفع مرة أخرى في العصر الأيوبي والعصر المملوكي وهذه الطفرة الأخيرة كانت بسبب الحروب الصليبية، فعند ما رأى المسلمون في الشرق جحافل الجيوش الأوروبية حاملة الصليب لم يفرقوا بين صليب وآخر واعتبروا الجهاد الديني على كل المسيحيين في مصر وخارجها، بالإضافة إلى أساليب الأوروبيين ومنهم اليهود في استنفار الحكام المصريين على الأقباط تهديدًا لهم وانتقامًا منهم كي يقفوا في صفوفهم ضد المسلمين، بينما حسب الأقباط المسألة وحسموها إذ كيف يقفون أمام بقية نسيجهم في مواطنهم في صف الأجانب الذين لا يعرفونهم وبينهم نار مجمع خلقيدونية 451، وظلوا كاظمين غيظهم منهم وصامدين جراحهم من المصريين المسلمين والحكام الأيوبيين وغيرهم انتظارًا لانفراج الأزمة، وإن كان قد كلفهم هذا الشيء الكثير: من قتل وهدم منازل وكنائس ومصادرة ممتلكات وبيع البعض في سوق النخاسة.. الخ ثم جاء المماليك فلم يأبهوا بهذه الطبقة القليلة العدد بل كانوا يعاملوهم كجزء من الأمة نظير ما كانوا يقدمونه لهم من خدمات كبيرة في الواقع وهي تقدير الضرائب وجمعها وأمانتهم في ذلك، وفي نفس الوقت كان المماليك الحكام يمكنهم بسهولة ابتزاز أموال القبط دون أن يخشوا منهم مقاومة أو ثورة مضادة، فرتبوا مصير الأقباط حسب هواهم.
وقد استطاع بعض الكتبة الأقباط أن يشغلوا بعض الوظائف الكبرى في الدولة لمهارتهم وعلمهم وأمانتهم في العمل ولأنهم كانوا يشكلون الطبقة المتعلمة في المجتمع، مما أدى إلى تمتعهم بالجاه والسلطان والثروة الواسعة آنذاك.
فالأقباط بمقدراتهم تلك قد وصلوا إلى ما دخلوا إليه هذا، إلا أن الحاقدين من عامة الشعب كانوا يظهرون غضبهم بمجرد رؤيتهم قبطيًا، لأنه لم يكن يقبل أن تكون يده فوق يده.
إلا أن القبطي، وسط هذه الاعتبارات كلها، استطاع أن يعيش ويتقدم لأن أخاه المسلم لم يكن حائزًا عليها، ورغم كل هذا كان القبطي يشعر بأنه شخص غير مرغوب فيه، وبذلك أصبح الأقباط يدربون بعضهم البعض على العلوم المطلوبة، ليظلوا على داريتهم لهذا الاتجاه.
ففي عصر السلاطين المماليك قاس الأقباط كثيرا، وأن لم يتعرض المماليك لآرائهم ومعتقداتهم الدينية.
ولكن لم تكن سياسة المماليك في معاملاتهم واحدة، والحق أن الأقباط كانوا ذوى نشاط ظاهر في دواوين الحكومة، وكانت خدمتهم ضرورية لحسن سير الأمور المملوكية في البلاد في حين أن الحكومة كانت تبعدهم عن وظائفهم بين الحين والحين، تجنبًا للشغب الذي كان يقوم به الشعب المصري ضدهم، وتجنبًا للعامة، وإرضاءً لروح التعصب. ولكن هذا الإبعاد كان لعدة أيام قصيرة، لأن وجودهم في تلك الوظائف كان ضروريًا وحتى لا يتوقف سير العمل في البلاد، وأن الحكام المماليك كانوا يشعرون بخلل في الإدارة الحكومية أثناء بعد الأقباط عنها وبخاصة في النواحي المالية والضرائب.
إلا أنه رغم كل هذا كان شعور المماليك يثور على الأقباط بسبب العداء بين المماليك والصليبيين ويحدث ما سبق الإشارة إليه، ويظهر هذا في شكل اضطهاد الأقباط وهجوم المسلمين عليهم أحيانًا واعتدائهم على النساء والأطفال، كما كانت الأعياد الإسلامية الكبرى فرصة لهجوم الجنود على أحياء الأقباط بدعوى البحث عن الكنوز.