فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ،
وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ [10].
بعد أن يكشف المرتل عن معرفة الله أمر مدهش وعجيب للغاية، تفوق الفكر البشري، حتى حضوره بكليته في كل مكانٍ لا يمكن فحصه، فإنه بعناية الإلهية لا يتركنا في حيرة، بل يده تمسكنا لنختبر عمليًا وجوده ورعايته وحنوه.
إن كانت يد الله الآب تشير إلى كلمته الإلهي المتجسد، ويمينه إلى كلمة الله أو قوة الله ربنا يسوع المسيح، فبتجسده حقق الخلاص بالصليب، فدخل بنا إليه بكونه الطريق، وأمسك بنا لكي ننعم بالأحضان الإلهية.
أينما كانت تحركاتنا، ومهما تكن سرعتها، فإن الله بمحبته لنا يعيننا ويسندنا.
* هذا الشكل (شكل الصليب) قد ترنم به العظيم داود في مزاميره، قائلًا: "أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السماوات (الارتفاع) فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية (العمق) فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح الذي هو شروق الشمس (العرض)، وسكنت في أقاصي البحر (هنا يتحدث عن الغروب)" (مز 139: 7-10).
أرأيت كيف أن بكلامه هذا يرسم الصليب أمامنا!
القديس غريغوريوس النيسي
* ليكن هذا هو رجاؤنا، وهذه هي تعزيتنا. لنأخذ خلال الحب الجناحين اللذين فقدناهما بالشهوة. فإن الشهوة تُكلس الجناحين اللذين لنا، وتنحدر بنا من حرية سمائنا، أي من حرية نسمات روح الله. من هناك حيث تحطمنا وفقدنا أجنحتنا، وصرنا كما يُقال محبوسين تحت سلطان الصياد. لهذا خلصنا (ربنا) بدمه فنهرب ولا نسقط في الفخ. يقيم لنا أجنحة بوصاياه، ونبسطها مرتفعين ومتحررين من الفخ... إذن نحن في حاجة إلى أجنحة، نحتاج أن يقودنا، فإنه هو عوننا. لدينا حرية الإرادة، ولكن حتى بهذه الحرية للإرادة ماذا يمكننا أن نفعل ما لم يسندنا ذاك الذي يوصينا؟
القديس أغسطينوس