رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تأملات في سفر نشيد الأناشيد البابا شنوده الثالث مقدمة: روحانية السفر ورموزه اسمه نشيد الأناشيد، وأغنية الأغنيات ترجمة إسم هذا السفر في الإنجليزية: The Song of Songs. أي أنه لو اعتبرت جميع الأناشيد كلامًا عاديًا، يكون هذا السفر هو نشيدها وأغنيتها.. كتبه سليمان الحكيم شعرًا.. الروحيون يقرأون هذا السفر، فيزدادون محبة لله. أما الجسدانيون، فيحتاجون في قراءته إلي مرشد، لئلا يسيئوا فهمه، ويخرجوا عن معناه السامي إلي معان عالمية. هذا هو سفر الحب نفهم منه أن الله منذ القدم كان يريد أن تكون العلاقة بيننا وبينه هي علاقة حب. ولعل هذا واضح مما ورد في سفر التثنية "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث 5: 6). وقد قال السيد المسيحإن وصية الحب هذه، يتعلق بها الناموس كله والأنبياء (مت22: 27-29). سفر النشيد يتحدث عن المحبة الكائنة بين الله والنفس البشرية، وبين الله والكنيسة، في صورة الحب الكائن بين عريس وعروسه. سفر النشيد يتميز بكثير من الآيات الذهبية الشهيرة التي يستخدمها الوعاظ بأستمرار مثل " اجذبني وراءك فنجري"، "أنا سوداء وجميلة"، خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار المفسدة للكروم"، "أنا نائمة وقلبي مستيقظ"، "حبيبي لي وانا له، الراعي بين السوسن"، "حلقة حلاوة، وكله مشتهيات"، "المحبة قوية كالموت"، مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة".. ولكي نفهم سفر النشيد، لابد أن نفهمه بطريقه رمزية، وليس بتفسير حرفي. إن التفسير الحرفي لسفر النشيد بمفهوم جسداني هو تفسير مُنَفِّر ولا يتفق مع روح الوحي، ولا مع مدلول الالفاظ. وهذ السفر لا يصلح إلا للمتعمقين في الروح، الذين لهم عمق في التأمل، والذين لا يأخذون الألفاظ بفهم سطحي. إنه ليس للمبتدئين، بل للناضجين. وقديما لم يكن أحد يقرأه الإ بإذن وبأشراف أبيه الروحي. هناك آيات في السفر لا يمكن أن تؤخد بمعناها الحرفي. مثال ذلك قوله "من هي المشرقة مثل الصباح، جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس، مرهبة كجيش بألوية" (نش 10: 6). وأيضا ذكرت عبارة "مرهبة كجيش بألوية" في (نش 4: 6). إن عبارة (مرهبة كجيش بألوية)، لا يمكن أن تقبلها حبيبة علي نفسها، فكيف تقبل المرأة أن توصف بأنها تثير الرهبة والخوف، بينما النساء من المفروض فيهن أن يتميزن بالرقة؟! أما إن أخذنا العبارة مشيرة إلي الكنيسة والنفس البشرية، فإن المعني يبدو واضحًا في مفهومه الروحي. لأن الكنيسة يمكن أن تكون مرهبة بالنسبة للشيطان والعالم، ومخيفة لقوي الشر مثل جيش بألوية "أي من عدة لواءات".. كانت الكنيسة مرهبة للفلسفة الوثنية، ومرهبة لكهنة وعبدة الأصنام، ومرهبة للإنحراف والفساد.. لانها كانت طاهرة كالشمس. ونفس الوضع بالنسبة الي النفس البشرية. وعبارة "جميلة كالقمر" لا يمكن أن تتمشي مع عبارة" أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم" (نش 5: 1). فكيف تكون سوداء "كخيام قيدار"، وفي نفس الوقت جميلة كالقمر؟!، والقمر في جماله ليس فيه سواد. ولكن السوداء – في المفهوم الرمزي – هي كنيسة الامم. التي لم تكن تنتمي الي الآباء والأنبياء، وكانت غريبة عن رعوية الله وعن العهود والمواعيد والشريعة. وبلا رجاء (أف2: 12). ولكنها صارت جميلة كالقمر، بالبر الذي نالته في المسيح، وصار جمالها كاملًا ببهائه الذي جعله عليها (حز 14: 16) وبذمه الذي محا خطاياها. فهي تخاطب مؤمني العهد القديم "بنات اورشليم" وتقول لهن "أنا سوداء وجميلة يا بنات اورشليم".. سوداء في اصلي وماضي، وجميلة في حاضري. وعبارة "جميلة كالقمر" تحمل معني روحيًا وعمليًا في منتي العمق والجمال. فالمعروف عن القمر أنه كوكب مظلم يستمد نوره من الشمس. فطالما تلقي الشمس عليه نورها، يصير جميلًا.. فهذه الشعوب السوداء التي كانت بلا إيمان، وليس لها جمال في ذاتها: عندما القي الله عليها نوره، صارت جميلة كالقمر الذي ليس له جمال في ذاته وانما يستمد نوره وجماله من الشمس. التشبيه إذن واضح، في السواد وفي الجمال. في السواد الذي تتصف به طبيعتنا الخاطئة، والجمال الذي يهبه لنا الرب في فدائه العجيب وفي الطبيعة الجديدة التي نولد بها في المعمودية. وعبارة "عيناك حمامتان" (نش 1: 5)، تحمل نفس المعني الروحي الجميل. وقد تكررت عبارة "عيناك حمامتان" في (نش4: 1) العين تمثل البصيرة. والحمام يرمز أحيانا الي الروح القدس، كما يظهر هذا في قصة العماد (مت 3: 16).. وأحيانًا يمثل المحرقة التي يقدمها الفقير الي الله (لا1: 14). فعندما تكون العينان بالمعني الاول، فمعني ذلك أن الإنسان يتميز ببصيرة روحية، وبفهم روحي. كأن عينة هي الحمامة التي ترمز الي الروح القدس. فنظرته الي كل الامور هي نظرة روحية مقدسة، غير نظرة أهل العالم. وعندما تكون العين حمامة بمعني ذبيحة الفقير المسكين، إنما تعني إنسحاق النفس، أي مسكنة الروح (مت5: 3). كأنسان يقدم ذاته ذبيحة مرضية لله، حسبما أمر الرسول (رو12: 1)، في إنكسار قلب، يطيع حتى الموت. وعندما تكون العينان حمامتين، فأنهما تمثلان المعنيين معًا. وبنفس المعني الاخير يمكننا أن نفهم قول الرب: حولي عينيك عني، فانهما قد غلبتاني (نش6: 5) فالنفس البشرية التي لها عينان منسحقتان مملوءتان بالدموع، يظهر فيها إنسحاق القلب، هي النفس التي تجاهد مع الله وتغلب. ويقول لها الرب "حولي عينيك عني، فانهما قد غلبتاني" إنها مثل يعقوب المنكسر الضعيف، الذي جاهد مع الله وغلب، قائلا للرب "لا أتركك حتى تباركني" (تك32: 26، 28).. ونال البركة هناك. لأن الذبيحة لله روح منسحق. القلب المنخشع والمتواضع، لا يرذله الله (مز51: 17) حقًا إن النفس الباكية، التي ترفع عينيها الي الله مملوءتين بالدموع، هي التي قال لها "حولي عينيك عني". وتشبيه العين بالحمامة يحمل معني روحيًا اخر. فالحمامة رمز للبساطة والنقاوة. ولذلك يقول الرب: "كونوا بسطاء كالحمام" (مت10: 16). فالعين التي تشبه بالحمامة، إنما تتصف أيضًا بالبساطة. وقد قال الرب عن ذلك " إن كانت عينك بسيطة، فجسدك كله يكون نيرًا (مت6: 22) فالعين التي تشبه بالحمامة، ترمز للنظرة البسيطة الي كافة الامور.. الي الحياة البريئة الطاهرة البعيدة عن التعقيد.. كان آدم في بدء حياته بسيطًا لا يعرف سوي الخير قبل أن تتعقد حياته وتصبح خليطًا مركبا من خير وشر، بعد أن أكل من شجرة معرفة الخير والشر.. وهكذا في سفر النشيد نجد العروس تقول عن العريس الذي هو المسيح: " عيناه كالحمام علي مجاري المياه" (نش5: 12). أي أن بصيرته بالروح القدس. لانه إن كان المؤمن العادي "تفيض من بطنه انهار ماء حي" اي الروح القدس (يو7: 38، 39)، فكم يكون بالأولي السيد المسيح الذي الروح القدس ثابت فيه أقنوميًا.. ولذلك حسنًا قيل "كالحمام علي مجاري المياه" فبهذا شبه الرجل البار في المزمور الاول بأنه "مثل الشجرة المغروسة علي مجاري المياة" (مز1: 3) إن هدفنا في هذه المقالات الأولي من تأملاتنا في سفر نشيد الأناشيد، أن ندخل إلي روح السفر، ونفهم مدلولاته ورموزه، حتى يساعد هذا الأمر علي التفسير الصحيح المرتب المتناسق (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. إن سفر النشيد ليس غزلًا كما يتهمه بعض الناقدين، وانما هو تعبير عن المحبة المتبادلة بين الله والنفس البشرية، وصفات النفس التي تحبه. فالله لا يريد أن تكون علاقتنا به علاقة رسميات، وعلاقة خوف ورعب من لاهوته وجلاله. إنما يريد أن نكون أحباء له، لأنه محب للبشر. وهو الذي قال "لا أعود أسميكم عبيدًا.. بل أحباء" (يو15: 15). كل ما في الله من صفات جميلة، يدعونا الي أن نحبه: كل حنوه وعطفه ولطفه. من أجل هذا قيل في سفر النشيد: "لذلك أحبتك العذاري" (نش1: 3) والمقصود بالعذاري النفوس التي لاتهب ذاتها لآخر. أي النفوس المتفرغة لله وحده، المخصصة له.. كما قال الشاعر عن أمانيه وأماله التي لم تخطر بقلب اخر: امان عذاري لم يجلن بخاطرِ وبعض أماني القوم شمطاء ثيّبُ أي أنه تحبك يا رب النفس العذراء التي لم تهب ذاتها للعالم ولا لشهواته. ولم يمتلك قلبها حب إنسان ما. وفي ذلك قال القديس بولس" خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو 11: 2). ومن أجل هذا ايضا شبه الرب النفوس التي تطلبه وتنتظر ملكوته السمائي "بخمس عذاري حكيمات". والمقصود بهن كل المؤمنين الصالحين، رجالا ونساء، متزوجين وبتوليين. ماداموا لم يهبوا أنفسهم للعالم. أيضًا عبارة (أحبتك العذارى) لا تدل على أن السفر هو أغنية غزلية من محبوبة إلى حبيبها. فالتى تحب شخصًا حبًا جسديًا لا تحتمل غيرتها أن تحبه عذارى، غيرها.. ولا تجاهر بحب العذارى له في أفتخار. بل يقال مثل هذا عن المحبة الإلهية. فالنفس التي تحب الله، تريد أن جميع الناس يحبونه، وتفرح بهذا. فكيف تقبل محبوبة أن يقول حبيبها بالأكثر " هن ستون ملكة، وثمانون سرية، وعذارى بلا عدد " (نش 8: 6) حتى إن كانت هى الفضلى بينهن!! وبهذا الحب الإلهى، فإن عذراء النشيد تشرك كثيرات معها في محبتها. ولهذا أمثلة كثيرة. * فهى تقول "اجذبنى وراءك فنجرى" (نش1: 4). فهى تريد الكل أن يجروا وراءه بدلًا من قولها " فأجرى". وهى أيضًا تقول بأسلوب الجمع "نبتهج ونفرح بك ونذكر حبك أكثر من الخمر. بالحق يحبونك" (نش1: 4). * وهى تشرك بنات أورشليم في علاقتها مع حبيبها. فتقول " أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول، ألا تيقظن وتنبهن الحبيب حتى يشاء" (نش2: 7). وتكرر نفس العبارة مرة أخرى في (نش3: 5). ومرة ثالثة في (نش8: 3). وهى أيضًا تقول لهن " أحلفكن يا بنات أورشليم، إن وجدتن حبيبى، أن تخبرنه بأننى مريضة حبًا (نش5: 8). إنما يجوز مثل هذه الصلة إن كانت كنيسة الأمم تتخاطب مع كنيسة أورشليم، بالطريقة الرمزية لفهم السفر. كذلك كثير من التشبيهات في السفر، لا يمكن أن تؤخذ حرفيًا بين حبيب وحبيبته في غزل عالمى: * مثل عبارة " شبهتك يا حبيبتى بفرس في مركبات فرعون" (نش1: 9). هل توجد فتاة تقبل تشبيهها بفرس في مركبات فرعون، أم أنها تقبل على العكس التشبيه الذي يدل على الرقة والأنوثة.. * عبارة " فرس في مركبات فرعون " تذكرنا بعبارة " مرهبة كجيش بألوية" (نش6: 10) * وأيضًا من هى الحبيبة التي تقبل أن يقال في مديحها " عيناك مثل برك حشبون. أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق" (نش7: 4). * كذلك من التي تقبل أن حبيبها يصف جمالها فيقول: " شعرك كقطيع ماعز رابض على جبل جلعاد" (نش4: 1). وأيضًا " أسنانك كقطيع الجزائر الصادرة من الغسل" (نش4: 2). وكذلك " عنقك كبرج داود المبنى للأسلحة. ألف مجن غلق عليه، كلها أتراس الجبابرة" (نش 4: 4). إن الكنيسة إذا وصفت بالقوة: بالفرس، بجيش ذى ألوية، وببرج أسلحة داود، يكون هذا معقولا.. وبنفس الوضع توصف نفس المؤمن التي تحارب الشهوات والشياطين. أما الغزل بين حبيبين، فلا يمكن أن يكون بهذا الوصف. هناك كلمة أخرى، قد يتحرج منها القارئ الجديد لسفر النشيد: وهى كلمة الثدى، والثديين. * الثديان هما مصدر الرضاعة، ويرمزان إلى مصدر التعليم في الكنيسة. ويدل على هذا قول النشيد " ليتك كأخ لي الراضع ثديى أمى (نش8: 1). وعن ذلك صرخت امرأة قائلة للسيد المسيح " طوبى للبطن التي حملتك، وللثديين اللذين رضعتهما" (لو11: 27). وعن هذين قال أبونا يعقوب في مباركته لإبنه يوسف " بركات الثديين والرحم" (تك 49: 25) أي بركات الولادة والرضاعة. * وكما أن الثديين هما مصدر الرضاعة، هما أيضًا مصدر الشبع. وهكذا قيل في سفر اشعياء النبى عن أورشليم "لكى ترضعوا وتشبعوا من ثدى تعزياتها" (أش66: 11). أما منع الطفل عن ثدى أمه، فهو شأن الظالمين الذي قيل عنهم في سفر أيوب الصديق "يخطفون اليتيم عن الثدى" (أى24: 9). والثديان مصدر التغذية والشبع هما في الكنيسة العهدان القديم والحديث (الكتاب المقدس). وهما " الناموس والنعمة" (يو1: 17). أما بالنسبة لسفر النشيد (فى العهد القديم) فهو الناموس والأنبياء. بهما يرضع الإنسان التعليم الصحيح من مصدر إلهى، فتشبع نفسه، وينمو في القامة الروحية. ولأنهما معًا، لذلك قيل عنهما إنهما " كخشفتين توأمى ظبية" (نش7: 3) (نش 4: 5). منهما يرضع المؤمن، وبتعليمها يطمئن. كما قيل في المزمور " انت جذبتنى من البطن. جعلتنى مطمئنًا على ثديى أمى" (مز22: 9). والأم هى الكنيسة التي ترضعه الإيمان. وهذه الأم الكنيسة تقول عن كل ابن من أبنائها "بين ثديى يبيت" (نش 1: 3) أي يبيت يرضع من التعليم السليم، من العهدين القديم والجديد، من الناموس والأنبياء، من الناموس والنعمة.. * ولأن تعاليم الكنيسة عالية وسامية، شبهت الكنيسةبالنخلة، وأثداؤها بالعناقيد. كما قيل في المزمور " الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو" (مز92: 12). وبنفس الوصف قيل عن الكنيسة في سفر النشيد "قامتك هذه شبيهه بالنخلة، وثدياك بالعناقيد" (نش7: 7). فالمؤمن الذي يريد أن ينمو في قامته الروحية، عليه أن يصعد في مستواها، ليمسك بثديى أمة الكنيسة، ويرضع منها التعليم الروحى واللاهوتى ويقول مع سفر النشيد "قلت إنى أصعد إلى النخلة وأمسك بعنقودها" (نش7: 8). ويتنبأ سفر النشيد عن كنيسة الأمم الناشئة، و يسميها "أخت ضغيرة" (نش8: 8). هذه التي منها المرأة الكوشية التي تزوجها موسى النبى (عد12: 42). وكذلك اهل نينوى الذين تابوا بمناداة يونان. وقبل هؤلاء راحاب التي من أريحا، وراعوث التي من موآب (مت1: 5). وفى العهد الجديد كرنيليوس الذي عمده بطرس الرسول. كل اؤلئك وأمثالهم، يذكرهم سفر النشيد فيقول: "لنا أخت صغيرة ليس لها ثديان. فماذا نصنع لأختنا في يوم تخطب" (نش8: 8).. نعم ليس لها ناموس ولا أنبياء. ماذا نقول لهذه الأممية، حينما يقول القديس بولس الرسول " لأنى خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو11: 2). ترضعها الكنيسة الأم من ثدييها، حتى ينبت لها ثديان. تطعمها الزيتونة الأصلية من دسمها، مادامت قد صارت شريكة في أصل الزيتونة ودسمها" (رو 11: 17). وعن كل مؤمن جديد، تقول له عذراء النشيد: " ليتك كأخ لى، الراضع ثدى أمى. فأجدك في الخارج، وأقبلك ولا يخزوننى" (نش8: 1).. أجدك بالافتقاد، وبالكرازة، والرعاية، وأنت " في الخارج" من الأمم، ومن خارج الكنيسة. فأقبلك، كما قبل بطرس كرنيليوس الأممى. ولم يخزه أحد لقبول هذا الأممى وأسرته، بعد أن " رأى السماء مفتوحة"، وقيل له " ما طهره الله، لا تدنسه أنت " (أع10: 11، 15). نعم أن السماء مفتوحة، لترضع الأمم من ثدييها. بهذا نفهم سفر النشيد، في معناه الرمزى. ليس في هذه الكلمات فقط، بل في كل تعبيرات السفر. وإلى اللقاء في بعض موضوعاته.. لنفهم السفر إذن بمعناه الرمزى، إن أحبت نعمة الرب وعشنا. |
09 - 02 - 2014, 12:28 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
كَمْ رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب! (نش 4: 1) عبارة الطيب تتكرر كثيرًا في سفر النشيد: فهى في أوله، و في اَخره، و خلال إصحاحاته الثمانية: ففى أوله "رائحة أدهانك الطيبة " " إسمك طيب مسكوب" (1: 3). وفي اَخره "أهرب يا حبيبى وكن كالظبي.. على جبال الأطياب" (8: 14). وفي داخله "كم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب" (4: 10). وأيضا ً "حبيبى نزل إلى جنته إلى خمائل الطيب، ليرعى في الجنات" (6: 2) "قطفت مرَى مع طيبى" (5: 1). يضاف إلى هذا، ذكر كثير من مركبات الطيب: وأخصها (المر) وهو عطر سائل، طعمه مرَ، ورائحته زكية جدًا.. مثال ذلك "اذهب إلى جبل المرَ، وإلى تل اللبان" (4: 7) "يداى تقطران مرًا" (5: 5). ومجموعة كبيرة من مركبات الطيب في (نش 4: 14): "ناردين وكركم، قصب الذريرة وقرفة، مع كل عود اللبان. مر وعود، مع كل أنفس الأطياب" (4: 14). فى العهد القديم: هذا الطيب يذكرنا بالدهن الذي للمسحة المقدسة في العهد القديم. هذه المسحة التي كان يتم بها مسح الملوك والكهنة والانبياء في العهد القديم، فيحل عليهم الروح القدس وبمواهبه. كما كان يمسح بها بيت الله ومذابحه وكل أوانيه، فتصير مقدسة للرب.. حقا إننا ننظر إلى هذا الدهن المقدس وفاعليته، ونقول لكنيسة العهد القديم "رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب". عن هذا الدهن قال الرب لموسى النبى "و أنت تأخذ لك أفخر الأطياب: مرًا قاطرًا.. و قرفة عطرة.. وقصب الذريرة.. وسليخة.. و زيت الزيتون. و تصنعه دهنًا مقدسًا للمسحة. عطر عطارة، صنعة العطار. دهنًا مقدسًا للمسحة يكون. و تمسح به خيمة الاجتماع، و تابوت الشهادة، و المائدة وكل اَنيتها، والمنارة وكل اَنيتها، و مذبح البخور، و مذبح المحرقة وكل اَنيته، والمرحضة وقاعدتها". "و تقدسها فتكون قدس أقداس. كل ما مسها يكون مقدسًا". "و تمسح هرون وبنيه، و تقدسهم ليكهنوا لى. وتكلم بنى إسرائيل قائلاَ: يكون هذا لي دهنًا مقدسًا للمسحة في أجيالكم" (خر 30: 22 – 31) "مقدس هو، و يكون مقدسًا عندكم" (خر30: 32). حقًا، ما أعجب أدهانك أيتها الكنيسة، التي هى قدس أقداس، و كل ما مسها سيكون مقدسًا! إنها "أطيب من كل الأطياب " وفعل موسى حسب كل ما أمره الرب، هكذا فعل" (خر 40: 16). "اخذ موسى دهن المسحة، و مسح المسكن وكل ما فيه وقدَسه. و نضح منه على المذبح سبع مرات، ومسح المذبح وجميع آنيته.. " " وصب من دهن المسحة على رأس هارون ومسحه لتقديسه.." (لا 8: 10 – 12). إنه دهن، طيب عطر، مقدس، كان الروح القدس يعمل من خلاله، للتقديس.. ونسمع بعد ذلك أن صموئيل النبى "أخذ قنينة الدهن، و صب على رأس شاول ومسحه" (1 صم10: 1). فكانت النتيجة"أن الله أعطاه قلبًا آخر " "و حل عليه روح الله فتنبأ"حتى قال الشعب "أشاول أيضًا بين الأنبياء" (1 صم10: 9 – 11). و صار شاول بهذه المسحة ملكًا.. كذلك مسح صموئيل الفتى داود بهذا الدهن المقدس "فحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدًا" (1صم16: 13) حقًا، إن رائحة أطيابك أفخر من كل الأطياب". والدهن المقدس في العهد القديم كاب يمسح به الأنبياء أيضًا، كما مسح إيليا أليشع نبيًا عوضًا عنه (1 مل 19: 16). فى العهد الجديد: *أول طيب نذكره هو إسم الله، وبه ننال المعمودية. يقول سفر النشيد –حسب الترجمة البيروتية-"اسمك دهن مهراق" (نش 1: 3). ولكن أفضل من هذه الترجمة، الترجمة التي نستخدمها في طقسنا القبطى "طيب مسكوب هو أسمك (القدوس)". اسم الله هو طيب عطر، نستخدمه في كل صلواتنا. وبهذا الاسم نتعمد. كما قال الرب لتلاميذه القديسين "و عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19). كما قال القديس بطرس الرسول لليهود فى يوم البندكستى "توبوا، و ليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا.." (أع 2: 38). وهكذا في المعمودية، أخذنا طيب التبرير والميلاد الثانى (تى 3: 5) وغفران الخطايا (أع 2: 38). إن اسم الرب الذي دُعى علينا، نأخذ البنوة له في المعمودية. وبه نبدأ كل عمل، وكل صلاة. وباسمه نبدأ كل يوم من أيام حياتنا. ونذكر قول المرتل في المزمور (مز 63: 4، 5). "باسمك ارفع يدىّ، فتشبع نفسى كما من شحم ودسم". حقًا إن "اسم الرب برج حصين، يركض إليه الصديق ويتمنع" (أم 18: 10). و ما أجمل ما نقوله للرب فى التسبحة "اسمك حلو ومبارك: في أفواه قديسيك". "الطيب المقدس الذي نأخده بعد ذلك، هو دهن الميرون المقدس. ونلاحظ أنه يشتمل على الأطياب التي وردت في مركبات مسحة العهد القديم في (خر 30) وأيضًا ما ورد في أطياب سفر النشيد (نش 4: 14). وبهذا الدهن المقدس ننال التقديس وسكنى الروح القدس فينا. نصبح هيكلًا للروح القدس، والروح القدس يسكن فينا (1 كو 3: 16) (1 كو 6: 19). ويعمل فينا روح الله، و ندخل في شركة الروح القدس. الا يليق بنا، و نحن نرى هذا، أن نقول للكنيسة المقدسة"رائحة أدهانك أفخر من كل الأطياب". ذلك لأن الأب الكاهن، فيما يرشم المعمد بهذا الدهن المقدس (زيت الميرون) يقول هذه الصلوات: مسحة الروح القدس، آمين.. مسحة عربون ملكوت السموات، آمين.. مسحة مقدسة للمسيح إلهنا، وخاتم لا ينحل، آمين. كمال نعمة الروح القدس، ودرع الإيمان والحق آمين. وبهذا الدهن المقدس، يقدس كل أطراف المعمد، ومفاصله وفتحات جسمه. ويبدأ الروح يعمل فيه، بقوته، و مواهبه، وارشاده. حقًا: رائحة أدهانك – أيتها الكنيسة – أفخر من كل الأطياب. " الطيب الرابع الذي نأخده من الكنيسة، هو عمل الكهنوت. وكان عمل الكهنوت.. في العهد القديم – يبدأ بسكب الطيب المقدس على رأس رئيس الكهنة، كما يقول المزمور".. كالطيب الكائن على الرأس، الذي ينزل على اللحية، لحية هرون النازلة على جيب قميصه" (مز 132 [133 ]). لاشك أن الكهنوت هو طيب في الكنيسة، ننال به كل نعم الأسرار المقدسة، وننال به الرعاية والعناية. ننال به مغفرة الخطايا، حسب قول الرب لتلاميذه "من غفرتم خطاياه، غُفرت له" (يو 20: 23) "ما حللتموه على الأرض يكون محلولًا في السماء" (مت 18: 18). وننال بالكهنوت نعمة العماد (مت 28: 19)، "و الميلاد الثانى، وتجديد الروح القدس" (تى 3: 5). والمسحة التي لنا من القدوس (1 يو 2: 20)، والتناول من جسد الرب ودمه (1 كو 11). وبالكهنوت ننال التعليم الصحيح (تى 2: 1)، حيث من فم الكاهن تطلب الشريعة (ملا 2: 7) وهو يفصل كلمة الحق باستقامة (2 تى 2: 15). أيتها الكنيسة المقدسة، هذه هى "رائحة أدهانك الطيبة" (نش 1: 3). بل من الكهنوت أيضًا، نأخذ البركة في ختام كل اجتماع، بل البركة في كل وقت. كما علّم الرب موسى "هكذا تباركون.. قائلين لهم: يباركك الرب ويحرسك. يضىء الرب بوجهه عليك ويرحمك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا" (عد 6: 23 -26). وطيب الكهنوت لا يشمل فقط الأسرار والتعليم والبركة، وإنما يشمل أيضًا العمل الروحى كله. ومنه خدمة المصالحة، كما قال القديس بولس الرسول".. وأعطانا خدمة المصالحة.. إذن نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 18، 20). وفي هذه الخدمة كل ما يتعلق بالرابطة الروحية بين الله والناس. كل ما يتعلق "بتكميل القديسين، وعمل الخدمة، وبنيان جسد المسيح" (أف 4: 11، 12). حقًا يا كنيستنا المقدسة، "رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب". "طيب اّخر تقدمه لنا الكنيسة المقدسة، وهو رائحة المسيح الزكية في حياتنا: وهكذا تكون الكنيسة مصدرًا للطيب، لرائحة الحياة الطيبة، كما يقول الرسول "شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته.. ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان " "لأننا رائحة المسيح الزكية لله" (2 كو 2: 14، 15). "رائحة حياة لحياة" (2 كو 2: 16). رائحة الحياة الطيبة، هى طيب تقدمه الكنيسة إلى العالم. وهى – في قداستها وطهرها – "معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" (نش 3: 6) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). يرى الناس أعمالها الحسنة، فيمجدون الآب الذي في السموات (مت 5: 16). إن أستير الملكة، كانت مثالًا، حينما بدأت حياتها كملكة، بأن وضعوها في العطور والأطياب مدة ستة أشهر (إس 2: 12). ورقم ستة في الكتاب المقدس يرمز إلى كمال العمل. كما خلق الله العالم في ستة أيام، وقام بعمل الفداء في اليوم السادس وفي الساعة السادسة.. وكانت الملكة أيضًا – كما في حياة أستير: توضع أيضًا في زيت المر ستة أشهر. والمر عطر، له رائحته الطيبة وطعمه المر، يرمز إلى طيب الكنيسة في اّلامها. وعن طيب الحياة، قيل عن الكنيسة في قدسية حياتها: " المر والميعة والسليخة من ثيابك" (مز 45). يعطينا هذا مثلًا عن ثوب البر الذي ينبغى أن نلبسه أمام الله، والثياب البيضاء التي نظهر بها هنا، وكان يظهر بها كما في ظهوراتهم في قصة القيامة (يو 20: 12). وكما يخدم الآباء الكهنة في الهيكل بثياب بيض.. ثياب القديسين "غير المدنسة من الجسد" (يه 23) كانت طيبًا أمام الله، وكانت بركة أمام الناس. ونذكر في هذا المجال أنه قيل عن القديس بولس الرسول "كان يؤتى عن جسده بمناديل وماّزر إلى المرضى، فتزول عنهم الأمراض، وتخرج الأرواح الشريرة" (أع 19: 12). إنها معطرة روحيًا أمام الله. وقد أشاد الله بالعطر ورائحته في كتابه المقدس: فقد أمر الرب موسى النبى من جهة البخور الذي يجب إعداده لتقديمه للرب إنه يكون "بخورًا عطرًا صنعة العطار" (خر 30: 25). كما يرمز الطيب إلى الحياة الطيبة. إن الكنيسة بالطيب الذي تظهر به في حياتها الطيبة، تبدو كما قيل في سفر الرؤيا "كعروس مزينة لعريسها" (رؤ 21: 2). ولعل هذا يذكرنا بقول أبينا إسحق أبى الأباء في مباركة ابنه يعقوب: "رائحة ابنى كرائحة حقل باركه الرب" (تك 27: 27). حقًا إن الرب يحب الرائحة العطرة ويريدها: والطيب أيضًا يظهر في التقدمات والذبائح التي تقدمها الكنيسة للرب. وقد قيل عن أبينا نوح بعد رسو الفلك: إنه "أصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضًا بسبب الإنسان.." (تك 8: 20، 21). اّخر طيب في حياتنا هو الطيب الخاص بتكفين الإنسان بعد موته: إن المرأة التي سكبت على السيد زجاجة طيب من ناردين غالى الثمن، ولامها بعض التلاميذ قائلين "لماذا هذا الإتلاف؟! لأنه يمكن أن يُباع هذا الطيب بكثير ويعطى للفقراء " فقال لهم الرب "لماذا تزعجون المرأة. فإنها قد عملت بى عملًا حسنًا.. فإنها إذ سكبت هذا الطيب على جسدى، إنما فعلت ذلك لأجل تكفينى" (مت 26: 8 -12). وحدث هذا فعلًا في تكفين السيد المسيح أن أتى نيقوديموس "و هو حامل مزيج مرّ وعود نحو مئة منّا" فأخذ هو ويوسف الرامى جسد السيد " ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا" (يو 19: 39، 40). كذلك في فجر الأحد جاء إلى القبر النسوة "حاملات الحنوط الذي أعددنه" (لو24: 1). أجساد القديسين الطاهرة التي عاشوا بها على الأرض كانت طيبًا صاعدًا إلى السماء استقبلتها الملائكة قائلين "من هذه الطالعة من البرية، كأعمدة من دخان، معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" (نش 3: 6). أجساد كانت طيبًا يعطر الكنيسة، ولما تنيح أصحابها، صعدت أرواحهم إلى السماء كطيب عطر، و بقينا نضمخ رفاتهم بالطيب. المقصود أن الإنسان كما تكون حياته على الأرض طيبًا، فإن الطيب يفوح من جسده أيضًا عند تكفينه ودفنه. وهكذا نفعل مع رفات القديسين، إذ يضمخ الرفات بالأطياب والحنوط حتى تصبح رائحة رفات القديس عطرة باستمرار.. |
||||
09 - 02 - 2014, 12:31 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
أنا سوداء وجميلة (أ) (نش 1: 5) هذه العبارة تقولها كنيسة الأمم. التي تعتبر سوداء لأنها كانت غريبة عن رعوية شعب الله بلا ناموس, لا أباء ولا أنبياء, بلا وعود من الله, وبلا عهود منه, وبلا معرفة إيمانية به (أف 2: 12). فهي من هذه الناحية سوداء في نظر اليهود ولكنها تخاطبهم قائلة " انا سوداء يا بنات أورشليم" من وجهة نظركم أنتم ولكني جميلة في عيني الرب. النفس البشرية الخاطئة, هي أيضا سوداء. سوداء من جهة ضعفها وسقوطها ولكنها جميلة بدم المسيح الذي يطهرها من كل خطية (1 يو 1: 7) فهي تقول أنا سوداء في حالة الخطية ولكن جميلة في حالة التوبة, سوداء في حاضري وماضي ولكني جميلة في المستقبل, بالرجاء.. آنا سوداء وآنا بعيدة عن الله ولكني أؤمن بقوة الله الذي سينتشلني مما أنا فيه وهو الذي سوف يتوبني فأتوب (أر 31: 18) وأصبح جميلة, لأن الجمال هو طبيعتي التي خلقت بها كصورة الله على شبهة ومثالة (تك 1) باعتباري نفحة خرجت من فم الله, واستقرت في ترابي (تك 2). أنا جميلة – كصورة الله- أما الخطية فهي دخيلة على طبعي. هذه الخطية زحفت إلي من سبب خارجي "لأن الشمس قد لوحتني " ولكني جميلة باعتبار أن نعمة الله لابد ستفتقدني في يوم ما, وسيعمل في روحه القدوس ولن يتركني إلي سوادي. لقد كنت سوداء بخطيتي الجدية المورثة. ثم تجددت في المعمودية. دخلت جرن المعمودية، حيث صُلِبَ إنساني العتيق (رو 6: 6) "ليبطل جسد الخطية". وخرجت من جرن المعمودية بيضاء وجميلة. ثم اسودَّت بشرتي، لأن الشمس قد لوَّحتني. ولكني واثقة أنني سأدخل جرن التوبة، حيث يغسلني الرب فأبيض أكثر من الثلج (مز 50) وأصبح جميلة. الله الحنون سوف ينضح عليَّ بزوفاه فأطهر. سيخلق فيَّ قلبًا نقيًا. وأيضًا سوف يجدد روحًا مستقيمًا في أحشائي (مز 50). وبنعمته سوف يردني إلى رتبتي الأولى، الجميلة. أنا سوداء لأني في مرحلة من التخلي " طلبتة فما وجدته " ولكني واثقة بالرجاء أني لابد سأجدة ولو بعد حين. وحينئذ سيلقي على بره, فأصبح جميلة مرة أخرى. أنا سوداء يا بنات أورشليم البيض الجميلات.. ولكني أحذركن: لا تشمتن بي، ولا تهزأن بسوادي كأنه عار. فالرسول يمنعكن إذ يقول " أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم. وأذكروا المذلين كأنكم انتم أيضآ في الجسد" (عب 13: 3). كما يقول من هو قائم، فلينظر لئلا يسقط (رو 11)، كلكم معرضون أن تلوحكم الشمس مثلي. لقد كانت لي أخت سوداء وصارت جميلة. أنها الارض! قيل في اليوم الاول إن الارض " كانت خربة وخاوية، وعلى وجه الغمر ظلمة" (تك 1: 2) تلك الظلمة تعني أنها سوداء.. " ثم قال الله: ليكن نور, فكان نور". وصارت الأرض الخربة جميلة، وأمتلأت بالثمار والأزهار " ورأى الله ان ذلك حسن". وأنا أيضآ أنتظر اليوم الذي يقول فيه الرب: ليكن نور. فيكون نور. ويرى الله النور إنه حسن. وأصير جميلة. إنني أعيش برجاء ذالك اليوم لست أعيش في ظلمتي الحاضرة, وألا خنقني اليأس!.. إنني بالرجاء انتظر النور الأتى. انتظر أن يغسلني الرب, فابيض أكثر من الثلج. أن عبارة "أبيض أكثر من الثلج" عبارة معزية مملوءة بالرجاء. سأعيش فيها. إن كنيسة الأمم عندما قالت أنا سوداء وجميلة, كانت في عمق الإيمان بالخلاص الأتى. كانت مؤمنة بمجيء من يحمل خطايا العالم كله. وعندما قالت أنا جميلة ذكرتني بقول المرتل في المزمور: " أرحمني فأني بار" (مز 86)، وفي قوله هذا، لم يتكلم عن برة الذاتي، إنما عن البر الأتي بالدم المسفوك، الذي سيطهره فيبيض أكثر من الثلج "متبررآ مجانا بالنعمة" (رو 3: 24) وبنفس الوضع تقول عذراء النشيد عن نفيها إنها جميلة فالرسول يقول " لان جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح (غل 3: 27) أي لبستم البر الذي له. لي أخت أخرى كانت سوداء وجميلة. هل تعرفنها يا بنات أورشليم؟ إنها أورشليم نفسها كما وصفها سفر حزقيال. قال لها الرب وهي مطروحة بنجاستها على الارض " مررت بك ووجدتك مدوسة بدمك. فقلت لك بدمك عيشي ز (حز16). هكذا كانت حياتها وهي سوداء.. ثم يقول لها الرب بعد ذلك " فمررت بك ورأيتك وإذ زمنك زمن الحب. فبسطت ذيلي عليك وسطرت عورتك ودخلت معك في عهد, فصرت لي. فحممتك بماء. (أي المعمودية) وغسلت عنك دمائك (بمغفرة خطاياك), ومسحتك بزيت, (أي بزيت الميرون في المسحة المقدسة) وألبستك مطرزة. وكسوتك بزا أي حرير (بسر التوبة) وحليتك بالحلي (بالفضائل) فتحليت, وجملت جدا فخرج لك أسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلتة عليك" (حز 16). هذه قصة السوداء التي صارت جميلة، إذ افتقدها الرب. وكان ذلك في " زمن الحب " أي الزمن الذي رآه الرب مناسبا لإظهار حبة، وما أدق عبارة " جمالك كان كاملآ ببهائي الذي جعلتة عليك" إنه جمال من الله وليس جمال من تلك النفس، إنه بر المسيح وليس برها الذاتي. إنه منحة الله للنفس، وليس عمل الذراع البشري. نفوس كثيرة كانت سوداء وصارت جميلة. مثل نفوس التائبين جميعا, مثل موسى الأسود, وأغسطينوس، وبيلاجية، ومريم القبطية، وأريانوس والي أنصنا، واللص اليمين.. ولكن هذه النفوس لا تقول " أنا سوداء وصرت جميلة " وإنما تقول أنا سوداء وجميلة " لانها تعيش بالرجاء. فترى المستقبل كأنه قائم أمامها, إنها نفس واثقة, إنها غالية عند الرب, مهما سقطت! هناك نفوس اخرى ترونها أنتم سوداء ويراها الرب جميلة! مثال ذلك شاو ل الطرسوسي المضطهد للكنيسة. كم كان أشد سواد هذه النفس في نظر المؤمنين, حينما كان يهجم ويقتاد رجالا ونساء إلي السجن. أما الرب فنظر إلي نفس شاول السوداء, بل التي كانت جميلة في غيرتها وإن كانت غيرة ليست حسب المعرفة وقال له " صعب عليك أن ترفس مناخس" (أع 9).. إنني أغسلك وأنت ترفض الصابون والماء والليف! ومع ذلك سأظل أغسلك إلي أن تبيض أكثر من الثلج فيما تغسل خطاياك (أع 22: 16) وبعد ان تبيض سأريك كم ينبغي أن تتألم من أجلي, سيرجمونك, وسيضربونك بالسياط, ويسيل الدم على نفسك البيضاء.. وأغني لك أنشودتي " حبيبي أبيض وأحمر". أنا نفسي سوداء قد أكون مائتة مثل الابن الضال حسبما قيل عنة " ابني هذا كان ميتا فعاش" (لو 15: 24). وقد يقال عني " قد أنتن" مثل لعازر (يو 11: 39). أنا واثقة من إني سأخرج من القبر, وسأرجع إلي بيت عنيا. وهناك سيزورني الرب ومعي مريم ومرثا.. أنا نفسي ساقطة, ولكنني لست ضائعة.. سيمسك واحد من السارافيم جمرة من على المذبح, ويمسح بها شفتي, قائلآ: قد طهرت. قد كفر عن خطيئتك. لن تموت.. وسيأتي الرب بلقان, وسيأتي بمئزر ويغسل قدمي, لكي أصير طاهرا كلي، كباقي التلاميذ، وكباقي النفوس التي هي مثلي سوداء. ويقول " ها أنتم الآن طاهرون" (يو 13: 10). أنا سوداء وجميلة, والخطية تلطخني من الخارج فقط أما قلبي فهو في داخلي يحب الله! مثل بطرس الذي أنكر سيدة ثلاث مرات, وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل (مت 26: 72) ومع ذلك قال للرب بعد القيامة: أنت يا رب تعرف كل شيء. أنت تعلم أني أحبك (يو 21: 17). الخطية غريبة عني, وأنا غريب عنها, أنها سقطة ضعف وليست خيانة! إرادتي في الخارج سوداء, أما نفسي من الداخل فهي بيضاء, كل ما كان مني من إنكار هو نفسي الخارجية الضعيفة السوداء, أما الحب الذي في قلبي، فهو نفسي الحقيقية الجميلة , نفسي الخارجية يلطمها الشيطان فتسود، أما قلبي من الداخل فجميل، وهذا السواد الخارجي سوف أخلعة حتمآ, سأخلعة الآن. وسأخلعة عندما ألبس جسدآ نورانيآ روحانيآ لا يخطئ (1كو15: 44, 49) جسمآ لا يتصل بالمادة بعد. أنا سوداء وجميلة كخيام قيدار، كشقق سليمان. وكأنة قيل عني, كنت خلال ذلك أكافح، نفسي وأجاهد, حتى كأنني اثنان في واحد, هذا يدفعني, وذلك يمنعني. هذه النفوس المجاهدة التي تحارب حروب الرب. فتسقط حينا، وتقوم حينا أخر، وقد يجرحها الشيطان وقد يشوة بعض أعضائها، هي على الرغم من سقوطها، سوداء وجميلة، مهما جرحت في الحرب، هي جميلة، لأنها لا تلقي سلاحها، ولم تستسلم نهائيا للعدو. ولم تفقد إخلاصها الداخلي للرب، مهما جرحت. كلما عاش الإنسان في حياة الإتضاع، يجد نفسة سوداء وفي نفس الوقت جميلة! مثل نفس العشار الذي لم يجرؤ أن ينظر إلي فوق.. وإنما بانكسار قلب وبخجل, قال: ارحمني يا رب فأني خاطئ (لو 18: 13) حقا إنها نفس سوداء وجميلة, ما أعظم وأعمق هذه المقابلة: العشار نفسة سوداء وجميلة, والفريسي لم يكن جميلا وهو أبيض. نفس أخرى كانت سوداء وجميلة, هي نفس اللص اليمين على الصليب, كان لصا ومازلنا نسمية باللص, وهي كلمة ترمز لسوادة، وكلمة اليمين ترمز لبرة في المسيح. راحاب الزانية – كذلك اللص- كانت سوداء وجميلة. كانت امرأة مشهورة إنها خاطئة، ولكن الحبل القرمزي كان يقول إنها أكثر جمالآ من كل سكان أريحا (يش 6). كل نفس سوداء وجميلة تناديكم: لا تحكموا حسب الظاهر. إن الظاهر لا يقدم الحقيقة مطلقا. لما رأى صموئيل النبي الابن البكر ليسى قال "هوذا أمام الرب مسيحة "، بينما قال الرب " أنا قد رفضتة" وقال لصموئيل: "لا تحكم حسب الظاهر "، بينما اختار الرب داود الذي كان يقول " صغيرا كنت في بيت أبي، ومحتقرا عند بني أمي". هذا الصغير الذي صار مسيحآ للرب وحل علية روح الرب (1 صم: 16). عبارة " أنا سوداء وجميلة " يمكن أن يقولها كل ضعيف إختاره الرب. فالرب قد أختار تلك النفوس السوداء الجميلة " أختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء, وأختار الله ضعفاء العالم ليخزي الحكماء, وأختار أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود.. (1كو1: 27, 28) أختار مجموعة من الصيادين ليكونوا رسلة، وأختار موسى الأغلف الشفتين ليكون كليمة، وأختار أرميا الصغير ليكون نبيا للشعوب.. واختار العشار متى بين لأثنى عشر، وتوما الشكاك أيضآ بينهم. إنها نفوس كانت تبدو للكثيرين سوداء في ضعف مكانتها، ولكنها كانت في نظر الله جميلة. نعم إنه الله الذي قيل عنة: الساكن في الأعالي، والناظر إلي المتواضعات. المقيم المسكين من التراب والرافع البائس من المزبلة, لكي يجلس مع رؤساء شعبة. الذي يجعل العاقر ساكنة في بيت, أم أولاد فرحة (مز 113). نعم هذه النفس الخارجة من التراب ومن المزبلة تصلي إليه قائلة في شكر: أنا سوداء وجميلة. أنا ضعيفة أعمل بقوة الله،وجاهلة أتكلم بحكمة الله أنا المزدري وغير الموجود, ولكن الله منحني وجودا.. في إحدى المرات اختار الله حفنة تراب مدوسة في الأرض, ونفخ فيها نسمة حياة، فصارت نفسا حية (تك 2)، وجعلها الله على صورتة ومثالة وإذ صارت كذلك، انطبقت عليها عبارة: " أنا سوداء وجميلة" ألست ترى معي أيها القارئ العزيز أن هذا الموضوع لة بقية طويلة؟ نعم أنة لكذلك.. |
||||
10 - 02 - 2014, 02:49 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
أنا سوداء وجميلة (ب) يمكن ان تستخدم عبارة " انا سوداء وجميلة " للدلالة على الإنسان الذي هو في حالة ضعيفة ومحتقرة أمام البشر. مثل الأباء الرسل الذين كانوا صيادين من جهال العالم، حيث قيل عن بطرس ويوحنا إنهما " إنسانان عديما العلم وعاميان" (أع 4: 12). وكما كانت القديسة العذراء في نظر الناس إنسانة فقيرة خطيبة رجل نجار، ومع ذلك جعلها الله أسمى من الشاروبيم واعلى من السارافيم وقبل رؤساء الملائكة. ويمكن لعبارة " أنا سوداء وجميلة " أن تكون وصفا لغير الإنسان: كقرية بيت لحم التي كانت تعتبر أنها " الصغرى بين رؤساء يهوذا " ولكنها صارت من أعظم المدن إذ " خرج منها مدبر يرعى شعب إسرائيل" (مت 2: 6) هو المسيح الرب. وكذلك يمكن أن يوصف بنفس العبارة " مزود البقر " الذي ولد فيه رب المجد. أماكن سوداء ولكنها جميلة. ومثل مدينة الناصرة التي قيل عنها في تعجب " أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟!" (يو 1: 46). ومع ذلك كل تلك الأماكن مواضع مقدسة: سوداء كما كانت في نظر ذلك الزمان. ولكنها صارت جميلة. مزود البقر الذي تعافه النفس، أتى إليه أباطرة وملوك لكي يتباركوا منه ويسجدوا فيه. وكل حبة تراب من أرضه تغنى قائلة: أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم. عبارة " سوداء وجميلة" تستخدم أيضا في مجال الفضائل والمثاليات. فكثير من الفضائل تبدو للإنسان سوداء، بينما هى جميلة. ومن امثلة ذلك الباب الضيق والطريق الكرب (مت 7: 14) وهكذا الصليب الذي ينبغى أن تحمله كل من يسير وراء الرب (مت 10: 38). وقد تبدو سوداء، الأمور التي يتعب فيها الإنسان نفسه، وتضغط على إرادته: مثل تقديم الخد الأخر لمن يلطمه اللطمة الأولى (مت 5: 39). وكأن يبارك لاعنيه، ويحسن إلى مبغضيه (مت 5: 44). ويقبل الظلم في صمت. كشاه تساق إلى الذبح، ولا يفتح فاه " (أش 53: 7).. كل هذه تبدو أمامه امورا ضاغطة. و لكنها تهمس في أذنيه " انا سوداء وجميلة".. هكذا كل أنواع التعب التي يتحملها الإنسان من أجل الخير: ليس في الروحيات فقط، وإنما حتى في جميع الواجبات كتلميذ يسهر الليل، ولا يخرج لاهيا مع أصحابه. إنما يحبس نفسه في بيته، ويذاكر لكي ينجح. وأيضا رب الأسرة الذي يكدح ليلا ونهارا لأجل الحصول على قوت أسرته. امثله كلها تعب، ولكنها جميلة. الجلجثة عموما تبدو في نظر الناس سوداء، وكذلك الصليب. سواء كان ذلك لأجل الفضيلة، وفي محيط الخدمة. انظروا ماذا يقول القديس بولس الرسول عن خدمته وخدمة معاونيه: مكتئبين في كل شيء، ولكن غير متضايقين. متحيرين ولكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين. مطروحين لكن غير هالكين.. نسلم دائما للموت لأجل يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضا في جسدنا المائت. (2كو 4: 8 – 11). وما عبارات: مكتئبين، متحيرين، مضطهدين، نسلم دائما للموت، إلا عبارات تبدو سوداء، وهى جميلة. كذلك يقول بنفس المعنى عن الخدمة " كمضلين ونحن صادقون. كمجهولين ونحن معروفون. كمائتين وها نحن نحيا.. كحزانى ونحن دائما فرحون. كفقراء ونحن نغنى كثيرين.. (2 كو 6: 8 10). ونحن ننظر إلى عبارات: مضلين، ومجهولين، ومائتين، وحزانى، وفقراء.. فتهمس في أذننا "انا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم". وعبارة " بنات أورشليم " إنما ترمز إلى اولاد الله السائرين في طريقة. الذين ينتمون إلى أورشليم " مدينة الملك العظيم" (مت 5: 35) إن أورشليم ترمز كثيرا إلى الكنيسة المقدسة. والأبرار سوف يسكنون في أورشليم السمائية، النازلة من السماء كعروس مزينة لعريسها (رؤ 21: 2) وبنات أورشليم هى النفوس المنتمية إليها التي تتحدث إليها عذراء النشيد. " أنا سوداء". أنا الباب الضيق الذي يوصل إلى الملكوت. أنا الوصايا الصعبة التي تبدو ضاغطة على " الأنا "، على الذاتية، على الكرامة البشرية، على الإرادة التي يناديها الرسول بقوله "لا تحبوا العالم ولا الاشياء التي في العالم" (1 يو 2: 15)، بينما هى لم تتخلص بعد من محبة العالم.. إننا مدعوون جميعا لأن نمشى في طريق الجلجثة حاملين الصليب. ولا يوجد طريق إلى القيامة سوى الجلجثة. وإن نتألم مع المسيح، فلن نتمجد معه (رو 8: 17). ألام الزمان الحاضر قد تبدو سوداء، ولكنها لأنها تؤدى إلى المجد العتيد الذي سيستعلن فينا (رو 8: 18). وجميع صلبان الحياة الروحية تصيح قائلة: أنا سوادء وجميلة. هذه الصلبان (السوداء!) خاف من سوادها بطرس الرسول، فقال للرب "حاشاك يا رب أن يكون لك هذا" (مت 16: 21، 22). وظن بطرس أن الجمال يكون على جبل التجلى فقال للرب " يا سيدى، جيد أن نكون ههنا" (مر 9: 5).. كلا، أيها الرسول العظيم. إن المسامير والجلدات والأشواك، كلها سوداء، ولكنها جميلة، لأنها عن الحب، وفيها البذل والفداء. أيضا فضيلة الزهد والموت عن العالم، هى سوداء وجميلة. قد يبدو صعبا ومتعبا، أن يحرم الإنسان نفسه من كل ملاذ العالم، حتى الحلال منها ويحيا في الوحدة، والصوم، وفي العوز والفقر، متجردا من كل الرغبات والشهوات.. ولكنها حياة جميلة. صدقونى، إن الحياة الروحية كلها، يمكن أن تندمج تحت هذه العبارة: " سوداء وجميلة". إنها تذكرنا بقول الرب: " من وجد حياتة، يضيعها. ومن أضاع حياته من اجلى، يجدها" (مت 10: 39). من ذا الذي يقبل أن يضيع نفسه؟! في نظره هذه العبارة سوداء. ولكنها جميلة، لأنها الطريق الوحيد الموصل إلى الله. ولهذا ذكرها الله كبداية للسير وراءه، فقال " إن أراد أحد أن يأتى ورائى، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه ويتبعنى" (مت 16: 24).. نعم، لابد أن تختفى ذاته، لكي يظهر الله في حياته.. تموت ذاته، لكي يحيا الله فيه.. إن الحياة مع الله تبدأ بالموت. فتموت لكي نحيا. ندفن معه في المعمودية، لكي نقوم في جدة الحياة. يموت إنساننا العتيق، لكي يولد إنسان جديد على صورة الله (رو 6: 3 – 8). وهكذا يصرخ الطفل حينما نغطسه في الماء، ولكننا نلبسه بعد ذلك ملابس بيضاء، رمزا للحياة الطاهرة الجديدة التي يحياها. ونهنئ اهله على أن ابنهم قد مات مع المسيح. ماتت طبيعته القديمة. وكل شيء صار جديدا. التجارب والضيقات هى أيضا في المفهوم الروحى سوداء وجميلة. أنظروا إلى تجربة أيوب كمثال. كانت تبدو سوداء للغاية، إذا قد تم تجريده من كل شئ: من الأولاد والمال وكل غناه، ومن صحته ومن راحته. حتى من أصحابه الذين عيروه ظلما. حتى من كرمته أيضا، إذ يقول أيوب " أقاربى قد خذلونى، والذين عرفونى نسونى. نزلاء بيتى وإمائى يحسبوننى أجنبيا. صرت في أعينهم غريبا. عبدى دعوت فلم يجب. بفمى تضرعت إليه. نكهتى مكروهة عند إمرأتى، وخممت عند أبناء أحشائى.. كرهنى كل رجالى، والذين أحببتهم انقلبوا على (أى 19) وبقدر ما كانت تجربة أيوب سوداء، إلا أنها كانت جميلة إذ قال فيها لله: بسمع الأذن سمعت عنك. والأن رأتك عينى (أى 42: 5). دخل في التجربة السوداء. فخرج أبيض أكثر من الثلج. خرج منها بخيرات مضاعفة (أى 32: 10، 12). وبخبرات روحية عميقة (أى 40: 4) (أى 40: 4) (أى 42: 2 6). كما كانت تجربة جميلة، كقدوة للأخرين ومثال (بع 5: 10، 11). إننا نصلى إلى الله قائلين " لا تدخلنا في تجربة" (مت 6: 13). ولكن جمال التجارب التي نخافها، يظهر في قول يعقوب الرسول: " أحسبوه كل فرح يا أخوتى، حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2). خذوا تجربة ثانيه هى تجربة أبينا إبراهيم: كم كانت شديدة وحساسة جدا، إذ قال له الرب " خذ أبنك، وحيدك، الذي تحبه نفسك، إسحق.. وأصعده لي محرقة على أحد الجبال الذي أريك إياه" (تك 22: 2). أمر صعب، ويبدو فوق الاحتمال. واخبار تبدو سوداء. حتى أن إبراهيم لم يستطيع أن يقولها لزوجته سارة، خوفا من ان تسقط ميتة عند سماعها.. ! ومع ذلك كانت هذه التجربة جميلة، في أنها أثبتت إيمان إبراهيم وطاعته، وجعلته مثلا في الطاعة. كما كان من نتيجتها قول الرب له " من أجل أنك فعلت هذا الأمر، ولم تمسك إبنك وجيدك عنى، اباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء، وكالرمل الذي على شاطئ البحر.." (تك 22: 16، 17) مع ان تجربة إبراهيم في ذبح ابنه كانت تبدو سوداء، إلا أنها كانت جميلة، كمثال للفداء، وللطاعة، وللإيمان. صورة رائعة.. بالفهم البشرى كل تجربة تبدو سوداء. ومن الناحية الأخرى لابد أن وراءها خيرا. أول معرفة ابرام بالله، كانت تبدو تجربة، حيث قال له " اذهب من أرضك ومن عشيرتك وبيت أبيك، إلى الأرض التي أريك" (تك 12: 1).. حرمان من الاهل ومن الأقارب والوطن. ومع ذلك كانت التجربة جميلة، إذ قال له الرب فيها: " فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم أسمك، وتكون بركة.. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تك 12: 2، 3). إن سواد التجربة يكمن في الفهم البشرى الخاطئ لها. أما جمالها فهو في القصد الإلهى منها، والفهم الروحى لها. الطاعة أيضًا قد تبدو سوداء أحيانًا، عندما تضغط على الإرادة. صعب أن يتخلى الإنسان عن مشيئته ورغبته، وربما عن فكره الخاص ن وينفذ مشيئة غيره.. كالطفل الذي يحرمه أبوه من ألعابه وأصحابه، ليجلس إلى دروسه.. ولكن الطاعة جميلة، لأن فيها الخير. وبها تتدرب نفوسنا وتكبر. وما أخطر ان يسلك الإنسان حسب هواه، كما يفعل الأبن الضال! وكما يفعل الوجوديون الملحدون الذين يطيعون هواهم ليتمتعوا بوجودهم!! أيضا من الأشياء التي تبدو سوداء وجميلة: التوبيخ والتأديب: صعب على الإنسان المهتم بكرامته، ان يسمع كلمة توبيخ وكلمة انتهار، وأن توقع عليه عقوبة.. ! بينما نرى النفس التي تسعى إلى خلاصها، ترحب بكلمة التوبيخ وتفرح بها، لأنها تكشف لها أخطاءها، لكي تعالجها فتخلص.. إن التأديبات جميلة " لآن الذي يحبه الرب يؤدبه" (عب 12: 6) ولكنها سوداء في نظر الذين لا يحتملونها. إذ تخدش "الذات" التي يحرصون عليها، وتحرم من المديح الذي يحبونه! عندما قال الرب لبطرس " اذهب عنى يا شيطان. انت معثرة لى، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس" (مت 16: 23).. لم يغضب بطرس، بل سمع عبارة التوبيخ في محبة، لخلاص نفسه. إن الله يعلمنا الحياة: بكلمات الحب حينا، وبكلمات التوبيخ حينا أخر. بالبشارة المفرحة حينا، وبالصليب حينا أخر.. بالخيرات التي تنسكب من السماء حتى نقول كفانا كفانا، وأيضا بالتجارب والضيقات.. أيضا فضيلة التعب من أجل الرب، هى كذلك سوداء وجميلة.. سواء التعب في السهر والصوم والنسك والمطانيات وضبط النفس.. ما أسهل أن يستريح الإنسان، ويسترخى تحت فراشه الدافئ.. ولكن الجميل هو أن يقوم ويصلى صلاة نصف الليل، فيجد التعزيات الجميلة. كذلك الذين يمارسون المطانيات لا يشعرون فيها بتعب إنما بلذة روحية. و الصوم أيضا ليس حرمانا للجسد بل هو نشوة للروح. كما أنه مفيد للجسد من نواح متعددة.. نفس الكلام نقوله عن العشوروالبكور، والعطاء عن احتياج. ما أصعب ممارسة البعض لهذه الوصية، مع شعورهم باحتياجهم لكل قرش يدفعونه! ولكن ما أجملها في البركة وفي البذل، وفي المحبة التي نظهرها نحو الفقراء، وفي إطاعة الوصية.. إن الفضيلة قد تكون صهبة وسوداء بالنسبة إلى المبتدئين، الذين يشتهى فيهم الجسد ضد الروح. أما عند القديسين فهى جميلة ومحبوبة. إن الكاملين الذين ذاقوا حلاوة الحياة الروحية ولذة العشرة مع الله، لا يرون الفضيلة سوداء مهما بدت صعبة! بل هى في نظرهم جميلة يشتهونها بكل قلوبهم. وهكذا يقول القديس يوحنا الحبيب " ووصاياه ليست ثقيلة" (1 يو 4: 3). ويتغنى داود كثيرا بوصية الرب فيقول إنها "مضيئة تنير العينين" (مز 19). وإنها أحلى من العسل في فمه، وأغلى من الجوهر (مز 119). إن النفس التي تعبت من أجل الرب وعاشت في العالم كسوداء، " لا صورة لها ولا جمال" (أش 53: 2) في مذلة الأتضاع والأحتمال، لا متعة لها بالعالم وكل ما فيه، ولا غنى فيه وجاه، " خسرت كل الأشياء وهى تحسبها نفاية لكي تربح المسيح" (فى 3: 8)، وأضاعت نفسها لكى تجدها. هذه النفس عندما تصعد إلى فوق، ستقول لنفوس الأبرار في الفردوس " أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم" |
||||
10 - 02 - 2014, 02:52 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
أنا سوداء وجميلة (ج) "أنا سوداء يا بنات أورشليم، كخيام قيدار، كشقق سليمان. لا تنظرن إلىّ لكوني سوداء، لأن الشمس قد لوحتني" (نش 1: 5، 6). "أنا سوداء" عبارة جميلة، تقولها النفس المتواضعة المعترفة بأخطائها. لا تجد حرجًا من ذكر نقائصها. كلما تعترف هذه النفس بشئ من سوادها، يمحوه الله بدمه، ولا يعود يحسبه عليها. يغسلها الرب، فيبيضّ أكثر من الثلج.. "أنا سوداء". تقول ذلك أمام الله والناس، وأمام ذاتها. أمام الله: حينما تقول "إليك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت" (مز 51). وأما الناس: إذ لا تتفاخر ولا تتباهى. وأمام ذاتها: إذ هى نفس منسحقة في الداخل، ليست بارة في عيني نفسها.. فالنفس البارة في عيني نفسها، لا يمكن أن تقول "أنا سوداء"! أمنا حواء لم تستطع أن تقول هذه العبارة، ولا أبونا آدم إستطاع. أنا سوداء بإرادتي وحريتي، وجميلة بمحبة الله التي تطهرني. أنا سوداء، لأن الشمس قد لوحتني. الشمس هى شمس البر، أي الله تبارك إسمه. وكلما تقترب النفس من الله الكلي القداسة الكلي البر، تشعر بأخطائها، وترى أنها لا شيء.. حتى إن كان لها برّ، فهو إلى جوار كمال الله يبدو كخرقة الطامث (حز 36: 17). فتصرخ هذه النفس قائلة: "أنا سوداء.. لأن الشمس قد لوحتني". بهاء الله أشعرني بسوادي.. حقًا إنه أمام الله، يتضائل الكل "السموات ليست طاهرة أمامه وإلى ملائكته ينسب حماقة" (أى 4: 18).. فكم بالأكثر نحن الأذلاء!! إننا إن تأملنا برّ القديسين والرسل والملائكة، نجد أننا لسنا شيئًا. فكم بالأولى إن تأملنا كمال الله وقداسته.. هذا الكمال الإلهي غير المحدود، قد لوّحني، فأصبحت أرى نفسي في الموازين إلى فوق (مز 62: 9).. ولكني على الرغم من هذا جميلة. لأن الرب سوف يلبسني ثوبًا أبيض، ويهبني إكليل البر، ويمنحني التجلي الذي أعطاه لتلاميذه، ويعيد إلىّ الصورة الإلهية التي خلقت بها وفقدتها.. "أنا سوداء وجميلة" عبارة تصوّر حالة القديسين الذين – إمعانًا في الإتضاع – كانوا يتظاهرون بالجهل والتهاون والخبل!! مثل القديسة العظيمة التي كشف سرّها القديس الأنبا دانيال، التي كانوا يدعونها (الهبيلة). وكانت تلقي بذاتها في تراخ وكسل خارج الكنيسة، ولا تحضر الصلاة مع الراهبات، ولا تقوم أمامهن بأي عمل من أعمال العبادة. فإذا نمن كلهن، قامت في ظلام الليل، وإنتصبت أمام الله في صلوات عميقة طول الليل. حتى إذا ما إستيقظت الراهبات تتراجع إلى صورة التراخي، وتتعرض للإحتقار والإهانة. كانت في نظر الناس سوداء، لأنها أخفت برّها عنهم. ولكنها كانت في حقيقتها جميلة، وأجمل من الكل. القديس الأنبا رويس، كان – في أيامه – يبدو أمام الناس رجلًا حافيًا، يسير وراء جمله، بلا لقب ولا وظيفة ولا كهنوت. يزفه الأطفال قائلين: المجنون المجنون!! صورته سوداء، ولكنها جميلة. ويعوزني الوقت، إن سردت قصص القديسين الذين ساروا في هذا الطريق.. كأولئك الذين قالت لهم القديسة سارة: "بالحقيقة إنكم اسقيطيون. لأن ما عندكم من الفضائل تخفونه! وما ليس فيكم من النقائص تنسبونه إلى أنفسكم! صورة تبدو أمام الناس سوداء. وهى في حقيقتها جميلة.. صورة الذين باستمرار يأخذون المتكأ الأخير، محتقرين ومرذولين من الناس. وقد ماتت نفوسهم عن المجد الباطل ومحبة المديح. العشار وهو واقف من بعيد في مذلة الخطاة، لا يجرؤ أن يرفع نظره إلى فوق، كانت نفسه في نظر الفريسي سوداء، وهى جميلة! كذلك الخاطئة التي بللت قدمى المسيح بدموعها (لو 7). كانت في نظر سمعان الفريسي سوداء! وفي نظر المسيح كانت جميلة. إنها النفس المنسحقة التي تدين ذاتها، وهى غارقة في دموعها. التي يقول لها الرب حوّلي عينيك عني، فإنهما غلبتاني. يمكن أن عبارة (سوداء) تطلق على حياة الحرمان والتجرد، التي يحياها النساك وأشباههم من أجل الرب.. إن لعازر المسكين الذي كان يشتهي الفتات الساقط من مائدة الغني، وكانت الكلاب تلحس قروحه (لو16)، قطعًا كانت نفسيته تبدو سوداء في نظر الغني وأهل بيته. ولكنها كانت نفسًا جميلة حملتها الملائكة إلى حضن إبراهيم (لو 15: 22). فإن كان من إحتمل حرمانًا وقع عليه بغير إرادته، قد حسب أهلًا لهذا المجد، فكم بالأكثر من يتجرد بإرادته..! أولئك الذين باعوا أملاكهم لُتعطى للفقراء، وعاشوا في جوع وعطش. وقد خسروا كل الأشياء، وهم يحسبونها نفاية لأجل معرفة المسيح (في 3: 8). ووضعوا أمامهم قول الرسول "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم" (1يو 2: 15).. لاشك أن حياة أولئك وهى خالية من كل مباهج الدنيا، كانت تبدو لغيرهم سوداء! ولكنها كانت حياة روحية جميلة.. هكذا الفتاة التي ترفض الملابس الخليعة، وما يناسب تلك الملابس من زينة، تبدو هذه الفتاة في نظر الأخريات فلاحة ومتأخرة! ولكنها جميلة.. إن النفس البارة التي لا تتشبه بأهل العالم "ولا تشاكل أهل هذا الدهر" (رو12: 2).. تستطيع أن تقول لنظائرها "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم". أنا لا أتمتع بشئ من مباهج الدنيا، ولكنني لا أشعر بحرمان! إنما يشعر بالحرمان، الشخص الذي يشتهي الشئ ولا يناله. أما الذي لا يشتهيه، فهو لا يشعر بحرمان. بل هو سعيد بما فيه. حياته في تجرده جميلة في عينيه.. فضيلة التجرد في نظر الناس سوداء، وكذلك إخلاء الذات. السيد المسيح أخلى ذاته، وأخذ شكل العبد (في 2: 7). وُولد في مزود بقر، وعاش في بيت رجل نجار فقير، ومن أم يتيمة وفقيرة، ومن قرية صغيرة. وُدعى ناصريًا نسبة إلى الناصرة التي كانوا يتعجبون أن يخرج منها شيئًا صالح (يو 1: 46) وهرب في طفولته إلى مصر. ثم عاش لا يجد أين يسند رأسه (مت 8: 20). وكان "رجل أوجاع، ومختبر الحزن" (أش 53: 4). وأخيرًا حكم عليه بالموت، واستهزأوا به وصلبوه كفاعل إثم بين لصين.. صورة تبدو سوداء. وربما في نظر الناس تمثل المهانة والضعف! ولكنها كانت جميلة، تمثل الحب والبذل والفداء واخلاء الذات. المحبة وهى صاعدة على الصليب، تقول للناس: لا تنظروا إلىّ لكون صورتي على الصليب تبدو سوداء في نظركم. لأن الشمس قد لوّحتني. عملية الإخلاء صيرتني سوداء. وكذلك البذل والفداء جعلني "كشاه تساق إلى الذبح، كنعجة صامتة أمام جازيها" (أش 53: 7). إنها صورة سوداء وجميلة. صدقوني إن قصة التجسد والفداء، في هذه العبارة العميقة "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم". هذه الصورة التي حاول البعض أن يتبرأ منها: "ملعون من ُعلق علي خشبة" (غل 3: 13).. صارت أبهى وأجمل صورة في الوجود، يمجدها ويقبّلها الجميع. وتزين الناس والأماكن. ولا ينظرون إليها لكونها سوداء. فإن الشمس قد لوّحتها.. وكيف لوّحتها؟ لقد غيّر السيد المسيح موازين العالم. غير الإيديولوجيات التي يؤمن بها الناس. وجعل هذه السوداء تبدو جميلة. وهكذا كثير من الفضائل تبدو سوداء وهى جميلة. ربما تبدو أمامك صورة سوداء، أن تحوّل الخد الأخر، وتمشي الميل الثاني. وتكون دائمًا مراضيًا لخصمك مادمت في الطريق (مت 5: 25). ولكنها صورة جميلة، تدل على نقاوة القلب من الداخل، وخلوه من الحقد ومن الرغبة في الإنتقام. إن التسامح أكبر وأقوى من الإهانة التي تصدر من أشخاص مغلوبين من أعصابهم! ولذلك فإن الرسول يطلب من الأقوياء أن يحتملوا ضعف الضعفاء (رو 15: 1). قوة الإحتمال تبدو كأنها ضعف، وكأنها سوداء وهى جميلة! مثل مياه النيل المحمله بالطمي، هى أيضًا سوداء وجميلة. كذلك فضيلة الصبر، فضيلة تبدو سوداء وُمرة. ولكن ما أجمل الصبر. يقول الكتاب "من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (مت 24: 13). عبارة (سوداء وجميلة) تنطبق أيضًا على أولئك المظلومين، الذين لا يدافعون عن أنفسهم، ويظهرون كأنهم مذنبون، وهم أبرياء! صورة أمام الناس سوداء، وهى جميلة. وليست فقط جميلة لأنهم أبرياء، بل بالأكثر لأنهم لم يدافعوا عن أنفسهم، ولم يهتموا أن يظهروا أمام الناس أبرياء. مثال ذلك يوسف الصديق الذي كان في نظر الناس عبدًا، وقبل الأمر في صمت وعلى الرغم من إخلاصه الشديد لسيده، أتهمته المرأة ظلمًا، وألقى في السجن كفاجر.. بصورة سوداء، ولكنها في أعماقها أجمل الصور روحيًا. لو دافع يوسف عن نفسه وقت بيعه، لأحرج أخوته الذين كانوا يبيعونه. ولو دافع عن نفسه في تهمة الزنا، لأحرج امرأة فوطيفار. وهكذا فضّل ألا يحرج أحدًا، وليكن هو الضحية وكبش الفداء. صورة جميلة لنفسِ نبيلة، على الرغم مما فيها من العبودية والظلم. عكس الصورة التي تبدو سوداء وجميلة، الصورة التي تبدو جميلة وهى في حقيقتها سوداء. مثل القبور المبيضة من الخارج، وفي الداخل عظام نتنه (مت 23: 27). أما اولاد الله، فلا يهمهم الخارج ماذا يكون "ليكن أسود في نظر الناس، إنما المهم هو القلب من الداخل كما يراه الله الذي قال "يا إبني أعطني قلبك" (أم 23: 26). إنهم يهتمون بالداخل الذي يراه الله، وليس بالخارج الذي يراه الناس. وهكذا يخفون صومهم وصلاتهم وصدقتهم، كما أمر الرب. وأبوهم الذي يرى في الخفاء، هو يجازيهم علانية (مت 6). |
||||
10 - 02 - 2014, 02:54 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
أنا سوداء وجميلة (د) كنيسة الأمم: إنها عبارة تتوجه بها كنيسة الأمم إلى بنات أورشليم، أي إلى كنيسة اليهود الذين يحتقرون الأمم، ولا يعترفون بهم شعبا لله.. يرون أن جماعة الأمم سوداء، لأنها قد حُرمت من أصل الآباء، ومن الناموس والأنبياء، بلا شريعة إلهية، بلا تقاليد، بلا عهد مع الله، وبلا وعود إلهية، بلا تاريخ، بلا نسب إلى أب الآباء إبراهيم. لذلك فإن كنيسة الأمم تقول لهم أنني وإن كنت سوداء، إلا أنني جميلة في المسيح يسوع والانتساب إليه.. إن كنت سوداء، ليس لي إبراهيم أبًا، فأنا جميلة لأن لي أبًا في السماء. وأمي هي المعمودية التي وُلدت فيها من الروح القدس والماء. إن كنت سوداء لم أتعلم في مدرسة الناموس والأنبياء، فأنني جميلة إذ تدربت في مدرسة النعمة. لم أدرك الحرف، لكنني أدركت الروح "جعلنا الله كفاة لأن نكون خدام عهد جديد، لا بالحرف بل بالروح. لأن الحرف يقتل، ولكن الروح يحيي" (2كو 3: 6). أنا لم أدرك الوصايا العشر، لكني أدركت العظة على الجبل وتعليم الإنجيل وسفر الأعمال وكتابات الرسل القديسين. أنا سوداء في نظر بعض البشر، لكنني جميلة كما يراني الرب. سوداء في حكم قسوتكم كبشر. لكنني جميلة بحنان الرب ورحمته. إن الرب قد بسط علي جماله (حز 16: 14). وساواني بكم على غير استحقاق. ماذا أقول للرب الذي أعطاني دينارًا، كالذين جاءوا إليه من أول النهار، أنا الذي أتيت في الساعة الحادية عشرة (مت 20: 9 – 15). "بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطانيه؟! كأس الخلاص آخذ، وباسم الرب أدعو.." (مز 116: 12، 13). أنا سوداء لأنني زيتونة برية.. ولكنني جميلة لأنني طُعمت في الزيتونة الأصلية، فصرت شريكة في أصل الزيتونة ودسمها (رو 11: 17). هي قُطعت من أجل عدم الإيمان وأنا بالإيمان ثبت وأصبح الأصل يحملني. ولن أفتخر على الأصل (رو 11: 18). أنا سوداء بالنسبة إلى حياتي الماضية، ولكنني جميلة وأنا مغسولة بدم الذي أحبنا وغسلنا من خطايانا بدمه (رؤ 1: 5) وهكذا صرت بيضاء كالثلج.. سوداء بطبيعتي الترابية المادية. وجميلة بحلول الروح القدوس في هيكلي (1كو 3: 16). فأناره وقدسه ودشنه. سوداء كخيام قيدار (حفيد إسماعيل) التي لها شعر الماعز الأسود. ولكني جميلة كشقق سليمان، كستائر الهيكل التي من أسمانجوني وقرمز وأرجوان.. من الداخل. "وكل مجد إبنة الملك من داخل" (مز 45). أنا سوداء كالعشار في نظر الفريسي (لو 18: 11). وكالمرأة الخاطئة في نظر فريسي آخر هو سمعان (لو 7: 39). وكالمرأة السامرية في نظر التلاميذ الذين تعجبوا من أن الرب كان يتكلم معها (يو 4: 27). نعم سوداء، كالمولود أعمى الذي شتمه اليهود قائلين له: أنت تلميذ ذاك (أي المسيح).. في الخطايا وُلدت بجملتك" (يو 9: 28، 34). ولكنني جميلة في نظر الرب الذي بررني كل أولئك.. أنا سوداء كالمرأة الكوشية التي أتخذها موسى النبي امرأة له (عد 12: 1). ولكنها صارت باتحادها بهذا النبي، حسب تعليم الرب (1كو 7: 14) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وعلى الرغم من أن مريم وهارون قد تكلما على موسى بسبب تلك الكوشية، إلا أن الرب لم يوافقهما على ذلك، بل وبخهما وامتدح موسى. وقد كانت تلك المرأة الكوشية رمزًا لي، أنا كنيسة الأمم. وكالمرأة الكوشية، كانت ملكة سبأ، كلتاهما سوداء وجميلة. وكل منهما كانت رمزًا. ومع أن ملكة سبأ (ملكية التيمن) كانت سوداء، إلا أنها كانت جميلة. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وقد طوبها الرب وقال أنها ستقوم في يوم الدين مع ذلك الجيل وتدينه (مت 12: 12). كذلك مدينة نينوى كانت رمزًا لي أيضًا: سوداء وجميلة. كانت سوداء في خطيتها، التي بسببها أرسل الله يونان النبي لكي ينادي عليها بالهلاك (يون 1: 1، 2). وكانت أممية أيضًا مثلي. ولكنها كانت جميلة في توبتها وصومها. حتى أن الله لما رأي أن أهلها قد "رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم، فلم يصنعه" (يون 3: 10). بل قال ليونان".. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة؟!" (يون 4: 11). وأكثر من هذا أن الرب قدَمها كمثال يوبخ بها اليهود، فقال لهم: "رجال نينوى سيقومون في يوم الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم من يونان ههنا" (مت 12: 11). أنا سوداء وجميلة، معترفة بحالتي. لست أنكر أصلي ولا شكلي. ولكنني جميلة في حياة الرجاء التي قدمها لنا الرب. لي رجاء في الله الذي قبل إليه الابن الضال، قائلا أنه كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوُجد" (لو 15: 24). ولم يكتفِ بهذا، بل ذبح له العجل المسمَن، وقال كان ينبغي أن نفرح ونُسر" (لو 15: 32). حياة ذلك الابن الضال كانت سوداء في سقطتها، وجميلة في توبتها. بل إن قصة هذا الابن الضال، كانت أيضًا رمزًا لكنيسة الأمم، التي بعدت أولًا عن الرب ثم عادت إليه، وفرح الله بعودتها بينما الابن الأكبر كان يرمز إلى كنيسة اليهود التي افتخرت بخدمتها له، ولم تفرح برجوع الأمم إليه (لو 15: 15 – 30). أنا سوداء، ولكن لي رجاء في الله الحنون الطيب. الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا (حز 18: 23). الله "الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا بحسب آثامنا. وإنما مثل ارتفاع السموات على الأرض، قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا.. لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 10 – 14). أنا سوداء في اعترافي بخطاياي. وجميلة بما آخذه من غفران وحل. كذبيحة الخطية تُحرق خارج المحلة لأنها حاملة خطايا (عب 13: 11). ومع ذلك فهي جميلة لأنها قدس أقداس للرب (لا 6: 34).. وكذبيحة المحرقة التي تأكلها النار كلها حتى تتحول إلى رماد (لا 6: 10). ولكنها مع ذلك فهي جميلة، لأنها "رائحة سرور للرب" (لا 1: 9، 13، 17). أنا سوداء كفحمة في المجمرة، جميلة كلما أشتعلت بالنار. تتوهج كلما أتقدت النار فيها، ولا نعود نبصر سوادها. وتتحول من فحمة إلى جمرة. وكل من يراها لا يقول عنها إنها فحمة. وإنما يقول: هذه نار، نار طاهرة.. صارت جميلة.. أنا سوداء كسحب الدخان، التي ترتفع من بخور عطر يحترق. سوداء في لونها، ولكنها جميلة في رائحتها الزكية، وفي رموزها، وفي ارتفاعها إلى فوق، كصلوات القديسين.. كالمر غير المقبول في مذاقه، ولكنه جميل في رائحته الزكية، وفي رمزه لآلام المسيح. أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، هكذا تقول كنيسة الأمم. ولكنها في بعض الأوقات كانت أكثر جمالًا من بنات أورشليم. كان ذلك حينما قبلت الإيمان، في الوقت الذي رفضته فيه أورشليم التي أحبت الظلمة أكثر من النور (يو 3: 19). وهكذا قال الرب لبولس الرسول "اذهب فأني سأرسلك بعيدًا إلى الأمم" (أع 22: 21). بل قبل ذلك حينما قال الرب مطوبًا إيمان قائد المائة: "الحق أقول لكم: لم أجد ولا في أورشليم إيمانًا بمقدار هذا" (مت 8: 10). وأضاف "وأقول لكن إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وأما بنو الملكوت فيطرحون في الظلمة الخارجية.." (مت 8: 11، 12). ومن هم أولئك الذين أتوا من المشارق والمغارب، إلا أبناء تلك السوداء الجميلة. يذكرني هذا بسوداء جميلة أخرى هي المرأة الكنعانية. كانت سوداء لأنها تنتمي إلى شعب قد لُعن من قبل (تك 9: 5). ولكنها كانت جميلة حينما لجأت إلى السيد. وكانت جميلة بالأكثر حينما قالت له في انسحاق قلب "وأيضًا الكلاب تأكل من الفتات الساقط من مائدة أسيادها". وقد طوَب الرب جمال نفسيتها قائلًا لها "عظيم هو إيمانك" (مت 15: 27، 28). أخيرا فإن هذه السوداء الجميلة في سفر النشيد، تقول: أنا سوداء، ولكني لن أبقى سوداء إلى الأبد. أنا سوداء في هذا الجسد المادي، ولكنني سأصير جميلة في الجسد النوراني الروحاني الذي سآخذه عندما يلبس الفاسد عدم فساد، ويلبس المائت عدم موت، فيقوم في مجد وفي قوة (1كو 15: 43 – 24). سأصير جميلة، وأنا آكل من شجرة الحياة، وأطعم المن المخفي (رؤ 2: 7، 16) ويعطيني الرب اسمًا جديدًا، ويلبسني ثيابًا بيضاء (رؤ 2: 16) (رؤ 3: 5). |
||||
10 - 02 - 2014, 02:55 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
أختي العروس جنة مغلقة (نش 4: 12) أختي العروس: إنه تواضع من الرب أن يقول عن النفس البشرية " أختي " بينما ترد النفس قائلة " هوذا أنا أمة الرب" (لو 1: 28) أي عبدته وخادمته. لقد دعانا الرب أخوته حينما " أخلي ذاته، وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان" (في 2: 7). "لذلك لا يستحي أن يدعوهم أخوة " "إذ قد تشارك معهم في اللحم والدم" (عب 2: 11, 14), عندما تجسد وتأنس. و النفس البشرية هي أيضا عروس للرب، وكذلك الكنيسة. كما شرح الرسول في الإصحاح الخامس من الرسالة إلي أفسس. وهناك أتحاد روحي، وليس اتحادا جسديا كما في الزواج. وفي هذا يقول الرسول "وأما من التصق بالرب، فهو روح واحد" (1كو 6: 17). أما كيف يصير هكذا مع الله. فهذا ما قال عنه الكتاب " هذا السر عظيم" (أف 5: 32). وفي روحانية هذا الارتباط يقول الكتاب "أختي العروس". يقول "أختي العروس جنة مغلقة, ينبوع مختوم" (نش 4: 12). فهي جنة, من حيث فيها كل ثمار الروح (غل 5: 22, 23). وفيها "كل شجرة تعطي ثمرا جيدا" (مت 3: 10). وتقدم "ثلاثين وستين ومائة" (مت 13: 23). في عمل الرب. ولكنها جنة مغلقة. لم تفتح بابها لكل طارق، وليست سائبة بلا سور.. ولذلك قال لها المرنم في المزمور " سبحي الرب يا أورشليم.. لأنه قوي مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك" (مز 147: 13, 14). إنها جنة مغلقة لم يدخلها حيوان ردئ. لم يدنسها بأقدامه, ولم يطأ زهورها الجميلة, ولم يعبث بأثمارها الحلوة. إنها جنة. فردوس من الفضائل. ولكنها مغلقة, محصنة. والله في داخلها, ولم تفتح أبوابها لعدو خارجي. و هي أيضا عين مقفلة, وينبوع مختوم. هي عين ماء، ينبوع من المياه. فيها الماء الحي الذي قال الرب عنه "من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه، يصير فيه ينبوع حياة ينبع إلي حياة أبدية" (يو4: 14). إنها عين ماء , من النوع الذي قال عنه الرب: من أمن بي –كما قال الكتاب- تجري في بطنه أنهار ماء حي". قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو 7: 38, 39). الكنيسة إذن ينبوع ماء حي, وهكذا النفس البشرية. كما قال المزمور "سواقي الله مملوءة ماء" (مز65: 9). والماء رمز للحياة. إذن هي مرتوية, وتستطيع أن تروي. ولكنها ينبوع مختوم وعين مقفلة. ليست مفتوحة للتلوث ولا للحشرات. لكنها ينبوع نقي مختوم. هي عين ماء حلو، ولكنها عين مقفلة. غير أنها ليست مقفولة علي أحد, بل تنفتح حين تعطي الحياة. و مفتاحها في يد الرب " الذي يفتح ولا أحد يغلق, ويغلق ولا أحد يفتح" (رؤ 3: 7). كما يقول "افتح يا رب شفتي, لينطق فمي بتسبحتك" (مز 51: 15). ولكنها حينما يحسن الصمت تراها ينبوعا مختوما. تفتح فمها بحكمة, وتفتح حواسها بحكمة. وفي غير لك عي عين مقفلة.. تحترس من خطايا اللسان, فتغلق هذا الفم. بل تقول للرب في توسل.. "ضع يا رب حارسا لفمي, بابا حصينا لشفتي!" (مز 141: 3). وأمام حكمة الله التي فوق الفحص, تقول هذه النفس "وضعت يدي علي فمي وسكت, لأنك أنت فعلت".. أختي العروس ينبوع مختوم, لكنه ينفتح للفائدة الروحية. ينفتح فيروي الغير بالمعرفة, وبكلمة منفعة وكلمة تعزية وكلمة نصح. وينفتح أمام الله بالصلاة والتسبيح. أقول هذا عن اللسان وعن القلب أيضا الذي ينفتح بالحب والعطف والإشفاق لكل الناس. وينفتح بالدعاء للناس وبالصلاة لله أما أمام الأخطاء، فالنفس مغلقة مختومة ومقفلة. يا اخي الحبيب, عندما تنظر إلي نفسك, فتجد أن كل كلمة تسمعها, تدخل إلي قلبك وفكرك بلا ضابط. فتشغلك, وتنفعل بها أحاسيسك وشاعرك, وقد تطيش فيها أفكارك متي أثناء الصلاة.. وهكذا كل نظرة تنظرها، وكل لمسة تلمسها.. أعرف إذن أنك لست جنة مغلقة. بل أنت مدينة غير محصنة. مفتوحة لكل عدو خارجي بلا رقيب! جنتك يمكن أن تدخلها الثعالب المفسدة للكروم! (نش2: 15). وحينئذ لا تكون أنت المقصود بكلمة الرب: أختي العروس جنة مغلقة, عين مقفلة, ينبوع مختوم". أيضا هذه العبارة يمكن أن تقال عن بتولية النفس, التي وهبت ذاتها للرب, وصارت عذراء مخطوبة له. أما إن كانت النفس تغلق أبوابها, فلا تفتح حتى للرب نفسه, تكون خائنة لحبه, وناكرة لجميله, بل إنه لا يتركها لأخطائها, وإنما يقول لها: "إفتحي لي يا أختي, يا حبيبتي, يا حمامتي, يا كاملتي" (نش 5: 2). والواقع إنه في هذه الصفات الأربع التي توصف بها العروس من الرب. تكمن كل أحداث قصة خلاص البشرية كلها: سواء ما عمله الله لأجل خلاصنا, أما ما ينبغي أن نعمله نحن. |
||||
10 - 02 - 2014, 02:57 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
افتحي لي يا أختي، يا حبيبتي، يا حمامتي، يا كاملتي (نش 5: 2) إفتحي لي: إفتحي لي قلبك من الداخل، لأني لا أريد مجرد إيمان شكلي ظاهري, ولا مجرد ممارسات خارجية, وطاعة حرفية. إنما أريد القلب –يقول الرب- وهكذا أمرت كل واحد منكم قائلا " يا ابني اعطني قلبك" (أم 23: 26). وهذا القلب يريد منك الله أن تفتحه بكامل إرادتك, برغبتك ومحبتك, غير مضطر ولا مضغوط عليك. يريدك أنت تريده, وليس غير. وهكذا يقف علي بابك ويقول "أنا واقف علي الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب, أدخل وأتعشي معه, وهو معي" (رؤ 3: 20). St-Takla.org Image: A pigeon صورة في موقع الأنبا تكلا: حمامة أفتحي قلبك لي. فإن انفتح القلب, ستنفتح معه الأفكار والمشاعر, بل سينفتح باب الإرادة أيضا, وينفتح باب الحياة كلها, لتحيا مع الله. إفتحي لي يا أختي: إن كلمة (أختي) ترمز إلي الجسد. لأننا لم نصر أخوة له إلا بتجسده، حينما اتحد بطبيعتنا البشرية. "وهكذا صار بكرا وسط أخوة كثيرين" (رو 8: 29). حتى أنه عندما أرسل مريم المجدلية لتبشير تلاميذه بالقيامة, قال لها "اذهبي وقولي لأخوتي أن يمضوا إلي الجليل, هناك يرونني" (مت 28: 10). إنه يقول للنفس البشرية " إفتحي لي يا أختي" مذكرا إياها أنه في هذه الأخوة قد أخلي ذاته من أجل خلاصها. وصار ابنا للإنسان, لكي يصير الإنسان إبنا لله. وكما صار هو أخا لنا حينما شاركنا في طبيعتنا, يجب علينا أن نشابهه في مشيئته. وهكذا قال "مك يفعل مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي" (مت 12: 50). إذن إن كانت (أختي) تشير إلي التجسد, فإلي أي شيء تشير كلمة (يا حبيبتي)؟ يا حبيبتي: إن قصة الخلاص بدأت بالتجسد, ولكنها كملت في الفداء, حينما "أظهر الله محبته لنا, لأننا ونحن بعد خطاة, مات المسيح لأجلنا" (رو 5: 8). وحينما بذل المسيح حياته ليفدينا بها علي الصليب، تحقق حينئذ قوله: "ليس حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13). فكان الرب علي الصليب ذبيحة حب. وبهذا الحب حمل خطايا البشر بدلا منهم ومحاها بدمه. فكان "مجروحا لأجل معاصينا, مسحوقا لأجل اثامنا. كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلي طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش 53: 5, 6). فعندما يقول الرب للنفس البشرية (يا حبيبتي), إنما يقصد حبه لها, الذي ظهر واضحا في موته عنها. هذه النفس التي كان محكوما عليها بالموت, فافتداها ومات بدلا منها.. وكلمة (يا حبيبتي) تذكرنا بعلاقة الحب التي ينبغي أن تربطنا بالله, الحب المتبادل الذي فيه نحب الله كما أحبنا. كما قال القديس يوحنا الحبيب " في هذا هي المحبة. ليس أننا أحببنا الله, بل أنه هو أحبنا, وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1 يو 4: 10). إذن، إن كانت ثصة الخلاص قد بدأت بالتجسد الذي أشارت إليه كلمة (يا أخوتي). ثم الفداء الذي أشارت إليه عبارة (يا حبيبتي).. فإلي أي شيء تشير عبارة (يا حمامتي)؟ يا حمامتي: الحمامة تذكرنا بعمل الروح القدس، الذي ظهر في يوم عماد المخلص علي هيئة حمامة (مت 4: 16). حينما يقول الرب للكنيسة يا حمامتي, فكأنما يقول لها: أنت التي يعمل الروح القدس فيك, بعد عمادك باستسلام كامل منك فأري الروح الذي فيك, وكأنك حمامة مثل التي رأيتها يوم العماد. و الحمامة هي التي بشرت نوح بالخلاص من الطوفان. وذلك بغصن زيتون في فمها، أتت به من الأرض التي أنقشعت مياه الطوفان عن أشجار. والرب حينما يقول للكنيسة (يا حمامتي) إنما يقول لها: أرى فيكِ بشرى الخلاص للأرض من طوفان العالم. والحمامة تتميز بالبساطة كما قال: كونوا بسطاء كالحمام" (مت 10: 16). وحينما يقول الرب للنفس البشرية (يا حمامتي), فهو يقول لها: أري فيك البساطة التي كانت للإنسان الأول, وهو في صورته الإلهية, قبل أن يدخل في ثنائية الخير والشر. وأنا قد جئت بتجسدي لأعيد إليه الصورة الأولي في بساطتها ونقاوتها كالحمامة (يا حمامتي). هذا النداء هو رسالة لنا لنرجع إلي البساطة الأولي، وأن نخلي ذواتنا ليظهر عمل الروح فينا, ولنتذكر باستمرار قصة الطوفان والحمامة. فماذا إذن تعني عبارة (يا كاملتي). يا كاملتي: هذا الخلاص الذي قام به الله بالتجسد والفداء, ونلناه بالميلاد من الماء والروح (يو 3: 5) (تي 3: 5).. يقول لنا الرسول عنه " تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في 2: 12). وكيف نتممه؟ بالسلوك بالروح, والسعي إلي الكمال، لأنه يقول: "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48). وهذه النفس، وهذه الكنيسة, التي تسعي إلي الكمال بعمل الروح فيها, هي التي يناديها الرب بعبارتي (يا حمامتي) (يا كاملتي). ما دمت بهذه الصفات المفروضة فيك, إذن افتحي لي. هذه هي قصة الخلاص, يتمثل فيها دور الله, واستجابة الإنسان. و بهذا نفهم سفر النشيد في معانيه السامية الرمزية, بعيدا عن الحرفية وعن السطحية, وعن المستوي الجسداني في التفسير. |
||||
10 - 02 - 2014, 02:59 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
شبَّهتك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون، مرهبة كجيش بألوية (نش 6: 10؛ 1: 9) شبهتك يا حبيبتى بفرس في مركبات فرعون مرهبة كجيش بألوية (نش6: 10) (نش1: 9) يشرح سفر النشيد قوة الكنيسة وقوة النفس المؤمنة، في عديد من الآيات، منها الجبابرة الذين حول تخت سليمان (3: 8). وفي تشبيهها بفرس في مركبات فرعون (1: 9) وفي قوله عنها إنها مرهبة كجيش بألوية" (6: 10). وكل هذه العبارات لا تدل أن الكلام موجه من شاب إلى عروسه! فمن من العرائس تقبل وتوصف بهذه الأوصاف وما يشابهها؟! إنما هى موجهة من الرب إلى كنيسته، وإلى النفس البشرية التي يريدها أن تكون دائمًا قوية في إرادتها. وهكذا تكون الكنيسة والنفس في قوتها ومحاربتها لعدو الخير. قد يفهم البعض الوداعة والاتضاع فهمًا خاطئًا يقود إلى الضعف! أما المؤمن الحقيقي فهو إنسان قوى، يحارب ضد الخطية وينتصر. إن المؤمنين يكونون جيش الله الذي يقف ضد مملكة الشيطان وكل جنوده. لذلك فعندما أمر الرب بإحصاء الشعب في سفر العدد، طلب منهم ان يحصروا "كل ذكر ابن عشرين سنة فصاعدًا، كل خارج للحرب" (عد1: 2، 3). وتكرر هذا الوصف بالنسبة الى المنتخبين من كل سبط. وهكذا كان المختارون المعدودون هم فقط جماعة الاقوياء القادرين على القتال، من كل خارج للحرب (عد1). لذلك لم يسمح السيد المسيح لتلاميذه أن يبدأوا عملهم الكرازى، إلا بعد أن يلبسوا قوة من الأعالى (لو24: 49). وبعد ذلك يخدمون. وهكذا قال لهم "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا.. " (أع1: 8). وبهذه القوة التي أخذوها من الروح القدس، رأينا سفر أعمال الرسل سفرًا للقوة، يشرح كيف أن ملكوت الله كان قد أتى بقوة (مر9: 1). "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم" (أع4: 33). "وكانت كلمة الرب تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم.." (أع6: 7). ونسمع أن ثلاثة مجامع تحاورت مع أسطفانوس الشماس "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع 6: 10). إنها صورة للكنيسة المرهبة كجيش بألوية. صورة اولاد الله الغالبين المنتصرين، أو علي الأقل المقاتلين. أو علي أقل الأقل: هم المستعدون للحرب الروحية. هم الجبابرة الخارجون للحرب، الذين لا يخافون إبليس ولا جنوده، بل أن كل واحد منهم سيفه علي فخذه، من هول الليل (نش3: 8). هؤلاء الذين يقودهم الرب في موكب نصرته (2كو2: 14).. هؤلاء هم الساهرون المستعدون: أحقاؤهم ممنطقة، ومصابيحهم موقدة وينتظرون الرب (لو12: 35). كل أسلحتهم روحية (أف6: 11). والله هو الذي يعلمهم القتال. وفي ذلك يقول داود النبي "مبارك الرب.. الذي يعلم يدي القتال وأصابعي الحرب" (مز144: 1). وهكذا لا تكون أسلحته بشرية، بل إلهية. هؤلاء هم القديسون الغالبون بأستمرار، الذين ينشد لهم الرب أغنيته المحبوبة" من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة (رؤ2: 7) "من يغلب، فذلك سيلبس ثيابًا بيضًا، وان أمحو اسمه من سفر الحياة، وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته" (رؤ3: 5) "من يغلب، فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ3: 21) فترة وجودنا في العالم هي فترة حرب وجهاد. كل من يغلب، سينال المواعيد. والذين غلبوا نسميهم الكنيسة المنتصرة. نحن نحارب. وعدونا المقاتل لنا – أي إبليس – مثل أسد يزأر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط5: 8). لذلك يشجعنا القديس بطرس الرسول قائلًا " فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط5: 9). كما يقول القديس يعقوب الرسول أيضًا " قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع4: 7) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. لاشك أنه يهرب بسبب القوة التي أخذناها من الله، والتي نستطيع بها أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو10: 19). حقًا إن الحرب للرب (1صم17: 47). والرب يحارب معنا وبنا. والفرس - مثل السيف – قوة تستخدم في الحرب. وقد قال سليمان الملك في أمثاله "الفرس معد ليوم الحرب. أما النصرة فمن الرب" (أم21: 31). وليس كل فرس، بل الفرس المدرب المعد ليوم الحرب. وكانت لسليمان "مدن للفرسان" (1مل9: 19). ولعل أقوي الأفراس كانت تلك التي أهداها له فرعون حينما تزوج ابنته، تلك التي كانت تقود مركبات فرعون. كل فرس منها كان قويًا، ومدربًا علي القتال، وطيعًا في يد الفارس، ويخوض والحرب لا خوف وسط سيوف العدو، وينتصر.. وهكذا تشبهت الكنيسة في سفر النشيد بفرس في مركبات فرعون.. ليس فرسًا عاديًا، بل الفرس المحارب المعد ليوم الحرب، الذي يقوده الرب في يوم نصرته. إنه لا يتحرك في ساحة الحرب من ذاته، بل الله الذي يوجهه، ويكون الفرس مطواعًا في يديه. إن الكنيسة تشبه الفرس، وأعنتها في يد الله. والمؤمن يحارب حروب الرب، والله هو الذي يقوده. إنه لا يحارب وحده، بل الله يحارب به، ويمنحه القوة. وهكذا قال الرب لأرميا النبي "هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد، وأسوار نحاس علي كل الأرض.. فيحاربونك، ولا يقدرون عليك. لأني انا معك – يقول الرب لأنقذك" (أر 1: 18). إن المؤمنين أشخاص مسلحون بسلاح الله الكامل. لهم قوة من الله ونصرة "أخضع كل شيء تحت أقدامهم" (مز8). منذ أن خلق الله الإنسان، منحه سلطانًا. نجد هذه القوة في أنشودة داود الحلوة: "إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي" " وإن قام عليا قتال، ففي هذا أنا مطمئن" (مز27: 3) أنا مطمئن: الحصاة والمقلاع في يدي، وجليات تحت قدمي" الله أعطاني سلطان عليه.. "هؤلاء بمركبات، وهؤلاء بخيل، ونحن بإسم الرب ننمو. هم عثروا وسقطوا، ونحن قمنا واستقمنا" (مز20: 7، 8). نحن مثل "جيش ألوية". كل فرد منا كأنه "فرس في مركبات فرعون" إن النفس القوية، المرهبة كجيش بألوية، يفتخر بها الرب. وهكذا قال الرب للشيطان "هل جعلت قلبك علي عبدك أيوب؟ فإنه ليس مثله: رجل كامل ومستقيم" (أع1: 8) أتستطيع أن تقوي عليه؟!.. فحاربه الشيطان بأنواع حروب عنيفة جدًا. ولكنه وجده طاهرًا كالشمس، مرهبًا كجيش بألوية، قويًا كفرس في مركبات فرعون. أين هذا من النفوس الضعيفة، التي تقول يئست تعبت تعقدت!! تلك النفوس التي لأتفه الأسباب ترتبك وتضطرب وتحتار.. ! ليست هذه صفات الجبابرة المتعلمين الحرب، ولا هذا كلام الأقوياء الذين يلبسون سلاح الله الكامل ويصارعون أجناد الشر الروحية (أف6). إن القديسين كانت تخافهم الشياطين، وترتعب أمامهم وتصرخ! نذكر أنه عندما ذهب القديس آبا مقار الكبير إلى جزيرة فيلا، أن الشياطين فزعت منه وصرخت قائلة "ويلاه منك يا مقاره، أما يكفيك أننا تركنا لك البرية، حتى جئت إلى هنا لتزعجنا؟! نذكر أيضًا قصة ذلك القديس الذي جاءت الشياطين لتحاربه، فربطهم خارج القلاية، فظلوا يصرخون: لا يستطيعون دخول قلايته، ولا أن يتحركوا من مواضعهم. فقال لهم أمضوا واخزوا، وصرفهم. إن الله ينظر إلى هذه النفس التي ربطت الشياطين ثم صرفتهم، ويقول لها " شبهتك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون".. أيضًا النفس القوية تكون قوية في كل شيء.. ليست في حياتها الروحية فقط، بل في خدمتها أيضًا: كل كلمة تخرج من الفم، تكون قوية وفعالة (عب4: 12)، فيها قوة الروح" لا ترجع فارغة، بل تعمل ما يسر الرب به" (أش55: 11). وهكذا يتشبه المتكلم بالسيد المسيح، الذي كان يتكلم كمن له سلطان (مت7: 29). القديس بولس الرسول كان أسيرًا. وكان يتحدث عن الإيمان بالمسيح. أمام فيلكس الوالي. "وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون، ارتعب فيلكس الوالي" (أع24: 25). هنا أمير يرتعب أمام أسيره، بسبب قوة هذا الأسير وتأثيره. ومن الناحية الاخري، هناك إنسان تشعر أنه قوي، يقدر أن يحملك ويحمل متاعبك وضعفاتك ومشاكلك. وإنسان آخر تجده يتعثر في الطريق، ويحتاج أن تحمله طول الطريق علي كتفيك. خذوا قوة من الروح القدس، قوة في الصلاة، قوة في الخدمة قوة في السلوك. قوة في التواضع الذي يغلب الشياطين، وتصبح به النفس مرهبة كجيش بألوية. ليست القوة قوة عالمية كما في جليات، قوة سلاح وجسم. إنما هي قوة في الروح. هي قوة الله العاملة في الإنسان، كما تغني بها داود النبي فقال: "أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد، والتهبوا كنارٍ في شوك، وبأسم الرب انتقمت منهم.. يمين الرب صنعت قوة، يمين الرب رفعتني. فلن أموت بعد بل أحيا" (مز118). هذه أغنية فرس في مركبات فرعون. تغني داود أيضًا فقال "قوتي هي الرب". إن كانت قوتك هي الرب، فحلول روحك فيه يعني حلول القوة. كان الشهداء يقدمون لألوان من التعذيب، ويتعرضون للتهديد وللإغراء، ولم يفقدوا قوتهم قط. بل كانوا أقوياء في تحملهم. فأطلب من الرب قوة: القوة التي تقيم المسكين من التراب، والبائس من المزبلة ليجلس مع رؤساء شعبه (مز113: 7، 8).. قل له ارفعني من التراب، والبسني سلاحك الكامل، واعطني قوة.. أنا لا شيء قدامك. ولكنني بك استطيع كل شيء (في4: 13) إن اولاد الله لهم قوة، حتى في علاقتهم مع الله نفسه: إنها قوة الدالة. الدالة التي بها يعقوب أبو الآباء جاهد مع الله وغلب. وجرؤ أن يقول لله "لا أتركك".. "لا أتركك حتى تباركني".. وفعلًا أخذ البركة، اخذ إسمًا جديدًا (تك32: 24 – 28) نفس الصراع والدالة كانا بين موسى النبي ورب المجد نفسه بعد أن عبد الشعب العجل الذهب وقال الرب لموسى "أتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم، فأصيرك شعبًا عظيمًا" وبعد حوار بينهما قال موسى للرب " والآن إن غفرت (لهذا الشعب) خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 1، 32). وكما تشفع موسى في الشعب، تشفع أبونا إبراهيم في أهل سادوم، وعاتب الرب في قوة قائلا "أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟! حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر أن تميت البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم" (تك18: 25) هذه أمثلة من أشخاص كانت لهم قوة في الحوار مع الله. يدخلون في محاجة مع الله، ويجادلونه في دالة.. ويكون الله فرحًا بذلك، لأنه يجد راحته فيهم. إن المؤمنين يصيرون جيشًا بألوية، حينما يتحولون إلى صورة الله ويكونون ابناء حقيقين له. فكل ابن حقيقي لله له قوته. عيشوا إذن في حياة النصرة الروحية. ولا يكن لكم روح الفشل ولا روح الخوف واليأس.. إنك تخاف حقًا، إذا ما ارتفع قلبك، وظننت أنك قوي بذاتك..!! حينئذ تخاف.. قل: أنا أضعف الناس.. لكن الله سيعطيني قوته. وحينما يعطيني قوته، أصير فرسًا في مركبات فرعون. أنا لا أملك سلاحًا. ولكنني بسلاح الله الكامل سوف أنتصر. إن الذين عاشوا مع الرب، تركوا قوتهم، وأخذوا من قوته. مثل موسى الذي ترك قوته كأمير، ورفض أن يدعي ابن ابنة فرعون.. (عب11: 24) وقال "أنا لست صاحب كلام منذ أمس، ولا أول من أمس.. أنا ثقيل الفم واللسان" (خر4: 10). "وأغلف الشفتين" (خر6: 3). حينئذ أخذ قوة من الرب. وصار كليم الله. وأعطاه الرب فمًا وحكمة (لو21: 15). كن قويًا إذن: بالمعني السليم، وليس بالمعني العلماني. لأن هناك من يظن أنه قوي بالذكاء والحيلة والسياسة والعمل البشري. ولكن هذه ليست قوة حقيقية. إنها عملة زائفة.. ! لا تستطيع بها أن تشتري ذهبًا مُصفَّى بالنار (رؤ3: 18). فلتكن لك قوة الإنسحاق أمام الله، وقوة الجهاد ضد الشياطين.. ليست القوة أن تبرر ذاتك، وإنما القوة في اعترافك بخطئك. ليس القوي من يهزم عدوه. إنما القوي من يحول العدو إلى صديق. ليست القوة أن ترد الكلمة بكلمتين، إنما القوة هي أن تحول الخد الآخر، وأن تمشي الميل الثاني (مت5: 39، 41)، وأن تحتمل كل شيء (1كو13: 7) وأن تغفر الإساءة وأن تنسي. وكما قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء، ولا نرضي أنفسنا" (رو15: 1) بهذا تصير كفرس في مركبات فرعون، يصل في قوة إلي هدفه، دون أن يتعثر في الطريق. |
||||
10 - 02 - 2014, 03:01 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
مَنْ هذه الطالعة من البرية؟! (نش 8: 5؛ 3: 6) موضوع تأملنا اليوم في سفر النشيد، هو عبارة قالها الرب عن كنيسته، وردت مرتين في السفر في (نش 3: 6) (نش 8: 5): *" مَن هذه الطالعة من البرية، كأعمدة من دخان، معطرة بالمر واللبان، وكل أذرة التاجر" (نش 3: 6). *"مَن هذه الطالعة من البرية، مستندة على حبيبها" (نش 8: 5) إنه تأمل في جمال الكنيسة، وفي جمال النفس البشرية المحبة لله. وكيف أنها طالعة من البرية، وطالعة في جمال، معطرة بالمر واللبان وبكل أذرة التاجر، كأعمدة من دخان صاعدة من المجمرة. وسوف نتناول هذا الوصف: كأغنية تُنشد لكنيسة العهد القديم، وكأغنية تُنشد للكنيسة المنتصرة، أو كأغنية تُنشد لقديسي البرية. 1- أغنية تُنشد لكنيسة العهد القديم: يمكن أن تؤخذ عبارة " الطالعة من البرية " على كنيسة العهد القديم، التي طلعت من برية سيناء، وأتجهت إلى كنعان، مستندة على ذراع حبيبها. مسيرة الكنيسة في البرية، كانت مسيرة عجيبة حقًا إذ خرج الشعب بلا طعام ولا شراب، ولا ملابس كافية لتلك الرحلة الطويلة، ولا باقي الاحتياجات اللازمة، مجرد خروج على أسم الله بالإيمان وليس أكثر. وضعوا أرجلهم في البحر، مستندين على زراع حبيبهم، الذي سندهم في عبورهم، سند المياه من هنا، وسندها من هناك. ومشت الكنيسة في البحر، مستندة على حبيبها، وعاشت في البرية. · عاشت بالإيمان، الذي يرى ما لا يُرى.. وفي قلب كل واحد رن قول الرب "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر. وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك. ثيابك لم تبل عليك، ورجلك لم تتورم هذه الأربعين سنة " لكي يعلمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (تث 8: 2 – 4). حقًا إن الإنسان الذي يحيا في الإيمان، مستندًا على الله حبيبه، يمكن أن يختبر عجائب في عمل الله معه.. يمكن أن يفجَر له الله ماء من الصخرة (خر 17: 6)، ويمكن أن يحول له الماء المر إلى ماء حلو (خر 15: 23 – 25). ويمكن أن يشق له في البحر طريقًا (خر 14: 21، 22) ويمكن لهذا المؤمن أن يختبر محبة الله له: يظلله السحاب بالنهار، ويضئ له عمود النار بالليل (خر 13: 21، 22) ويمكن أن يحميه الرب من جميع أعدائه. وهذا كله حدث لتلك الطالعة من البرية. وانهزم أمامها سيحون ملك الأموريين (عد 21: 23 – 26)، كما انهزم أمامهم عوج ملك باشان (عدد 21: 33- 35).. حتى لكان شعوب الأرض يتأملون كل هذا ويقولون في عجب: " مَن هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها؟! أيضًا النفس المستندة على حبيبها، يسقط عن يسارها ألوف، وعن يمينها ربوات، وبعينها تنظر وتتأمل مجازاة الأشرار (مز 91: 7، 8) الرب يظلل على يدها اليمنى، فلا تضربه الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل (مز 121: 5، 6). مشكلتنا في الحياة أننا لا نستند على حبيبنا!! قد تستند على مواهبنا، على قوتنا وذكائنا، على غنانا! ونستند على زراع بشري، وعلى حكمة بشرية! وربما نستند على الشيطان وكل حيله!! وقد ننجح نجاحًا مؤقتًا، الهزيمة أفضل منه! وقد نفشل.. أما الذي يستند على الله الذي يحبه، فيمكنه – كالثلاثة فتية – أن يمشي في أتون النار ولا يحترق.. كانت النار تحيط بهم، ولم تكن لها قوة على أجسامهم، وشعرة من رؤوسهم لم تحترق. حدث ذلك لأنهم كانوا مستندين على حبيبهم، الذي كان ماشيًا معهم في وسط النار، وكان شبيهًا بأبن الآلهة (دا 3: 25، 27) لعل الملائكة في ذلك الوقت كانوا ينظرون إلى نفوس هؤلاء الفتية في النار، وهم يغنون " مَن هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها؟! لقد طلعوا من النار، وكأنهم خارجون من أحد البساتين وإحدى الفراديس! داود النبي جرب الاستناد على ذراع حبيبه حينما قال " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف؟! إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام علىّ قتال، ففي هذا أنا مطمئن" (مز 27: 3). وحينما قال " الرب يرعاني فلا يعوزني شيء. في مراع خضر يربضني، وإلى ماء الراحة يوردني.. أيضًا إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا (مز 23). ولماذا لا أخاف؟ لأنك أنت معي نفسي مستندة على ذراع حبيبها. وهكذا أيضًا الكنيسة في العالم، تعيش مستندة على ذراع حبيبها. لاحظوا أنه قال "مستندة على حبيبها ولم يقل مستندة على القوي الجبار.. حقًا أن حبيبها قوي جبار. ولكن عبارة حبيبها هنا لها عمقها العاطفي، ولها قوتها أيضًا، إذ يُقال في نفس النشيد " المحبة قوية كالموت. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" (نش 8: 6، 7) ولأنه يحب هذه النفس، ويحب هذه الكنيسة، لذلك يفعل كل شيء لأجلها، وبقوة النفس التي تستند على حبيبها، تعيش مطمئنة، في سلام.. تغني قائلة: وإن قام علىّ قتال، فأنا مطمئنة (مز 27: 3) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ولماذا أنت مطمئنة أيتها النفس؟ ولماذا كانت الكنيسة كلها مطمئنة؟ لأنها مستندة على حبيبها. " شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني" (نش 2: 6 ). رحمته تحيط بي من كل ناحية. إنها مطمئنة لأنها في حضن الله. فمهما صادمتها المشاكل والعقبات والحروب، لا تهتز ولا تضطرب. وإنما تقول في ثقة المستند على حبيبه " إن كان الله معنا، فمن علينا "؟.. هذا النشيد أيضًا هو أغنية للكنيسة المنتصرة.. 2- أغنية للكنيسة المنتصرة: يمكن أن يقال هذا النشيد في السماء، في استقبال الكنيسة التي جاهدت على الأرض وغلبت. الكنيسة التي عاشت في هذا العالم، في البرية القفرة.. في تعب وشقاء في الطريق الكرب، ودخلت إلى الفردوس من الباب الضيق (مت 7: 14) ولذلك يستقبلها الملائكة قائلين: مَن هذه الطالعة من البرية.. ؟! العالم بالنسبة إليها كان برية، أقفرت من تنعمات العالم وملاذه، ومن لهوه وعبثه وضجيجه. لأنها أطاعت قول الكتاب " لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم.. إن العالم يمضي وشهوته معه" (1 يو 2: 15، 17). أما هي فأجابت الرب يقول المزمور لكي يزهر لك جسدي في أرض مقفرة، ومكان بلا ماء وموضع غير مسلوك (مز 63: 1). هذه الكنيسة طالعة من البرية، لكي يختطفها الرب على السحاب، وتكون مع الرب كل حين (1تس 4: 17). نعم: مَن هذه الطالعة من البرية، التي لم تعش في فراديس وفي جنات، كما عاش سليمان وهو يعزي نفسه بخيرات العالم قائلًا " بنيت لنفسي بيوتًا، وغرست لنفسي كرومًا. عملت لنفسي جنات وفراديس، وغرست فيها أشجارًا من كل نوع ثمر. عملت لنفسي برك مياه. قنيت لنفسي عبيدًا وجواري.. جمعت لنفسي فضة وذهبًا. اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر.. ومهما أشتهته عيني لم أمسكه عنهما" (جا 2: 4 – 10). أما الكنيسة فرفضت أن تستوفي خيراتها على الأرض (لو 16: 25) إنما تعبت على الأرض، لكي تتمتع في السماء. عاشت على الأرض في طقس لعازر المسكين عاشت فقيرة، ولكن مستندة على حبيبها. كما قال بولس الرسول " مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين. متحيرين لكن غير يائسين، مضطهدين لكن غير متروكين.." (2 كو 4: 8، 9).. " كحزانى ونحن دائمًا فرحون. كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شيء لنا، ونحن نملك كل شئ" (2 كو 6: 10). هذا النشيد يمكن أيضًا يصلح لقديسي البرية، فهو: 3- أغنية تُنشد لقديسي البرية: هؤلاء القديسون يسبحون الرب في كل يوم تسبحه جديدة. وفي كل يوم يهمس الملائكة في آذانهم قائلين: ها باركوا الرب يا عبيد الرب، القائمين في بيت الرب في ديار بيت إلهنا. في الليالي أرفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب" (مز 134: 1، 2). يستمع الملائكة إلى هذه الصلوات " الطالعة من البرية، ويقولون للرب " طوبى لكل السكان في بيتك، يباركونك إلى الأبد (مز 84: 4). أهل العالم – حتى إن دخلوا الكنيسة – قد يسرحون في أمور العالم أثناء الصلاة. أما هؤلاء القديسون – فحتى إن شغلوهم بشئ من أمور العالم – فإنهم أثناءها يسرحون في الله. عاشوا في البرية القفرة، بدون أي معونة، مستندين على حبيبهم واستطاعوا أن يقدسوا البرية بصلواتهم وبحياتهم. حتى تحولت البرية إلى سماء ثانية. واجتذبت إليها طالبي الروح من أقصاء الأرض كلها.. عاشوا في طقس الصلاة الدائمة. ولقّبوهم بملائكة أرضيين وبشر سمائيين. فعندما تصعد أرواح هؤلاء القديسين إلى السماء. فلاشك ستجري الملائكة لاستقبال أرواحهم الطاهرة بهذا الهتاف " مَن هذه الطالعة من البرية". سليمان الحكيم – كاتب سفر النشيد – أتراه في حلم ورؤيا – أبصر جماعات السواح والمتوحدين والرهبان طالعة من البرية، فاستقبلها بهذا النشيد "مَن هذه الطالعة من البرية؟!". يوحنا كاسيان حينما زار براري مصر، قال إن المسافر من الإسكندرية إلى طيبة (الأقصر)، لم يكن صوت التسبيح والألحان والصلوات ينقطع من أذنيه طول الطريق وذلك لكثرة الأديرة والقلالي والمغارات المنتشرة في كل مكان في البرية، يسكنها أولئك القديسون الذين أحبوا الرب فأحبوا الوحدة. وعاشوا كملائكة الله على الأرض.. كل شبر من تلك الأرض المقدسة، قد باركه القديسون ودشنوه بصلواتهم ومزاميرهم. حبّات الرمال تقدست، إذ وطئتها أقدامهم الطاهرة. هذه الحياة المقدسة الطالعة من البرية، كأعمدة من دخان، صاعدة إلى عرش الله، يهتف لها سكان السماء قائلين: مَن هذه الطالعة من البرية؟! إن الحياة التي شهدها العالم في براري مصر، في القرنين الرابع والخامس، كانت كأنها الحلم! نسمع عنها الآن، وكأنها قصة.. ! كيف عملت النعمة في نفوس أولئك القديسين بكل تلك القوة وبكل ذلك العمق؟! وكيف كانت أرواحهم في كل يوم، كأنها على سلم يعقوب صاعدة إلى السماء ونازلة منها.. وفي كل درجة تصعدها على ذلك السلم الروحاني، يصرخ السمائيون في عجب وإعجاب " مَن هذه الطالعة من البرية "؟! إنه منظر عجيب حقًا، حينما نرى ملائكة نازلة من السماء إلى الأرض. ولكن الأعجب منه أن نرى بشرًا لهم صورة الملائكة صاعدين من الأرض إلى السماء.. ! وليس فقط فرادى قلائل، وإنما جماعات عديدة لها نفس الصورة، نفس القداسة والبر والشفافية، نفس الزهد والعفة. فيصرخ الجميع لمرآها " مَن هذه الطالعة من البرية؟! " ووجه العجب الكبير أن هؤلاء الصاعدين كالملائكة، لهم أجساد مادية، وقد سكنوا في هذا العالم في وسط شهوته. هم بشر تحت الآلام مثلنا (يع 5: 17) ولكنهم عاشوا صورة لله ومثاله. هل دخلوا النار كالثلاثة فتية، ولم يحترقوا. أم هم قد صعدوا من النار كأعمدة من دخان، معطرة بالمرواللبان. هذه هي الكنيسة طالعة من البرية. الأشرار يهبطون إلى أسفل، أما الأبرار فيطلعون إلى فوق. دائمًا الكنيسة طالعة إلى فوق. مَن هذه الطالعة من البرية، كأعمدة من دخان، معطرة بالمر واللبان، وكل أذرة التاجر" (نش 3: 6). |
||||
|