|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كنتُ حاضراً ذات يوم في جلسة عزاء، كانت القاعة تعجُّ بالناس. كنتُ جالساً في الصف الأول، وكان في الصف الخلفي ثلاثة رجال يتحاورون بشكل تقشعر له الابدان. كانت أصواتهم تتعالى، يتحدثون بالسوء عن اشخاص كُثُر وكأنهم جلادي عصرهم. لم أتحمّل كلام الغيبة المسموم من أفواههم النتنة. فادرتُ رأسي تجاههم وقلتُ لهم بابتسامة: "هل أبقيتم شيئاً لم تذكروه؟ هل هذه شيمنا أن نشوه سُمَع الناس ونحن لا نعرف أي شيء عنهم سوى كلام كاذب هنا وهناك. سبحان الله، قبل نصف ساعة كنتم في الكنيسة، وأخذتم القربان. تأكدوا أن في القربان الذي اخذتم دينونة عظيمة، ستنكشف لكل واحد منكم، بميعاد لا تعرفونه البتة. بالتأكيد أن كلامي لا يعجبكم، وستتحدثون عني بالسوء حالما أهمُّ بالخروج. وهذا لا يهمني. فما يهمني حقاً، أني أواجهكم بالحقيقة، وكان عليكم أن تسمعوها". قمتُ مباشرة من الجلسة، وابقيتهم ساخطين مني، وقد كنتُ غاضباً في عمقي على انحدار المجتمع الى هوة الخطيئة ... رجعتُ الى البيت متأملاً في هذه الظاهرة المؤلمة، التي أمستْ وصمة عار في مجالسنا وجلساتنا. السواد الأعظم يتحدث بالسوء عن الآخرين، فتتحول أفواههم قبوراً تنبعث منها رائحة الموت الداخلي. هناك أسباب مهمة : 1. عقدة الدونية: تستوطن هذه العقدة في عمقنا العميق، تكونت نتيجة القسوة والاختلال التربوي الذي مورس من قبل الأهل على الأبناء. كانت غاية الاهل في ذلك توطيد الانضباط والتخويف من أجل ابعادهم عن اقتراف أي سلوك خاطئ. يشعر صاحب هذه العقدة بأنه أقل الناس شأنا، وصورته الشخصية عن نفسه مشوهة الى درجة ايلام وتقريع الذات. ولكي يتخلص من هذا الشعور القاتل، يلجأ الى تحطيم سُمَع الأشخاص الذين يجدهم ذو شأن أعلى منه في أي مجلس يحضره. فيختلق ويلفق الفضائح بأنواعها، جنسية كانت أم سلوكية ... الخ ... حينئذ يدرك التوازن الكاذب في عمقه. 2. عقدة الذنب: يبدو أن صاحب هذه العقدة قد عاش عنفاً أُسرياً وتعايش معه حتى استقر في عقله الباطن. فعلى سبيل المثال، حين يرى الطفل والده وهو يضرب والدته، تبدأ حينئذ صناعة العقدة. أو يكون قد تعرض لإهانة أو وأذية من قبل الوالدين. مما يضعف شخصه الداخلي ويجرده من أي قوة نفسية. وبالتالي سيظهر الصراع مع ذاته بتأنيب ضمير لا ينتهي، ويشعر بأنه مقصّر ومخطئ دوماً. وفي الوقت نفسه، يتعزز بمثالية مطلقة، تصبح مقياساً في الحكم على نفسه وعلى الاخرين بقسوة وشدة. 3. تضاؤل الايمان والروحية يتحول الايمان عند هكذا اشخاص الى برستيج اجتماعي أو مجرد مظاهر مجتمعية لا علاقة لها بفحوى الايمان وجوهره. يؤدي فروضه الدينية، كالفريسي الذي وقف في منتصف الهيكل، متبجحاً بفروضه التقوية كي يسمعه الناس. كلما تضاءل الايمان في داخل الانسان، طفق يتكلم بالباطل وتشويه السمع. ولهذا يحذر يسوع قائلاً: "إنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ." (متى 12: 36). 4. التسرع والانتقام هناك من يلجأ الى تشويه السُمَع والافتراء نتيجة تعرضه لموقف محرج من قبل شخص أو أشخاص معينين، ولكي ينتقم لنفسه يلقي بوابل من الاخبار المفبركة والمُضرّة التي تحطم سمعة من تسبب له بهذا الموقف، كي يشف غليله وينتصر لنفسه. تبدو هذه السرعة في الرد شيطانية المنشأ، أنوية النزعة. ولهذا يؤكد القديس أغناطيوس دي لويولا في إن التسرع في ردات الفعل واتخاذ القرار ضمن أجواء إنفعالية. دوماً ما تحمل نتائج عكسية ومؤلمة وكاسرة لأي طرف من الأطراف. وفي الختام، أود أن أذكركم بالمزمور الأول الذي يوصي بأن لا نسلك في مشورة الأشرار، ولا نقف في طريق الخطأة، ولا نجلس في مجلس المستهزئين "والمشوِّهين لسُمَع الآخرين"، بل تكون مسرتنا في الاجتماع لأجل كلمة الرب، فنلهج بها ليلاً ونهاراً. فطوبى لمن يطبق كلام الرب ووصاياه.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
جاء أخٌ إلى أبّا ماطويس وسأله: "هل الافتراء (أو تشويه السمعة) |
هذه الشمعة على نية كل شخص يمر في ضيق و حزن |
كن كــ الشمعة... |
الشمعة |
كن كــ الشمعة .. |