الإفراز بين الخوف والحب
والكتاب يقول بدء الحكمة مخافة الله (أم9: 10). إذن الخوف ليس خطأ روحيًا، ولكنه مرحلة روحية والذي لا يخاف قد يصل إلى حياة الاستهتار واللامبالاة كما قيل عن قاضي الظلم إنه كان " لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا" (لو18: 2).
وفي التربية قد يلزم الخوف مع بعض الأشخاص وفي بعض مراحل السن وبغيره قد تفسد التربية.
فالابن الذي لا يخاف والدية، قد يسلك باستهتار دون رادع. وربما يصير مرارة نفس لوالديه.
وكذلك التلميذ الذي لا يخاف أساتذته ما أسهل أن يتحول إلى طالب مشاغب ويضيع وقت زملائه، ويضيع أعصاب أستاذه.
ومع ذلك نقول إن الخوف مرحلة ينمو فيتحول إلى حب ومهابة...
لذلك لا يجوز لأب أو لأستاذ أن يتعبه ضميره إذا وبخ إبنًا أو تلميذًا... ولا يقل في نفسه ولا في اعترافاته إنني أخطأت إذ وبخت غيري وفقدت وداعتي!!
بل الأجدر أن يوبخه ضميره إذا لم يكن حازمًا وقت الحزم...
والحكمة ترسم حدود التوبيخ، بحيث يكون من مسئول وصاحب سلطان وبحيث يكون بطريقة روحية سليمة.
فالقديس بولس الرسول اضطر أن يوبخ أهل غلاطية الذين بدأوا بالروح وكلموا بالجسد (غل3: 3)
والغيرة المقدسة تلزم الإنسان أحيانًا أن يكون نارًا تلتهب.
وفي هذه الحالة المفروض أن يفهم الإنسان الروحي موقف الوداعة في ظل الغيرة إنها موضوع طويل. ولكننا نقول هنا: لكل شيء تحت السموات وقت. ومع ذلك يمكن أن يتصرف الإنسان بغيره دون أن يفقد وداعته.
ولكن من الخطأ أن يفقد الإنسان الغيرة المقدسة بمفهوم خاطئ للوداعة.
إذن ينبغي أن نفهم الوداعة فهمًا سليمًا بحيث لا نظن أنها طراوة في الطبع، أو حالة من عدم الحركة.. البعض قد يرى إيليا مثالًا للغيرة المقدسة، وأرميا النبي من ناحية أخرى مثالًا للوداعة وللدموع...
ولكن أرمياء النبي كان مثالًا للغيرة والدفاع عن الحق: فما كان رجل دموع فقط. والذي يقرأ سفر ارميا يلمس هذه الحقيقة.
وكان داود النبي مثالًا للشجاعة والقوة والغيرة، وفي نفس الوقت كان رجل دموع، يبلل فراشة بدموعه (مز6)، ويبكى لموت أبشالوم ولموت شاول ويوناثان...
إن الأم التي تحنو على أبنها حنوًا خاطئًا تفسده به، ليست أمًا حكيمة وهي تحتاج إلى فضيلة الافراز...
فتعرف ما معنى الحنو الحقيقي؟ وما هي حدوده؟ وما مدي اتصاله بالتربية السليمة؟ وبأبدية أبنها وروحيا ته...
إن الآب السماوي كان يحب ابنه الوحيد، ومع ذلك بذله للموت من أجلنا وعلى الصليب " سر أن يسحقه بالحزن " كذبيحة إثم لأجلنا،إذ وضع عليه إثم جميعنا (أش53: 1 6).
والطبيب الحكيم يعرف متى يستخدم المشترط؟ ومتى يستخدم البتر؟ ومتى يستخدم والمهدئات...
ولذلك يقال عن الطبيب إنه " حكيم " وبعد، إن موضوع الإفراز قد يشمل الحياة الروحية كلها. وإن تكلمنا عنه سنتكلم عن جميع الفضائل.
ولعلنا نكتفي بما ذكرناه حاليًا كمجرد أمثلة.