قصة التسريب الذي كشف الجريمة المنظمة في إسرائيل
رغم أن نشاط عائلات الجريمة فى إسرائيل يمتد لسنوات طويلة، إلا أن المجتمع الإسرائيلى لم يسمع عنه ولم تعترف به القيادة فى «تل أبيب» إلا قبل عشر سنوات فقط، ولولا تسريب أحد أفراد الشرطة الإسرائيلية لصحفى، لما كانت الإدارة الإسرائيلية اعترفت بتفشى الجريمة على أرضها. عائلات الجريمة تحظى باهتمام كبير من الشرطة الإسرائيلية التى أنشأت وحدة خاصة تسمى «لاهف ٤٣٣» تعمل ضد مكافحة الاحتيال والجريمة المنظمة. وفى يونيو ٢٠٠٦ فتحت وحدة التحقيق «ماحش» تحقيقًا مع رجال الشرطة لمعرفة هوية ضابط الشرطة الذى سرب لوسائل الإعلام تقرير المخابرات السرى الذى يكشف عن عائلات الإجرام المنظم فى إسرائيل. وقالت القناة الأولى فى التليفزيون الإسرائيلى فى تقرير بثته حينها إن قائد الوحدة المركزية فى لواء المركز التابع للشرطة الإسرائيلى «منشه ارفيف» قدم إلى قسم الاستخبارات فى الشرطة تقريرًا سريًا وضع فيه خارطة حدد فيها أهم وأكبر ست عائلات تعمل فى إسرائيل وتسيطر على مجالات القمار، الدعارة، الابتزاز، التهديد والحماية، حيث تقوم هذه العائلات بتهديد رجال الأعمال والأشخاص العامة، ثم تعرض عليهم فرض الحماية مقابل مبالغ مالية، وتم تسريب هذا التقرير لأحد الصحفيين وتناقلته وسائل الإعلام العبرية محدثًا ضجيجًا فى المجتمع الإسرائيلى. وكان «منشه» قد استند فى تقريره إلى معلومات استخبارية وشهادات موثوقة ومؤكدة، حسب تعبير القناة الأولى، وتطرق أيضا إلى قادة ورؤساء هذه العائلات وتحديد مكان ومنطقة نشاط كل عائلة والخلافات بينها. وبعد هذا التسريب، أعلنت الإدارة الإسرائيلية عن نشاط عائلات الجريمة وباتت أخبارهم محل اهتمام الجمهور الإسرائيلى، ليس هذا فقط، بل أصبحت أخبارهم تنشر عن قصد من قبل الإدارة الإسرائيلية لإلهاء الجمهور الإسرائيلى عن أى قضية أخرى. وأحيانا يأتى الكشف عن القضايا لعودة ثقة الجمهور فى الشرطة، خاصة بعد إثبات قصور الشرطة فى عدة قضايا مثل قضية «رونيئيل فيشر»، الذى نجح فى اختراق جهاز الشرطة والنيابة العامة، من خلال دفع رشاوى. حيث قام بتجنيد «عيران مالكا»، ضابط التحقيقات الكبير فى وحدة «لاهف ٤٣٣»، والمحامية «روت دافيد»، النائبة العامة السابقة فى لواء تل أبيب، فضلًا عن قضية الحاخام «يشياهو بينتو»، الذى دفع رشاوى لقائد شعبة التحقيقات فى الشرطة «إفرايم براخا»، بمبلغ ٢٠٠ ألف دولار من أجل الحصول على معلومات بشأن تحقيق ضده يتعلق باختلاس أموال. كل ذلك دفع الشرطة الإسرائيلية للكشف عن «القضية ٥١٢» فى مايو الماضى كإنجاز تتباهى به أمام فشلها، وبالفعل سربت لوسائل الإعلام معلومات حول محاولات تصفية رؤساء عصابات، وذلك بعد أن أصدرت قرارًا بحظر النشر فى القضية ثم ألغته لكسب اهتمام الجمهور وافتعال أجواء درامية. ثم تصدرت هذه الاعتقالات عناوين وسائل الإعلام، التى أجرت مقابلات مع كبار المحامين الجنائيين الذى يمثلون زعماء العصابات، والذين أشاروا إلى حقيقة أن الشرطة حققت فى كل الشبهات ضد موكليهم ولم تنجح فى الربط بينهم والجرائم، ولم تقدم لوائح اتهام ضدهم. فقامت الشرطة الإسرائيلية بتفجير القنبلة كما سماها موقع «تايمز أوف إسرائيل» وهو النجاح فى تجنيد ثلاثة عملاء «شهود ملك» من داخل عائلات الجريمة وأطلقت على هذه العملية اسم الشفرة «بوينج»، ووفقا للشرطة، فإنها تمكنت فى إطار هذه القضية من حل ألغاز ٤٠ جريمة وقعت خلال الـ١٥ عامًا الماضية وألقت القبض على حوالى ٦٠ متهمًا. يذكر أن تجنيد العملاء تم بالتعاون مع مكتب المباحث الفيدرالى الأمريكى (FBI) ووحدة شرطة فى إحدى دول أمريكا الجنوبية. وقال ضابط شرطة ضالع فى التحقيق فى القضية لوسائل إعلام إن هذا التحقيق قطع قارات وتخلله تعاون بين وحدات شرطة فى عدة دول. وتوجد للأمريكيين حصة كبيرة فى هذه التحقيقات، إذ إنهم لم يساعدوا فى جمع مواد التحقيق فقط، وإنما أيضًا وفروا غلافًا لوجيستيًا لقسم من عمليات الشرطة فى إطار القضية.