* سؤال أتى من أحد الأحباء:
** إذا كنت مغلوب من بعض الخطايا ولا أقدر أن أقاومها وابتعد عنها مع أني تبت عن خطايا أخرى وابتعدت عنها، ولكني باحب الله ودائم الصلاة وباخدم بكل طاقتي واكلم الناس عن المسيح الرب وأقاوم التعليم المخالف، ومؤمناً أنه خلصني وفداني ولي حياة هي المسيح والموت لي ربحاً، فهل حياتي تُرضي الله !!!
+++ الإجابة +++
التوبة التي لا تُبنى على المحبة التي أسسها خوف الله واحترامه وتقديره ومهابته كأب وسيد (أي التقوى) فهي توبة مريضة لا يظهر فيها ثمار تليق بها، لأن الرب نفسه قال:
+ فاصنعوا اثماراً تليق بالتوبة ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أباً لأني أقول لكم أن الله قادر أن يُقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم (لوقا 3: 8)
* مع ملاحظة ان إبراهيم أب الإيمان، يعني التوبة المبنية على الإيمان الحي العامل بالمحبة لها ثمرتها الخاصة، لأن بدون إيمان لا يُمكن إرضاء الله، ولكن ليس أي إيمان، بل إيمان إبراهيم الذي أطاع الله وسمع لصوته، وارتضى بالخسارة عن مسرة وليس تمرد، فهو أولاً ترك ارضه حسب دعوة الله وأيضاً قدَّم وحيده حسب قصد الله.
فكلام الوعظ الذي يتكلم عن أن الله فداني وخلصني مع تبرير الضعف أو الخطية وعدم وجود أعمال تدل على فعل قوة التوبة في حياتي الشخصية، فهو وعظ مخادع لأن التوبة في عمقها هي تغيير الإنسان على صورة الله في البرّ والقداسة في النور، مع العلم أن هذا التغيير لا يعتمد على قدرات الإنسان وأعماله، لأن الإنسان لا يقدر أن يُغير نفسه إلى صورة الله بقدرة إبطاله للخطية كفعل في حياته، لأن الحياة حسب الخطية يطردها الروح القدس حينما يستقر في القلب حينما يعتمد عليه الإنسان مؤمناً به، لأن الروح القدس هو الذي يأخذ من المسيح الرب ويعطينا، يأخذ من قداسته وبره الخاص الذي أظهره في حياته بالجسد ويعطينا، لكن لو لم نأخذ من المسيح الرب بره ونمتلئ منه، فأن كل أعمالنا تصير كلا شيء ولن تنفعنا لأن أساسها برنا الذاتي.
+++ وأيضاً أن لم نقتني مخافة الله في قلبنا، فاننا سنصير دائمي الخطأ والتعدي، مثل الولد الذي لا يحترم ابيه ولا يقدره ويهابه، فأنه لا يستحي أن يفعل أي خطأ أو قُبح أمامه مُباشرةً بكل جسارة، إذ أنه لا يعبأ بحضوره الخاص، وهكذا كل من لا يتقي الله فأنه سيُخطئ مرة ومرات مهما ما عرف أن الله حاضر أو أن هيكل جسده صار يخص الله وحلوله الخاص، لأن قلبه هو أرض اللاهوت ومقرّ سكناه الخاص، بل سيعبث بجسده ويشوه طبعه حتى بعد قبول دعوة الله والإيمان به، لذلك يقول الرسول: نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها (رومية 6: 2)
مع العلم أن التوبة بالطبع ليس مجرد الكف عن الخطية، كما يظن البعض وعلى الأخص من يتكلمون عن قوة الإرادة وقدرة الإنسان في العمل والفعل، والذين يجردون التوبة من عمل النعمة وتجديد القلب بالروح ويقصروها على عمل الإنسان وقدراته في الصوم وغيرها من الفضائل التي يعملها الإنسان من الخارج وبحسب قدرته ناسيين انه مكتوب: [ وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أين يظهران ] (1بطرس 4: 18)، فالتعليم عن التوبة بهذا الشكل لا مكانة فيها للخطاة والضعيف الإرادة والمغلوبين من سلطان الشرّ الذي يعمل في داخل القلب الميت بالروح ويُفسد حياة الإنسان!!!
*** لأن الخروج من تحت سلطان الخطية المفروض أنه يكون "ثمرة التوبة" الذي تجعل الإنسان يدخل في سرّ الخلاص ويُغسل قلبه بدم المسيح، ففعل التوبة هو تغيير القلب من الداخل بقوة الله، وذلك كفعل نعمة ممنوح لنا في ربنا يسوع لنتغير لصورته بالروح القدس، لأن ما فائدة أن نكف عن الخطية فقط ونقف عند هذا، أي أن نكف عن الخطية ويكون لنا مجرد أخلاق وشكل القديسين، لأن حياة التوبة ليست شكل إنما هي "قوة تغيير في أعماق الإنسان من الداخل ليتغير عن شكله بتجديد ذهنه مختبراً إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة"، فالرب كخالق يخلقنا على صورته في البرّ وقداسة الحق في المسيح يسوع، لأن القصد هو أن نصير خليقة جديدة فعلياً وليس نظرياً.
+ لا بأعمال في برّ عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تيطس 3: 5)
+ لا تُشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رومية 12: 2)
+ ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح (2كورنثوس 3: 18)
والآن لنصغي لكلمات القديس يوحنا الرسول لنفهم هذه الآية الرائعة والتي يتعثر فيها الكثيرون: "نعلم أن كل مَن وُلِدَ من الله لا يُخطئ" (1يوحنا 5: 18)
وهنا علينا أولاً أن نتحقق من فعل ولادتنا الجديدة من الله في حياتنا ونفحص إيماننا، وكلنا وُلدنا من الله بالمعمودية بالإيمان الواعي المُدرك لعمل الله الظاهر في الصليب والقيامة، ومن هنا صارت لنا مخافة الله كأب لنا راسخة في أعماق قلوبنا، فأن كانت مخافة الله تسكن القلب ونقويها فينا بالتدقيق وفحص النفس على نور كلمة الله في الصلاة التي تتولد منها المحبة وتترسخ في النفس، والخطية في هذه الحالة تصبح مرفوضة طبيعياً ومطرودة ومكروهة بحسب الإنسان الجديد الذي نعيش به في المسيح.
فإن أخطأ الإنسان المحب لله متعثراً في الطريق، ووجد أن هناك خطية ما تسكن قلبه خفيةً ولم يكن يدري بها، فسريعاً يقوم وينهض بقوة الله التي تسكن قلبه معتمداً على روح الله، ويرفضها ويرفض أن يكون على هذه الحال بكل غيرة التقوى الصالحة، فيتوقف عن الحركة وكل ما يعمله من ممارسات روحية ليأخذ موقف جاد منها أولاً، وذلك لأنه لا يُمكن أن يقبل الخطية ولا يُمكن أن يتعايش معها تحت اي حجة أو منطق، وذلك بسبب محبة الله التي تسكن قلبه بالمخافة أي بالتقوى !!!
إذأ الموضع عن جد خطير ومهم للغاية جداً، لأن حينما نجد أن الخطية تملك فينا وتحركنا ونقبل التعايش معها أو حتى نتعامل معها بسهولة وأضع الحجج واتفلسف واستند على كلمة أنا ضعيف، نعلم فوراً أن المحبة في قلوبنا يا أما مجرد انفعال نفسي نعتقد أنه محبة، أو أن محبتنا ضعيفة جداً وهزيلة أو مريضة لأنها لم تُبنى على مخافة الله ومهابته كأب لي وسيد لحياتي الشخصية، لأني صرت له ابناً في الابن الوحيد، والمولود من الله لا يُخطئ، وليس معنى ذلك أنه يستحيل أن يُخطئ قط أو يضعف لأننا كلنا في الجسد وتحت ضعف، بل المعنى هُنا أنه لا يتعامل مع الخطية أو يرتاح لوجودها ويتفق معها إطلاقاً: "بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات" (رومية 13: 14)، لأن الإنسان الجديد الذي في داخلي الشرير لا يمسه ولا يمكن ان يُخطئ، بل انا باخطئ حينما يكون هناك ميل لحياتي القديمة أي الإنسان العتيق، أو بكوني لم أتب توبة صحيحة سليمة قائمة على إيمان حي عامل بالمحبة التي أساس قعدتها التقوى.
أخي الحبيب أعلم يقيناً أن حياتنا في المسيح الرب ليست نظريات ندرسها أو معلومات أو فلسفة عقلية، أو أقوال نسمعها أو عظات ننفعل بها ونحفظ كلماتها لأنها أعجبتنا، أو مجرد خدمة نقدمها للناس ونفرح أننا نخدم الله، بل هي قوة وفعل إيمان حي ذات سلطان في حياتي الشخصية، هي قوة حب مبني على مخافة أب لنا ونحن له بنين في الابن الوحيد، صار لنا روح التبني الذي به نصرخ يا أبانا، ولأننا أولاد له كيف نقبل أن نتعايش مع أي خطية تحت أي مُسمى ولا نصرخ متوسلين إليه أن يغسل قلوبنا ويقدسنا ويُطهرنا لكي نكون هيكل مقدس له وحده فقط، لأن الله لا يُساكن الخطية أو يقبلها ويتعامل معها لأنه قدوس.
فلنا أن نرجع - بكل جدية - لأصول الحياة مع الله بالنعمة، ونقوم وننهض بروح الحب ومخافة الله ونرفع القلب بإصرار أن نحقق بنوتنا لله في الابن الوحيد حسب العطية التي نلناها منه بتجسده، طالبين منه قوة النعمة المتدفقة - بكل إصرار وعزيمة لا تفتر - ليُغيرنا إليه، ونصبر له حتى يُغيرنا فعلاً، مستمرين في اعترافنا الدائم أمامه عن كل هفوة صغيرة وكبيرة في حياتنا طالبين قوة التجديد كأولاد له بالصدق والحق، فلا نسكت ولا ندعه يسكت إلى ان ننال ما طلبناه، لأن عند تعبنا وضيقنا ومرض الجسد نظل نطلب صلاة الجميع طالبين ان يشفينا أو يشفي أحباءنا، فكيف لا نطلب قوته بالأولى لكي نُشفى من مرض الخطية المُميت للنفس ومُدمر قواها الروحية، مجداً لمن أحبنا وأعطانا ذاته لكي به نحيا ونتحرك ونوجد آمين.