رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
* "كنت أخاف من كل أعمالي، عالمًا أنك لا تبرئني، عندما أكون مذنبًا" [28- 29]. ما هي الأعمال التي مارسها الطوباوي أيوب، هذه قد أوضحها هذا التاريخ المقدس. فقد تعلم أن يسترضي خالقه بتقديم محرقات كثيرة. بحسب عدد أبنائه - كما هو مكتوب - كان يبكر في الصباح وقدم محرقات عن كل واحدٍ منهم، مطهرًا إياهم ليس فقط من الأعمال الدنسة، بل ومن الأفكار الشريرة. سجل لنا بشهادة الكتاب المقدس: "لأن أيوب قال ربما أخطأ بني، وجدفوا على الله في قلوبهم" (1: 5). مارس مشاعر العطف حيث أعلن عن نفسه عندما أزعجه أصدقاؤه: "ألم أبكِ لمن عسر يومه؟" (30: 25). لقد تعهد القيام بدور الحنو، إذ يقول: "كنت عيونًا للعمي وأرجلًا للعرج" (29: 15). احتفظ بنقاوة الطهارة في قلبه؛ في هذا يكشف نفسه بكل وضوح في وقارٍ: "إن غوى قلبي على امرأة" (41: 9). بلغ أعلى قمة التواضع من أعماق قلبه، إذ يقول: "إن كنت قد رفضت حق عبدي وأمتي في دعواهما علي" (31: 13). لقد وهب بسخاء عظيم، قائلًا: "أو أكلت لقمتي وحدي، فما أكل منها اليتيم؟" (أي 31: 17)... مارس الضيافة قائلًا: "غريب لم يبت في الخارج، فتحت للمسافر أبوابي" (31: 32). وفي وسط كل هذه الأمور، لتكميل فضائله بأسمى طريق للحب، أحب أعداءه أنفسهم. يقول في هذا: "إن كنت قد فرحت ببلية مبغضي، أو شمت حين أصابه سوء، بل لم أدع حنكي يخطئ في طلب نفسه بلعنة" (31: 29-30). إذن لماذا كان القديس خائفًا من أعماله (9: 28)، مادام قد مارس على الدوام أعمالًا تجعل الله يلين أمام العصيان؟ كيف هذا؟ كيف يخاف حتى من هذه الأعمال العجيبة في ذعر، حيث يقول: "أخاف من كل أعمالي" [28] إلا إذا استنتجتا من أعمال القديس وكلماته أننا بالحق نريد أن نسر الله بعد أن تغلبنا على العادات الشريرة يلزمنا أن نخاف من ذات الأعمال الصالحة التي نمارسها. فإنه يوجد على وجه الخصوص أمران يلزم أن نخشاها بصورة جادة في ممارستنا للأعمال الصالحة وهما: الكسل والخداع. قيل بالنبي حسب الترجمة القديمة: "ملعون من يعمل عمل الرب بخداع ورخاوة" (إر 48: 10). فالإنسان يرتكب جريمة الخداع في عمل الرب عندما يحب ذاته بمبالغة من أجل الأعمال الصالحة التي فعلها. فيبذل كل وسعه أن يحول الأعمال الصالحة إلى مكافأة. كذلك يليق بنا أن نضع في ذهننا أنه يوجد ثلاثة طرق يُمارس فيها الخداع. إن يكون هدفه إما كسب المشاعر الخفية لزملائه المخلوقين، أو طلب المديح، أو نوال نفع خارجي (مادي). على نقيض ذلك قيل بالنبي عن الإنسان المستقيم: "طوبى لمن ينفض يديه عن كل منفعه" (راجع إش 33: 15)... وذلك إن كان لا يهدف إلى نوال مجد باطل من زملائه، ولا إطراء من شفاههم، ولا هبات من أياديهم... لهذا لأن الأعمال الصالحة ذاتها لا تقدر أن تهرب من الخطية الكامنة ما لم تُحرس بمخافة شديدة. لذلك بحق قال القديس في هذا الموضع: "كنت خائفًا من كل أعمالي". البابا غريغوريوس (الكبير) |
|