رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يتصارع أبناء المجتمع الحديث من أجل تحديد موقف خلقي وقانوني من مسألة إسقاط الجنين قبل اكتماله أو قبل ولادته. فمنهم من يؤيد حرية الأم في تحديد مصير الجنين وهم معروفون بأنصار حركة حرية الاختيار Pro Choice Movement، ومنهم من يعارض ذلك معتقداً أنهم من حُمَاةْ الأجنة، وأنّ الإجهاض أمر غير شرعي وغير خلقي ، وهم معروفون بحركة أنصار الحياة Pro life Movement. فالمناقشة محتدمة. احتداماً قوياً لدرجة أنها أمست من أهم القضايا التي تؤثر في المجتمع الحديث وحتى في نتائج معارك الرئاسة في الدول الحديثة. - أنواع الإجهاض الإجهاض ثلاثة أنواع: 1- الإجهاض التلقائي يحدث عادة عندما يعجز الجنين عن النمو والتطور إلى خلق سوي ، أو عندما يصيب الأم داء أو أذى في مرحلة من مراحل الحمل فيموت بسبب ذلك الجنين أو يسقط سقوطاً تلقائياً. 2- الإجهاض المُتَعَمَّد ثلاثة ضروب: أ- ضرب علاجي: وهو إجهاض يقوم به الطبيب إنقاذاً للأم من خطر يهدد صحتها. ب- ضرب اختياري: تلجأ إليه الأم اعتقاداً منها بأن الجنيين هو مجرد امتداد لجسدها أو تورم لا حياة فيه، أو تخفيفاً من أعباء تنشئة إنسان جديد، أو اجتناباً للفضيحة والعار. ت- ضرب مخبري: إتلاف الأجنة المُلَّقحة المُثلَّجة. وهذا الضرب لا يعتبر عند الكثيرين بأنه إجهاض . لكن من وجهة نظر أرثوذكسية، هو بمثابة إجهاض مُتَعَمَّد يهدف إلى التخلص من الجنين الحي المُثَلَّج. فالحياة في نظر الكنيسة تبتدئ ساعة التلقيح. وبذلك يكون إتلاف الأجنة الملقحة إجهاضاً. - الكتاب المقدس والإجهاض: هناك موقف اللاعنف تجاه الأطفال سائدٌ في الكتاب المقدس من التكوين حتى الرؤيا. لنبدأ في العهد القديم. أ- العهد القديم: من العهد القديم نفهم أن غير المولود هو خليقة الله. يحذّر كتاب اللاويين من تقديم الأولاد محرقة. يقول كتاب اللاويين: "لا تعطِ من نسلك محرقة تطيب رائحتها للوثن مُولك لئلا يتدنس اسم الرب إلهك. أنا الرب." (لاويين21: 18). القتل في الكتاب محرم ولذلك جاءت الوصية "لا تقتل" (خروج 20: 13) الخِصب في العهد القديم يجئ من الله. والله يعطي الوعد لأبناء إبراهيم. "من يخرج من صلبك هو الذي يرثك." (تكوين 15: 4) الرب هو الذي يرزق نسلاً أو يمنع عن النسوة الولادة. فقالت ساراي لإبراهيم: "الرب منع عني الولادة." (تكوين 16: 2) وراحيل تصرخ لزوجها: "أعطني ولداً وإلا أموت" (تكوين 30: 1). أما يعقوب فاحتدَّ على راحيل وقال: " هل أنا مكان الله، هو الذي حرمك ثمرة البطن." (تكوين 30: 2). الله إذاً هو معطي الخصوبة والحياة. أما العقم فهو كالألم والموت . الله يَتَفَقَّد العاقر كما تَفَقَّدَ سارة وولدت لإبراهيم ابناً في شيخوخته (تكوين 21: 2). يقول يعقوب لأبنائه معطياً الوصية الأخيرة في كتاب التكوين: "بإله أبيك الذي ينصرك، بالقدير الذي يباركك. بركات السماء من فوق" (تكوين 49: 25). الله يذكر المرأة ويصغي إليها ويفتح رحمها. (تكوين 30 : 6، 24، 32). وسفر هوشع يذكر كيف قبض يعقوب وهو في البطن على عقب أخيه فيقول: "فيعقوب وهو بعد في البطن، قبض على عقب أخيه، وفي أوان رجولته صارع الله" (هوشع 12: 3-4). وفي كتاب القضاة يقول ملاك الرب لامرأة منوح وهو من قبيلة دان. "أنتِ عاقر ولكنكِ ستحملين وتلدين ابناً. والآن فانتبهي لا تشربي خمراً ولا مُسْكِرَاً ولا تأكلي شيئاً حرمته الشريعة." (قضاة 13: 3-4). الرب في كتاب أيوب هو موجد الجنين في رحم المرأة. "أما صانعي في البطن صانعه، وواحد صورنا في الرحم." (أيوب 31: 15). كتاب المزامير يؤكد الشيء نفسه: "ما خفيت عظامي عليك ، فأنت صنعتني في الرحم، وأبدعتني هناك في الخفاء." (مزمور 139: 13-15). وإشعيا يذكر دعوة الرب له من الرحم فيقول: "الرب دعاني من رحم أمي ، ومن أحشائها ذآر اسمي." (إشعيا 49: 1). الاختيار من الرحم شائع في الكتاب. "فقال الرب الذي جبلني من الرحم عبداً له لأرد يعقوب إليه." (إشعيه 49: 5). وكتاب المزامير يؤكد عناية الله بالأجنة فيقول: "رأتني عيناك وأنا جنين. " (مزمور 139: 16). وكتاب أرميا يؤكد الدعوة من البطن والتكريس كذلك فيقول: "قبل أن أصورك في البطن اخترتك، وقبل أن تخرج من الرحم كرستك وجعلتك نبياً للأمم." (إرميه 1: 5). لما جاء أليشع إلى دمشق بكى فلما سأله حزائيل موظف بلاط دمشق لماذا تبكي ، أجاب: "لأني علمت بما ستفعله ببني إسرائيل من الشر. فأنت ستحرق حصونهم بالنار وتقتل فتيانهم بالسيف وتسحق أطفالهم وتشق الحوامل من نسائهم." (الملوك الثاني 8: 12). ولكن هناك نص واحد في كتاب العدد ( 5: 11-22) متنازع عليه، لأنه يعالج مشكلة منعزلة ألا وهي المجامعة غير الشرعية. "أي رجل مالت زوجته إلى خيانته، فجامعها رجل وأخفى ذلك عن عيني زوجها، واستتر تنجسها، ولا شاهد عليها، وما أفشي سرها، وداخلته روح الغيرة فغار على زوجته وهي نجسة أو غير نجسة… يأتي بزوجته إلى الكاهن مع قربان… فيجعل الكاهن على راحتيها قربان التذكار تقدمه الغيرة ، وفي يده الماء المر الجالب اللعنة… ويحلفها ويقول لها…."يجعلك الرب لعنة ومسة بين شعبك، بأن يجعل وركك ساقطة وبطنك وارما، ويُدخلَ هذا الماء الجالب اللعنة في أمعائك لتوريم البطن وإسقاط الورك". هذه الحالة كانت لها هدفاً وقائياً أكثر من أن تكون قصاصاً. - العهد الجديد: • يوحنا المعمدان: لما سمعت أليصابات سلام مريم تحرك الجنين في بطنها. "ما إن سمعت سلامك حتى تحرك الجنين من الفرح في بطني." (لوقا 1: 43). • دور العذراء في الحفاظ على الجنين: العذراء ائتمنت على الجنين الإله. التأقنم حصل في الرحم منذ ساعة الحمل . والعذراء دخلت في علاقة مع الإله المتجسد في بطنها. اختيار الله للرسل من الرحم واضح في قول الرسول: " ولكن الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمي، فدعاني إلى خدمته. " (غلاطية 1: 15). اختيار الله بقي مخفيا لسنوات إلى أن أعلنه الله في الوقت الذي حدده. وكما أن قصد الله يبقي مكتوماً إلى أن يعلنه الله كذلك يبقى قصد الله في الجنين مكتوما إلى أن يعلنه الله في حينه. إذاً الجنين في الكتاب المقدس هو هبة الله. يقول بولس "أما تعرفون أنكم هيكل الله، وأن روح الله يسكن فيكم؟ فمن هدم هيكل الله هدمه الله، لأن هيكل الله مقدس، وأنتم أنفسكم هيكل الله." ( 1 كور 3: 16-17). - المواقف المسيحية الأولى المتعلقة بالإجهاض: • لنبدأ بتعليم الرسل الاثني عشر وبرنابا الذين يحرمان الإجهاض: يقول تعليم الرسل الإثني عشر: "لا تقتل مولودا بإجهاض أمه، ولا تقتله إذا ما خرج إلى الحياة. • ورسالة برنابا تقول الشيء نفسه: "لا تقتل الجنين في بطن أمه، ولا تقتله بعد ولادته". • وفي أواخر القرن الثاني يقول المدافع أثيناغوراس: "الجنين في الرحم هو موضوع عناية الله. نحن نقول بأن النسوة اللواتي يجهضن هن قاتلات. وسيؤدين الحساب أمام الله". • وترتليان يقول: "القتل عندنا ممنوع بشكل مطلق، وحتى قتل الطفل في الرحم. فعندما يتم استقاء دم الأم لتكوين كائن بشري، لا يحل لنا تدميره . أن نمنع الولادة هو قتل سريع. لا فرق إن أودى بحياة مولود أو أدمر طفل على وشك الولادة. المرء من هو في صيرورته إنسانا. الثمر موجود في البذرة". • إقليمُس الإسكندري عد الإجهاض مساويا لجريمة ضد البشرية . ووسع مفهوم مطابقة قانون الطبيعة. فالمولود وغير المولود هما من نماذج العناية الإلهية. - هناك عدة نقاط مهمة في كتابات الآباء الأولين: 1- غير المولود هو خليقة الله، أي كائن وشخص وقريب. 2- الإجهاض قتل وجريمة. 3- عقاب الله سيحل بأولئك الآثمين بسبب ممارستهم الإجهاض. 4- مقاومة الإجهاض جزء من الأخلاقية المسيحية الواسعة للحب وعدم العنف. 5- لا نجد تفريقاً في كتاباتهم بين الأجنة المكونة وغير المكونة وبين وجود النفس وعدمها. 6- رغم الاضطهاد الذي حل بالمسيحيين، فإنهم رفضوا أن يعتبروا غير المولود جزءا من جسد الأم. وبخلاف ذلك أعطوا أهمية كبرى لفاعلية الله في الرحم. 7- إن قداسة غير المولود اتخذ بعداً أعمق في ضوء المسيح. فالمسيحية تؤمن بأن الله صار جنيناً في رحم العذراء. 8- رفضوا الممارسة القاتلة لذوي النقص والعلة. 9- استخدموا حجة المحافظة على الأجنة كوسيلة لدحض القائلين بأن المسيحيين هم من أكلي لحوم البشر. أما مينوسيوس فيليكس في أوائل القرن الثالث فقد جعل الإجهاض وقتل الأطفال على حد سواء. • ورسالة القديس باسيليوس الأولى إلى أمفيلوخيوس التي مرسلة تحت شكل تشريعي ، يقول: "وتعد المرأة التي تأخذ عقارا للإسقاط قاتلة". • والذهبي الفم يعتبر المجهضات أسوأ من القاتلات. الذهبي الفم يفسر رأيه عن الإجهاض فيقول: "لا أعرف كيف أسميه، لأنه لا ينتزع حياة من يولد، ولكن يمنعه من الولادة. لماذا تشوه خليقة الله، وتحارب قوانينه، وتتبع اللعنة وكأنها بركة، وتجعل حُجرة الولادة حُجرةً للقتل، وتُعد المرأة المخصبة للقتل". • أما القانون 21 من مجمع أنقرة فينص: "قد حدد في قانون سابق أن تقطع الزواني اللواتي يجهضن الأطفال أو يصنعن العقاقير للإجهاض من الشركة حتى ساعة الموت. وقد وافق البعض على هذا. ومع ذلك فنحن نرغب في أن يعاملن ببعض الشفقة، ولذلك قد حددنا بان يقضين عشر سنوات في التوبة حسب الدرجات المذكورة". • القانون 91 من مجمع ترولو يردد الشيء نفسه فيقول "إن النساء اللواتي يعطين عقاقير لإسقاط الجنين واللواتي يأخذن السموم لقتل الجنين يقعن تحت العقاب". • وفي الغرب أدان اللاهوتيون الغربيون الإجهاض، لأن الجنين هو عمل الله وحده كما يقول لوثر.[13] وكلفن اعتبر كل إجهاض هو نوع من أنواع القتل المرعبة. - لتلخيص الموقف المسيحي علينا أن نؤكد ما يلي: 1- المسيحية اعتبرت غير المولود خليقة الله، كائناً متميزاً عن المرأة وإن عاش في أحشائها. (معمودية المرأة الحامل لا تعني معمودية الطفل، القانون 6 من مجمع قيصرية الجديدة). 2- المسيحية تؤكد قداسة الحياة الإنسانية ولاأخلاقية الإجهاض. 3- آمنت الكنيسة بأن غير المولود ذو شخصية قائمة بذاتها حتى لو أنه لم ينمو نموا كاملاً في الجسد. 4- الكنيسة لم تميز بين الكائن المكون وغير المكون، وبين المولود وغير المولود. لا يمكن إتلاف الحياة عندما لا نريدها أو عندما تكون نوعية الحياة أدني من المعتاد. لذلك يجب أن تتعاطف الكنيسة مع غير المولودين وتهتم أيضا بمعالجة النساء اللواتي لا يردن الجنين ويسعين إلى الإجهاض. |
|