رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإنسان الروحي إنسان قوي الإنسان الروحي هو إنسان قوى. ونقصد قوة الروح.. كما أن القوة غير العنف. هو إنسان قوى، لأنه صورة الله ومثاله (تك 1: 27)، والله قوى. وهو كابن لله، من المفروض أن يكون قويا في الروح.. الإنسان الروحي هو هيكل للروح القدس (1كو 6: 19). والروح القدس ساكن فيه (1كو 3: 16). وهكذا ينال قوة من الروح الذي يعمل فيه بقوة.. ويتحقق فيه وعد السيد المسيح الذي قال: "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع 1: 8). وقد قال عنها إنها قوة من الأعالي" (لو 24: 49). وظهرت هذه القوة في كرازة الآباء الرسل. وهكذا ورد في سفر أعمال الرسل "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع 4: 33). وبذلك أيضًا تحقق قول الرب "إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت، حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" (مر 9: 1). قوة الإنسان الروحي هي من الله نفسه: كما قال داود النبي في المزمور "قوتى وتسبحتى هو الرب. وقد صار لي خلاصًا" (مز 118: 14). وكما قال القديس بولس الرسول "تقووا في الرب وفي شدة قوته." (أف 6: 10). وقال أيضًا "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى" (فى 4: 13). وعبارة "استطيع كل شيء "تدل على مدى القوة التي يحصل عليها الإنسان الروحي في المسيح يسوع حتى أن الرب يقول: "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر 9: 23). ومادام كل شيء مستطاعًا له، إذا لا يجوز أن يقع إنسان روحي في اليأس أو الانهيار أو صغر النفس. لأنه بإيمانه يصير قويا في الداخل، قوى النفس قوى الروح. لا يضعف ابدا، ولا، ولا يقلق ولا يضطرب، ولا يقف عاجزا. إنه قوى بالله الذي يعمل فيه، الله الذي يقوبه.. هذه القوة تنطبق على الافراد والجماعات: تنطبق على الانسان الروحي كمؤمن، وعلى الكنيسة كجماعة مؤمنين. وهكذا ورد في سفر النشيد عن تخت سليمان الذي يرمز إلى الكنيسة "تخت سليمان حوله ستون جبارا من جبابرة إسرائيل. كلهم قابضون سيوفا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه على فخذه من هول الليل" (نش 3: 7، 8). وفي سفر النشيد أيضًا من أوصاف القوة التي وصفت بها الكنيسة والنفس البشرية: "شبهتك يا حبيبتى بفرس في مركبات فرعون" (نش 1: 9). الفرس – وأيضًا الفرسان – رمز إلى القوة (أش 31: 1) والفرس في مركبات فرعون هو "فرس معد ليوم الحرب" (أم 21: 31). ولم يكن فرعون يختار لمركباته إلا أقوى الأفراس واشدها. وبهذا التشبيه يصف الرب بالقوة كنيسته التي تحبها.. ولعل هذا التشبيه دليل على أن سفر النشيد له رموزه الروحية، وليس مجرد أغنيات متبادلة بين حبيب وحبيبته كما يتهمه البعض!! لأنه لا توجد فتاة تقبل أن يصفها حبيبها بفرس في مركبات فرعون. وبنفس المنطق نتحدث عن قول الرب في سفر النشيد عن حبيبته الكنيسة بأنها: "مرهبة كجيش بألوية" (نش 6: 4). وكلمة ألوية هي جمع لواء من لواءات الجيش. واللواء يضم عددا كبير من الكتائب والسرايا والأليات. وقد تكرر وصف الكنيسة أو النفس البشرية بانها مرهبة كجيش بألوية في نفس الاصحاح من سفر النشيد (نش 6: 10). وطبعًا من المستحيل أن تقبل حبيبة أن يصفها حبيبها بأنها مرهبة..! وأنها مرهبة كجيش من عدة لواءات..! إذن الحديث رمزى عن الكنيسة أو النفس البشرية. هذه هي النفس التي عاشت مع الله، وأخذت من قوته قوة لحياتها. فالإنسان الروحي تأخذ روحه قوة من الروح القدس الساكن فيه. إنه عضو في جماعة الغالبين المنتصرين، الذين يحاربون حروب الرب بقوة. ويدعوهم الكتاب المقدس بأنهم "جبابرة باس " نقرأ في سفر القضاة أن ملاك الرب خاطب جدعون بقوله "الرب معك يا جبار البأس" (قض 6: 12). وداود النبي قيل عنه إنه يحسن الضرب بالعود وأنه جبار بأس وفصيح والرب معه (صم 16: 18).. وقيل عن البنين الصالحين إنهم "كسهام بيد جبار" (مز 128: 4). وقيل أيضًا عن رجال يشوع الذين دخل بهم أرض الموعد إنهم كانوا جبابرة بأس (يش 8: 3).. كل هذ وغيرها رموز للذين يدخلون الحروب الروحية ضد "أجناد الشر الروحية". إنه الأقوياء في الروح يحملون سلاح الله الكامل، ودرع الإيمان، وترس البر، وخوذة الخلاص وسيف الروح (أف 6: 11-17). وقد ضرب الكتاب أمثلة كثيرة من أولئك الأقوياء. مثال ذلك إيليا النبى، الذي طهر البلاد من كل أنبياء البعل وأنبياء السوارى (1مل 18: 19، 40). وكذلك يوحنا المعمدان الذي قال عنه الملاك المبشر به إنه "يتقدم أمام الرب بروح إيليا وقوته.. لكي يهيئ للرب شعبا مستعدًا" (لو 1: 17). واسطفانوس الشماس الذي كان مملوءا من الروح القدس والإيمان. وقد وقف أمامه ثلاثة مجامع يحاورنه "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع 6: 9، 10). وقد سرد بولس أسماء سلسلة من هؤلاء الأقوياء. وقد ختمها بقوله "و ماذا أقول أيضًا لأنه يعوزنى الوقت عن.. الذين بالايمان قهروا ممالك، صنعوا برًا، نالوا مواعيد، سدوا أفواه أسود، أطفأوا قوة النار، ونجوا من حد السيف، تقووا من ضعف، صاروا أشداء في الحروب، هزموا جيوش غرباء.. عذبوا ولم يقبلوا النجاة، لكي ينالوا قيامة أفضل.. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم" (عب 11: 23-38). وشرح لنا تاريخ الكنيسة أمثلة كثيرة من الأقوياء. وأمثال أولئك الشهداء، الذين كانوا أقوياء في إيمانهم، أقوياء في احتمالهم، أقوياء أيضًا في العجائب والآيات التي أجراها الله على أيديهم.. وهناك أمثلة أخرى من أبطال الإيمان الذين وقفوا بكل قوة ضد البدع والهرطقات، ودافعوا عن الإيمان بقوة في الفهم وقوة في الاقناع، وفي الصمود. ومن أمثلة أولئك القديس أثناسيوس الرسولى، الذي وقف ضد الهرطقة الأريوسية، واحتمل العزل والنفى والمؤامرات والاتهامات. وقيل له "العالم كل ضدك يا أثناسيوس"، فقال "وأنا ضد العالم". لذلك أسموه: Athanasius Contramondum أي أثناسيوس ضد العالم. لقد خلق الإنسان قويا. له سلطان: وقال الله "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض، واخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على وجه الأرض" (تك 1: 28، 26). ولكن الإنسان فقد قوته الطبيعية حينما أخطأ، وبدأ يشعر بالخوف.. وعاد الله يقوى الإنسان بعمل النعمة فيه، بقوة الروح القدس.. ويقويه بوعوده، وبأنه معه.. الإنسان الروحي يذكرنا بالأرواح، بالملائكة. أولئك الذين قال عنهم داود النبي "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة" (مز 103: 20). هؤلاء الملائكة الذين قال دانيال النبى عن واحد منهم "إلهى أرسل ملاكه، فسد أفواه الأسود" (دا 6: 22). وقيل في سفر الملوك: ملاك الرب خرج وضرب من جيش سنحاريب 185 ألفًا (2مل 19: 35، 36). قوة الملائكة مصدرها أنهم أرواح قريبون من روح الله. يتشبه بهم كل من يسلك بطريقة روحية، ويدخل في شركة الروح القدس، ويعمل الله فيه. لذلك فالإنسان الروحي الذي يعمل فيه روح الله، لابد أن يكون قويا. داود النبي الذي حل عليه روح الرب (1صم 16: 13) كان قويا. وكان أقوى من شاول الملك. وكان حينما يتعب شاول من الروح الشرير، يهدئه داود بعوده، ويذهب عنه الروح الردئ (1صم 16:23)، لأن روح الله الذي في داود هو الذي يطرده.. بل كان داود أقوى من الجيش كله الذي خاف من جليات،أما داود فتقدم لمحاربة جليات وقال له "في هذا اليوم يحبسك الرب في يدى.." (1صم 17: 46). الإنسان الروحي لا يخاف، لأن الله معه: وهكذا قال داود النبي للرب راعية "إن صرت في وادى ظل الموت، لا اخاف شرًا، لأنك أنت معى" (مز 23: 4). واستطاع أن يغنى أنشودته الجميلة "إن يحاربنى جيش، فلن يخاف قلبى. وإن قام على قتال، ففى ذلك أنا مطمئن" (مز 27: 3). وقال أيضًا "هولاء بمركبات، وهولاء بخيل، ونحن باسم الرب ننمو. هم عثروا وسقطوا، ونحن قمنا واستقمنا" (مز 20: 7). هنا قوة قلب الإنسان الروحي المستمدة من الله. إنه لا يخاف، لأن الله معه. الله الذي قال ليشوع "تشدد وتشجع. لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب"، "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك. تشدد وتشجع" (يش 1: 9، 5). هو أيضًا الذي قال لبولس الرسول في رؤيا بالليل "لا تخف، بل تكلم ولا تسكت. لأنى أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 9، 10). وهو أيضًا الذي لإرميا النبى "هانذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، عمود حديد، وأسوار نحاس على كل الأرض.. فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأنى أنا معك يقول الرب لأنقذك" (أر 1: 18، 19) لذلك أنا أعجب، حينما يضعف الخير، ويقوى الشر أمامه!! أعجب حينما أرى أهل العالم أقوياء، ولهم شخصية وثقة، ويجاهرون بآرائهم، ويصلون إلى أغراضهم، ولا يهتزون أمام العواصف.. بينما رجال الله يقفون كضعفاء ولا يصمدون! كما لو كان الشر أقوى من الخير! أو الشر هو الذي يغلب!! فلماذا هذا الضعف؟! ولماذا لا يقف الخير صامدًا، يعلن عن البر ويدعو إليه، كما كان الرسل "بكل مجاهرة وبلا مانع" (أع 28: 31). إن القوة الروحية، ليست مطلقا ضد الوداعة والتواضع. كثيرون يحبون الوداعة، ولكنهم يفهمونها بأسلوبًا خاطئ.. الوداعة تتصف بالطيبة والهدوء. ولكنها لا تمنع مطلقا أن يكون الإنسان قويا في شخصيته، ومع ذلك يكون وديعا ومتواضعا.. وهنا التكامل والفضائل، وليس التناقض.. والسيد المسيح كان مثالا لهذا التكامل. فهو الذي قال "تعلموا منى، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). وفي نفس الوقت كان قويا في شخصيته، قويًا في حواره مع كل معارضيه من الكتبة والفريسيين والكهنة والشيوخ والصدوقيين. وكان يفحمهم، وينشر رسالته في قوة.. وهو الذي قيل عنه "لبس الجلال. لبس القوة وتمنطق بها" (مز 93: 1) وقيل له أيضًا: "تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار. أستله وانجح واملك" (مز 45:3).. له القوة والمجد. إذن من الممكن أن يكون الإنسان وديعا وقويا. والمهم ما هو مفهوم القوة؟ وما هو أيضًا مفهوم الوداعة والتواضع؟ ما هو مفهوم القوة؟ وما الفرق بين القوة الزائفة والقوة الحقيقية؟ القوة هي قوة الروح في الداخل، تعبر عن ذاتها في الخارج بأسلوب روحي. القوة ليست هي العنف. فالمسيحية ضد العنف. وليست هي حب السيطرة وإخضاع الآخرين. وليست هي التهور والاندفاع والجرأة على كل ما هو كبير.. كتلميذ يتحدى معلمه، أو ابن يتجرأ على أبيه.. وليست القوة هي قوة شمشونية، في الجسد والعضلات.. ولا هي الاعتداد بالنفس بأسلوب خاطئ، والافتخار بهزيمة الآخرين، ولا هي استخدام السلطان في غير موضعه.. ولا هي الإدعاء باللسان، كما قال بطرس "لو أنكرك الجميع، فأنا لا أنكر". "ولو اضطررت أن أموت معك، لا أنكرك "مت 26: 33، 35).. ولما دخل إلى الواقع العملي، لم تظهر هذه القوة!! والقوة ينبغى أن تكون دائما ومستمرة. فما أسهل أن يظهر الإنسان قويا في موقف معين. ثم ما يلبث أن يفقد قوته في موقف آخر. كما أثبت شمشون قوته في مواقف عديدة. ثم ضعف أخيرا أمام دليلة (قض 16). وما أكثر الأسباب التي يضعف بها الإنسان ويفقد قوته. فقد يضعف الإنسان أمام رجاء من يحب، أو يضعف أمام دموع البعض.. وقد يضعف أمام كثرة الألحاح، أو أمام ضغط عاطفي أو مادي.. وقد يضعف إذا ما أشتد الاغراء، كما حدث مع داود النبي.. وعمومًا يضعف في الخارج، إذا ضعف من الداخل. والإنسان الروحي يصمد أمام كل هذه الأسباب. وإن حدث أنه ضعف وسقط، سرعان ما يقول. ويردد ما قيل في سفر ميخا النبى "لا تشمتي بى يا عدوتي. فإنى إن سقطت أقوم" (مى 7:8). الإنسان الروحي، قوته قوة روحية. ولهذه القوة أسباب عديدة: ما هي تلك الأسباب التي هي مصدر قوته؟ وما هي أيضًا عناصر تلك القوة في روحه ونفسه وفكره؟ وما مظاهرها في حياته وفي خدمته وفي فضائله؟ |
|