رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في مكان الله وفي أن الله وحده غير محدود القديس يوحنا الدمشقي المكان الجسماني: - المكان جسماني وهو نهاية الفضاء الواسع حيث يوسع الموسوع. مثلاً إنّ الهواء يتّسع للجسم والجسم يوسع فيه. وليس كل الهواء الواسع مكان الجسم الموسوع بل هي حدود الهواء الواسع التي تمسّ الموسوع. وذلك حتماً، لأن الواسع ليس في الموسوع. المكان العقلاني -ليس الله في مكان- مكان الله يفوق الطبيعة: - وهناك مكانٌ عقلاني فيه تُعقل الطبيعة العقلية اللاجسمية، وفيه توجد وتَعمل. لكنها لا تُوسعُ اتساعاً جسمياً، بل عقلياً. فليس لها جسم لكي توسع اتساعاً جسمياً. فإن الله إذاً -الذي هو لا مادي وغير محدود- هو أيضاً ليس في مكان، بل هو مكان لذاته، وهو يملأ الكل وهو فوق الكل وهو نافذٌ في الكل. ويُقال بأنه تعالى في مكان، ويقال مكان الله حيث يكون فعله فيه واضحاً. وهو ينفذ بذاته في الكلّ دون اختلاط ويُشركُ الجميع بفعله نفسه، كلاٍّ على حسب طاقته واستيعاب قوته -أي على حسب طهارته الطبيعية والطوعية. فإن ما كان منها خالياً من المادة أطهرُ من الماديات، وما كان منها تُمارس فيه الفضيلة أطهرُ من التي هي تحت نير الشر. إذاً إن ما يدعى مكان الله هو ذاك الذي له نصيب أوفر في فعله تعالى ونعمته. لذلك "فالسماء عرش له" (اشعيا6: 1)- لأن فيها الملائكة يتممون مشيئته ويمجدونه على الدوام-. و"الأرض موطئُ قدميه" (اشعيا66: 1)- لأنه "تراءى عليها بالجسد وتردّد بين البشر" (باروك3: 38)-. وتطلق تسمية "رِجل الله" على جسده المقدس. ويُقال للكنيسة أيضاً مكان الله لأنها مخصصة لتمجيده، كأنها قطاعٌ فرزناه لنقيم فيه ابتهالاتنا إليه. كذلك أيضاً الأمكنة التي يتمّ فيها فعلُ الله ظاهراً -بجسدٍ وبلا جسد- تسمى أمكنة الله. ويجب أن نعلم أن الإله لا يتجزأ، لأنه كلَّه كائن في كل مكان، وليس موزعاً كالأجساد جزءاً في جزء، بل كلّه في جميعها وكلّه فوق جميعها. في مكان الملائكة والنفس. وفي ما لا يمكن حصره وما يمكن حصره: - الملاك لا يُحصر في مكان حصراً جسمانياً لكي يمكن تمثيله بصورة وبشكل. ومع ذلك يُقال إنه في مكان، لحضوره حضوراً عقلانياً وفعله بحسب طبيعته. وهو لا يوحد إلا حيث يُحصر حصراً عقلانياً، ومن ثم يفعل أيضاً. وإنه لا يستطيع أن يفعل في آنٍ واحد في أمكنة مختلفة، لأنَّ الله وحده يعمل في كل مكان في آنٍ واحد، إلاَّ أنّ الملاك -لسرعة طبيعته- ينتقل انتقالاً فجائياً أي سريعاً، فيعمل في أمكنة مختلفة. لكنّ الإله الكائن في كل مكان وفوق الجميع، يفعل في الوقت نفسه أفعالاً مختلفة بفعل واحد بسيط. أمّا النفس فترتبط كلُّها بالجسد كله -لا جزءٌ في جزءٍ- ولا يستولي عليها الجسد، بل هي تستولي عليه، مثلها مثل النار والحديد. لمَّا تكون فيه تفعل أفعالها الخاصة.
وعليه إنّ الإله وحده غير محدود، لأنه لا بدءَ له ولا نهاية، وهو يُحيط بالجميع، ولا يمكن أيَّ إدراك الإحاطةُ به. فهو وحده لا يُدرك ولا يُرى ولا أحد يعرفه، وهو وحده قادرٌ على مشاهدة ذاته. أمّا الملاك فهو محدود في الزمان، لأنه ابتدأَ أن يكون، وفي المكان، ولو عقلانياً، كما سبق وقلنا، وفي الإدراك أيضاً. لأنَّ الملائكة يعرفُ بعضهم طبيعة بعضٍ كيف هي، على حسب ما حدّد الخالق كما هذه المعرفة. والأجسام أيضاً محدودة في بدئها ونهايتها ومكانها الجسميّ وإدراكها. في الله الآب، وفي الابن، وفي الروح القدس - وفي الكلمة والروح: - إنّ الإله إذاً لا يتحوّل البتة ولا يتغيّر. وقد سبق وحدّدَ بسابق معرفته كلّ ما هو ليس في مقدورنا، كلاًّ على حسب ما يخصُّه ويليق به من زمان ومكان. وبمقتضى ذلك، "إن الله لا يدين أحداً، بل أعطى الحكم كله للابن" (يو 5: 22). ومن الواضح أنّ الآب قد دان، والابن كذلك لكونه إلهاً، والروح القدس أيضاً. غير أن الابن نفسه قد أتى بالجسد كإنسان، ويجلس على عرش المجد - والمجيءُ والعرشُ من شأن الجسد المحدود -فيدين المسكونة كلّها بالعدل.
إن للروح معاني مختلفة، فهو الروح القدس - ويقال أيضاً لقوى الروح القدس أرواحاً. والروح أيضاً هو الملاك الصالح، والشيطان أيضاً روح، والنفس روح، وقد يُدعى العقل أيضاً روحاً. والريح روح أيضاً والهواء روح. |
|