رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 59 - تفسير سفر المزامير أنت ملجأي من الكامنين لنفسييمثل هذا المزمور مرثاة شخصية لإنسان بار يدخل في ضيقة تصدر عن أصدقاء له ومواطنين معه، حيث يقدمون ضده اتهامات باطلة. لكن تتحول المرثاة إلى تسبحة شكر لله الذي يخلصه من الضيق. سجل داود النبي هذا المزمور عندما حاصر شاول الملك بيته، ليقبض عليه ويقتله. لكن زوجته ميكال -ابنة شاول- أنقذته من القتل، إذ دلَّته من السور (1 صم 19: 12)، وذلك كما جرى لبولس الرسول في دمشق(أع 9: 25). قالت ميكال للحراس إن داود مريض، فكانوا يحرسون الباب الليل كله، منتظرين قيامه من سرير مرضه، وفي النهار عرف الملك وجواسيسه حيلة ميكال. يرى البعض في هذا الحدث نبوة عما يحدث مع السيد المسيح، حيث كان الحراس واقفين حول القبر، وكان الحجر مختومًا، وفي فجر الأحد وجدوا الأكفان والقبر فارغًا. لقد قام من الأموات كما من الرقاد، وذلك بقوة لاهوته. 1. طلب الخلاص من الأشرار 1-7. 2. ثقة المرتل في الله المخلص 8-10. 3. هلاك الأشرار 11-15. 4. تسبيح لله المخلص 16-17. من وحي مز 59 العنوان لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ. عَلَى لاَ تُهْلِكْ. مُذَهَّبَةٌ لِدَاوُدَ لَمَّا أَرْسَلَ شَاوُلُ، وَرَاقَبُوا الْبَيْتَ لِيَقْتُلُوهُ. قدم المرتل هذه الصلاة أو الصرخة نحو الله لإنقاذه، إذ كانت عداوة شاول له في بدايتها. لقد بدأ حقد شاول ينفجر، فارتبك داود في حزنٍ ومرارةٍ، لكنه كان رابط الجأش، يؤمن أن طريق الخلاص الوحيد هو الالتجاء إلى الله بالصلاة والشركة معه، والتسبيح له. جاء في العنوان حسب الترجمة السبعينية: "لداود لنقش على عمود By David for pillar inscription". يرى القديس أغسطينوس في هذا العنوان التطلع إلى الصليب لنرى النقش أو العنوان الذي على صليب السيد المسيح، حيث نجد عنوان علته مكتوب بثلاث لغات، حتى يقرأه العالم كله، ويدرك أنه يملك علينا. وبالقول: "لا تهلك" يشير المرتل إلى اليهود الذين احتجوا على هذا العنوان لدى بيلاطس بنطس، فلم يرد أن يغير العنوان أو يبدد ما كتبه، بل قال: "ما كتبت قد كتبت" (يو 19: 22). يختم القديس أغسطينوس حديثه بالقول: [لندرك هنا أيضًا الآم الرب، وليتحدث إلينا المسيح: الرأس والجسد]. هكذا يرى القديس أغسطينوس في عنوان المزمور حديثًا موجهًا إلينا بخصوص ابن داود الملك المصلوب، كما يخص الكنيسة الملكة المتألمة بكونها جسد المسيح الرأس. 1. طلب الخلاص من الأشرار <SPAN lang=ar-sa> أنْقِذْنِي مِنْ أَعْدَائِي يَا إِلَهِي. مِنْ مُقَاوِمِيَّ اَحْمِنِي [ع1]. إن كانت ميكال ابنة شاول قد قامت بإنقاذ داود زوجها من يد أبيها، فإن داود من جانبه أدرك أن الخلاص ما كان يمكن أن يتحقق دون تدخل العناية الإلهية. الله وحده قادر أن يرفعه فوق حقد شاول وكل خططه. لقد وضع شاول الملك خطة مُحكمة لقتل داود صباحًا عند خروجه من بيته. فقد أرسل عددًا كافيًا لمحاصرة البيت من كل جانب، واختار أشخاصًا أقوياء لن يقدر داود على مقاومتهم والإفلات من أياديهم، وبهذا تأكد شاول من تحقيق ما في قلبه (1 صم 19: 11). لكن الله استخدم ميكال زوجة داود الأمينة وابنة شاول لكي ينزل من طاقة في البيت (1 صم 19: 12)، فتحققت طلبة داود في المزمور، لقد دلته ميكال من طاقة ليهرب. لكن داود شعر كأن الله قد رفعه إلى برجٍ عالٍ لا تقدر الأيادي أن تبلغ إليه وتلمسه. يرى البعض مثل آدم كلارك أن هذا المزمور يناسب أحداث بناء أسوار أورشليم على يديّ نحميا، مع مقاومة سنبلَّط وطوبيا وجشم ضد نحميا والعاملين معه، حتى لا يقوموا ببناء أسوار أورشليم. ضاقت نفس داود، فقد كرَّس الملك شاول طاقاته لقتله. "وكلم شاول يوناثان ابنه وجميع عبيده أن يقتلوا داود" (1 صم 19: 1). حقًا لقد خططت ميكال ابنة شاول لإنقاذ رجلها داود، لكن داود، وقد ركزَّ عينيه على الله، أدرك أن الخلاص لن يتحقق إلاَّ من عند الرب. "يا رب إلهي، عليك توكلت؛ خلصني من كل الذين يطردونني ونجني" (مز 7: 1). "احمني": الكلمة العبرية تعني "ارفعني". فإن كان العدو الذي سقط من السماء يبذل كل الجهد ليحدر البشرية معه إلى الهاوية، فإن المخلص السماوي يخلص مؤمنيه برفعهم معه كما إلى السماء. يشبه القديس جيروم المؤمن الحقيقي بطائر يطير في الأعالي، فلا تقدر الحية التي تزحف على الأرض أن تثب وتبتلعه. ما يشغل قلب المؤمن ليس أن يخلص من الشباك التي يخفيها العدو في التراب، والمصائد التي على الأرض، وإنما بالأكثر أن يرتفع بروح الله، ليحلق كما في السماء. هكذا تتحول الضيقة إلى فرصة جديدة لانطلاق أعماق الإنسان إلى السماء! "ليستجب لك الرب في يوم الضيق، ليرفعك اسم إله يعقوب" (مز 20: 1). "لأنه تعلق بي أنجيه، أرفعه لأنه عرف اسمي" (مز 91: 14). في وسط الضيق تنطلق النفس لتنال معرفة جديدة باسم الرب، وخبرة جديدة للشركة معه. يترجم البعض النص العبري: "ارفعني في الأعالي". فإن كان الأعداء قد قاموا عليه في تشامخٍ كما من العلو لقتله، وكان في تقديرهم أنه لن يفلت من أيديهم، إذا بالمرتل يطلب ممن هو في الأعالي أن يرفعه كما في برجٍ سماويٍ، ليس من عدو يقدر أن يلحق به، إذ أن الله نفسه هو برجه وملجأه وحصن حياته. نَجِّنِي مِنْ فَاعِلِي الإِثْم،ِ وَمِنْ رِجَالِ الدِمَاءِ خَلِّصْنِي [ع2]. كثيرًا ما نشتكي وأحيانًا نتذمر، لأن الظلم قد حلّ علينا. هنا يعلق المرتل أن هذه المظالم طبيعية، فقد صار الأشرار بطبيعتهم التي أفسدوها متعطشين إلى سفك الدماء، واغتصاب حقوق الآخرين، واتهام الغير ظلمًا. "أهل الدماء يبغضون الكامل. أما المستقيمون فيسألون عن نفسه" (أم 29: 10). "فاعلو الإثم" هم شاول الملك ومشيروه الذين في نوعٍ من المداهنة للملك، قدموا له الخطة لقتل داود. أما "رجال الدماء" فهم الذين يجدون مسرتهم في تعذيب الأبرار والصديقين وسفك دمائهم. يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن أعداء المرتل هنا هم شاول ورجاله، وأيضًا الرئاسات وسلاطين ظلمة الشيطان وجنوده الذين يثيرون الظلام على رجال الله. كما يرى أن الحديث هنا فيه دعوة النبي لابن الله مخلص العالم أن يأتي. ويرى أيضًا أنه حديث السيد المسيح نفسه حيث يطلب من الآب عن جماعة المؤمنين بكونهم جسده. إن كان الله يسمح حتى لإبليس وقواته أن تحاصرنا، وتطلب نفوسنا، إنما لكي نقضي كل حياتنا نصرخ إلى الله، فننعم بالاتحاد معه، والتمتع بالنصرة. ليس من سلاح يسندنا لنوال النصرة مثل الصلاة والصراخ إلى الله. يرى القديس أغسطينوس في هذه العبارة صرخة الكنيسة المضطهدة، وصرخة كل مؤمن تُقدم للآب في السماء خلال المسيح رأس الكنيسة. * حدث هذا الأمر في جسد المسيح، إنه يتحقق أيضًا فينا. فإن أعداءنا، أي الشيطان وملائكته، لا يكفوا عن الثورة علينا كل يوم. وأن يقوموا بالتسلية بضعفنا وعجزنا، بخداعاتهم واقتراحاتهم وتجاربهم، وبالشباك من كل نوع التي ينصبوها لاصطيادنا، مادمنا نعيش على الأرض. لكن صوتنا يُوجه إلى الله ويصرخ في أعضاء المسيح، خلال الرأس الذي في السماء، القائل: "نجني من فاعلي الإثم، يا إلهي، ومن رجال الدماء خلصني". القديس أغسطينوس * بقوله "افدني" (احمني) يلتمس حضور ابن الله، الذي جعل نفسه فدية عن العالم. وأيضًا هذا القول موجه كما من قبل ربنا، إذ يطلب من الله أبيه خلاصًا لجماعة المؤمنين الذين هم جسده من الأعداء المنظورين، ومن الذين يصنعون الإثم، ومن سافكي الدماء الذين يهيمون واثبين على قتله، وقتل رسله من بعده، وقتل من يتبعهم. وأيضًا يطلب خلاصهم وتبريرهم من فعلة الإثم والقتل. لكن طلبته لدى الآب، وتضرعه إليه، ليس عن ضعفٍ ولا عن نقص سلطانه أو سيادته عن سيادة الآب، حاشا! وإنما فقط لكي يعلن عن كمال ناسوته، وليعلمناأن نستغيث بالله عند ورود الشدائد. الأب أنثيموس الأورشليمي * كانوا بالحقيقة رجال دماء، هؤلاء الذين قتلوا البار، ذاك الذي لم يجدوا فيه أي إثمٍ. كانوا رجال دماء، لأنه عندما غسل الغريب (بيلاطس) يديه، وأراد أن يطلق المسيح، صرخوا: أصلبه، أصلبه. كانوا رجال دماء هؤلاء الذين لما أتهموا بجريمة سفك دم المسيح، أجابوا: "دمه علينا، وعلى أولادنا" (مت 27: 25)، مقدمين ذلك لنسلهم كي يشربوه. لكن لم يكف رجال الدماء عن الثورة ضد جسده، فإنه حتى بعد قيامة المسيح وصعوده، عانت الكنيسة من الاضطهادات، وهي بالحقيقة بدأت من الشعب اليهودي الذي منه أيضًا خرج رسلنا. القديس أغسطينوس لأَنَّهُمْ يَكْمُنُونَ لِنَفْسِي. الأَقْوِيَاءُ يَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ، لاَ لإِثْمِي، وَلاَ لِخَطِيَّتِي، يَا رَبُّ [ع3]. عندما يجتمع الأشرار علينا، ويكمنون لنفوسنا، لنذكر ما حدث مع داود النبي، ونقتنِ إثر خطواته. كما نذكر كيف ذكره الرب، وخلصه من أيدي الأقوياء المجتمعين ضده. يجتمع الأشرار معًا في الشر، ويتهللون معًا بالظلم. يحملون عداوة نحو الصِديقين، لا لضرر أصابهم منهم، وإنما لأن حياة الصِديقين تشهد ضد الأشرار! وإن كان داود يعترف بخطيته أمام الله، لكن ما يفعله هؤلاء الأشرار ليس لخطية ارتكبها، ولا لتأديب من قبل الله، إنما لأنهم يجدون لذتهم ومسرتهم في قتل رجال الله الأبرار. من هم الأقوياء الذين يكمنون لنفس البار، ويجتمعون معًا عليه، لا لشرٍ ارتكبه، ولا إثم اقترفه؟ إنهم قوات الظلمة التي لا تقبل النور، فعدو الخير وملائكته يعملون دومًا لتحطيم خائفي الرب، لا لشيء إلاَّ لانتسابهم لله أبيهم، النور الحقيقي والقدوس بلا خطية. هؤلاء الأقوياء أيضًا هم أصحاب السلاطين في كثير من العصور، يستخدمون سلطانهم وإمكانياتهم لمقاومة الصِديقين. هؤلاء الأقوياء هم القيادات التي ثارت على ربنا لصلبه، لعلهم يخلصون منه. هؤلاء الأقوياء هم أيضًا الخطايا التي تنتهز كل فرصة لكي تنحدر بالإنسان إلى الفساد. فقد قيل عن الخطية إنها عار الشعوب، تقيم من الإنسان عبدًا لها عاجزًا عن التصرف حسب إرادته، فيعمل لا ما يريده، بل ما تريده الخطية الساكنة فيه، أما ثمرها فهو الموت، فإن صار لها موضع فيّ، تعيش هي في داخلي وأموت أنا. إنها مخادعة وقتّالة؛ ناموسها يحارب ناموس ذهني، فأسلك كمن هو بغير وعي. وأما مقاومتها، فتحتاج إلى جهاد حتى الدم. أخيرًا فإن من يمارسها هو من إبليس. هذه هي الخطية العنيفة كما يصورها الكتاب المقدس. * إن أردنا أن نعرف من هم الأقوياء، فإن الأول هو الشيطان نفسه، فقد دعاه الرب قويًا، إذ يقول: "لا يستطيع أحد أن يدخل بيت قوي وينهب أمتعته، إن لم يربط القوي أولًا، وحينئذٍ ينهب بيته" (مر 3: 27). إنه يربط القوي بقيود سلطانه، فتُحمل أمتعته خارجًا، ويجعلها أمتعة (المسيح). فإن جميع الأشرار كانوا آنية للشيطان... * بالحقيقة هؤلاء الأقوياء، أي الذين يبدون كأنهم أبرار، على أي أساس يمكنهم أن يضطهدوا المسيح إلا إذ كان يبدو لهم كأنه خاطي؟ على أي الأحوال، لينظروا كيف أنهم أقوياء في عنف الحمى، وليس في حيوية الصحة السليمة. لينظروا كيف أنهم أقوياء كما لو كانوا أبرارًا، يثورون ضد شرير. ولكن "ليس من إثم هو لي، ولا من خطية، يا رب. إني أجري بدون إثم..." لهذا لا يقدر هؤلاء الأقوياء أن يتبعونني راكضين. لهذا يعتقدون أني خاطئ، إذ لا ينظرون خطواتي. القديس أغسطينوس * "الأعزاء" (الأقوياء) هنا هم شاول وأنطيوخس (أبيفانس) وغيرهما من الملوك. وأيضًا هم رؤساء اليهود وأحباؤهم الذين بشدة عزمٍ كانوا يصطادون ربنا ليقتلوه، وأيضًا الخطية التي تصيد بلذتها نفس الإنسان لتقتلها، والصيد تقوم به الأبالسة. الأب أنثيموس الأورشليمي بِلاَ إِثْمٍ مِنِّي يَجْرُون، وَيُعِدُّونَ أَنْفُسَهُمُ. اسْتَيْقِظْ إِلَى لِقَائِي، وأنْظُرْ [ع4]. يعاني أحيانًا الصِديق من ضيقة نفسه بسبب تجمهر الأشرار عليه، وإصرارهم على أن يكمنوا لنفسه، وكأنهم أقوياء يلهون بفريسة ضعيفة عاجزة عن الدفاع عن نفسها. هنا يبدو له كأن الأشرار الأقوياء لا ينامون الليل لتحقيق مكائدهم، بينما يبدو كأن الله نائم لا ينظر إلى المسكين المظلوم. لذا يصرخ المرتل: "استيقظ إلى لقائي واُنظر!" إنهم يركضون (يجرون) كمحاربين مسلحين، يندفعون في المعركة (مز 18: 29). يعدون أنفسهم، فلا يتحركون اعتباطًا، إنما وُضعت خطة، وأعدوا أنفسهم لتنفيذها بكل دقة، كقوات تقتحم مدينة (أي 30: 14). إنهم لم يتركوا حجرًا لم يقلبوه رأسًا على عقب لدماري تمامًا. يدعو المرتل الله أن يستيقظ ليلتقي معه، ويمده بعونه، فالأمر يمس حياة المرتل، أي في غاية الخطورة. شعر المرتل كأن الله نائم من جهة سلامه (مز 44: 13)، لا يشعر بعنف الأشرار ضد داود، والخطر الذي يحدق بمؤمنيه. ربما يتساءل أحد كيف يطلب داود المرتل من الله أن يلتقي به لينظر أنه يسلك بلا إثم، ويجري بلا خطية. هل يحتاج الله إلى اللقاء معه لينظر ما في داود؟ يفسر لنا القديس أغسطينوس هذا بأنه عندما ينظر إليه ليرى، إنما يُقصد به أنه يُعلن لنا ما يراه هو. * هذا يشبه تمامًا لو كنت سائرًا في طريقٍ، ويوجد من بعيد شخص لم تستطع أن تتعرف عليه، فإنك تدعوه، قائلًا له: قابلني، وانظر كيف أنا سائر، فإنك إذ تلمحني من بعيد لا تقدر أن ترى خطواتي. هل هكذا بالنسبة لله إن لم يقابل الشخص لا يراه ولا يدرك أنه يسير بلا إثم ويجري بلا خطية؟ يمكننا أن نقبل التفسير التالي، وهو: "قم وقابلني:، بمعنى "لتعينني". أما عن الإضافة: "وأنظر"، فيلزم أن تُفهم هكذا: "أنظر إنني أجري؛ لأكون موضع رؤية بأنني أسلك بإرشاد. بحسب هذا التفسير أيضًا قيل لإبراهيم: الآن علمت أنك خائف الله" (تك 20: 6). يقول الله: "الآن علمت"، ماذا تعني سوى: "إنني أجعلك تعلم"؟ القديس أغسطينوس * الذي يجري بسرعة لا يظهر كمن يلمس الأرض، بل يبدو كما لو كانت له أجنحة. (يقول أيوب) "حياتي أسرع من عدَّاء" (أي 9: 25) إني أتطلع إلى فوق! "لست أركض عن غير هدفٍ" (راجع 1 كو 9: 26). إنني لا ألمس الأرض". إذ يريد الأبرار أن يبلغوا الخط النهائي، يستمرون في الجري، حتى وإن ركضوا وسط عوائق. كمثال عندما تحل بهم ضيقة يستمرون في الركض. حتى داود ركض، إذ قال: "ركضت بدون إثم، مستمر في الركض باستقامة إلى الأمام" (راجع مز 59: 4)[182]. القديس ديديموس الضرير وَأَنْتَ يَا رَبُّ إِلَهَ الْجُنُود،ِ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ، انْتَبِهْ، لِتُطَالِبَ كُلَّ الأُمَمِ. كُلَّ غَادِرٍ أَثِيمٍ لاَ تَرْحَمْ. سِلاَهْ [ع5]. إن كان الأشرار قد ظنوا أنهم أقوياء، وفي ضعف يحسبهم الصِديق هكذا، لكنه إذ يتطلع إلى إلهه يدرك أنه ليس من خليقة تقدر أن تقف أمامه. هو رب القوات، وفي نفس الوقت "إله إسرائيل"، أي الإله المحب لشعبه ومؤمنيه؛ كليّ القدرة وكليّ الحب، يحمي أولاده من كل الأمم الشريرة! "إله الجنود" أو "رب القوات": يُستخدم مثل هذين التعبيرين حينما يشعر المؤمن (أو الشعب) أنه مُحاط بجيوش، وصار في خطرٍ، فيطلب الله رب الجيوش السماوية التي لا تقدر جيوش العالم أن تقف أمامها. "إله إسرائيل"، أو إله الشعب العبراني، سلالة يعقوب أو إسرائيل، الإله المدافع عن شعبك، قم وخلصني، فإنني أحد أعضاء شعبك الذي دخلت أنت معه في عهدٍ، وقدمت له وعود خاصة بحمايته. يطلب منه أن يطالب كل الأمم أو يفتقدهم بالعقوبة أو التأديب. ولعله حسب مقاوميه الأشرار، المملوءين عنفًا وعدم أمانة أشبه بالأمم الوثنية. هذا الاصطلاح كثيرًا ما استخدمه داود النبي. ليس من أمر مخفي عنه، لكنه طويل الأناة، يطالب كل الأمم، إذ هو ديان الأرض كلها. إذ يُحاكم البشرية، يسقط الأشرار تحت عدم الرحمة، لأنهم لم يمارسوها ولا عرفوها. فمن لا يرحم أخاه لا يتمتع بالرحمة الإلهية. يرى بعض الآباء أن العبارة هنا لا تعني الانتقام من الأمم، بل دعوة الأمم لقبول الإيمان الذي رفضه إسرائيل أو اليهود في أيام السيد المسيح. كثيرًا ما يتحدث داود النبي عن كثرة الأعداء المقاومين له (مز 27: 3؛ 118: 10-12). وها هو هنا يضع الله أمام عينيه كديان لكل الأمم الوثنية، معلنًا أنه لن يعود يضطرب، لا لكثرة العدد، ولا لقدرتهم، مادام الله يتدخل في الأمر. * إنه لقول صادق، لم يُقل بلا هدف، ولا يمكن تجاهله بأية وسيلة: "كل غادرٍ أثيم لا ترحم". لكنه رحم بولس، الذي كان قبلًا يعمل إثمًا كشاول. فإنه أي عمل صالح فعله حتى يصير متأهلًا للرحمة...؟ ألم يكره قديسيه حتى الموت؟ ألم يحمل رسائل من رئيس الكهنة بقصد أن يعاقب كل من يجدهم من المسيحيين، مسرعًا بهم إلى العقوبة؟ إذ انكب على هذا ألم يكون قاتلًا ينفث مهددًا، كما يشهد عنه الكتاب المقدس؟ ألم يصدر من السماء صوت قديم يستدعيه، ويطرحه أرضًا، ويقيمه؛ يعميه ويهبه استنارة، يقتله ويحييه، يحطمه ويصلحه؟ في مقابل أي استحقاق حدث هذا؟ لا نقل شيئًا سوى ما نسمعه. إنه يقول: "أنا الذي كنت قبلًا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا، لكنني رُحمت" (1 تي 1: 13). بالتأكيد: "كل غادر أثيم لا ترحم" يمكن تفسيرها بطريقتين، إما أنه بالحقيقة لا توجد خطية بدون عقاب (مادام الإنسان لم يتب عنها)، أو أنه يوجد نوع من الإثم لا يرحم الله فاعله (وهو الإثم المتعمد مع معرفة ذلك دون التوبة). القديس أغسطينوس يَعُودُونَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، يَهِرُّونَ مِثْلَ الْكَلْب،ِ وَيَدُورُونَ فِي الْمَدِينَةِ [ع6]. إن كان الله مخلصه هو رب الجنود، كليّ الحب، وديان الأرض كلها، فكيف يُمكن للأشرار أن يقفوا أمامه. إنهم يشبهون الكلاب التي تجول ليلًا في وسط القرى، وتجتمع أحيانًا لتفتعل معارك فيما بينها. يشبه داود النبي أعداءه الذين كانوا يدبرون تنفيذ قتله بالكلاب السعرانة النجسة (مز 22: 16-20). تجول في المساء في الشوارع، تأكل الفضلات الدنسة، كما تبحث عن فريسة تقفز عليها وتقتلها. ربما كان هؤلاء الأعداء يخرجون بالليل من يومٍ إلى يومٍ يتجسسون تحركات داود الليلية حتى يضعوا الخطة محكمة. كثيرًا ما يشبه الكتاب المقدس الأشرار بالكلاب (مز 22: 16، 20؛ مت 7: 6؛ في 3: 2؛ رؤ 22: 15)، لأنها تنبح وتبدو كما في موقف القوة والهجوم، لكنها تخاف متى هاجمها أحد بغير خوف. هذا وكانت الكلاب من الحيوانات النجسة (1 مل 14: 11) عند اليهود. وأيضًا يشبههم الكتاب المقدس بالخنزير، والحمار، والحمامة الحمقاء. بينما ينام الأبرار في الليل في سلام عميق، إذا بالأشرار يجتمعون معًا بالليل للتخطيط بالشر على الإنسان البار. "يهرون مثل الكلب"، إذ يحدثون أصوات كلاب مزعجة في معارك طول الليل، الأمر الشائع إلى الآن في بعض قرى مصر. فالأعداء كانوا يختفون في النهار، ويخرجون بالليل، ويلتقون معًا لعمل تداريب فيما بينهم كيف يصطادون داود ويقتلونه. * معنى المساء هو نهاية النهار، ويدل على حلول ربنا بالجسد في نهاية الزمان. إذ يقول النبي بأن اليهود يجوعون لعدم قبولهم الخبز الإلهي النازل من السماء، ويصيرون وقحين مثل الكلاب. وقد جاء عنهم في إشعياء أنهم جميعًا ذئاب عميان وجهلاء مثل كلابٍ بُكم لا تقدر أن تنبح (إش 56: 10)... وقد دعاهم كلابًا، لأن عند تسليم ربنا كانوا يصرخون عليه بسفاهة، ولا يعرفون ماذا يقولون. لهذا حرمهم الله من جميع المواهب التي كانت لهم، وصاروا يطوفون جياعًا من خيرات الله مثل الكلاب، وأما مدينتهم التي دنسوها بقتلهم (البار)، فطُردوا منها، وعادوا يدورون حولها، ولا يُسمح لهم بالسكنى فيها كما كانوا سابقًا. الأب أنثيموس الأورشليمي * لنطلب الشهادات الخاصة بآلام المسيح... لقد تقبلت مني الشهادات الخاصة بمجيئه وبسيره على البحر، إذ كتب:"في البحر طريقك" (مز 77: 19). لنبدأ الآن بالألم. كان يهوذا خائنًا، ووقف ضد المسيح. فمع أنه كان يحدثه بكلمات السلام، كان يدبر حربًا. لهذا يقول المرتل: "أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي" (مز 38: 11). وأيضًا: "ألْيَن من الزيت كلماته، وهي سيوف مسلولة" (مز 55:21). قال: "السلام، يا سيدي" (مت 26: 49) وهو يخون سيده إلى الموت. إذ لم يرتدع من تحذير سيده، القائل: "يهوذا، أبقبلة تُسلم ابن الإنسان؟!" (لو 22: 48). إن ما قاله الرب له هو تأويل اسم "يهوذا" الذي يعني "اعتراف". لقد تآمرتَ، وقبضتَ الثمن، اعترف بسرعة. "يا إله تسبيحي، لا تسكت. لأنه قد انفتح عليّ فم شرير، وفم الغش. تكلموا معي بلسان كذب. بكلام بُغض أحاطوا بي، وقاتلوني بلا سبب" (مز 109: 1-3). كان بعض <SPAN lang=ar-sa> |
|