رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
خلقها الله كرمة مقدسة له، لكنها اختارت لنفسها أن ترفضه، فصارت "سروغ جفنة غريبة"، لذا لا يدعوها "كرمتي" بل مجرد "كرمة"،هي رفضت انتسابه إليها كإله، وهو يرفض انتسابها إليه حتى تعود إليه مقدسة فيه. يقول القديس أغسطينوس: [إنه لم يقل كرمتي، فلو كانت كرمته لكانت صالحة، أما كونها رديئة فهي ليست له لذا فهي غريبة]. في العهد القديم "غرسه كرم سورق (كرمًا مختارًا)" (إش 5: 2)،أي غرس كرمًا من أفضل أنواع الكروم، كشعبٍ مختارٍ نال عهدًا مع الله، لكي يحمل "الحق" فيه، كقول الرب: "وأنا قد غرستك كرمة سورق زرع حق كلها، فكيف تحولت إلى سروغ جفنة غريبة؟!" [12]. أما بالنسبة لكنيسة العهد الجديد فقد جاء "الحق" نفسه، كلمة الله المتجسد ليقدم نفسه كرمة يحملنا فيه أغصانًا حية تأتي بثمر كثير (يو 15: 5). * عندما يقول: "أنا هو الكرمة الحقيقية" (يو 15: 1) يميز نفسه دون شك عن تلك التي وجه إليها الكلمات: كيف تحولتِ لي سروغ جفنة؟" [21]، إذ كيف يمكن لكرمة حقيقية يُنتظر أن تصنع عنبًا فصنعت شوكًا؟! * انتظرت أن تصنع ثمرًا فوجدت خطية. القديس أغسطينوس * اشتقت أن تعطى (الكرمة) خمرًا فأخرجت شوكًا. ها أنتم ترون الإكليل الذي أتزين به! القديس كيرلس الأورشليمي لم يقف الأمر عند إفساد نفسها بنفسها باعتزالها إلهها وعدم انتسابه إليها وانتسابها إليه، إنما حتى عندما أرادت إصلاح نفسها اتكأت على ذراعها البشري عوض الرجوع إليه كمخلصٍ لها. كأنها حتى في ندامتها يزداد انشقاقها عن الله الحقيقي لأنها عوض الاعتراف بخطاياها حاولت تبرير نفسها. لذا يقول لها: "فإنكِ وإن اغتسلتِ بنطرون وأكثرتِ لنفسكِ الأشنان فقد نُقش إثمكِ أمامي يقول السيد الرب" [22].إذ تكون النفوس عنيدة للغاية يهدد الله بالعقوبة دون أن يفتح بابًا للرجاء، ليس لكي يسقطوا في اليأس، وإنما لكي لا يحوِّلوا هذا الرجاء إلى استهانة واستخفاف. فعندما أرسل يونان النبي إلى أهل نينوى بدا في الحديث كأن لا رجاء لهم في الخلاص من العقوبة، لكنهم إذ تابوا غفر لهم ودافع عنهم أمام نبيه. * عندما يقول للمدينة: "فإنكِ وإن اغتسلتِ بنطرون وأكثرتِ لنفسكِ الإشنان فقد ُنقش إثمك أمامي" [22]، لم يقل هذا لكي ليلقى بهم في اليأس، وإنما ليثيرهم للتوبة. القديس يوحنا الذهبي الفم ظنت أنها قادرة بذاتها أن ُتغسل بالنطرون أو بالإشنان (صابون أو منظف)... ولم تدرك أن هذا من عمل الخالق نفسه، هو وحده الذي يغسل النفس ويقدس الجسد!وكما يقول العلامة أوريجينوس: [فلننظر بعد ذلك إلى العبارة: "فإنكِ وإن اغتسلتِ بنطرون وأكثرتِ لنفسكِ الإشنان فقد ُنقش إثمك أمامي يقول السيد الرب". هل معني هذا أن النفس الخاطئة تظن أنه باغتسالها بالنطرون المادي تضع نهاية لإثمها وخطيتها؟! هل يظن أحد أنه باغتساله بذلك العشب (الإشنان) الذي ينبت من الأرض يطهر نفسه، حتى تقول كلمة الله للكرمة المتحولة إلى المرارة والتي أصبحت غريبة: "فإنكِ وإن اغتسلتِ بنطرون وأكثرتِ لنفسك الإشنان فقد نقش إثمكِ أمامي يقول السيد الرب"؟ لا، ولكن يجب علينا أن نعرف أن كلمة الله ُكليّ القدرة، قادر على شفاء الكل "لأن كلمة الله حيّ وفعال وأمضى من كل سيف ذي حدين" (عب 4: 12). توجد إذًا كلمة عبارة عن نطرون، وأخرى عبارة عن عشب، كلمة بمجرد نطقها تتطهر الخطايا التي من نوع معين. ولكن كما أن كلمات النطرون والعشب لا تصلح علاجًا لكل الخطايا، إذ توجد خطايا تتطلب علاجًا آخر خلاف العشب والنطرون، قيل للنفس التي ظنت أن خطاياها يمكن أن تُغسل بالنطرون والعشب: "فإنكِ وإن اغتسلتِ... يقول السيد الرب". انظروا إلى الجروح: توجد جروح تُعالج بالمراهم والدهون، وأخرى تُعالج بالزيت، وأخرى بعصابة وأربطة. هذه الأنواع من العلاج تكفي لشفائها، ولكن هناك جروح أخرى قيل عنها: "ليس فيه صحة بل جرح واحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت. بِلادكم خربة. مُدنكم مُحرقة بالنار" (إش 1: 6-7). نفس الشيء بالنسبة للخطايا: بعضها يؤدي إلى اتساخ النفس هذه تحتاج إلى كلمة نطرون أو كلمة عشب لتنظيفها، وبعضها لا يمكن علاجه بهذه الطريقة لأنها تُعاني أكثر بكثير من مجرد الاتساخ. أنظر كيف أن الرب الذي يعرف أن يفرق بين الخطايا، يعلن في إشعياء قائلًا: "غسل السيد قذر بنات صهيون، ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق" (إش 4: 4). قذر ودم؛ القذر "بروح القضاء" والدم "بروح الإحراق". فإذا ارتكبت خطية، حتى ولو لم تكن "خطية للموت" (يو 5: 16)، فقد اتَّسَخْتْ: وسوف "يغسل السيد قذر بنات صهيون وينقي دم أورشليم من وسطها". وما نحتاجه نحن حينما نخطئ خطية أخطر ليس هو النطرون أو العشب وإنما نحتاج إلى "روح الإحراق". لعلّى الآن قد عرفت ما هو سبب أن السيد المسيح يُعمِّد "بالروح القدس والنار" (لو 3: 16).ليس أنه يعمد إنسانًا واحد بالروح القدس والنار، وإنما هو يعمد الإنسان البار بالروح القدس، أما الإنسان الآخر الذي بعدما يؤمن وبعدما يكون مستحقًا للروح القدس، يخطئ من جديد، فإن الرب يغسله بالنار. طوبى لمن اعتمد بالروح القدس ولا يحتاج أن ُيعَمَّد بالنار، ومسكين جدًا من يكون محتاجًا أن يعمد بالنار. ومع ذلك فإن يسوع المسيح يستطيع أن يعمد في الحالتين. مكتوب: "يخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله" (إش 11: 1). القضيب للمُعَاقَبِين والغصن للصالحين. كذلك فإن الله "نار آكلة" (عب 12: 29)؛و"الله نور" (1 يو 1: 5) نار آكلة للخطاة، ونور للأبرار والقديسين]. |
|